الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخرى؛ فليتأمل.
(أفرأيت) الفاء عاطفة على مقدر بعد الهمزة؛ أي: أرأيت في تلك الحالة فرأيت في هذه الحالة الأخرى؟ والمعنى: أخبرني عن هذه، وفي رواية الأصيلي:(أرأيت)؛ بدون الفاء (إذا هبَّت)؛ بتشديد الموحَّدة؛ بمعنى: هاجت وتحركت، يقال: هبَّ الفحل؛ إذا هاج، وهبَّ البعير في السير؛ إذا نشط، وقال ابن بطال: هبَّت: زالت عن مواضعها وتحركت، يقال: هبَّ النائم من نومه؛ إذا قام، وقيده الأصيلي: بِضَمِّ الهاء على البناء للمفعول، والفتح أصوب، كذا في «عمدة القاري» ، وفي بعض النُّسخ:(إذا هب)؛ بدون التَّاء، كما زعمه الكرماني، (الرِّكاب)؛ بكسر الرَّاء، وتخفيف الكاف: الإبل التي يسار عليها، والواحدة الراحلة، ولا واحد لها من لفظها، والجمع: الركْب؛ مثل: الكتْب؛ بسكون ثانيه، وقال ابن بطال: هبَّت: زالت عن مواضعها وتحركت فشوشت على المصلي لعدم استقرارها، وجواب الاستفهام أو الشرط محذوف؛ تقديره: ما الذي يصنع المصلي؟ (قال)؛ أي: ابن عمر لنافع، لا نافع لعبيد الله:(كان)؛ أي: النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم إذا أراد الصلاة في الصحراء؛ (يأخذ الرَّحل) : هذه رواية الأكثرين، وفي رواية:(يأخذ هذا الرَّحل)؛ أي: يقيم الرَّحل عن الناقة، فيضعه على الأرض قِبَل وجهه الشريف؛ لأنَّه لو تركه عليها؛ لشوشت عليه من أجل حركتها، وعدم استقرارها، وزعم ابن بطال؛ أي: يتركه على الناقة، ونقله العجلوني عنه، وكلاهما غير مصيب؛ لأنَّ في تركه عليها تشويشًا كما ذكرنا، وليس المعنى كما زعمه بل ما ذكرناه، كما لا يخفى على من له أدنى فهم في المعاني، ويدل لما قلناه قوله:(فيُعَدِّله)؛ بِضَمِّ التحتية، وفتح العين المهملة، وكسر الدَّال المهملة المشددة، من التَّعديل؛ وهو تقويم الشيء، يقال: عدَّلته فاعتدل؛ أي: قومته فاستقام؛ والمعنى: أنَّه يقيمه تلقاء وجهه؛ لأنَّ الإبل إذا هاجت؛ شوشت على المصلي لعدم استقرارها، فحينئذٍ كان النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم يعدل عنها إلى الرَّحل، فيجعله سترة، كذا قاله إمامنا الشَّارح، وتبعه الشراح.
وضبطه ابن حجر: بفتح التحتية، وسكون العين، وكسر الدَّال؛ أي: يقيمه تلقاء وجهه، انتهى.
وهذا كما رأيت خلط وخبط، ولهذا ردَّه إمام الشَّارحين حيث قال:(والصَّواب ما ذكرناه؛ لأنَّه من باب «فعَّل»؛ بالتشديد، وقد يأتي بمعنى «فعَل»؛ بالتخفيف، كما يقال: زلته وزيلته، وكلاهما بمعنى: فرقته) انتهى.
قلت: فأفاد أنَّه قليل، والصَّواب الأول؛ فاعرفه، ولا تغتر بما زعمه ابن حجر؛ فافهم.
