الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منهما جميعًا النهي عن مس الذكر باليمين عند البول، فلا يدلُّ على منعه عند غير البول، ولا سيما قد جاء في الحديث ما يدلُّ على الإباحة وهو قوله عليه السلام لطلق بن عليٍّ حين سأله عن مسِّ ذكره؛ حيث قال له:«إنَّما هو بضعة منك» ، فهذا يدل على الجواز في كلِّ حال، ولكن خرجت حالة البول بهذا الحديث الصحيح، وما عدا ذلك فقد بقي على الإباحة، وفائدة تخصيص النهي بحالة البول؛ لأنَّ ما قرب من الشيء؛ يأخذ حكمه، ولما منع الاستنجاء باليمين؛ منع مس آلته حسمًا للمادة، وتمامه في «عمدة القاري» .
وما وقع في «شرح ابن حجر» ؛ فهو خبط وخلط كما بينه في «كشف الحجاب عن العوام فيما وقع في الفتح من الأوهام» ، فإنَّه كتاب عظيم الفوائد والفرائد؛ فليحفظ.
[حديث: إذا بال أحدكم فلا ياخذن ذكره بيمينه]
154 -
وبه قال: (حدثنا محمد بن يوسف) : هو الفريابي (قال: حدثنا الأوزاعي) : عبد الرحمن بن عمرو الإمام المشهور، (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة، (عن عبد الله بن أبي قَتادة)؛ بفتح القاف، (عن أبيه)؛ أي: أبي قتادة لا عن قتادة، وصرح ابن خزيمة في روايته بسماع يحيى له من عبد الله بن أبي قتادة، فأمن من التدليس على أن ابن المنذر صرَّح بالتحديث في جميع الإسناد، (عن النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم : أنه (قال: إذا بال أحدكم؛ فلا يأخذنَّ)؛ بنون التأكيد، وفي رواية: بحذفها، وهذا جواب الشرط ومحل المطابقة للترجمة، وفي رواية:(فلا يمس)(ذكره بيمينه)؛ لشرفها، كما في الرواية السابقة:(إذا أتى الخلاء؛ فلا يمس ذكره بيمينه).
فاعترض بأنَّ المسَّ أعم من المسك؛ أي: فكيف يستدل بالأعم على الأخص؟
ويجاب: بأن نفي الأعمِّ يستلزم نفي الأخصِّ على أنَّه مطابق نصًّا للرواية السابقة في الترجمة، ولابن حجر هنا كلام لا يخفى ما فيه من الخبط والخلط، كما بينه في «منهل العليل المطل على ما وقع في الفتح من التطويل الممل» .
(ولا يستنجي)؛ بحذف الياء على النهي، وفي رواية: بإثباتها على النفي، وعلى كل فهو مفسر لقوله فيما سبق:(ولا يتمسح)(بيمينه)؛ أي: في القبل أو الدبر، وليس النهي عن المسح خاصًّا بالدبر ولا النهي عن المس مختص بالدبر، كما سبق رده، وروي عن مالك: عدم كراهة الاستنجاء باليمين إذا كان فيها خاتم منقوش فيه اسم معظم؛ وهو مردود بهذه الأحاديث، على أنَّ النهي قد تأكَّد بوجود ذلك الخاتم، فإنَّه لو استنجى باليسرى مع وجود الخاتم فيها؛ فهو مكروه؛ لأنَّه مخلٌّ بتعظيم اسمه تعالى، على أنَّه قد أنكر هذه الرواية جمهور أصحاب مالك، فلا اعتداد بها؛ فافهم.
(ولا يتنفس في الإناء) : حالة شرب الماء وغيره، وهو بالرفع على أنَّ (لا) نافية، وبالجزم على أنَّها ناهية، روايتان كما مر، والجملة عطف على الجملة المركبة من الشرط والجزاء مجموعًا، ولهذا غيَّر الأسلوب؛ حيث لم يؤكد بالنُّون، ولا يجوز أن يكون معطوفًا على الجزاء؛ لأنَّه مقيد بالشرط، فيكون المعنى: إذا بال أحدكم؛ فلا يتنفس في الإناء، وهو غير صحيح؛ لأنَّ النهي مطلق، وذهب السكاكي إلى أنَّ الجملة الجزائية جملة خبرية مقيدة بالشرط فيحتمل على مذهبه أن يكون عطفًا على الجزائية، ولا يلتزم من كون المعطوف عليه مقيدًا بقيد أن يكون المعطوف مقيدًا به على ما هو عليه أكثر النحاة، كذا في «عمدة القاري» ، وما في «شرح العجلوني» ؛ فتعصبٌ؛ فافهم.
