الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وجزم بالأول صاحب «عمدة القاري» ، ويؤيِّده ما في بعض النسخ من قوله:(قال: أبو عبد الله)، وقد وصله الإسماعيلي، والنسائي، وغيرهما بهذا الإسناد؛ فليحفظ.
(أخبرني) بالإفراد (أبو النَّضْر)؛ بفتح النُّون وسكون المعجمة، سالم:(أن أبا سلَمة)؛ بفتح اللام: عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف (أخبره: أن سعْدًا)؛ بسكون العين المهملة؛ أي: ابن أبي وقاص رضي الله عنه، وجملة:(حدثه)؛ أي: حدث أبا سلمة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين)؛ خبر (أن)، وقد سقطت من نسخة صاحب «عمدة القاري» ، فلذا قال:(خبر «أن» محذوف؛ تقديره: أن سعدًا حدث أبا سلمة أن رسول الله عليه السلام مسح على الخفين)، ومثله قال الكرماني، ووقع في نسخة ابن حجر حذف ما بعد (حدثه)، فلذا قال:(والمُحَدَّثُ به محذوف تبيَّن من الرواية الموصولة أن لفظ: «أن رسول الله عليه السلام مسح على الخفين»؛ فاعرفه)، وقد جرى عليه القسطلاني.
(فقال عمر)؛ أي: ابن الخطاب رضي الله عنه، عطف على (حدثه) الموجود أو المقدر على اختلاف النسخ (لعبد الله)؛ أي: ولده (نحوَه)؛ بالنصب مقول القول؛ أي: نحو ما تقدم في الرواية السابقة من قوله: (إذا حدثك سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلا تسأل عنه غيره)، فقول عمر في هذه الرواية المعلقة بمعنى الموصولة السابقة لا بلفظها، ورواه الإسماعيلي بلفظ:(وقال عمر لابنه وكان يلومه: إذا حدث سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلا تبغ وراء حديثه شيئًا)، وقال الإسماعيلي:(ورواية عروة وأبي سلمة عن ابن عمر في المسح صحيح)، قال:(وسألت البخاري عن حديث ابن عمر في المسح مرفوعًا، فلم يعرفه)، وتمامه في «عمدة القاري» ، والله تعالى أعلم.
[حديث المغيرة في المسح على الخفين]
203 -
وبه قال: (حدثنا عَمرو) بفتح العين المهملة (بن خالد) : بن فَرُّوخ؛ بفتح الفاء، وضم الراء المشددة، آخره خاء معجمة: أبو الحسن (الحَرَّاني)؛ بفتح الحاء المهملة، وتشديد الرَّاء، وبعد الألف نون، نسبة إلى حران، قال الكرماني:(موضع بالجزيرة بين العراق والشام)، ورده في «عمدة القاري» :(بأنه ليس كما قال، بل هي مدينة قديمة بين دجلة والفرات، كانت تعدل ديار مصر، واليوم خراب، وقيل: هي مولد إبراهيم عليه السلام، ويوسف وإخوته عليهم السلام، وقال ابن الكلبي: (لما خرج نوح عليه السلام من السفينة؛ بناها، وقيل: إنَّما بناها هاران خال يعقوب عليه السلام، فأبدلت العرب الهاء حاء، فقالوا: حران) انتهى وفي ديارنا الشريفة الشامية قرية بأرض المرج تسمى حران، وبها قبر سيدنا حيا الحراني، وفي مسجده بئر عظيم ماؤه يشابه ماء زمزم في حلاوته وعذوبته، وبالقرية أعمدة سود كبار، ليس عليها بناء، وتنسب القرية إليها، فيقال: حران العواميد، والله تعالى أعلم، (قال: حدثنا الليث)؛ بالمثلثة؛ أي: ابن سعْد؛ بسكون العين المهملة، من أتباع الإمام الأعظم رضي الله عنه، (عن يحيى بن سعِيْد)؛ بكسر العين بعدها