(فيصلِّي إلى أَخَرَته)؛ بفتح الهمزة والخاء المعجمة والرَّاء، بلا مد، ويجوز المد في الهمزة، ولكن بكسر الخاء؛ وهي الخشبة التي يستند إليها الراكب؛ يعني: يصلِّي إلى آخرة الرَّحل فيجعلها على أحد حاجبيه، ولا يصمد
(1)
إليها صمدًا (أو قال: مُؤْخِرته)؛ بـ (أو) التي للشك، وهو من نافع لا من عبيد الله، وفيها وجوه؛ أحدها: بِضَمِّ الميم، وكسر الخاء، وسكون الهمزة، والثاني: بفتح الخاء المشددة، والثالث: إسكان الهمزة، وتخفيف الخاء، وقال أبو عبيد: يجوز كسر الخاء وفتحها، وأنكر ابن قتيبة الفتح، وقال ابن مكي: لا يقال: مقدِّم ومؤخِّر؛ بالكسر إلا في العين خاصة، وأمَّا في غيرها؛ فلا يقال إلا بالفتح فقط، وقال الجوهري: مؤخرة الرَّحل: لغة قليلة في آخرته، وقال ابن التين: رويناه بفتح الهمزة، وتشديد الخاء مع فتحها، وقال القرطبي: مُؤخِّرة الرحل: هو العود الذي يكون في آخر الرحل، بِضَمِّ الميم، وكسر الخاء، الرابع: روى بعضهم: بفتح الهمزة وتشديد الخاء، كذا قرره في «عمدة القاري» .
(وكان ابن عمر يفعله) هو مقول نافع، والضمير المنصوب في (يفعله) راجع إلى كل واحد من التعريض والتَّعديل اللذين يدل عليهما قوله:(يعرِّض) وقوله: (فيعدِّله) من قبيل قوله تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]؛ فافهم.
ومطابقة الحديث للتَّرجمة في قوله: (فيعرض إلى راحلته فيصلِّي إليها)، وفي قوله: (كان يأخذ الرَّحل
…
) إلى آخره، وأمَّا البعير؛ فقد روى ابن أبي شيبة عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر:(أنَّ النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي إلى بعيره)، وأمَّا الصلاة إلى الشجر؛ ففي حديث علي بن أبي طالب قال:(لقد رأيتنا يوم بدر وما فينا إنسان إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنَّه كان يصلِّي إلى شجرة يدعو حتى أصبح)، رواه النسائي بإسناد حسن.
قلت: وهذا غير ظاهر.
وقال إمام الشارحين: (فإن قلت: حديث الباب لا يدل على الصلاة إلى البعير والشجر؛ قلت: كأنَّه وضع التَّرجمة على أنَّه يأتي لكل جزء منها بحديث، فلم يجد على شرطه إلا حديث الباب، وهو يدل على الصلاة إلى الراحلة أو الرحل، واكتفى به عن بقية ذلك بالقياس على الراحلة) انتهى.
وقد أخرج النسائي من حديث عائشة رضي الله عنها: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك عن سترة المصلي، فقال:«مثل مؤخرة الرحل» ، وعلى كل حال فإحالة التَّرجمة في مطابقتها لحديث خارج عن بابها بل عن كتابها غير ظاهرة مع ما فيها من البعد.
وقال الكرماني: دلالة الحديث على الصلاة إلى البعير والشجر والرحل بالقياس على الراحلة.
وزعم ابن حجر: كأنَّه ألحق البعير بالراحلة للمعنى الجامع بينهما، ويحتمل أنَّه أشار إلى ما رواه أبو خالد الأحمر، عن عبيد الله، عن نافع بلفظ:(كان يصلِّي إلى بعيره)، وبه حصل المقصود، ويؤيده ما أخرجه عبد الرزاق:(أنَّ ابن عمر كان يكره أن يصلِّي إلى بعير إلا وعليه رحل)، وألحق الشجر بالرحل، انتهى ملخصًا.
قلت: وهذا كله لا يجدي، وما هو إلا مأخوذ من كلام الكرماني، ولم يبين المعنى الجامع بين البعير والراحلة، فإنَّا قد أسلفنا أنَّ الراحلة خاصة بالنَّاقة، والبعير: هو الذي دخل في سن الخامسة، فليس فيه معنًى جامعًا بينهما، بل بينهما عموم وخصوص.
وما ذكره من الاحتمال بعيد جدًّا؛ لأنَّه إحالة على غير موجود في الباب، بل ولا في الكتاب أصلًا، فكيف يشير إليه؟ وما زعمه من حصول المقصود والتأييد، أين المقصود الذي حصل؟ وأين التأييد؟ فإنَّ ما أخرجه عبد الرزاق يدل على منع الصلاة إلى البعير مجردًا عن رحله، والتَّرجمة صريحة في الصلاة إلى البعير مجردًا عن الرحل كما صرح به الحديث أيضًا؛ حيث قال:(كان يأخذ الرحل فيعدله)، وعلى كل حال؛ فما زعمه غير مفيد وغير ظاهر، بل الجواب الصَّحيح الموافق للصواب ما قاله إمام الشَّارحين رضي الله عنه؛ فافهم.
