الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عند البخاري؛ فلذلك بوَّب عليه، قاله إمام الشارحين.
قلت: وقد تقدم عن الحافظ الطحاوي والترمذي، وغيرهما: أن حديث عمار لا يصلح حجة في كون التيمم ضربة واحدة؛ لاضطرابه واختلافه كما تقدم.
فإن قلت: شرط الحال أن يكون من الصور الثلاثة التي يقع فيها الحال من المضاف إليه، وهي أن يكون المضاف جزءًا من المضاف إليه، أو كجزئه، أو عاملًا في الحال، وليس هذا منه.
قلت: أجيب: بأن المعنى: باب شرح التيمم، فالتيمم بحسب الأصل مضاف إلى ما يصلح عمله في الحال، فهو من الصور الثلاث، قاله بعضهم، وفيه نظر.
[حديث شقيق: كنت جالسًا مع عبد الله وأبي موسى]
347 -
وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا محمَّد بن سلام)؛ بتخفيف اللام: هو البيكندي، وفي رواية الأصيلي:(محمَّد هو ابن سلام)، وفي رواية:(محمَّد) فقط (قال: حدثنا) وفي رواية كريمة: (أخبرنا)(أبو معاوية)؛ بضمِّ الميم: هو محمَّد الضرير بن خازن؛ بالمعجمتين، (عن الأعمش) : هو سليمان بن مهران؛ بفتح الميم، (عن شقيق) : هو أبو وائل بن سَلَمَة (قال) أي: شقيق: (كنت جالسًا) يومًا (مع عبد الله) : هو ابن مسعود (وأبي موسى) : هو عبد الله بن قَيْس (الأشعري) رضي الله عنهما، يحتمل جلوسهم أن يكون في المسجد النبوي، ويحتمل أن يكون في بستان من بساتين المدينة يتحدثون، (فقال له) أي: لابن مسعود (أبو موسى) أي: الأشعري: ما تقول (لو أن رجلًا أجنب)؛ أي: صار جنبًا (فلم يجد الماء) أي: لم يقدر على استعماله إما لفقده، أو لتعذر الاستعمال (شهرًا) ليس بقيد، بل هو اتفاقي؛ لأجل المبالغة؛ (أما كان يتيمم ويصلي؟) بالهمزة في (أما)، وهي رواية الأصيلي، وكريمة، وفي رواية غيرهما بإسقاط الهمزة، وفي رواية مسلم:(قال عبد الله: لا يتيمم وإن لم يجد الماء شهرًا)، ثم الهمزة فيه إما مقحمة، وإما للتقرير، وإما للاستفهام، و (ما) نافية على أصلها، وعلى التقديرين الأولين: وقع جوابًا لـ (لو)، أما تقدير الإقحام؛ فلأن وجوده كعدمه، وأما على تقدير التقرير؛ فلأنَّه لم يبق على معنى الاستفهام الذي هو المانع من وقوعه جزاء للشرط، وعلى التقدير الثالث فهو جواب (لو)، لكن يقدر القول في الأوليين قبل (لو)، وفي الثالث قبل (إما)، فعلى الأولين؛ يعني: يقولون: لو أجنب رجل؛ ما يتيمم، وعلى الثالث: لو أجنب رجل؛ يقال في حقه: أما تتيمم، ويجوز على هذا أن يكون جواب (لو) هو قوله:(فقال) أي: أبو موسى: (فكيف تصنعون) وفي رواية مسلم: (كيف نصنع بالصَّلاة؟)؛ يعني: مع قولكم: لا يتيمم (بهذه الآية)، وفي رواية الأصيلي:(فما تصنعون بهذه)؛ يعني: الآية التي (في سورة المائدة؟) إنَّما عين سورة المائدة؛ لكونها أظهر في مشروعية تيمم الجنب من آية النساء؛ لتقدم حكم الوضوء في المائدة، ولأنَّها آخر السور نزولًا ({فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا})؛ أي: اقصدوا ({صَعِيدًا})؛ أي: وجه الأرض ({طَيِّبًا})[النساء: 43]؛ أي: طاهرًا، وهذا بيان للمراد من الآية، ووقع في رواية الأصيلي:(فإن لم تجدوا)، وهو مغاير للتلاوة، وقيل: إنه كذلك في رواية أبي ذر، ثم أصلحها على وفق التلاوة، كذا في «عمدة القاري» .