تحتية ساكنة، الأنصاري، (عن سعْد) بسكون العين (بن إبراهيم)؛ أي: ابن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم، (عن نافع بن جُبير)؛ بضم الجيم مصغرًا؛ أي: ابن مطعم، (عن عُروة) بضم العين (بن المُغيرة)؛ بضم الميم؛ أي: ابن شعبة رضي الله عنه، (عن أبيه المغيرة بن شُعْبة)؛ بضم الشين المعجمة وسكون العين، الصحابي الجليل رضي الله عنهما، (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج لحاجته)؛ أي: لقضائها، وذلك في غزوة تبوك -بلا تردد- عند صلاة الفجر، كما في «الموطأ» ، و «مسند أحمد» ، و «سنن أبي داود» من طريق عباد بن زياد، عن عروة بن المغيرة، لكن في (المغازي) :«أنه كان في غزوة تبوك» على تردُّد من بعض رواته، أفاده في «عمدة القاري» ، (فاتَّبعه المغيرة) من الاتِّباع -بتشديد الفوقية- من باب (الافتعال)، وفي رواية:(فأتبعه) من الإتباع -بتخفيف المثناة الفوقية- من باب (الإفعال)(بإداوة)؛ بكسر الهمزة، وقد تفتح؛ أي: بمطهرة (فيها ماء) للوضوء، وعند المؤلف من طريق مسروق عن المغيرة في (الجهاد) وغيره:(أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمره أن يتبعه بالإداوة)، وزاد:(حتى توارى عني فقضى حاجته ثم أقبل فتوضأ)، وعند أحمد من طريق أخرى عن المغيرة: أن الماء الذي توضأ به أخذه المغيرة من أعرابية صبته له من قربة كانت جلد ميتة، وأن النبي عليه السلام قال:«سلها إن كانت دبغتها؛ فهو طهور» ، وأنها قالت: والله دبغتها، كذا في «عمدة القاري» .
(فصبَّ)؛ بالصَّاد المهملة؛ أي: المغيرة (عليه) عليه السلام (حين فرغ)؛ أي: وقت فراغه (من حاجته)، لكن بعد عوده منها، فكأنه عليه السلام قد استنجى بالأحجار، (فتوضأ)، فغسل وجهه ويديه، كما في رواية باب (الرجل يوضئ صاحبه)، وزاد في (الجهاد) المؤلف:(وعليه جُبَّةُ شامية)، وفي رواية «أبي داود» :(من صوف من جباب الروم)، وللمؤلف في (الجهاد) أيضًا:(أنه تمضمض واستنشق وغسل وجهه -زاد أحمد في «مسنده» : ثلاث مرات-، فذهب يخرج يديه من كميه، فكانا ضيقين، فأخرجهما من تحت الجبة)، ولمسلم من وجه آخر:(وألقى الجبة على منكبيه)، ولأحمد:(فغسل يده اليمنى ثلاث مرات، ويده اليسرى ثلاث مرات)، وفي رواية أخرى للمؤلف:(ومسح برأسه)، وفي رواية مسلم:(ومسح بناصيته، وعلى العمامة، وعلى الخفين)، وبما تقدر ظهر أن المراد بقوله:(فتوضأ)؛ أي: بالكيفية المذكورة لا أنه غسل رجليه ومسح خفيه، كما توهمه الكرماني، فاخترع
(1)
سؤالًا وجوابًا، وذهل عن هذه الروايات، كما نبه عليه في «عمدة القاري» .
(ومسح على الخفين)؛ أي: بدلًا عن غسل الرجلين؛ للإجماع على عدم وجوب الجمع بين الغسل والمسح، بل على عدم جوازه، ويفهم من قوله:(على الخفين) عدم جواز المسح على أسفلهما، وعقبهما، وساقهما، وجوانبها، وهو كذلك عن الجمهور؛ لحديث علي رضي الله عنه:(لو كان الدين بالرأي؛ لكان أسفل الخف أولى بالمسح عليه من ظاهره، وقد رأيت رسول الله عليه السلام يمسح على الخفين على ظاهرهما)، رواه أبو داود، وأحمد، والترمذي وقال:(حديث حسن صحيح).
