الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منسوب إلى الرب، وأصله:«ربي» ، فزيدت فيه الألف والنون؛ للتأكيد والمبالغة في النسبة، العالي الدرجة في العلم بأن يكون عالمًا ومعلمًا، وإنَّما سمِّي العلماء ربانيين؛ لأنَّهم يربون العلم؛ أي: يقومون به)، وتمامه فيه.
وقال المؤلف حكاية عن بعضهم: (ويقال: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره)؛ أي: بجزئيات العلم قبل كلياته، أو بفروعه قبل أصوله، أو بمقدماته قبل مقاصده، وإنَّما لم يذكرِ المؤلف حديثًا موصولًا في هذا الباب؛ إمَّا أنه لم يثبت عنده بشرطه أو اكتفى بما ذكره تعليقًا؛ لأنَّ المقصود من الباب بيان فضيلة العلم، ويُعلم ذلك من المذكور آية، وحديثًا، وإجماعًا سكوتيًا من الصحابةرضي الله عنه، وتمامه في «عمدة القاري» ، والله تعالى أعلم.
(11)
[باب ما كان النبي يتخولهم بالموعظة]
هذا (باب ما كان)؛ أي: باب كون، (النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم فـ (الباب) مضاف إلى الجملة بعدَه، و (ما) مصدريَّة، (يتخولهم)؛ بالخاء المعجمة واللام؛ أي: يتعهدهم، والمراد: أصحابهرضي الله عنهم، (بالموعظة) بالنصح والتذكر بالعواقب، (والعلم) من عطف العام على الخاص، وذكره الموعظة؛ لكونها مذكورة في الحديث، وأمَّا العلم؛ فاستنباطًا، (كي لا يَنفِروا)؛ أي: لئلا يملُّوا عنه ويتباعدوا منه؛ بفتح المثناة التحتية وكسر الفاء.
[حديث: كان النبي يتخولنا بالموعظة في الأيام]
68 -
وبه قال: (حدثنا محمد بن يوسف) بن واقد الفِريابي؛ بكسر الفاء، وسكون الراء بعدها مثناة تحتية وبعد الألف موحدة، نسبة إلى فِرياب؛ مدينة من نواحي بلْخ، أبو عبد الله الضَّبِّيُّ؛ بفتح الضاد المعجمة وتشديد الموحدة، المتوفى في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة ومئتين.
وقال الكرماني: هو محمد بن يوسف البيكنديُّ، واعترضه في «عمدة القاري» بأنَّه وهم؛ لأنَّ المؤلف حيث يطلق محمد بن يوسف لا يريد به إلَّا الفِريابي وإن كان يروي عنِ البيكندي؛ فليحفظ.
(قال: أخبرنا) وفي رواية: (حدثنا)، (سفيان) هو الثوري، (عن الأعمش) سليمان بن مهران، (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الكوفي، وفي رواية:(أحمد عن الأعمش قال: سمعت شقيقًا)، وعند المؤلف في (الدعوات) :(قال الأعمش: حدثنا شقيق)، فانتفت تهَمة تدليس الأعمش؛ فليحفظ.
(عن ابن مسعود) عبد الله رضي الله عنه أنَّه (قال: كان النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم يتخوَّلنا) جملة محلُّها النصب خبر (كان)؛ بالخاء المعجمة واللام؛ أي: يتعهدنا؛ أي: يراعي الأوقات في التذكير ولا يفعله كل يوم، وفي رواية:(يتخوننا) بالنون موضع اللام؛ أي: يتعهدنا، وفي رواية:(يتحولهم)؛ بالحاء المهملة؛ أي: يطلب أحوالهم التي ينشَطون فيها للموعظة، وصوَّبها أبو عمرو الشيباني، وتمامه في «عمدة القاري» .
