الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالعشرات إلى التسعين، فلا يقال: بضع ومئة ولا بضع وألف، انتهى، وفي «القاموس» : هو ما بين الثلاث إلى التسع، أو إلى الخمس، أو ما بين الواحد إلى أربع، أو من أربع إلى تسع، أو هو سبع، وإذا جاوز العشر؛ ذهب البضع، لا يقال: بضع وعشرون، أو يقال ذلك، انتهى، ويكون مع المذكر بهاء، ومع المؤنث بغير هاء، فتقول: بضعة وعشرون رجلًا، وبضع وعشرون امراة، ولا تعكس، وفي رواية:(بضعة).
(وستون شعبة) بتأنيث بضعة على تأويل الشعبة بالنوع؛ إذا فسرت الشعبة بالطائفة من الشيء، وقال الإمام شهاب الدين الكرماني: إنَّها في أكثر الأصول، قال ابن حجر: بل هي في بعضها، واعترضه الإمام بدر الدين العيني، ورجح قول الكرماني، وقال: إنه الصواب، ورجح القسطلاني قول ابن حجر؛ تعصبًا.
وقد وقع عند مسلم عن عبد الله بن دينار: (بضع وستون أو بضع وسبعون) على الشك، وعند أصحاب «السنن» :(بضع وسبعون) من غير شك، وهل المراد حقيقة العدد أم المبالغة؟ قيل: الظاهر أنه معنى التكثير، ويكون ذكر البضع؛ للترقي؛ يعني: أن شعب الإيمان أعداد مبهمة ولا نهاية لكثرتها، ولو أراد التحديد؛ لم يبهم، وقيل: المراد حقيقة العدد، ويكون النص وقع أولًا على البضع والستين؛ لكونه الواقع، ثم تجددت العشرة الزائدة، فنص عليها؛ فتأمل.
(والحياء) بالمد، وهو شرعًا: خلق يَبعث على اجتناب القبيح وفعل الحسن؛ وهو مبتدأ، خبره (شعبة)، وقوله:(من الإيمان) صفة لـ (شعبة)، وإنما خصه بالذكر؛ لأنَّه كالداعي إلى باقي الشعب؛ لأنَّه يبعث على الخوف من فضيحة الدنيا والآخرة، وانظر إلى قول الرسول الأعظم عليه السلام:«استحيوا من الله حق الحياء» ، قالوا: إنا لنستحي من الله يا رسول الله والحمد لله، قال:«ليس ذلك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء؛ أن يحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ويذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا وآثر الآخرة على الأولى، فمن يعمل ذلك؛ فقد استحى من الله حق الحياء» .
لا يقال: إن الحياء من الغرائز فلا يكون من الإيمان؛ لأنَّه قد يكون غريزة، وقد يكون تخلقًا، إلا أن استعماله على وَفق الشرع؛ يحتاج إلى اكتساب، وعلم، ونية، فمن ثَمَّ كان من الإيمان، وقد زاد مسلم على ما هنا:(فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)، واستدل بهذا القائلون: بأن الإيمان فعل الطاعات بأسرها، والقائلون: بأنه مركب من التصديق، والإقرار، والعمل جميعًا.
وأجيب بأن المراد شعب الإيمان قطعًا لا نفس الإيمان؛ فإن إماطة الأذى عن الطريق ليس داخلًا في أصل الإيمان حتى يكون فاقده غير مؤمن، فلا بد في الحديث من تقدير مضاف، فالمراد: ثمرات الإيمان؛ لأنَّ الأعمال غير داخلة في الإيمان؛ لما مر أن حقيقة الإيمان؛ هو التصديق، ولأنه قد ورد في الكتاب والسنة عطف الأعمال على الإيمان؛ كقوله تعالى:({إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الكهف: 107]) مع القطع بأن العطف يقتضي المغايرة وعدم دخول المعطوف في المعطوف عليه.
وورد أيضًا: جعل الإيمان شرط صحة الأعمال؛ كما في قوله تعالى: ({وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [طه: 112]) مع القطع بأنَّ المشروط لا يدخل في الشرط؛ لامتناع اشتراط الشيء بنفسه، وورد إثبات الإيمان لمن ترك بعض الأعمال؛ كما في قوله تعالى:({وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9]) على ما مر؛ من أن العبد لا يخرج بالمعصية عن الإيمان مع القطع بأنَّه تحقق للشيء بدون ركنه؛ فهذا دليل على أن الأعمال غير داخلة في الإيمان، وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص؛ كما علمت؛ فليحفظ.