قال الخطابي: وفي الحديث: دليل على جواز السترة بما يثبت من الحيوان، انتهى.
وقال ابن بطال: وكذلك تجوز الصلاة إلى كل شيء طاهر.
وقال القرطبي: في هذا الحديث: دليل على جواز التستر بالحيوان، ولا يعارضه النَّهي عن الصلاة في معاطن الإبل؛ لأنَّ المعاطن مواضع إقامتها عند الماء، وكراهة الصلاة حينئذٍ؛ إمَّا لشدة نتنها، وإمَّا لأنَّهم كانوا يَتخلَّون بينها مستترين، وقيل: علة النَّهي في ذلك كون الإبل خُلِقت من الشياطين، وقد سبق الكلام فيه، أفاده في «عمدة القاري» .
قلت: فيحمل ما وقع منه في حالة السفر من الصلاة إليها على الضرورة، ونظير ذلك صلاته إلى السرير الذي عليه المرأة؛ لأنَّ البيت كان حينئذٍ ضيقًا، وعلى هذا؛ فقول الأئمة الحنفية والشَّافعي: لا يستتر بامرأة ولا دابة؛ محمولٌ على حالة الاختيار لا حالة الاضطرار.
وروى عبد الرزاق بسنده إلى ابن عمر: (أنَّه كان يكره أن يصلِّي إلى بعير إلا وعليه رحل)، ولعله أنَّها في حال شد الرحل عليها أقرب إلى السكون من حال تجريدها عنه، والله تعالى أعلم.
قال القسطلاني: والحديث من الرُّباعيات، واعترضه العجلوني بأنَّه خماسي لا رباعي، انتهى.
قلت: بل هو رباعي؛ لأنَّ الحديث مشتمل على جُمَلٍ من الكلام، وقوله:(وكان ابن عمر يفعله) وقوله (قلت: أفرأيت) من كلام نافع، فهو من إطلاق الجزء على الكل مجازًا، فبهذا صح ما قاله القسطلاني، وفسد ما زعمه العجلوني؛ فافهم.
(99)
[باب الصلاة إلى السرير]
هذا (باب) حكم (الصلاة إلى السرير)؛ أي: الذي عليه المرأة، والمراد: على السرير؛ لأنَّ كلمة (إلى) بمعنى (على)؛ لأنَّ حروف الجر يقام بعضها مقام بعض لا سيما هو واقع في الفصيح، قال الله تعالى:{لأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71]؛ أي: على جذوعها، وفي رواية ابن عساكر:(باب الصلاة على السرير)؛ فليحفظ، وتقدير:(حكم) أولى من تقدير الجواز؛
(1)
في الأصل: (يصمت)، وهو تحريف.
لأنَّ الحكم أعم؛ فافهم.
[حديث عائشة: أعدلتمونا بالكلب والحمار لقد رأيتني
مضطجعةً على]
508 -
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا عثمان ابن أبي شيبة) : نسبه لجده؛ لشهرته به، وإلا؛ فهو عثمان بن محمَّد بن أبي شيبة -واسمه إبراهيم- بن عثمان أبو الحسن العبسي الكوفي، أخو أبي بكر ابن أبي شيبة، المتوفي في المحرم سنة تسع وثلاثين ومئتين، وهو أكبر من أبي بكر بثلاث سنين (قال: حدثنا جَرير)؛ بفتح الجيم: هو ابن عبد الحميد الرازي، الكوفي الأصل، (عن منصور) هو ابن المعتمر -بلفظ الفاعل- السُّلَمي الكوفي، (عن إبراهيم) هو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي التَّابعي، (عن الأسود) هو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي التَّابعي، خال إبراهيم المذكور، (عن عائشة) : الصديقة بنت الصديق الأكبر أم المؤمنين رضي الله عنها وعن أبويها، وفي إسناد الحديث: رواته كوفيون، ورواية تابعي عن تابعي عن الصَّحابية، وهما موافقان في اسم الأب والجد والنسبة، ويفترقان من حيث إنَّ إبراهيم تابعي صغير، والأسود تابعي كبير، وإنَّما سمي الأسود؛ لأنَّه كان شديد السمرة، فلونه مائل إلى السواد، فسمي به، والله أعلم.