(بالموعظة في الأيام) صفة لـ (الموعظة)؛ أي: أنَّه يعظهم في أوقات معلومة، ولم يكن يستغرق الأوقات، (كراهةَ) بالنصب مفعول له؛ أي: لأجل كراهة (السآمة) بالمدِّ؛ أي: الملالة من الموعظة، (علينا)، وفي رواية:(كراهية) بزيادة مثناة تحتية، والجارُّ والمجرور إمَّا متعلِّق بـ (السآمة) على تضمين (السآمة) معنى المشقَّة؛ أي: كراهة المشقَّة علينا، وإمَّا صفة؛ أي: كراهة السآمة الطارئة علينا، وإمَّا حالٌ
(1)
؛ أي: كراهة السآمة حال كونها طارئة علينا، وإمَّا يتعلَّق بمحذوف؛ أي: كراهة السآمة شفقةً علينا، أفاده في «عمدة القاري» ؛ فليحفظ.
[حديث: يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا]
69 -
وبه قال: (حدثنا محمد بن بَشَّار)؛ بفتح الموحدة وتشديد المعجمة: ابن عثمان بن داود، أبو بكر الملقب ببُنْدار؛ بضم الموحدة، وإسكان النون، وبالدال المهملة: العبدي نسبة إلى عبد مضر بن كِلاب البصري، المتوفى في رجب سنة اثنتين وخمسين ومئتين عن خمس وثمانين سنة.
(قال: حدثنا يحيى) وفي رواية: (ابن سعيد)؛ أي: القطَّان الأحول، (قال: حدثنا شعبة) هو ابن الحجاج، (قال: حدثني) بالإفراد، (أبو التَّيَّاح)؛ بفتح المثناة الفوقية، وتشديد المثناة التحتية، آخره مهملة: يزيد بن حُميد؛ بالتصغير، الضُّبَعي؛ بضم المعجمة وفتح الموحدة، نسبةً إلى ضُبَعة بن يزيد، المتوفى سنة ثمان وعشرين ومئة.
(عن أنس)؛ أي: ابن مالك، كما في رواية، (عن النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم أنَّه (قال: يسِّروا) أمرٌ من اليسر نقيض العسر؛ أي: سهل، والجملة مقول القول، (ولا تعسِّروا) نهيٌ، من عسَّر تعسيرًا، لا يقال: الأمر بالشيء نهيٌ عن ضده؛ لأنَّ المقصود التصريح بما لزم ضمنًا للتأكيد، ولو اقتصر على (يسِّروا) وهو نكرة؛ لصدق ذلك على مَن يسَّرَ مرَّةً وعسَّرَ في معظم الحالات، فإذا قال: ولا تعسِّروا؛ انتفى التعسير في جميع الحالات من جميع الوجوه.
(وبشِّروا) أمرٌ مِن البشارة؛ وهي: الإخبار بالخير، نقيض النذارة؛ وهي: الإخبار بالشَّرِّ، (ولا تُنَفِّروا) نهيٌ مِن نفَّر بالتشديد؛ أي: بشِّروا المؤمنين أو الناس بفضل الله وسَعَة رحمته، ولا تُنَفِّروهم بذكر عِقابه وعذابه الأليم.
لا يقال: كان المناسبُ أن يقال بدل (ولا تُنَفِّروا) : (ولا تُنْذِروا)؛ لأنَّ الإنذار نقيض التبشير لا التنفير؛ لأنَّا نقول: المقصود من الإنذار التنفير، فصرح بما هو المقصود منه.
لا يقال: إنَّه كان يقتصر على قوله: (ولا تعسِّروا ولا تُنفِّروا)؛ لأنَّا نقول بعموم
(2)
النكرة في سياق النفي؛ لأنَّه لا يلزم من عدم التعسير ثبوت التيسير، ولا من عدم التنفير ثبوت التبشير
(3)
، فجمع بين هذه الألفاظ؛ لثبوت هذه المعاني، ولأنَّ المحلَّ محلُ إطناب لا اختصار.
وبين (يسِّروا) وبين (بشِّروا) الجناس الخطي، والجناس بين اللفظين تشابههما في اللفظ، وهذا من الجناس التام المتشابه، وهو باب من أنواع البديع الذي يزيد في الكلام البليغ حُسْنًا وطلاقة، كذا في «عمدة القاري» ؛ فليحفظ.
(12)
[باب من جعل لأهل العلم أيامًا]
هذا (باب من جعل لأهل العلم أيامًا معلومة) بالجمع في الأول والإفراد في الثاني، وفي رواية: بالجمع فيهما، وفي آخر: بالإفراد فيهما، و (باب) خبرٌ لمبتدأ محذوف ومضافٌ لما بعده.