والسنة عند الشافعي ومالك: مسح أعلى الخف وأسفله؛ لما روي: (أنه عليه السلام مسح أعلى الخف وأسفله)، وقد ضعَّفه أهل الحديث، وقال الحفَّاظ: (إنه شاذ لا يُعْتَدُّ به، ولا يعارض الصحيح، وإن صحَّ؛ يُحْمَلُ على الاستحباب.
والسنة في مسحهما أن يضع أصابع يده اليمنى على مقدَّم خفِّه الأيمن، وأصابع يده اليسرى على مقدَّم خفِّه الأيسر من قبل الأصابع، فإذا تمكَّنت الأصابع؛ يمدَّها حتى ينتهي إلى أصل الساق فوق الكعبين؛ لأنَّ الكعبين يلحقهما فرض الغسل ويلحقهما سنة المسح، وإن وضع الكفين مع الأصابع؛ كان أحسن، هكذا روي عن الإمام محمد، كما في «البحر» عن «شرح الجامع» لقاضيخان.
قال في «منهل الطلاب» : والتيامن فيه مسنون؛ لأنَّه عليه السلام كان يحبُّ التيامن في شأنه كله حتى في تنعله وترجله، ولا يخفى أن مسح الخفين طهارة ووسيلة للعبادة، فيسَنُّ فيه التيامن؛ لأنَّه لا يكون أحط رتبة من التنعُّل والترجُّل، بل المسح أشرف منهما، ولا يستحبُّ استيعاب الخفين بالمسح على المعتمد، كما في عامَّة المعتبرات، وقال بعض المشايخ: يستحب الجمع بين الظاهر والباطن، وهو ضعيف، وإن مشى عليه في «الدر» تبعًا «للنهر» ، كما أوضحه في «منهل الطلاب» ، ولا يسنُّ تكراره كمسح الرأس، كما في «البحر» ، و «النهر» ، و «الخلاصة» ، لكن يسن إظهار الخطوط، كما في «البحر» وغيره.
وفي الحديث: جواز الاستعانة بغيره.
وفيه: جواز الانتفاع بجلود الميتات إذا كانت مدبوغات.
وفيه: جواز الانتفاع بثياب الكفار حتى تتحقق نجاستها؛ لأنَّه عليه السلام لبس الجبة الرومية، واستدل به القرطبي على أن الصوف لا يتنجَّس بالموت؛ لأنَّ الجبة كانت شامية، وكان الشام إذ ذاك دار كفر، ومأكول أهلها الميتات.
وفيه: الردُّ على من زعم أن المسح على الخفين منسوخ بآية الوضوء التي في (المائدة)؛ لأنَّها نزلت في غزوة المريسع، وكانت هذه القضية في غزوة تبوك، وهي بعدها بلا خلاف.
وفيه: التشمير في السفر، ولبس الثياب الضيِّقة فيه؛ لكونها أعون على ذلك.
وفيه: قبول خبر الواحد في الأحكام ولو كانت امرأة سوداء كان ذلك فيما تعم به البلوى أم لا؛ لأنَّه عليه السلام قبل خبر الأعرابية.
وفيه: استحباب التواري عن أعين الناس عند قضاء الحاجة والإبعاد عنهم.
وفيه: جواز خدمة السادات بغير إذنهم.
وفيه: استحباب الدوام على الطهارة؛ لأنَّه عليه السلام أمر المغيرة أن يتَّبعه بالماء؛ لأجل الوضوء.
وفيه: أن الاقتصار على غسل معظم المفروض غسله لا يجوز؛ لإخراجه عليه السلام يده من تحت الجبة ولم يَكْتَفِ بما بقي، كذا قرَّره في «عمدة القاري» ؛ فليحفظ.