(20)
[باب الاستنجاء بالحجارة]
هذا (باب) حكم (الاستنجاء بالحِجارة)؛ بكسر الحاء المهملة، جمع حَجَر -بفتحتين-، ويجمع على أحجار للقلة، كما في حديث الباب، والتقييد بالحجارة جرى على الغالب، وإلا؛ فيجوز الاستنجاء بكلِّ طاهر قالع غير محترم ولا متقوَّم، كما سيأتي بيانه، وأشار المؤلف بهذه الترجمة الرد على من زعم أنَّ الاستنجاء
مختص بالماء دون غيره، وعلى من منع الاستنجاء بالحجارة.
[حديث: ابغني أحجارًا أستنفض بها ولا تاتني بعظم ولا روث]
155 -
وبه قال: (حدثنا أحمد بن محمد) أي: ابن أبي الوليد (المكي) : الأزرقي الغساني، جد أبي الوليد محمد بن عبد الله، صاحب «تاريخ مكة» ، المتوفى سنة أربع عشرة أو اثنتين وعشرين ومئتين (قال: حدثنا عمرو بن يحيى بن سعِيد) بكسر العين (بن عَمرو) -بفتح العين- أبو أمية (المكي) القرشي الأموي، المعروف بالأشدق، الأمير بالمدينة، المجهِّز البعوث إلى مكة، المتغلِّب على دمشق زمن عبد الملك بن مروان، فقتله عبد الملك، وسيَّر أولاده إلى المدينة، (عن جده) هو سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أبي أجنحة، التابعي الثقة، (عن أبي هريرة) : عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه (قال: اتَّبعت النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم؛ بهمزة وصل وتشديد المثناة فوق؛ أي: سرت وراءه، وبقطع الهمزة رباعيًا؛ أي: لحقته، قال تعالى:{فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ} [الشعراء: 60].
وحكى القزاز: أن أبا عمرو قرأ: {ثم اتَّبَعَ سببًا} ، والكسائي:{ثم أَتْبَعَ سببًا} ؛ يريد: لحق وأدرك، وذكر أن (تبعه وأتبعه) بمعنًى واحد، انتهى؛ أي: بالنظر لأصل المادة، وتفاوتهما: بالنظر إلى الصيغة؛ مثل: وفى وأوفى؛ فتأمَّل.
والجملة مقول القول.
(وخرج لحاجته)؛ أي: للبول أو للغائط، والجملة وقعت حالًا من النبي، مقترنة بالواو والضمير، و (قد) فيها مقدرة عند البصريين؛ لأنَّ الفعل الماضي إذا وقع حالًا؛ فلا بدَّ فيه من (قد) ظاهرة أو مقدرة، ويجوز فيه الواو وتركه، كما في قوله تعالى:{أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90]؛ أي: قد حصرت، وقد وقع بدون الواو، كذا في «عمدة القاري» بتغيير.