[حديث: كان عبد الله يذكر الناس كل خميس]
70 -
وبه قال: (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد بن إبراهيم ابن أبي شيبة بن خواستي؛ بضم المعجمة، وبعد الألف سين مهملة، ثم تاء مثناة فوقية: أبو الحسن العبسي الكوفي، المتوفى لثلاث بقين من المحرم سنة تسع وثلاثين ومئتين.
(قال: حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط بن هلال الضبي الكوفي، المتوفى سنة ثمان وثمانين ومئة، وقيل: سبع، (عن المنصور) بن المعتمر بن عبد الله، الممتنع من تولي القضاء، الصائم أربعين سنة مع قيام ليلها، المتوفى سنة ثلاث أو اثنين وثلاثين ومئة، وعمش من البكاء.
(عن أبي وائل) شقيق بن سلمة أنه (قال: كان عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه، (يُذَكِّر الناس) جملةٌ محلها النصب خبر (كان)، (في كل) يوم (خميس، فقال له)؛ أي: لابن مسعود (رجل)، قال في «عمدة القاري» : إنَّه يزيد بن عبد الله النخعي: (يا أبا عبد الرحمن) هو كنية عبد الله بن مسعود، (لَوددتُ) اللام: جواب قسم محذوف؛ أي: والله لَأحببتُ، (أنَّك)؛ بفتح الهمزة؛ لأنَّه مفعول، (ذكَّرتنا) بتشديد الكاف، محلُّه الرفع خبر (أنَّ)، (كل يوم) منصوبٌ على الظرفية؛ أي: في كلِّ يوم، (قال) عبد الله:(أَمَا)؛ بفتح الهمزة وتخفيف الميم: حرفُ استفتاح بمنزلة (أَلَا)، وتكثر قبل القسم، أو بمعنى: حقًّا، وما قاله الكرماني أنَّها حرف تنبيه ردَّه في «عمدة القاري» ، (إنَّه)؛ بكسر الهمزة، والضمير فيه للشأن، أو بفتحها على أنَّ (أَمَا) بمعنى: حقًّا، (يمنعني) فعل ومفعول، (من ذلك)؛ أي: الذكر كل يوم، (أنِّي)؛ بفتح الهمزة: فاعل (يمنعني)، (أكره) جملةٌ محلها الرفع خبر (أنَّ)، (أنْ أُمِلَّكم)؛ بضم الهمزة، وكسر الميم، وتشديد اللام المفتوحة، و (أنْ) مصدريَّة؛ أي: أكره إملالكم وضجركم، (وإنِّي)؛ بكسر الهمزة، (أتخوَّلُكم)؛ بالخاء المعجمة، جملةٌ محلها الرفع خبر (إنَّ)؛ أي: أتعهدكم، (بالموعظة كما) الكاف: للتشبيه و (ما) مصدريَّة، (كان النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم يتخوَّلنا)؛ أي: يتعهدنا (بها)؛ أي: بالموعظة، (مخافةَ السآمة علينا) يتعلَّق بـ (المخافة) أو يتعلَّق بـ (السآمة)، وفيه من الاقتداء بالنبي الأعظم صلى الله عليه وسلم والمحافظة على سنته.
(13)
[باب من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين]
هذا (باب) بالتنوين (مَن) موصولة؛ أي: الذي (يُرِدِ الله به خيرًا) بالنصب مفعول (يُرِد) المجزوم؛ لأنَّه فعل الشرط؛ لأنَّ الموصول متضمِّنٌ معنى الشرط، وكُسِرَ؛ لالتقاء الساكنين، وجواب الشرط (يفقهْه)؛ بسكون الهاء، (في الدين)، وفي رواية: سقط قوله: (في الدين).
والفقه لغةً: الفَهْم، يقال: فُقِه الرجل بالكسر: إذا فهم، وبالضم: إذا صار فقيهًا، ثم خُصَّ بعلم الشريعة؛ لأنَّه مستنبط من الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، فيقال فيه اصطلاحًا: العلمُ بالأحكام الشرعيَّة العمليَّة من أدلتها التفصيليَّة.
