الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بلفظ: (لا يصل)؛ بغير ياء على أن كلمة (لا) ناهية، ورواه النسائي من طريق سفيان بلفظ:(لا يصلينَّ)؛ بزيادة نون التأكيد، وتمامه في «عمدة القاري» .
(أحدكم في الثوب الواحد) وقوله: (ليس على عاتقه)؛ بالإفراد رواية الأكثرين، وفي رواية:(على عاتقيه)؛ بالتثنية، جملة حالية بدون الواو، ويجوز في مثل هذا الواو وتركه (شيء) : وفي رواية «مسلم» : (منه شيء)، وذلك لئلا يسقط الثوب إذا ركع أو إذا سجد؛ فتظهر عورته، فتفسد صلاته، ورواه الإسماعيلي من طريق الثوري عن أبي الزناد بلفظ:(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ أبو جعفر الطحاوي: (بعد أن أخرج هذا الحديث من أربع طرق تواترت الآثار عن النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم بالصلاة في الثوب الواحد متوشحًا به في حال وجود غيره)، ثم قال: فقد يجوز أن يكون ذلك على ما اتسع من الثياب خاصة لا على ما ضاق منها، ويجوز أن يكون على كل الثياب ما ضاق منها وما اتسع، فنظرنا في ذلك؛ فإذا عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي قد حدثنا قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا قصر بن خليفة عن شرحبيل بن سعد قال: حدثنا جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «إذا اتسع الثوب؛ فتعطف به على عاتقك، وإذا ضاق؛ فاتزر به، ثم صل
(1)
»، فثبت بهذا الحديث: أن الاشتمال هو المقصود، وأنه هو الذي ينبغي أن يفعل في الثياب التي يصلي فيها، فإذا لم يقدر عليه لضيق الثوب؛ اتزر به.
واحتجنا أن ننظر في حكم الثوب الواسع الذي نستطيع أن نئتزر به ويشتمل، هل يشتمل به أو يئتزر، فكيف يعقل؛ فإذا يونس قد حدثنا قال: حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم قال:«لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء» ، فنهى عليه السلام في حديث أبي الزناد عن الصلاة في الثوب الواحد مئتزرًا به، وقد جاء عنه عليه السلام أيضًا:(أنه نهى أن يصلي الرجل في السراويل وحده ليس عليه غيره)، وهذا عندنا على الوجود معه لغيره، وإن كان لا يجد غيره؛ فلا بأس بالصلاة فيه، كما لا بأس بالصلاة في الثوب الصغير متَّزرًا به، فهذا تصحيح معاني هذه الآثار المروية عن النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم انتهى.
وزعم الكرماني: (أن النهي في الحديث ظاهره يقتضي التحريم، لكن الإجماع منعقد على جواز تركه؛ إذ المقصود ستر العورة، فبأي وجه حصل؛ جاز).
قال إمام الشَّارحين: (وفيه نظر؛ لأنَّ الإجماع ما انعقد على جواز تركه، فهذا أحمد ابن حنبل: لا يجوز صلاة من قدر على ذلك وتركه، ونقل ابن المنذر عن محمد بن علي: عدم الجواز، ونقل بعضهم: وجوب ذلك عن نص الشافعي، واختاره مع أن المعروف في كتب الشافعية خلافه)، وقال الخطابي:(النهي في الحديث نهي استحباب، وليس على سبيل الإيجاب، فقد ثبت أنه عليه السلام صلى في ثوب كان بعض طرفيه على [بعض] نسائه وهي نائمة، ومعلوم أن الطرف الذي هو لابسه من الثوب غير متسع لأنَّ يئتزر به، ويفضل منه ما يكون لعاتقه؛ إذ كان لا بد أن يبقى من الطرف الآخر منه القدر الذي يسترها، ففي حديث جابر الذي يتلو هذا الحديث أيضًا جواز الصلاة من غير شيء على العاتق) انتهى.
قلت: وفي رواية عن أحمد: أنه تصح صلاة من قدر على الثوب ويأثم، فجعله واجبًا مستقلًّا، وعلى ما تقدم؛ جعله شرطًا، وهو المشهور عنه، وزعم ابن حجر أن في كلام الخطابي نظر، ولم يذكر وجهه، ونظره مردود عليه؛ لأنَّه لو كان له وجه؛ لذكره.