(فكان)؛ بالفاء العاطفة في رواية، وفي أخرى: بالواو الحالية، قاله في «عمدة القاري» ، وجوَّز ابن حجر كون الواو استئنافية، وهو غير صحيح؛ لاختلال المعنى، كما لا يخفى على من له أدنى ذوق في العلم، وتوجيه العجلوني له غير صواب؛ لركوبه فيه متن عمياء، ويرجح كونها حالية الرواية بالفاء العاطفة، كما لا يخفى؛ فافهم، وجملة قوله:(لا يلتفت وراءه) : محلها نصب خبر (كان)؛ والمعنى: أنه عليه السلام كان إذا مشى لا يلتفت وراءه، وكان هذا عادة مشيه عليه السلام (فدنوت) أي: قربت (منه) عليه السلام، زاد في رواية:(أستأنس به وأتنحنح، فقال: «من هذا؟» فقلت: أبو هريرة)، (فقال: ابغني) : يجوز في همزته الوصل إذا كان من الثلاثي؛ ومعناه: اطلب لي، والقطع إذا كان من المزيد؛ ومعناه: أعنِّي على الطلب، وكلاهما روايتان، كما قاله في «عمدة القاري» ، وفي رواية:(أبغ لي)؛ بهمزة قطع، وباللام بعد الغين بدل النُّون، وفي أخرى:(ائتني)(أحجارًا)؛ بالنصب مفعول ثان لـ (ابغني)، وفي رواية:(حجارة)(أستَنفض)؛ بفتح المثناة، بعدها نون، ثم فاء مكسورة، ثم ضاد معجمة، روي بالجزم؛ لأنَّه جواب الأمر، وبالرفع على الاستئناف على وزن (استفعل)، من النفض؛ بالنُّون والفاء المعجمة؛ وهو أن يهزَّ الشيء ليظهر غباره أو يزول ما عليه؛ ومعناه: أستنظف (بها)؛ أي: بالحجارة، متعلق بـ (أستنفض)؛ أي: أنظف بها نفسي من الحدث، وفي «المطالع» : أي: أستنجي بها، وقال في «المضرب» : الاستنفاض: هو الاستخراج، ويكنى به الاستنجاء، قال: ومن رواه بالقاف والصَّاد؛ فقد صحف، انتهى.
قال في «العباب» : استنفاض الذكر وانتفاضه: استبراؤه مما فيه من بقية البول.
قلت: الأول: بالفاء والضَّاد المعجمة، والثاني: بالقاف والضَّاد المعجمة، والثالث: بالقاف والصَّاد المهملة.
وقال أبو عبيد: انتقاص الماء: غسل الذكر بالماء؛ لأنَّه إذا غسل بالماء؛ ارتد البول ولم ينزل، وإن لم يغسل؛ نزل منه شيء بعد شيء حتى يُستَبرَأ، كذا في «عمدة القاري» ؛ فافهم.
(أو نحوَه)؛ بالنصب؛ لأنَّه مقول القول، وهو جملة في المعنى؛ والتقدير: أو قال نحو قوله: (أستنفض بها)، وذلك نحو قوله:
(أستنجي بها)، ووقع في رواية الإسماعيلي:(أستنجي بها) عوض (أستنفض بها)، والتردد فيه من بعض الرواة؛ فافهم.
(ولا تأتني)؛ بالجزم بحذف حرف العلَّة على النهي، وفي رواية:(ولا تأتيني)؛ بإثباته على النفي، وفي أخرى:(ولا تأتي)، وفي أخرى:(ولا تأتي لي)؛ باللام (بعظم ولا روث) : متعلق بـ (تأتني)، وقيد عليه السلام بهذين؛ لأنَّه خشي أن يفهم أبو هريرة من (أسنتفض بها) أنَّ كلَّ ما يزيل الأثر وينقي كافٍ ولا اختصاص لذلك بالأحجار، فنبَّهه في اقتصاره في النهي على العظم والروث على أنَّ ما سواهما يجزئ، ولو اختص بالأحجار، كما قال به الظاهرية وبعض الحنابلة، لم يكن لتخصيص هذين بالنهي معنًى، بل المراد الأحجار وما في معناها من كلِّ طاهر قالع غير محترم، وإنما خص الأحجار بالذكر؛ لأنَّها كانت أكثر الأشياء التي يستنجى بها وجودًا وأقربها تناولًا.
والعلَّة في النهي عن هذين؛ إن كان هو كونهما من طعام الجن -على ما سيجيء عند المؤلف في (المبعث) في هذا الحديث: أنَّ أبا هريرة قال للنبي عليه السلام: ما بال العظم والروث؟ قال: «هما من طعام الجن» -؛ فيلحق بهما سائر المطعومات للآدميين والبهائم بطريق القياس، وكذا المحترمات؛ كخرقة ديباج وقطن، والمراد كل شيء متقوَّم إلا الماء، وهو صادق بما يساوي فلسًا، وكذا أجزاء الآدمي ولو كان كافرًا أو ميتًا، وكذا ماء زمزم، وكذا أوراق الأشجار وأوراق الكتابة، وما كتب عليه شيء من العلم كالحديث والفقه، وما كان آلة لذلك، وكذا كتب الفلسفة، والتوراة، والإنجيل، خلافًا للشافعي.