[حديث: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين]
71 -
وبه قال: (حدثنا سعيد بن عُفَير)؛ بضم
(1)
في الأصل: (حالًا)، وليس بصحيح.
(2)
في الأصل: (لعموم).
(3)
في الأصل: (ولا من عدم التعسير ثبوت التيسير).
العين المهملة، وفتح الفاء، وسكون المثناة التحتية، آخره راء، ابن كثير المصري، المتوفى سنة ست وعشرين ومئتين، (قال: حدثنا ابن وهب)؛ بسكون الهاء، واسمه عبد الله بن وهب بن مسلم المصري أبو محمد القرشي الفهري، المتوفى بمصر سنة سبع وتسعين ومئة، لأربع بقين من شعبان.
(عن يونس) بن يزيد الأيلي، (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري، (قال: قال حُميد بن عبد الرحمن) بن عوف، وحاء (حُميد) مضمومة، وفي رواية:(حدثني- بالإفراد- حُميد بن عبد الرحمن قال) : (سمعت معاوية) بن أبي سفيان، صخر بن حرب الأموي كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومناقبه كثيرة جمَّة، توفي في رجب سنة ستين عن ثمان وسبعين سنة؛ أي: سمعت قولَه حالَ كونِه (خطيبًا) حالَ كونِه (يقول: سمعت النبي) الأعظم، وفي رواية:(سمعت رسول الله) صلى الله عليه وسلم؛ أي: كلامَه حالَ كونِه (يقول: مَن يُرِدِ الله) عز وجل؛ بضمِّ المثناة التحتية وكسر الراء، من الإرادة وهي صفة مخصِّصةٌ لأحد طرفي المقدور بالوقوع، (به خيرًا)؛ أي: جميع الخيرات، أو خيرًا عظيمًا، و (مَن) موصولة تتضمَّن معنى الشرط، و (يُرِد) فعل الشرط، وجزاؤه
(1)
قوله: (يفقهْه)؛ بسكون الهاء؛ أي: يجعله فقيهًا (في الدين) والفقه
(2)
لغةً: الفَهْم، ولا يناسب هنا إلَّا المعنى اللغوي؛ ليتناول فهم كلِّ علم من علوم الدين، وإنَّما نكَّر (خيرًا)؛ لفائدة التعميم؛ لأنَّ النكرة في سياق الشرط كالنكرة في سياق النفي فتعمُّ، والتنوين فيه للتعظيم، أو التنكير للتعظيم.
(وإنَّما أنا قاسم)؛ أي: أقسم بينكم بتبليغ الوحي، و (إنَّما) أداة حصر، و (أنا) مبتدأ، و (قاسم) خبرُه، وقوله:(والله يعطي) مبتدأ وخبره، والجملة: حال؛ أي: يعطي كل واحد منكم من الفهم على قدر ما تعلقت به إرادته تعالى، فالتفاوت في أفهامكم منه تعالى، وهنا كلام طويل يُطلب من «شرح الشيخ الإمام بدر الدين العيني» رحمه الله تعالى.
فإن قلت: الحصر بـ (إنَّما) مع أنَّه عليه السلام له صفات أخرى سوى قاسم.
أُجيب: بأنَّ هذا ورد ردًّا على مَن يعتقد أنَّه عليه السلام يعطي ويقسم، فلا ينفي إلَّا ما اعتقده السامع، لا كل صفة من الصفات، وفيه حذف المفعول.
(ولن تزال هذه الأمة قائمة)(لن) : ناصبة للنفي، و (تزال) : من الأفعال الناقصة، و (هذه الأمة) جملة اسمية: اسمُها، و (قائمة) بالنصب: خبرُها، (على أمر الله)؛ أي: على الدين الحق، (لا يضرهم من)؛ أي: الذي، (خالفهم حتى يأتي أمر الله) والجملة حال، و (حتى) غاية لقوله:(لن تزال).