والحاصل: أنه لم يوجد إجماع على جواز تركه، وأن النهي في الحديث للندب والاستحباب، وليس على سبيل الوجوب، والله تعالى أعلم.
[حديث: من صلى في ثوب واحد فليخالف بين طرفيه]
360 -
وبالسند إليه قال: (حدثنا أبو نُعيم)؛ بضم النون: هو الفضل بن دُكين -بضم الدال المهملة- واسمه عمرو بن حماد، القرشي التيمي الطلحي (قال: حدثنا شَيْبَان)؛ بفتح المعجمة أوله، وسكون التحتية، وفتح الموحدة: هو ابن عبد الرحمن النحوي، المؤدب، البصري، (عن يحيى بن أبي كثير)؛ بالمثلثة، ضد القليل: هو صالح بن المتوكل الطائي، مولاهم العطار، (عن عِكرمة)؛ بكسر العين المهملة، هو المفسر المشهور، مولى ابن عباس حبر الأمة، وترجمان القرآن (قال)؛ أي: يحيى: (سمعته)؛ أي: سمعت عكرمة- (أو كنت سألته)؛ بالشك؛ أي: كنت سمعت منه؛ إمَّا بسؤالي أو بغير سؤالي لا أحفظ كيفية الحال- (قال) : ولابن عساكر: (فقال)؛ أي: عكرمة: (سمعت أبا هريرة) : هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه (يقول) : جملة فعلية محلها نصب إمَّا مفعول ثاني لـ (سمعت)، وإمَّا حال على قولين مشهورين:(أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : ففيه الشهادة والسماع من أبي هريرة، وذلك إشارة إلى حفظه، واستحضاره، وإتقانه، كذا في «عمدة القاري» (يقول) : جملة محلها نصب كالأولى: (من صلى في ثوب واحد) : وسقط في رواية لفظة: (واحد)(فليخالف بين طرفيه)؛ أي: بين طرفي الثوب، والمخالفة بطرفيه على عاتقيه هو التوشح: وهو الاشتمال على منكبيه، وإنما أمر بذلك؛ ليستر أعلى البدن وموضع الزينة، وفائدة هذه المخالفة ألا يسقط الثوب عنه إذا ركع، وإذا سجد، وهذا الأمر للندب عند الجمهور حتى لو صلى وليس على عاتقه شيء؛ صحت صلاته، ويقال: إنه إذا لم يخالف بين طرفيه؛ ربما يحتاج إلى إمساكه بيده، فيشتغل بذلك، وتفوته سنة وضع اليد اليمنى على اليسرى، كذا قاله إمام الشَّارحين في «عمدة القاري» .
قلت: وربما أنه إذا لم يخالف بين طرفيه؛ تفسد صلاته؛ لاحتياجه إلى عمل كثير في إمساكه، ورفعه، ووضعه، وغير ذلك، والمقصود ستر العورة في الصلاة، وهذه المخالفة؛ لأجل عدم ذلك كله، وزعم ابن بطال أن هذه المخالفة فائدتها في الثوب ألا ينظر المصلي إلى عورة نفسه إذا ركع، انتهى.
قلت: وهذا كلام غير موجه؛ لأنَّ نظر العورة لا يضر المصلي؛ لأنَّ النظر إلى عورة نفسه مباح، وكذا مسها، وليس لذلك تأثير في صحة الصلاة، والأوجه ما قاله
(1)
في الأصل: (صلي)، ولعل المثبت هو الصواب.
إمام الشَّارحين، كما لا يخفى، واحتج أحمد ابن حنبل بظاهر هذا الحديث، وشرط الوضع على عاتقه عند القدرة، وفي رواية عنه:(أنه تصح صلاته، ولكنه يأثم بتركه).
قلت: ولا دليل فيه له؛ لأنَّ الأمر فيه للندب عند الجمهور، كما مر.