(4)
[بابٌ: الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ]
(باب) بالتنوين: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، وسقط لفظ (باب) للأصيلي.
[حديث: المسلمُ مَنْ سلمَ المسلمونَ مِنْ لسانهِ]
10 -
وبه قال: (حدثنا آدم بن أبي إياس)؛ بكسر الهمزة، وتخفيف المثناة التحتية، آخره سين مهملة، المتوفى سنة ست وعشرين ومئتين، (قال: حدثنا شعبة) ولابن عساكر: (عن شعبةَ)؛ غير منصرف، ابن الحجاج بن الورد الواسطي، المتوفى بالبصرة سنة ستين ومئة، (عن عبد الله بن أبي السَّفَر) بفتح المهملة والفاء، وحُكي إسكانها؛ ابن يُحمد؛ بضم المثناة التحتية وفتح الميم أو بكسرها، الهمداني الكوفي، المتوفى في خلافة مروان بن محمد، (و) عن (إسماعيل) وفي رواية:(ابن أبي خالد)؛ أي: الأحمسي، المتوفى سنة خمس وأربعين ومئة، كلاهما (عن الشعبي) بفتح المعجمة، وسكون المهملة، وكسر الموحدة؛ نسبة إلى (شَعب) بطن من همدان، أبي عمرو عامر بن شراحيل، الكوفي التابعي، قاضي الكوفة، المتوفى بعد المئة، (عن عبد الله بن عمرو) ابن العاصي القرشي السهمي، المتوفى بمكة، أو الطائف، أو مصر، سنة خمس وسبعين، وكان أسلم قبل أبيه، وكان بينه وبينه في السن إحدى عشرة سنة كما جزم المزي، قاله القسطلاني، ((عن النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم أنه (قال: المسلم)؛ الذي وجد حلاوة الإيمان (من سلم المسلمون) وكذا المسلمات وأهل الذمة إلَّا في حدٍّ، أو تعزير، أو تأديب (من لسانه ويده)؛ وهذا من جوامع كلمه عليه السلام، والذي وجد حلاوة الإيمان؛ هو الذي وجد فيه هذه الصفة وباقي الصفات التي هي الأركان، وعبَّر باللسان دون القول؛ ليدخل فيه من أخرج لسانه استهزاءً بصاحبه، وقدَّمه على اليد؛ لأنَّ إيذاءه أكثر وقوعًا وأشد نكاية، ولله در القائل:
جراحاتُ السنانِ لها التئامُ
…
ولا يلتام ما جرحَ اللِّسانُ
وخص اليد مع أن الفعل قد يحصل بغيرها؛ لأنَّ سلطنة الأفعال إنَّما تظهر بها، والظاهر أنَّ المراد من الحديث؛ ما هو أعم من الجارحة، كالاستيلاء على حق الغير من غير حق؛ فإنَّه إيذاء، لكنه ليس باليد الحقيقي؛ فتأمل، (والمهاجر) معطوف على ما قبله؛ أي: المهاجر حقيقة (من هجر)؛ أي: ترك (ما نهى الله عنه) كأنَّ المهاجرين خوطبوا بذلك؛ لئلا يتَّكلوا على مجرد الانتقال من دارهم، وأوقع ذلك بعد انقطاع الهجرة؛ تطييبًا لقلوب من لم يدرك ذلك.
(قال أبو عبد الله))؛ أي: البخاري، وفي رواية: بإسقاطها: (وقال أبو معاوية) محمد بن خازم بالمعجمتين، الكوفي، قيل: كان مُرجئيًّا، المتوفى سنة خمس وتسعين ومئة في صفر، (حدثنا داود) وفي رواية:(هو ابن أبي هند)؛ أي: المتوفى سنة أربعين ومئة، (عن عامر) الشعبي السابق قريبًا، (قال: سمعت عبد الله بن عمرو) في رواية: (هو ابن عمرو
(1)
)، وفي أخرى:(يعني: ابن عمرو)(عن النبي)) الأعظم صلى الله عليه وسلم، وقال عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة، من بني سامة بن لؤي القرشي البصري، المتوفى في شعبان سنة سبع وثمانين ومئة (عن داود) بن أبي هند السابق (عن عامر)؛ أي: الشعبي، (عن عبد الله) بن عمرو بن العاص (عن النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم، وهذا التعليق وصله إسحاق ابن راهويه في «مسنده» .