وزعم الخطابي أنَّ هذا يدل على أن عبد الله كان يرى أن المراد بالملامسة: الجماع، فلهذا لم يدفع دليل أبي موسى، وإلا؛ لكان يقول له: المراد من الملامسة: التقاء البشرتين فيما دون الجماع، وجعل التيمم بدلًا عن الوضوء لا يستلزم أن يكون بدلًا عن الغسل.
ورده إمام الشارحين حيث قال: (قلت: ولا يخفى أنَّ عبد الله لم يذهب هذا المذهب الذي ظنه هذا القائل، وإنما كان تأول الملامسة المذكورة في الآية على معنى غير معنى الجماع؛ لأنَّه لو أراد الجماع؛ لكان فيه مخالفة للآية صريحًا، وذلك مما لا يجوز من مثله في علمه وفهمه وفقهه) انتهى.
(فقال عبد الله) : هو ابن مسعود: (لو رُخص)؛ بضمِّ الراء مبنيًّا للمجهول (لهم) أي: للمسلمين (في هذا) أي: في تيمم الجنب؛ (لأَوشكوا)؛ بفتح الهمزة؛ أي: لأقربوا وأسرعوا (إذا بَرَد) بفتح الموحدة، والراء على المشهور، وقد تضم الراء (عليهم الماء)، فخافوا أن يهلكهم (أن يتيمموا) أي: يقصدوا (الصعيد) وللأصيلي: (بالصعيد)؛ أي: وجه الأرض.
(قلت)؛ أي: قال الأعمش: قلت لشقيق: (وإنما) بالواو، وفي رواية الأصيلي، وأبي ذر:(فإنما)(كرهتم) أي: لم تجوزوا (هذا)؛ أي: تيمم الجنب (لِذا)؛ بكسر اللام؛ أي: لأجل تيمم صاحب البرد، وفي رواية عمرو بن حفص:(فقلت لشقيق: فإنما كره عبد الله؛ لهذا قلت)، وقول القسطلاني وفي رواية حفص بن عمر السابقة خطأ، والصواب عمرو بن حفص؛ فافهم.
(قال) أي: شقيق (نعم) كرهنا هذا لذا، وقول الكرماني وتبعه البرماوي: قوله: (قلت هو مقول شقيق) : خطأ ظاهر، ولهذا قال إمام الشارحين:(قلت: ليس كذلك، بل القائل ذلك: هو الأعمش، والمقول له: هو شقيق، كما صرح بذلك في رواية عمرو بن حفص التي مضت قبل هذه) انتهى.
فانظر ما أدق نظر إمام الشارحين! وما أفتر نظر الكرماني، وكذا البرماوي! وفوق كل ذي علم عليم.
(فقال)؛ بالفاء، ولابن عساكر:(قال)(أبو موسى) أي: الأشعري لعبد الله: (ألم تسمع قول عمَّار)؛ بتشديد الميم: هو ابن ياسر (لعمر) : هو ابن الخطاب رضي الله عنهما: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة)؛ أي: في سرية، كما في رواية مسلم، أو في سفر، كما في رواية آدم بن أبي إياس في باب (هل ينفخ فيهما أو في الإبل)، كما في رواية أبي داود، (فأجنبت) أي: صرت جنبًا، (فلم)؛ بالفاء، ولأبي الوقت:(ولم)(أجد الماء) المطلق الكافي إلى أن حضرت الصَّلاة، (فتمرغت) أي: تقلبت (في الصعيد) أي: على وجه الأرض؛ (كما تمرغ الدابة) أي: كما تتقلب الدابة، والكاف في (كما) إما مصدرية، أو للتشبيه، قال السيد: لفظة: (ما) في (كما) إن كانت كافة على مصححة لدخولها على الجملة؛ كانت للتشبيه بين مضمون جملتين، وإن كانت مصدرية؛ فاختار أبو البقاء وغيره: أن الكاف مع مجرورها نعت لمصدر محذوف؛ تقديره: تمرغًا؛ كتمرغ الدابة، ومذهب سيبويه: أن محله النصب على الحال من المصدر المفهوم من الفعل المتقدم المحذوف بعد الإضمار على طريق الاتساع، فيكون التقدير: فتمرغت على هذه الحالة، ومنع أن يكون نعتًا لمصدر محذوف؛ لأنَّه يؤدي إلى حذف الموصوف في غير المواضع المستثناة.