قال إمام الشَّارحين: (وجه مطابقة هذا الحديث للترجمة من حيث إن المخالفة بين طرفي الثوب لا يستر إلا بجعل شيء من الثوب على العاتق)، وزعم ابن حجر أنه في بعض طرق هذا الحديث:«فليخالف بين طرفيه على عاتقيه» ، وهو عند أحمد من طريق معمر عن يحيى، وعند الإسماعيلي وأبي نعيم من طريق حسين عن شيبان، ثم ادعى أنَّ هذا أولى في مطابقة الترجمة؛ لأنَّ فيه التصريح بالمراد، فالمصنف أشار إليه كعادته)، ورده إمام الشَّارحين فقال:(دعوى الأولوية غير صحيحة؛ لأنَّ الدلالة على المراد من الطريق الذي للمصنف من نفس الكلام المسوق أولى من الكلام الأجنبي عنه) انتهى.
قلت: بل هو المتعين؛ لأنَّ أخذ الدلالة عند المحققين من فحوى الكلام المسوق لا من كلام خارج عنه؛ لأنَّ ذلك معيب في الصناعة، وعادة المؤلف ليست كما ذكره هذا القائل؛ لأنَّ المراد بعادته: ترتيب أبوابه من ترجمتها وأحاديثها المطابقة لها، فإنه يذكر الباب ويترجم عليه، ثم يسوق الأحاديث المطابقة لما ترجم له، فهذه عادته، وكتابه «الجامع الصحيح» يدل عليه، فقول هذا القائل:(إن المصنف أشار بالترجمة إلى ما رواه أحمد والإسماعيلي وأبو نَعيم) : غير صحيح؛ لأنَّ ذلك بعيد، وغير مراد للمؤلف؛ لأنَّه لو كان مرادًا له؛ لذكره في كتابه هذا، وبعيد أن يحيل على خلاف كتابه؛ لأنَّه معيب في الصناعة؛ فليحفظ.
وقال إمام الشَّارحين: وفي هذا الحديث الشك من يحيى بين السماع والسؤال حيث قال أولًا: (سمعته)؛ أي: سمعت عكرمة، ثم قال:(أو كنت سألته)؛ يعني: سمعت منه إمَّا بسؤالي أو بغير سؤالي لا أحفظ كيفية الحال، وأخرجه الإسماعيلي عن مكي بن عبدان، عن حمدان السلمي، عن أبي نعيم بلفظ:(سمعته أو كتب به إلي)، والشك هنا من السماع والكتابة، وقال الإسماعيلي:(لا أعلم أحدًا ذكر فيه سماع يحيى عن عكرمة)، ورواه هشام، وحسين، ومعمر، وزيد بن سنان؛ كلٌّ قال عن عكرمة لم يذكر خبرًا ولا سماعًا، وأخرجه أبو داود من حديث يحيى، عن عكرمة، عن أبي هريرة بالعنعنة من غير شك، ولفظه:«إذا صلى أحدكم في ثوب؛ فليخالف بطرفيه على عاتقيه» انتهى، والله تعالى أعلم.
(6)
[باب إذا كان الثوب ضيقًا]
هذا (بابٌ)؛ بالتنوين: (إذا كان الثوب ضيقًا)؛ أي: كيف يفعل المصلي، والضَّيِّق؛ بفتح الضاد المعجمة، وتشديد المثناة التحتية، ويجوز تخفيفها، وهو صفة مشبهة، واسم الفاعل في هذه المادة:(ضائق) على وزن (فاعل)، والفرق بينهما: أن الصفة المشبهة تدل على الثبوت، واسم الفاعل يدل على الحدوث، كذا في «عمدة القاري» .
[حديث: ما السرى يا جابر
؟]
361 -
وبالسند إليه قال: (حدثنا يحيى بن صالح) : هو أبو زكريا الوُحاظي -بضم الواو، وتخفيف الحاء المهملة، وبالظاء المعجمة- الحمصي، الحافظ الثقة، المتوفى سنة اثنتين
(1)
وعشرين ومئتين (قال: حدثنا فُلَيْح)؛ بضم الفاء، وفتح اللام، وسكون التحتية، آخره حاء مهملة، وفليح لقبه، واسمه عبد الملك، وكنيته: أبو يحيى (بن سُلَيْمان) بضم السين المهملة، وفتح اللام، وسكون التحتية، (عن سعِيد) بكسر العين المهملة (بن الحارث)؛ بالثاء المثلثة: هو الأنصاري قاضي المدينة (قال: سألنا جابر بن عبد الله) : هو الأنصاري رضي الله عنه، (عن) حكم (الصلاة في الثوب الواحد) كيف يفعل المصلي؟ (فقال) أي: جابر: (خرجت مع النبيِّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم من المدينة (في بعض أسفاره)؛ أي: في غزوة بواط، كما عينه مسلم في روايته، وبُواط بضم الموحدة، وتخفيف الواو، بعدها ألف، ثم طاء مهملة، قال الصغاني: (بواط: جبال جهينة في ناحية ذي خشب، بين بواط والمدينة ثلاثة
(2)
برد أو أكثر)، وقال ابن إسحاق: (جميع ما غزا النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة سبع وعشرون
(3)
غزوة، غزوة ودان وهي غزوة الأبواء، وغزوة بواط من ناحية رضوى
…
)، ثم عد الجميع، كذا قاله إمام الشَّارحين في «عمدة القاري» .