(5)
[بابٌ أيُّ الإسلامِ أفضل
؟]
(باب) بالتنوين (أيُّ الإسلام أفضل؟)
[حديث: يا رسولَ اللهِ أيُّ الإسلامِ أفضلُ
؟]
11 -
وبه قال: (حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد القرشي) بجر الياء؛ صفة لـ (سعيد) الثاني المتوفى سنة سبع وأربعين ومئتين، وسقط عند الأصيلي:(ابن سعيد القرشي)(قال: حدثنا أبي) يحيى بن سعيد المتوفى سنة أربع وسبعين ومئة (قال: حدثنا أبو بُرْدة) بضم الموحدة وسكون الراء، واسمه: بُريد بالتصغير (بن عبد الله بن أبي بردة عن أبي بُردة)؛ بضم الموحدة؛ جدّ الذي قبله، وافقه في الكنية لا في الاسم، واسمه عامر، المتوفى بالكوفة سنة ثلاث ومئة، (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس بن سُليم؛ بضم السين، الأشعري نسبة إلى الأشعر؛ لأنَّه ولد أشعر، المتوفى بالكوفة سنة خمس وأربعين، رضي الله عنه قال: قالوا)، وعند مسلم:(قلنا) وعند ابن منده: (قلت) : (يا رسول الله؛ أي) وشرطها: أن تدخل على متعدد؛ وهو هنا مقدر: بذوي؛ أي: أيُّ أصحاب (الإسلام أفضل؟)، وعند مسلم:(أي المسلمين أفضل؟)(قال) عليه السلام: (من سلم المسلمون من لسانه ويده)؛ أي: أفضل من غيره؛ لكثرة ثوابه من حيث الأعمال الخالصة لوجهه تعالى، فيضيء نورها في وجهه؛ كما قدمنا.
(6)
[بابٌ إطعامُ الطعام مِنَ الإسلامِ]
هذا (باب) بالتنوين، وهو ساقط عند الأصيلي (إطعام الطعام من الإسلام)، وللأصيلي:(من الإيمان)؛ أي: من خصاله.
[حديث: أن رجلًا سأل النبيَّ: أي الإسلام خير
؟]
12 -
وبه قال: (حدثنا عَمرو بن خالد)؛ بفتح العين، ابن فَرُّوخ؛ بفتح الفاء، وتشديد الراء مضمومة، آخره معجمة، الحرَّاني البصري، المتوفى بها سنة تسع وعشرين ومئتين (قال: حدثنا الليث) بالمثلثة؛ ابن سعد الفهمي، وفهم؛ من قيس عيلان المصري، الإمام الجليل المشهور، القلقشندي المولد، الحنفي المذهب على التحقيق، وما قاله القسطلاني: من أنَّ المشهور أنَّه كان مجتهدًا فتعصب؛ لأنَّه لم يشتهر إلَّا عنده، المتوفى في نصف شعبان، سنة خمس وسبعين ومئة، (عن يزيد) أبي رجاء بن أبي حبيب، التابعي الجليل، مفتي مصر، المتوفى سنة ثمان وعشرين ومئة، (عن أبي الخير) مرثَد؛ بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة: ابن عبد الله اليزني؛ نسبة إلى ذي يزن، المتوفى سنة تسعين (عن عبد الله
(1)
في الأصل: (عمر)، وليس بصحيح.