[حديث عمرو بن أمية: أنه رأى النبي يمسح على الخفين]
204 -
وبه قال: (حدثنا أبو نُعيم)؛ بضم النُّون: الفضل بن دكين (قال: حدثنا شَيبان)؛ بفتح المعجمة: ابن عبد الرحمن النحوي، (عن يحيى)؛ أي: ابن أبي كثير؛ بالمثلثة، التابعي الصغير، (عن أبي سلَمة)؛ بفتح اللام: عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، (عن جعفر بن عَمرو) بفتح العين المهملة (بن أمية الضَّمري)؛ بالضَّاد المعجمة المفتوحة: أخو عبد الملك بن مروان من الرضاعة، من التابعين، المتوفى سنة خمس وتسعين:(أن أباه)؛ أي: عمرو المذكور، شهد بدرًا وأحدًا مع المشركين، وأسلم حين انصراف المشركين عن أحد،
(1)
في الأصل: (فاخترق)، ولعل المثبت هو الصواب.
وكان من رجال العرب نجدة وجرأة، بعثه النبي الأعظم عليه السلام إلى النجاشي بكتاب يدعوه إلى الإسلام، فأسلم على يديه، المتوفى بالمدينة سنة ستين (أخبره: أنه رأى النبي) الأعظم، وفي رواية:(رسول الله) صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين) في الوضوء، فلا يجوز المسح عليهما في الغسل للجنابة، والحيض، والنفاس، كما أوضحه في «منهل الطلاب» مع كلام فيه؛ فافهم.
وفرض المسح: مقدار ثلاثة أصابع طولًا وعرضًا، كما في «الدر» و «شرح المنية»؛ يعني: فرضه قدر طول الثلاث أصابع وعرضها، قال في «البحر» :(ولو مسح بثلاث أصابع منصوبة غير موضوعة ولا ممدودة؛ لا يجوز بلا خلاف بين أئمتنا)، كذا في «البدائع» ، إلا إذا كان الماء متقاطرًا بحيث يبتل من الخف قدر الفرض؛ فيجوز، كذا في «المحيط» و «الذخيرة» ، وأشار بذكر المقدار إلى أن الأصابع غير شرط، وإنما الشرط قدرها، كما في «الشرنبلالية» ، لكن المسنون هو المسح بالأصابع، فإذا مسح بغيرها كخرقة، أو إصابة ماء، أو مطر قدر الفرض؛ أجزأه عن المسح، ولم يحصِّل السنة، كذا في «الإمداد» ، وأفاد أن الفرض هو ذلك المقدار من كل رِجل على حدة حتى لو مسح على إحدى رجليه مقدار إصبعين، وعلى الأخرى مقدار خمسة أصابع؛ لم يجز، كما في «النهر» .
ولا يفتقر مسح الخف إلى النية، كما في «فتح القدير» ، فلو توضأ ومسح الخف ونوى به التعليم دون الطهارة؛ يصح، كذا في «الخلاصة» ، وتمامه في «منهل الطلاب» .
والمراد بالأصابع: أصابع اليد، كما قاله الإمام أبو بكر الرازي، كما في «الخلاصة» و «شرح المنية» ، وفي «الاختيار» :(أنه قول الإمام محمد)، وقال الإمام الكرخي:(ثلاث أصابع من أصابع الرجل)، والأول: هو الأصح، كما في «النهر» عن «البدائع» ، ومشى عليه في عامة المعتبرات، وقيدها الإمام قاضيخان بكونها من أصغر أصابع اليد، وتبعه في «الدر المختار» ، و «إمداد الفتاح» ، وقال الإمام زفر: لو مسح بإصبع أو إصبعين؛ يجوز، وهو إحدى الروايتين عن الإمام الأعظم، والأول الأصح، كما في «البحر» ، وهو المختار، كما في «المجتبى» .