أراد بهذا أنَّ أمَّتَه آخرُ الأمم وأنَّ عليها تقوم الساعة وإنْ ظهرتْ أشراطُها وضعف الدين، فلا بُدَّ أن يبقى من أُمَّتِه مَن يقوم به، وقوله عليه السلام:«لا تقوم الساعة حتى لا يقول أحدٌ: الله الله» ، وقوله:«لا تقوم الساعة إلَّا على أشرار الخلق» إنَّما ذلك عند القيامة، وبيانه ما جاء في حديث أبي أمامة أنَّه عليه السلام قال:«لن تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم مَن خالفهم» ، قيل: وأين هم يا رسول الله؟ قال: «ببيت المقدس أو أكناف بيت المقدس» ، قال إمامنا الإمام الأعظم والإمام المؤلف: هم أهل العلم.
وفي الحديث: دلالة على حجة الإجماع، وفيه: فضل الفقه في الدين على سائر العلوم؛ لأنَّ عليه مدار الأحكام، وفيه: فضل العلماء على سائر الناس، وفيه: إخباره عليه السلام بالمغيَّبات، والله أعلم.
(14)
[باب الفهم في العلم]
هذا (باب الفهم)؛ بسكون الهاء وفتحها لغتان، (في العلم)؛ أي: العقل والمعرفة، كذا فسَّره الليث، وفسَّر (الفهم) بالعلم ابن حجر والبِرماوي تبعًا للكرماني، وهو غير صحيح، كما بسطه الشيخ الإمام بدر الدين العيني رحمه الله تعالى؛ فليحفظ.
[حديث: إن من الشجر شجرة مثلها كمثل المسلم]
72 -
وبه قال: (حدثنا علي) وفي رواية: (ابن عبد الله)؛ أي: المديني، المتوفى في ذي القعدة سنة أربع وثلاثين ومئتين، (قال: حدثنا سفيان) هو ابن عُيينة، (قال: قال لي ابن أبي نَجيح)؛ بفتح النون: هو عبد الله بن يسار المكي، قيل: يُرمَى بالقدر، لكن وثَّقه أبو زرعة وغيره، المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومئة، وفي «مسند الحميدي» :(عن سفيان حدثني ابن أبي نَجيح)، (عن مجاهد) هو ابن جَبْر؛ بفتح الجيم وسكون الموحدة، وقيل: جُبير؛ بالتصغير، المخزومي الإمام المتفق على جلالته وتوثيقه، المتوفى سنة مئة، (قال: صحبت ابن عمر) عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (إلى المدينة)؛ أي: مدينة النبي الأعظم عليه السلام، (فلم أسمعه) حال كونه (يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلَّا حديثًا واحدًا) أراد به الحديث الذي بعده متصلًا به، (قال: كنا)، وفي رواية: بإسقاط لفظ (قال)، (عند النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم في مجلسٍ، (فأُتي)؛ بضم الهمزة، (بجُمَّار)؛ بضمِّ الجيم وتشديد الميم، وهو شحم النخيل.
(فقال) عليه السلام: (إنَّ من الشجر) كل ما له ساق من نبات الأرض، (شجرةً) بالنصب اسم (إنَّ)، وخبرُها الجار والمجرور، و (مِن) للتبعيض، (مَثَلها كمَثَل)؛ بفتح الميم والمثلثة فيهما؛ أي: صفُتها العجيبة كصفة (المسلم) في النفع، قال ابن عمر:(فأردتُ أن أقول) في جواب قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «حدثوني ما هي؟» ، كما صرّح به في رواية، (هي النخلة) مبتدأٌ وخبرُه، والجملة مقول القول، (فإذا أنا أصغر القوم)، (ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان)، كما في رواية، (فسكتُّ)؛ بضمِّ التاء على صيغة المتكلِّم؛ تعظيمًا لهما.
(قال)، وفي رواية:(فقال)، (النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم: هي النخلة) مبتدأ وخبره، والجملة مقول القول، ووجه المناسبة في الحديث للترجمة من كون ابن عمر لما ذَكر النبيُّ عليه السلام المسألة عند إحضار الجُمَّار إليه؛ فَهِم أنَّ المسؤول عنه النخلة، بقرينة الإتيان بجُمَّارها، وبقية
(3)
مباحثه تقدمت مرارًا؛ فافهم.