ابن عمرو) أي: ابن العاصي رضي الله عنهما: أن) بفتح الهمزة (رجلًا) هو أبو ذر؛ فليحفظ، (سأل النبي) الأعظم، وفي رواية:(رسول الله) صلى الله عليه وسلم: أي) خصال (الإسلام خير؟ قال) وفي رواية: (فقال)؛ أي: النبي عليه السلام: (تطعم) الخلق (الطعام)، و (تطعم) محله رفع خبر مبتدأ محذوف؛ بتقدير:(أن)؛ أي: وهو أن تطعم الطعام، فـ (أن) مصدرية، والتقدير: هو إطعام الطعام، ولم يقل: تؤكِل الطعام ونحوه؛ لأنَّ لفظ الإطعام يشمل الأكل، والشرب، والإعطاء، (وتَقرأُ)؛ بفتح التاء وضم الهمزة: مضارع (قرأ)، (السلام على من عرفت ومن لم تعرف) من المسلمين، فلا تخص به أحدًا؛ تكبرًا وتجبرًا، بل عُمَّ به كل أحد؛ لأنَّ المؤمنين إخوة، وحذف العائد في الموضعين؛ للعلم به، والتقدير: على من عرفتَه ومن لم تعرفه، وإنَّما لم يقل: وتسلم؛ حتى يتناول سلام الباعث بالكتاب المتضمن للسلام.
(7)
[بابٌ من الإيمان أن يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه]
هذا (باب)؛ بالتنوين، وهو ساقط في رواية (من الإيمان أن يحب لأخيه) المسلم وكذا المسلمة مثل (ما) أي: الذي (يحب لنفسه).
[حديث: لا يومنُ أحدكمْ حتَّى يحبَّ لأخيهِ ما يحبُّ لنفسهِ]
13 -
وبه قال: (حدثنا مُسَدَّد)؛ بضم الميم، وفتح السين، وتشديد الدال المهملتين: ابن مُسرهد [بن مسربل] بن مرعيل (1) بن أرندل بن سرندلبن عرندل (2) بن ماسك بن مستورد (3) الأسدي البصري، المتوفى في رمضان سنة ثلاث وعشرين ومئتين.
(قال: حدثنا يحيى) بن سعيد بن فَرُّوخ؛ بفتح الفاء، وتشديد الراء مضمومة، آخره خاء معجمة، غير منصرف؛ للعجمة والعلمية، القطان التميمي البصري المتوفى سنة ثمان وتسعين ومئة، (عن شعبة) بضم المعجمة؛ ابن الحجاج الواسطي البصري المتقدم، (عن قتادة) بن دِعامة- بكسر الدال- ابن قتادة السدوسي؛ نسبة لجده الأعلى، الأكمه البصري، التابعي، المتوفى بواسط سنة سبع عشرة ومئة، (عن أنس)؛ هو ابن مالك بن النضر -بالنون والضاد المعجمة-: الأنصاري النجَّاري، خادم رسول الله عليه السلام تسع سنين، آخر من مات من الصحابة بالبصرة سنة ثلاث وتسعين، رضي الله عنه، عن النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم، ثم عطف على شعبة قوله:(وعن حسين)؛ بالتنوين: ابن ذكوان (المعلم) البصري (قال: حدثنا قتادة) بن دِعامة المتقدم؛ فكأنه قال: عن شعبة وحسين، كلاهما عن قتادة، وأفردها؛ تبعًا لشيخه، وليست طريقة حسين معلَّقة؛ بلموصولة؛ كما رواها أبو نُعيم، وما قيل: إن قتادة مدلس ولم يصرح بالسماع؛ مردود، فإنَّه صرح أحمد والنسائي في روايتهما بسماع قتادة له من أنس؛ فليحفظ.
(عن أنس) وفي رواية: (عن أنس بن مالك)(عن النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن) وفي رواية: (أحدكم) وفي أخرى: (أحد)، وفي أخرى:(عبدٌ الإيمان الكامل)(حتى يحب لأخيه) المسلم وكذا المسلمة مثل (ما يحب لنفسه)؛ أي: الذي يحب لنفسه من الخير، وهذا وارد مورد المبالغة، وإلَّا فلا بد من بقية الأركان، ولم ينص على أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه؛ لأنَّ حب الشيء مستلزم لبغض نقيضه، ويدخل في عموم (أخيه) الذميُّ؛ بأن يحب له الإسلام ويبغض له الكفر، ويؤيِّده حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام: «من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن؟ فقال أبو هريرة: قلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعدَّ خمسًا قال: «اتَّق المحارم؛ تكن أعبد الناس، وارض بما قسم لك؛ تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك؛ تكن مؤمنًا، وأحب للناس ما تحب لنفسك؛ تكن مسلمًا
…
» الحديث، رواه الترمذي وغيره.