قلت:
وقد أعرب جماعة؛ منهم: البيضاوي قوله تعالى: {كَمَا آمَنَ النَّاسُ} [البقرة: 13]؛ بالنصب على المصدر، و (ما) كافة، أو مصدرية، ويدل عليه ما ذكرناه عن السيد؛ فتأمل.
و (تُمرُّغُ)؛ بتشديد الراء
(1)
، وضم المثناة الفوقية قبلها، ورفع الغين المعجمة، وأصله تتمرغ؛ بالتاءين، فحذفت إحداهما للتخفيف، كما في قوله تعالى:{نَارًا تَلَظَّى} [الليل: 14]، والدابة اسم لكل ما يدب على الأرض، والمراد بها: الخيل والحمير؛ لأنَّ التمرغ يكون منهما، (فذكرت ذلك للنبيِّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم والإشارة إلى ما فعله من التمرغ؛ لأجل رفع الحدث الأكبر عنه حتى يصلي فيه، (فقال) عليه [الصَّلاة] والسَّلام له:(إنما كان يكفيك) عوضًا عما فعلته (أن تصنع)؛ بالخطاب؛ أي: بالصعيد (هكذا)؛ يعني: أشار بيديه، (وضرب)؛ بالواو، وفي رواية:(فضرب)(بكفه)؛ بالإفراد، وللأصيلي:(بكفيه)؛ بالتثنية (ضربة)؛ أي: واحدة (على أرض) وقدمنا في الأحاديث عن عدة صحابة يرفعونه إلى النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم: أن التيمم ضربتان؛ ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين، وأن أحاديث عمار لا تصلح حجة؛ لاضطرابها واختلافها، فالضربتان هو الأصح من الأحاديث، كما لا يخفى.
(ثم نفضها)؛ أي: يده، وفي الروايات السابقة:(فنفخ فيهما)، وفي بعضها:(فتفل)، وهذا يدل على أنه عليه الصلاة والسلام لم يبق
(2)
عليها من الغبار شيئًا؛ لأنَّ النفض، والنفخ، والتفل تزيل أثر الغبار بالكلية، وإنما كان يفعل هذا؛ لأجل عدم تلويث الوجه بالغبار؛ لأنَّه يصير به الآدمي مثلة، وهو منهي عنه، وقد قال عز وجل: {لَقَدْ
(3)
خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4]، ومن حسن تقويمه ألَّا يلوث وجهه ويديه؛ فافهم.
(ثم مسح بها)؛ أي: بيده الذي ضرب بها الأرض (ظهر كفه)؛ أي: اليمنى (بشماله) وفي رواية: (ثم مسح بهما)؛ أي: بيديه، (أو) مسح (ظهر شماله بكفه)؛ أي: اليمنى، كذا هو بالشك في جميع الروايات إلا في رواية أبي داود، فإنه رواه أيضًا من طريق أبي معاوية كما رواه البخاري، ولفظه قال:(«إنما يكفيك أن تصنع هكذا»؛ فضرب بيديه على الأرض فنفضهما، ثم ضرب بشماله على يمينه، وبيمينه على شماله على الكفين، ثم مسح وجهه) انتهى.
قال إمام الشارحين: وهذا يحرر رواية غيره؛ لأنَّ الحديث واحد، واختلاف الألفاظ باختلاف الرواة، وفيه دليل صريح على أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين جميعًا، ولكن العامة أجابوا عن هذا الضرب المذكور بأنه كان للتعليم، وليس المراد به: بيان جميع ما يحصل به التيمم؛ لأنَّ الله تعالى أوجب غسل اليدين إلى المرفقين في الوضوء في أول الآية، ثم قال في التيمم:{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [النساء: 43]، والظاهر: أن اليد المطلقة هنا هي المقيدة في الوضوء؛ فافهم.
قلت: وعلى هذا؛ فالفرض في التيمم ضربتان؛ ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين، وهو الموافق للأحاديث الصحيحة التي تقدم ذكرها، فإنَّها صريحة في ذلك، كما لا يخفى.