(قال: أبو عبد الله) أي: المؤلف: (تابعه)، وفي رواية:(وتابعه)؛ بالواو؛ أي: تابع شيبانَ بن عبد الرحمن المذكور، (حربٌ)؛ أي: ابن شداد -بالحاء المهملة-، منقول عن ضد الصلح، و (حربٌ)؛ بالرفع فاعل (تابعه)، والضمير المنصوب فيه يرجع إلى (شيبان)، وقد وصله النسائي، عن عباس العنبري، عن عبد الرحمن، عن حرب، عن يحيى، عن أبي سلمة، وتوفي حرب سنة إحدى وستين ومئة، وكان بصريًّا حافظًا ثقة، و (أَبَان) عطف على (حرب)، وهو أبان بن يزيد العطار البصري، المتوفى في حدود المئة والستين، وهو بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة، بالصرف وعدمه، فمن صرفه؛ جعل الهمزة أصلية والألف زائدة، فوزنه (فعال)، ومن منعه؛ عكس، فقال: الهمزة زائدة والألف بدل من الياء؛ لأنَّ أصله (بيَّن) ووزنه (أفعل)، وقد وصله الطبراني في «معجمه الكبير» عن محمد بن يحيى بن المنذر القزاز، عن موسى بن إسماعيل، عن أبان بن يزيد، (عن يحيى)؛ أي: ابن أبي كثير إلى آخر السند السابق.
[حديث عمرو بن أمية: أنه رأى النبي يمسح على عمامته وخفيه]
205 -
وبالسند قال: (حدثنا عَبْدان)؛ بفتح العين المهملة وسكون الموحدة، لقب عبد الله بن عثمان العتكي الحافظ (قال: أخبرنا عبد الله)؛ أي: ابن المبارك المروزي (قال: أخبرنا الأوزاعي) : عبد الرحمن الإمام، (عن يحيى)؛ أي: ابن أبي كثير، وعند أحمد:(عن أبي المغيرة عن الأوزاعي: حدثنا يحيى)، (عن أبي سلَمة)؛ بفتح اللام، ابن عبد الرحمن بن عوف، (عن جعْفر) بسكون العين (بن عَمرو) بفتح العين (بن أُمية)؛ بضم الهمزة، قال في «عمدة القاري» :(وأسقط بعض الرواة عن الأوزاعي جعفرًا من الإسناد، وهو خطأ، قاله أبو حاتم الرازي) انتهى (عن أبيه)؛ أي: عمرو بن أمية الصحابي السابق (قال: رأيت النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم يمسح على عِمامته)؛ بكسر العين؛ أي: بعد مسح الناصية أو بعضها، كما في رواية مسلم، أو على عمامته فقط مقتصرًا عليها؛ كما هو ظاهر الحديث، وهو مذهب أحمد ابن حنبل بشروط عنده ستأتي، وقال الأصيلي:(ذكر العمامة في هذا الحديث من خطأ الأوزاعي؛ لأنَّ شيبان رواه عن يحيى ولم يذكرها، وتابعه حرب وأبان، والثلاثة خالفوا الأوزاعي، فوجب تغليب الجماعة على الواحد)، وأجاب في «عمدة القاري» : بأنه على تقدير تفرد الأوزاعي بذكر العمامة؛ لا يستلزم ذلك تخطئته؛ لأنَّه زيادة من ثقة غير منافية لرواية غيره فتُقْبَل، انتهى؛ فليحفظ، (و) كذا رأيته يمسح على (خفيه)؛ أي: في الوضوء، ويشترط عند أحمد للمسح على العمامة الاعتمام بعد كمال الطهارة، ومشقة نزعها بأن تكون محنكة كعمائم العرب، ولأنه عضو يسقط فرضه في التيمم، فجاز المسح على حائله كالقدمين، وفي «المغني» للحنابلة: من شرائط جواز المسح شيئان؛ أحدهما: أن تكون تحت الحنك سواء أرخى لها ذؤابة أو لا، وقيل: إنَّما يحرم المسح على العمامة التي ليس لها حنك؛ لأنَّه عليه السلام أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط، وهو ألَّا يكون تحت الحنك منها شيء، وروي عن عمر:(أنه رأى رجلًا ليس تحت حنكه من عمامته شيء فحنكه بكور منها، وقال: ما هذه الفاسقة؟)، والثاني: أن تكون ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه كمقدم الرأس والأذنين، ويستحب أن يمسح على ما ظهر من الرأس مع المسح على العمامة، نصَّ عليه أحمد، انتهى، وهو قول قتادة، ومكحول، والأوزاعي، وأبو ثور.