(قالت)؛ أي: لمن كان في حضرتها من الرجال والنساء لما قالوا: (يقطع الصلاة الكلب والمرأة والحمار) : (أَعَدَلتمونا)؛ بفتح الهمزة التي هي للاستفهام الإنكاري التوبيخي، وفتح العين المهملة والدَّال المخففة؛ معناه: لم عدلمتونا (بالكلب والحمار؟!)، وظاهر كلامها يدل على أنَّها تقول بأنَّ الكلب والحمار يقطعان الصلاة، وإنَّما أنكرت عليهم تسويتهم المرأة بهما مع شرفها وخستهما، (لقد) وفي رواية:(ولقد)(رأيتُني)؛ بِضَمِّ المثناة الفوقية للمتكلم، وكون ضميري الفاعل والمفعول عبارتين عن شيء واحد من جملة خصائص أفعال القلوب، قاله الكرماني، ومقتضاه أنَّها قلبية هنا، وهو بعيد، والظَّاهر أنها بصرية، ويدل عليه قول إمام الشَّارحين: المعنى: رأيت نفسي، حتى لا يقال: فيه كون الفاعل والمفعول واحدًا، أفاده العجلوني.
قلت: والصَّواب: أنها بصرية، والمعنى كما ذكره إمامنا الشَّارح، ومراده الرد على الكرماني؛ لأنَّه ذكر عبارته ثم ناقضها بما ذكر، وهو الحق، كما لا يخفى على أولي الألباب.
(مضطجعةً)؛ بالنصب على الحال؛ لأنَّ الرؤية هنا من رؤية العين، قاله الشَّارح، ويحتمل نصبه على أنَّه مفعول ثان؛ فافهم، (على السرير)، جمعه
(1)
أسرة وسُرُر: بِضَمِّ الرَّاء، وبعضهم يفتحها؛ وهو التخت المعروف، وكان في زمانهم يتخذ من الخوص وإلى الآن في الحجاز، وأمَّا في ديارنا الشريفة الشامية؛ فيتخذ من الخشب والدفوف، كما لا يخفى، (فيجيء النَّبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم؛ أي: إلى بيتها حتى يصل إلى السرير، (فيتوسط السرير)؛ أي: يجعل نفسه في وسط السرير، يدل عليه أنَّ البيوت وقتئذٍ ضيقة لا تسع غير السرير، كما روي في الأحاديث؛ فافهم.
وفسره العجلوني: أي: بالتوجه إليه من غير جلوس عليه.
قلت: وهو خلاف ظاهر اللَّفظ؛ لأنَّ المراد من توسطه السرير: الجلوس عليه، وهو الظَّاهر، وما رواه البخاري في (الاستئذان) كما يأتي لا يدل على ما زعمه؛ لأنَّ ما ذكر هنا قصة غير القصة التي ذكرت في (الاستئذان)، فافترقا، ويدل عليه اختلاف ألفاظهما متنًا وسندًا ورجالًا؛ فليحفظ.
(فيصلي)؛ أي: عليه، ففيه المطابقة للتَّرجمة؛ لأنَّ مراده فيها: الصلاة على السرير؛ فافهم (فأَكره)؛ بفتح الهمزة؛ أي: قالت عائشة رضي الله عنها: فأكره؛ أي: لا أحب (أن) بفتح الهمزة (أَسْنَحَه)؛ بفتح الهمزة، وسكون السين المهملة، وفتح النُّون والحاء المهملة، كذا في رواية (الفرع) و (أصله)، وفي فرع آخر: بِضَمِّ الهمزة، وفتح السين، وتشديد النُّون المكسورة، وفتح الحاء، وللأصيلي: بِضَمِّ الهمزة، وسكون السين، وكسر النُّون، وفتح الحاء، والرواية الأولى اقتصر عليها إمامنا الشَّارح، وكذا الكرماني وابن حجر، وتبعهم القسطلاني، وهذا يدل على أنَّه هو المعروف في اللُّغة، لكن قال ابن التين: بكسر النُّون فيما رويناه، ورواه غيره: بفتح النُّون، وقال الدماميني: بكسر النُّون وفتحها، والمعروف في اللُّغة الفتح، وقد جاء:(فأكره أن أستقبله)، وفي رواية:(فأكره أن أجلس فأؤذيه)، وقال في «عمدة القاري» : هو من قولك: سنح لي الشيء؛ إذا عرض، تريد: أنَّي أكره أن أستقبله ببدنه في صلاته، ومن هذا سوانح الظباء؛ وهو ما يعترض المسافرين فيجيء عن مياسرهم ويجوز إلى ميامنهم، والسانح عند العرب: ما يمر بين يديك عن يمينك، وكانوا يتيمنون به، ومنهم من قال: عن يسارك إلى يمينك؛ لأنَّه أمكن للرمي، والبارح عكسه، والعرب تتطير به، وقال صاحب «العين» : أسنحه: أي أظهر له، وكلما عرض لك؛ فقد سنح، انتهى.