(قال) وفي رواية: (فقال)(عبد الله) : هو ابن مسعود لأبي موسى: (ألم تر)؛ أي: تبصر، أو تعلم (عمر) : هو ابن الخطاب، وفي رواية الأصيلي وكريمة كما في «عمدة القاري» :(أفلم تر عمر)(لم يقنع)؛ أي: لم يأخذ (بقول عمار) : هو ابن ياسر، ووجه عدم قناعته بقول عمار كما قاله إمام الشارحين: هو أنه كان معه في تلك القصة ولم يتذكر عمر ذلك، ولهذا قال لعمار فيما رواه مسلم عن عبد الرحمن بن أبزى:(اتق الله يا عمار)؛ أي: فيما ترويه، وتثبَّت فيه، فلعلك نسيت أو اشتبه عليك، فإني كنت معك، ولا أتذكر شيئًا من هذا، ومعنى قول عمار: أني رأيت المصلحة في الإمساك عن التحديث به راجحة على التحديث، ووافقتك، وأمسكت، فإني قد بلغته، ولم يبق عليَّ حرج، فقال له عمر:(نوليك ما توليت)؛ أي: لا يلزم من كوني لا أتذكره ألَّا يكون حقًّا في نفس الأمر، فليس لي في منعك من التحديث به) انتهى.
(زاد) من الزيادة (يَعْلَى) بفتح المثناة التحتية أوله، وسكون العين المهملة، وفتح اللام: هو ابن عبيد بن يوسف الطنافسي الحنفي الكوفي، المتوفَّى سنة تسع ومئتين، وزعم الكرماني أن هذا إما داخل تحت إسناد محمَّد بن سلام، وإما تعليق من البخاري مع احتمال سماع البخاري منه؛ لأنَّه أدرك عصره.
ورده إمام الشارحين حيث قال: (قلت: هذا تعليق من البخاري، وقد وصله أحمد ابن حنبل في «مسنده»، ووصله أيضًا الإسماعيلي عن ابن زيدان: حدثنا أحمد بن حَازم: حدثنا يعلى: حدثنا الأعمش؛ فذكره) انتهى.
قلت: فاحتمال ما زعمه الكرماني باطل، كما لا يخفى؛ فافهم.
(عن الأعمش) : هو سليمان بن مهران، (عن شقيق) : هو أبو وائل بن سَلَمَة (قال: كنت مع عبد الله) : هو ابن مسعود (وأبي موسى) : هو عبد الله بن قَيْس الأشعري رضي الله عنهما، يحتمل أنه كان معهما في بستان من بساتين المدينة، ويحتمل أنه كان معهما في المسجد النبوي، ويحتمل أنه كان معهما في الطريق يتحدثان وهو يسمع كلامهما، (فقال أبو موسى) أي: الأشعري لعبد الله بن مسعود: (أرأيت لو أن رجلًا أجنب فلم يجد الماء، أيتيمم ويصلي؟) قال عبد الله: (لا يتيمم ولا يصلي حتى يجد الماء)، فقال أبو موسى لعبد الله بن مسعود:(ألم تسمع قول عمار) : هو ابن ياسر (لعمر؟) : هو ابن الخطاب رضي الله عنهما (إنَّ رسول الله)، وللأصيلي:(إن النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم بعثني)؛ يعني: أرسلني في حاجة، أو في سرية فذهبت (أنا وأنت) قيل: كان القياس أن يقول: بعثني إياي وإياك؛ لأنَّ (إيا) ضمير مرفوع، فكيف وقع تأكيدًا للضمير المنصوب، والمعطوف في حكم المعطوف عليه؟
وأجيب: بأن الضمائر يقام بعضها مقام بعض، وتجري بينهما المناوبة، وهنا كذلك، كذا في «عمدة القاري» .
(فأجنبت)؛ أي: صرت جنبًا، وحضرت الصَّلاة، ولم أجد ماء للطهارة، (فتمعكت) أي: تقلبت (بالصعيد)؛ أي: على وجه الأرض كما تتمعك الدابة، (فأتينا رسول الله) وللأصيلي:(النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم بعدما قضينا ما بعثنا إليه، (فأخبرناه)؛ يعني: عن البعث، وعن عدم وجود الماء وهو جنب، وأنه تمعك، (فقال) عليه السلام له: (إنما كان
(1)
في الأصل: (الميم)، وليس بصحيح.
(2)
في الأصل: (لم يبقي)، والمثبت هو الصواب.
(3)
في الأصل: (ولقد)، وليس بصحيح.