========
(1) في الأصل: (مرعيل)، والمثبت موافق لما في المصادر.
(2) في الأصل: (عزندل)، والمثبت موافق لما في المصادر.
(3) في الأصل: (مستودد)، والمثبت موافق لما في المصادر.
(8)
[بابٌ حبُّ الرسول من الإيمان]
(بابٌ) بالتنوين: (حب الرسول) الأعظم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الإيمان).
[حديث: فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكونَ أحبَّ إليه]
14 -
وبه قال: (حدثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع المتقدم (قال: أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة الحمصي، (قال: حدثنا) وفي رواية: (أخبرنا)(أبو الزِّناد)؛ بكسر الزاي وبالنون: عبد الله بن ذكوان المدني، القرشي، التابعي، المتوفى سنة ثلاثين ومئة، (عن الأعرج) أبي داود عبد الرحمن بن هرمز التابعي المدني القرشي، المتوفى بالإسكندرية سنة سبع عشرة ومئة على الأصح، (عن أبي هريرة) نقيب أهل الصُّفَّة رضي الله عنه: أن) بفتح الهمزة (رسول الله) وفي رواية: (عن النبي) أي: الأعظم صلى الله عليه وسلم قال: فو) الله (الذي) بالفاء، وفي رواية:(والذي)(نفسي) أي: روحي (بيده)؛ أي: بقدرته، أو هو من المتشابه المفوَّض علمه إلى الله تعالى، والأول أعلم، والثاني أسلم.
وروي عن إمامنا رئيس المجتهدين الإمام الأعظم -وحيث أطلق لا يراد به إلَّا أبو حنيفة النعمان رضي الله تعالى عنه، وأسكنه في أعلى الجنان- يلزم من تأويلها بالقدرة عين التعطيل، فالسبيل إليه كأمثاله: الإيمان به على ما أراد سبحانه، ونكف عن الخوض في تأويله فنقول: له يد على ما أراد لا كيَد المخلوق؛ وهكذا، انتهى.
وأقسم تأكيدًا، وفيه إشارة إلى جواز القسم على الأمر المهم للتأكيد وإن لم يكن هناك مستحلِف، والمقسَم عليه هنا قوله:(لا يؤمن أحدكم)؛ أي: لا يجد حلاوة الإيمان (حتى أكون أحب إليه)(أفعل) تفضيل بمعنى المفعول، وهو هنا مع كثرته -على غير قياسٍ- منصوب خبرًا لـ (أكون)، وفصل بينه وبين معموله بقوله:(إليه)؛ لأنَّه يتوسع في الظرف ما لا يتوسع في غيره، (من والده) أبيه؛ أي: وأمه، وإنَّما خصَّ الأب واكتفى به؛ لما أنه يعلمه طريق الحق المستقيم، والاختلاط بالأولياء، والعلماء، والصالحين، وأحكام الله تعالى، بخلاف الأم، فهو أحق بالمحبة من الأم؛ فلذا اكتفى عليه السلام به، (وولده) ذكرًا أو أنثى، وعند النسائي: قدم الولد على الوالد؛ وذلك لمزيد الشفقة والرحمة، وأنه بضعة منه، وأنه يخلفه في داره، وعرضه، وماله، ويدعوله بعد موته، فهي صدقة جارية، فلا شك في كونه محبوبًا.
[حديث: لا يؤمنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من والده]
15 -
وبه قال: (حدثنا) وفي رواية: (أخبرنا)(يعقوب) أبو يوسف (بن إبراهيم) بن كثير الدورقي العبدي المتوفى سنة اثنتين وخمسين ومئتين (قال: حدثنا ابن عُلَيَّة)؛ بضم العين المهملة، وفتح اللام، وتشديد المثناة تحت؛ نسبة إلى أمه، واسمه: إسماعيل بن إبراهيم بن سهم البصري الأسدي، أسد خزاعة، الكوفي الأصل، المتوفى ببغداد سنة أربع وتسعين ومئة، (عن عبد العزيز بن صُهَيْب)؛ بضم الصاد المهملة، وفتح الهاء، وسكون المثناة تحت، آخره موحدة: البُناني؛ بضم الموحدة وبالنون؛ نسبة إلى (بنانه)؛ بطن من قريش، التابعي كأبيه، (عن أنس) وفي رواية:(ابن مالك)، (عن النبي) الأعظم، وفي رواية:(عن أنس قال: قال النبي)؛ أي: الأعظم صلى الله عليه وسلم، ولفظ متن هذا السند؛ كما رواه ابن خزيمة عن يعقوب بهذا الإسناد:(لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله وماله).