(فجئت ليلة) أي: إلى النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم (لبعض أمري)؛ أي: لأجل بعض حوائجي، والأمر: هو واحد الأمور، لا واحد الأوامر؛ فافهم.
(فوجدته) صلى الله عليه وسلم (يصلي) : جملة محلها نصب على أنه مفعول ثان لـ (وجدت)، ولم تعلم هذه الصلاة، والظاهر: أنها نافلة الليل يدل عليه قوله: (ما السرى)؛ فافهم.
قال جابر: (وعلي ثوب واحد) : جملة اسمية في محل النصب على الحال، (فاشتملت به)؛ يعني: خالفت بين طرفي الثوب على عاتقي، وهو التوشح: وهو الاشتمال على المنكبين (وصليت إلى جانبه) : وكلمة (إلى) في الأصل: للانتهاء؛ والمعنى: صليت منتهيًا إلى جانب النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن تكون بمعنى (في)؛ لأنَّ حروف الجر يقوم بعضها مقام البعض، ويجوز أن يقال: فيه تضمين معنى الانضمام؛ أي: صليت منضمًا إلى جانبه عليه السلام، كذا في «عمدة القاري» .
قلت: يعني: أن جابر صلى مقتديًا بالنبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم في النافلة ليلًا، وهو جائز من غير كراهة؛ لأنَّه على سبيل التداعي، ولهذا لم ينهه عليه السلام عن ذلك، وأقره عليه؛ فافهم.
(فلما انصرف) أي: فرغ النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم من الصلاة؛ (قال) عليه السلام: (ما السُّرى)؛ بضم السين والقصر؛ أي: ما سبب سيرك ومجيئك إلي في الليل؟ (يا جابر)؛ وإنما سأله عن ذلك؛ لعلمه بأن الداعي له على المجيء بالليل أمر وحاجة ضرورية أكيدة، (فأخبرته بحاجتي) ولم يعلم ذلك الأمر، (فلما فرغت) أي: من بيان حاجتي؛ (قال) عليه السلام له: (ما هذا الاشتمال الذي رأيت؟)؛ هو استفهام إنكاري، وسبب الإنكار: أن الثوب كان ضيقًا، وأنه خالف بين طرفيه، وأنه تواقص؛ أي: انحنى عليه حتى لا يسقط؛ فكأنه عند المخالفة بين طرفي الثوب لم يصر ساترًا للعورة، فانحنى؛ ليستتر، فأعلمه عليه السلام بأن محل ذلك ما إذا كان الثوب واسعًا، وأمَّا إذا كان ضيقًا؛ فإنه يجزئه أن يئتزر به؛ لأنَّ المقصود هو ستر العورة، وهو يحصل بالائتزار، ولا يحتاج إلى الانحناء المغاير للاعتدال المأمور به، كذا في «عمدة القاري» .
قلت: وقد بيَّن مسلم في روايته سبب الإنكار؛ حيث أخرج هذا الحديث من حديث عبادة عن جابر مطولًا، وفيه:«إذا كان واسعًا؛ فخالف بين طرفيه، وإن كان ضيقًا؛ فاشدده على حقوك» ، وأخرجه أبو داود كذلك، وحَِقوك؛ بفتح الحاء المهملة وكسرها: الإزار، والأصل فيه: معقد
(1)
في الأصل: (اثنين)، ولعل المثبت هو الصواب.
(2)
في الأصل: (ثلاث)، ولعل المثبت هو الصواب.
(3)
في الأصل: (سبعًا وعشرين)، والمثبت هو الصواب.