وقال ابن المنذر: (وممن مسح على العمامة أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وأنس، وأبو أمامة) انتهى، وقال الإمام الأعظم، وأصحابه، وعروة، والنخعي، والشعبي، وأبو القاسم، ومالك، والشافعي: لا يجوز المسح على العمامة؛ لقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} [المائدة: 6]، ومن مسح على العمامة؛ لم يصدق عليه أنه مسح على رأسه، وأجمعوا على أنه لا يجوز مسح الوجه في التيمم على حائل دونه، فكذلك الرأس، وقال الخطابي:(فرض الله مسح الرأس، والحديث في مسح العمامة مُحْتَمِل للتأويل، فلا يُتْرَكُ المتيقن للمحتمل، وقياسه على مسح الخف بعيد؛ لأنَّه يشق نزعه بخلافها) انتهى.
وأيضًا مسح الخف الأخبار فيه مستفيضة، تجوز الزيادة بمثلها على الكتاب بخلاف مسح العمامة، فإنه قد أنكره بعض الصحابة، كذا في «البحر» ، وقد أخرج الترمذي عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: سألت جابر بن عبد الله عن المسح على العمامة، فقال: أَمِسَّ الشعر، وقال الإمام محمد بن الحسن في «موطئه» :(أخبرنا مالك قال: بلغني عن جابر بن عبد الله أنه سئل عن المسح على العمامة، فقال: لا حتى تمس الشعر الماء)، قال الإمام محمد:(وبهذا نأخذ)، ثم قال:(أخبرنا مالك قال: حدثنا نافع قال: رأيت صفية بنت أبي عبيدة تتوضأ، وتنزع خمارها، ثم تمسح برأسها، قال نافع: وأنا يومئذ صغير)، قال الإمام محمد:(وبهذا نأخذ، وقد بلغنا أن المسح على العمامة كان، ثم تُرِك)، كذا في «غاية البيان» .
وحديث الباب محمول على فرع ذكره في «السراج الوهاج» ، وهو:(إذا كانت العمامة رقيقة تنفذ البلة منها وتصير إلى الرأس مقدار مسحه؛ فإنه يجوز) انتهى، ويدل لهذا أن في زمانهم العمامة كانت رقيقة تشفُّ الماء، ولم يكن في زمانهم الطربوش؛ فعمامتهم الشاش الرقيق فقط، لا سيما وبلادهم حارة لا يلبس فيها إلا الرقيق، وذكر في «البحر» :(أن المرأة إذا مسحت على خمارها ونفذت البلة إلى رأسها حتى ابتل قدر الربع منه؛ فيجوز) انتهى.
قلت: أو يُحْمَل حديث الباب على أن الراوي كان بعيدًا عن النبي الأعظم عليه السلام، فمسح عليه السلام على رأسه ولم يضع العمامة عن رأسه؛ فظن الراوي أنه عليه السلام مسح على العمامة، وأراد الراوي المجاز إطلاقًا لاسم الحال على المحل، فهذا الحديث متروك الظاهر، لاسيما وقد صرَّح مسلم بروايته:(أنه عليه السلام مسح على ناصيته ثم مسح على عمامته)، وقال ابن المنذر: لا نعلم أحدًا قال: بالمسح على القلنسوة إلا أنسًا، فإنه مسح على قلنسوته.
ولا يجوز المسح على الوقاية قولًا واحدًا، ولا نعلم فيها خلافًا؛ لأنَّه [لا] يشقُّ نزعها، وفي جواز المسح للمرأة على الخمار عن أحمد روايتان؛ الجواز وعدمه، وبعدمه قال نافع، وحماد بن سليمان، والأوزاعي، وسعيد بن