(ح) علامة للتحويل: (وحدثنا آدم) بن أبي إياس بالواو، عطف على السند السابق، العاري عن المتن، الموهمة لاستواء السندين في المتن الآتي، وليس كذلك؛ فليحفظ، (قال: حدثنا شعبة) بن الحجاج، (عن قتادة) بن دِعامة، (عن أنس) أنه (قال: قال النبي) الأعظم، وفي رواية:(قال رسول الله) صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم)؛ أي: لا يجد حلاوة الإيمان (حتى أكون أحبَّ) بالنصب (إليه من والده) أبيه وأمه أو أعم (وولده) ذكرًا أو أنثى (والناس أجمعين)؛ هذا من باب عطف العام على الخاص، وتدخل النفس في عموم الناس؛ لما يأتي في حديث عبد الله بن هشام من التنصيص على ذكر النفس، والمراد هنا: المحبة الإيمانية؛ وهي اتباع المحبوب، لا الطبيعية، ومن ثم لم يحكم بإيمان أبي طالب مع حبه له عليه السلام، على ما لا يخفى.
(9)
[بابُ حلاوةِ الإيمان]
هذا (باب حلاوة الإيمان) والمراد: أن الحلاوة من ثمراته؛ فهي أصل زائد عليه، وسقط لفظ (باب) عند الأصيلي.
[حديث: ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد حلاوةَ الإيمان]
16 -
وبه قال: (حدثنا محمد بن المثنى) بالمثلثة ابن عبيد العنَزي؛ بفتح النون بعدها زاي؛ نسبة إلى عنَزة بن أسد؛ حي من ربيعة، البصري، المتوفى بها سنة اثنتين وخمسين ومئتين، (قال: حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد بن الصلت (الثقفي) بالمثلثة، بعدها قاف، ثم فاء؛ نسبة إلى ثقيف، البصري، المتوفى سنة أربع وتسعين ومئة.
(قال: حدثنا أيوب) بن أبي تميم، واسمه: كيسان السختياني؛ بفتح المهملة؛ نسبة لبيع السختيان؛ وهو الجلد، البصري، المتوفى بها سنة إحدى وثلاثين ومئة.
(عن أبي قِلابة)؛ بكسر القاف وبالموحدة: عبد الله بن زيد بن عمرو أو عامر، البصري المتوفى بالشام سنة أربع ومئة، (عن أنس) وفي رواية:(ابن مالك) رضي الله عنه عن النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم أنه (قال: ثلاث)؛ أي: ثلاث خصال، مبتدأ خبره جملة (من كن فيه؛ وجد)؛ أي: أصاب (حلاوة الإيمان)؛ ولذلك اكتفى بمفعول واحد، والمراد بـ (حلاوة الإيمان) : استلذاذه بالطاعات وانشراح الصدر لها؛ بحيث يخالط لحمه ودمه، فيتنور وجهه، ويحصل له التوفيق الإلهي، فيترك المنهيات ويفعل المأمورات؛ (أن يكون الله) تعالى (ورسوله) عليه السلام (أحب) أفرد الضمير فيه؛ لأنَّه أفعل تفضيل، وهو إذا وُصل بـ (من) أفرد دائمًا (إليه مما) إنَّما قال:(مما) ولم يقل: (ممن)؛ ليعم العاقل وغيره، (سواهما) عبر بالتثنية؛ إشارة إلى أن المعتبر: هو المجموع المركب من المحبتين، لا كل واحدة منهما؛ فإنَّها وحدها لاغية إذا لم تربط بالأخرى، ولا يعارض تثنية الضمير هنا بقصة