(15)
[باب الاغتباط في العلم والحكمة]
هذا (باب الاغتباط في العلم والحكمة) الاغتباط: افتعال من الغبطة، وهي: أن يتمنى مثل حال المغبوط من غير أن يريد زوالها عنه، والحسد: أن يتمنى زوال ما فيه، والحكمة: معرفة الأشياء على ما هي عليه، فهي مرادفة للعلم، فالعطف عليه من باب العطف التفسيري.
(وقال عمر) بن الخطاب رضي الله عنه فيما أخرجه أبو عمرو بإسناد صحيح من حديث ابن سيرين عن الأحنف عنه، وأخرجه الخوزي، وابن أبي شيبة، والبيهقي، كما بسطه في «عمدة القاري» :(تفقهوا قبل أن تُسَوَّدوا)؛ بضمِّ المثناة الفوقيَّة، وفتح السين المهملة، وتشديد الواو؛ أي: قبل أن تصيروا
(4)
سادة، وتعلموا العلم ما دُمتُم صغارًا قبل السيادة والرئاسة؛ لأنَّ مَن سوَّده الناس يستحي أن يَقعُد مقعد المتعلِّم؛ خوفًا على رئاسته عند العامة، فيبقى على جهله، وقيل: معناه: قبل أن تتزوَّجوا، وقيل: معناه: قبل أن تَسْوَدَّ لحيتكم، والمعنى الأول أعم، وتمامه في «عمدة القاري» .
وفي رواية الكشميهني زاد قوله: (قال أبو عبد الله)؛ أي: المؤلف، وفي رواية:(قال محمد بن إسماعيل)؛ أي: المؤلف: (وبعد أن تُسَوَّدوا)؛ بضمِّ المثناة الفوقيَّة، وفتح السين المهملة، وتشديد الواو، عطف على قول عمر رضي الله عنه؛ أي: تفقهوا قبل أن تُسَوَّدوا وتفقهوا بعد أن تُسَوَّدوا؛ أي: بعد أن تصيروا سادةً كبارًا؛ لأنَّه لا يجوز ترك التفقه بعد السيادة إذا فاته قبلَها حتى يمضي عمره باشتغاله في العلم لينال الشهادة الواردة في الأحاديث الجمَّة.
ويدل لذلك أيضًا: أنَّ المؤلف أكَّد ذلك بقوله: (وقد تعلَّم أصحاب النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم العلم (في كبر سنهم)؛ لأنَّ الناس الذين آمنوا بالنبي عليه السلام وهم كبارٌ ما تفقَّهوا إلَّا في كبر سنهم، وما ذكره الكرماني وتبعه القسطلاني كلُّه تعسُّفٌ وخروجٌ عن مقصود المؤلف، مع ما فيه من التكلف الذي لا حاجة إليه، كما نبَّه عليه الشيخ الإمام بدر الدين العيني رضي الله تعالى عنه ونفعنا به في الدارين؛ فليحفظ.
[حديث: لا حسد إلا في اثنتين]
73 -
وبه قال: (حدثنا الحُميدي)؛ بضم الحاء المهملة: أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عبس المكي، المتوفى سنة تسع عشرة ومئتين، (قال: حدثنا سفيان) هو ابن عُيينة، (قال: حدثني) بالإفراد، وفي رواية: بالجمع، (إسماعيل بن أبي خالد على غير ما)؛ أي: على غير اللفظ الذي، (حدَّثَناهُ الزهريُّ) محمد بن مسلم بن شهاب، المسوق روايته عند المؤلف في (التوحيد)، يعني: أنَّ ابن عُيينة ذكر أنَّ الزهريَّ حدَّثه بهذا الحديث بلفظ غير اللفظ الذي حدَّثه به إسماعيل، [و](الزهريُّ) بالرفع فاعلُ (حدَّث)، و (نا) مفعولُه، والضمير يرجع إلى الحديث.
والغرض من هذا: الإشعارُ بأنَّه سمع ذلك من إسماعيل على وجهٍ غير الوجه الذي سمع من الزهري، إمَّا مغايرةً في اللفظ أو في الإسناد أو غير ذلك، وفائدته: التقوية والترجيح بتعداد الطرق، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان الروايتين وما بينهما من التخالف
(1)
في الأصل: (جزاءه).
(2)
في الأصل: (والفهم).
(3)
في الأصل: (وبقيته).
(4)
في الأصل: (تصير).