وإن كان هو النجاسة في الروث؛ فيلحق به كل نجس كالعذرة والحجر الذي استنجى به، وكذا كل متنجس، وفي العظم كونه لزجًا فلا يزيل إزالة تامة، فيلحق به ما في معناه؛ كالزجاج، والفحم، والآجر، والخذف، والشعر، ويؤيده ما رواه الدارقطني وصحَّحه من حديث أبي هريرة: أنَّه عليه السلام نهى أن يستنجى بروث أو بعظم، وقال:«إنَّهما لا يطهِّران» ؛ أي: لا يطهِّران طهارة تامة؛ فافهم، وقيل: المعنى: أنَّ العظم لَزِجٌ لا يكاد يتماسك فيقلع النجاسة وينشف البِلَّة، وقيل: إنَّ العظم لا يكاد يَعْرَى من بقية دسم قد علق به، ونوع العظم قد يتأتَّى فيه الأكل لبني آدم؛ لأنَّ الرخو منه الرقيق قد يتمشمش في حالة الرفاهية، والغليظ الصلب منه يدق ويستف عند المجاعة والشدة، وقد حرم الاستنجاء بالمطعوم، فهذان وجهان، والثالث: كونه طعام الجن، كما سبق، وأمَّا الروث؛ فلأنَّه نجس لا يزيل النجاسة، بل يزيدها، وإمَّا لأنَّه طعام لدوابِّ الجن، وقال أبو نعيم في «دلائل النبوة» : إنَّ الجن سألوا هديةً منه عليه السلام فأعطاهم العظم والروث، فالعظم لهم والروث لدوابهم، فإذن لا يستنجى بهما، وإمَّا لأنَّه طعام للجن أنفسهم، ففي «الدلائل» للحاكم: أنَّه عليه السلام قال لابن مسعود ليلة الجن: «أولئك جن نصيبين، جاؤوني فسألوني الزاد فمتَّعتهم بالعظم والروث» ، فقال: وما يغني عنهم ذلك يا رسول الله؟ قال: «إنَّهم لا يجدون عظمًا إلا وجدوا عليه لحمه الذي كان عليه يوم أُخِذ، ولا وجدوا روثًا إلا وجدوا فيه حبه الذي كان عليه يوم أُكِل، فلا يستنجي أحد بعظم ولا روث» .
وفي رواية أبي داود: أنَّهم قالوا: يا محمد؛ انْهَ أمَّتك لا يستنجوا بعظم، أو روث، أو حُمَمَة، فإنَّ الله جعل لنا رزقًا فيها، فنهى عليه السلام عنه، والحُمَمَة؛ بضم الحاء المهملة وفتح الميمين؛ وهي الفحم أو ما احترق من الخشب والعظام ونحوها، وجمعها: حمم، وقوله:(رزقًا)؛ أي: انتفاعًا لهم بالطبخ والدفء والإضاءة، ولا يتأتَّى هذا ما تقرر أن ذلك كان بجعل النبي عليه السلام لهم وهو يقتضي ثبوته لهم قبله، فإن المعنى: جعل لنا فيها رزقًا بسبب جعلك إياها لنا، فإنه عن الله عز وجل، وفي «مسلم» : أنَّ الجن سألوه عليه السلام الزاد، فقال:«لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما كان لحمًا، وكل بعرة علف لدوابكم» ، فقال عليه السلام:«فلا تستنجوا بهما، فإنَّهما طعام إخوانكم» .
قلت: وهل هذا متحقق ولو تقادم عهده وتكررَّ، أو قاصر على قريب العهد الذي لم يطعمه أحد من الجن، والظاهر: الثاني وإن كانت الكراهة في الجميع؛ لأنَّ العلَّة تعتبر في الجنس، وإفادة الأحاديث أنَّ الجن يأكلون، وقيل: رزقهم الشم، ولا خلاف أنَّهم مكلفون، وإنَّما الخلاف في إثابتهم، فروي عن الإمام الأعظم التوقُّف، وروي عنه: أنَّ إثابتهم إجارتهم من العذاب، ويدل له قوله سبحانه وتعالى:{وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف: 31]، وهو لا يستلزم الإثابة.