(فأنسَلُّ)؛ بقطع الهمزة، وفتح السين المهملة، وتشديد اللَّام على صيغة المتكلم من المضارع عطفًا على (أكره)؛ أي: أخرج بخفية أو برفق (من قِبَل)؛ بكسر القاف وفتح الموحَّدة؛ أي: من جهة (رجلي السرير)؛ بلفظ التثنية مضافًا إلى (السرير)(حتى أنسَلَّ)؛ أي: أخرج بخفية أو برفق كسابقه إلا أنَّ هذا منصوب؛ أي: إلى أن أنسل (من لِحَافي)؛ بكسر اللَّام، وفتح الحاء المهملة؛ أي: ما يلتحف به الإنسان اتقاء البرد.
ففي الحديث: دليل على جواز الصلاة على السرير.
وفيه: دلالة على أنَّ مرور المرأة بين يدي المصلي لا يقطع صلاته؛ لأنَّ انسلالها من لحافها كالمرور بين يدي المصلي.
وفيه: جواز الصلاة بحضرة نائم أو مضطجع ولو امرأة.
وفيه: أنَّ المرأة إذا مست الرجل وبالعكس؛ لا ينقض الوضوء؛ لأنَّ عائشة رضي الله عنها مست بدنه عليه السلام وهو في الصلاة، ولم ينكر عليها؛ فافهم.
ومطابقة الحديث للتَّرجمة ظاهرة؛ لأنَّ التَّرجمة في حكم الصلاة على السرير، وفي الحديث:(فيتوسط السرير، فيصلِّي فيه)، فهو يدل على أنَّه يصلِّي على السرير، كما نبَّه عليه الكرماني، وقال: حروف الجر يقام بعضها مقام البعض.
وقال إمام الشَّارحين: (فإن قلت: وقوله: «فيتوسط السرير» يشمل ما إذا كان فوقه أو أسفل منه.
قلت: لا نسلم ذلك؛ لأنَّ معنى قوله: «فيتوسط السرير» : يجعل نفسه في وسط السرير.
فإن قلت: ذكر البخاري في «الاستئذان» حديث الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن عائشة:«كان يصلِّي والسرير بينه وبين القبلة» ، فهذا يبين أنَّ المراد من حديث الباب أسفل السرير.
قلت: لا نسلم ذلك؛ لاختلاف العبارتين مع احتمال كونهما في الحالتين، فإذا علمت ذلك؛ علمت أنَّ قول الإسماعيلي: بأنَّه دال على الصلاة على السرير لا إلى السرير، غير وارد، يظهر ذلك بالتأمل) انتهى.
واعترضه العجلوني فزعم أنَّ المراد: الصلاة إلى السرير بالتوجه إليه، كما يدل عليه رواية مسروق، فيكون قوله:(يتوسط السرير)؛ أي: أسفل منه، ونقله عن ابن حجر، ثم زعم وأيد كلامه بأنَّ الكلام في السترة والصلاة إليها لا في الصلاة على السرير، ورواية ابن عساكر يحتمل أن ترد (على) بمعنى (إلى) انتهى.
قلت: وهذا تعصب بارد من ذهن شارد؛ لأنَّ كون المراد ما زعمه خلاف الظَّاهر من اللَّفظ، فإنَّ التَّرجمة في الصلاة على السرير كما بينته رواية ابن عساكر، وهو يعين أنَّ الصلاة فوقه كما في قولك:
(1)
في الأصل: (جمع)، ولعل المثبت هو الصواب.