وقال الإمام أبو يوسف، والإمام محمد، ومالك، وابن أبي ليلى: لهم ثواب كما عليهم عقاب، واستفيد من حديث مسلم أنَّه لو كان عظم ميتة؛ لا يكره الاستنجاء به؛ فتأمَّل.
قلت: إلَّا عظام بني آدم؛ فإنَّها لا يجوز الاستنجاء بها أصلًا لاحترامه؛ فليحفظ.
والمراد بالروث: اليابس، ففي «منح الغفَّار» : والروث وإن كان نجسًا عندنا؛ لقوله عليه السلام فيها: «ركس أو رجس» ، لكن لمَّا كان يابسًا لا ينفصل منه شيء؛ صحَّ الاستنجاء به؛ لأنَّه مخفِّفٌ لما على البدن من النجاسة الرطبة، انتهى، ومثله في «البحر»؛ أي: بخلاف الرطب، فإنه لا يخفِّف النجاسة؛ فلا يصحُّ الاستنجاء به أصلًا، ومثله: العَذِرَةُ؛ وهو الرجيع اليابس، والحجر المستنجى به، قال في «فتح القدير» : ولا يجزئه الاستنجاء بحجر قد استنجى به مرة، إلا أن يكون له حرف آخر لم يستنج به، انتهى، أي: لم تصبه النجاسة.
وقال الشافعي: ويجوز الاستنجاء بكتب الحكميات، والفلسفة، والتوراة والإنجيل إن علم تبدلهما وخلوهما عن اسم معظم.
قلت: وهذا مجازفة عظيمة على الله تعالى؛ لأنَّه تعالى لم يخبرنا بأنَّهم بدَّلوها عن آخرها، وخلوِّ اسم معظَّم منها غير محقَّق، بل الذي شاهدناه في التَّوراة والإنجيل أنَّهما محشوَّان من أسماء الله تعالى والأنبياء عليهم السلام، ولأنَّ غرضهم بتبديل الأحكام لا تبديل الأسماء والدَّعوات، وكونه منسوخًا لا يخرجه عن كونه كلام الله تعالى.
وقال إمامنا الإمام الأعظم: إنَّ للحروف حرمة ولو كانت مقطعة، وقد ذكر القراء: أنَّ الحروف الهجائية قرآن أنزلت على سيدنا هود عليه السلام، كما صرَّح به القسطلاني في «الإشارات» ، ومقتضى هذا الحرمة بالمكتوب مطلقًا، وإذا كانت العلَّة في الأبيض كونه آلة للكتابة؛ يؤخذ منها عدم الكراهة فيما لا يصلح لها إذا كان قالعًا للنجاسة غير متقوَّم؛ كورق الهشِّ كما يجوز بالخرق البوالي، وهل إذا كان متقوَّمًا ثم قطع منه قطعة لا قيمة لها بعد القطع يكره الاستنجاء بها أم لا؟ والظاهر: الثاني؛ لأنَّه لم يستنج بمتقوَّم، نعم؛ قطعه لذلكالظاهر: كراهته لو بلا عذر بأن وجد غيره؛ لأنَّ نفس القطع إتلاف، انتهى.
وقال بعض الأفاضل: ينبغي تقييد الكراهة فيما له قيمة بما إذا أدَّى إلى إتلافه، أمَّا لو استنجى به من بول أو مني مثلًا وكان يغسل بعده؛ فلا كراهة إلا إذا كان شيئًا ثمينًا تنقص قيمته بغسله؛ فتأمَّل.
وكذا يكره الاستنجاء بكلِّ ما ينتفع به لإنسي وجنِّي أو دوابِّهما، وظاهره ولو ممِّا لا يتلف بأن كان يمكن غسله، وكذا يكره الاستنجاء بماء الغير وحجره المحرز لو بلا إذنه، ومنه المسبَّل للشرب فقط، وكذا جدار ولو لمسجد