الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رئيس المجتهدين الإمام الأعظم التابعي الجليل، وأصحابه، ومالك، وداود، وهو وجه للشافعي؛ فافهم وتعجَّب، كذا في «عمدة القاري» .
(قال إبراهيم بن يوسف)؛ أي: ابن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني الكوفي، المتوفى سنة ثمان وتسعين ومئة، (عن أبيه) : يوسف الكوفي الحافظ، المتوفى سنة سبع وخمسين ومئة، أو زمن أبي جعفر المنصور، (عن) جده (أبي إسحاق) قال:(حدثني) بالإفراد (عبد الرحمن) : هو ابن الأسود بن يزيد؛ أي: بالإسناد السابق، وهذا موجود في غالب النسخ، ساقط في بعضها، وأراد المؤلف بهذا التعليق الردَّ على من زعم أنَّ أبا إسحاق دلَّس هذا الخبر، كما حكى ذلك عن الشاذكوني؛ فإنَّه صرَّح فيه بالتَّحديث.
وقد استدلَّ الإسماعيلي على صحَّة سماع أبي إسحاق لهذا الحديث من عبد الرحمن؛ لكون يحيى القطان رواه عن زهير، ثم قال: ولا يرضى القطَّان أن يأخذ عن زهير ما ليس بسماع لأبي إسحاق، وقال الكرماني: هذه متابعة ناقصة، ذكرها المؤلف تعليقًا.
فإن قيل: قد تُكلِّم في إبراهيم، قال عباس بن يحيى: إبراهيم ليس بشيء، وقال النسائي: إبراهيم ليس بالقوي.
قلت: يحتمل في المتابعات ما لا يحتمل في الأصول، انتهى كلامه.
قال في «عمدة القاري» : (قلت: لأجل متابعة يوسف المذكور حفيد أبي إسحاق زهير بن معاوية رجَّح المؤلف رواية زهير المذكورة وتابعهما أيضًا شريك القاضي، وزكريا بن أبي زائدة، وغيرهما، وتابع أبا إسحاق على روايته عن عبد الرحمن المذكور ليثُ بن أبي سليم، أخرجه ابن أبي شيبة، وحديثه يتشهد به، ولمَّا اختار في رواية زهير طريق عبد الرحمن على طريق أبي عبيدة؛ دلَّ على أنَّه عارف بالطريقين، وأنَّ رواية عبد الرحمن عنده أرجح، والله تعالى أعلم) انتهى.
(22)
[باب الوضوء مرةً مرةً]
هذا (باب) جواز (الوضوء مرةً مرةً)؛ بالنصب على المفعولية المطلقة، أو على الحال لتأوُّله بنحو مفصَّلًا، أو على الظرفية الزمانية؛ يعني: أنَّ لكلِّ عضو من أعضاء الوضوء مرة واحدة، لكن الاقتصار عليها بالنسبة إلينا مكروه كالاقتصار على مرتين حيث لم يكن عذر؛ فافهم.
[حديث: توضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرةً مرةً]
157 -
وبه قال: (حدثنا محمد بن يوسف) البيكندي أو الفريابي (قال: حدثنا سفيان) : بن عيينة أو الثوري، ورجَّح في «عمدة القاري» وتبعه ابن حجر والبرماوي: بأنَّ المراد: محمد بن يوسف الفرياني لا البيكندي، وسفيان الثوري لا ابن عيينة، والتردد فيهما للكرماني فقط؛ فليحفظ.
والسين في (سفيان) يجوز فيها الحركات الثلاث، والضم أشهر، ولا قدح في ذلك؛ لأنَّ أيًّا كان منهما؛ فهو عدل ضابط بشرط المؤلف لا يتفاوت الحكم باختلاف ذلك؛ فافهم.
(عن زيد بن أَسلَم)؛ بفتح الهمزة واللام، التابعي المدني، (عن عطاء) بالمد (بن يَسَار) بفتح التحتية والسين المهملة المخففة، (عن ابن عباس) رضي الله عنهما: أنه (قال: توضأ النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم مرةً مرةً)؛ بالنصب على الحال كما سبق، وقال الكرماني: منصوب على الظرف؛ أي: توضأ في زمان واحد ولو كان ثمة غسلتان أو غسلات لكل عضو من أعضاء الوضوء؛ لكان التوضؤ في زمانين أو أزمنة؛ إذ لا بدَّ لكلِّ غسلة من زمان غير زمان الغسلة الأخرى، أو منصوب على المصدر؛ أي: توضَّأ مرة، من التوضؤ؛ أي: غسل الأعضاء غسلة واحدة، وكذا حكم المسح.
فإن قلت: يلزم على هذا التقدير أن يكون معناه: توضَّأ عليه السلام في جميع عمره مرة واحدة، وهو ظاهر البطلان.
قلت: لا يلزم؛ لأنَّ تكرار لفظ (مرة) يقتضي التفصيل والتكرير، أو نقول: المراد: أنه غسل في كل وضوء كل عضو مرة؛ لأنَّ تكرار الوضوء منه عليه السلام معلوم بالضرورة.
وقال البرماوي: وهذا الثالث واضح؛ أي: توضَّأ فغسل كل عضو مرة، فكرر (مرة) لأجل ذلك فنصبه على المفعول المطلق المبيِّن للكمية، والوجهان الأوَّلان لا يخفى بُعْدُهما، انتهى.
لكن نظر فيه في «عمدة القاري» فقال: (بأنه يلزم منه أن جميع وضوئه عليه السلام في عمره مرة مرة، وليس كذلك على ما لا يخفى) انتهى، وهو كما قال ذكره العجلوني.
وفي الحديث ردٌّ على من قال: فرض مغسول الوضوء ثلاث، واستدل ابن التين بهذا الحديث على عدم إيجاب تخليل اللحية؛ لأنَّه إذا غسل وجهه مرة لا يبقى معه من الماء ما يخلل به، واستدلَّ به ابن بطال على طهورية الماء المستعمل بناءً على أنَّ الماء يصير مستعملًا بملاقاة أول جزء من العضو ثم غيره، وهو مستعمل، فيجزئ؛ وهو باطل؛ لأنَّ المراد بالمستعمل: ما انفصل عن العضو بعد كمال طهارته، ولا معنى لتخصيص الاستدلال بحديث المرة؛ فافهم، والله أعلم.
(23)
[باب الوضوء مرتين مرتين]
هذا (باب) جواز (الوضوء مرتين مرتين) : لكل عضو، ونصبهما ما مرَّ في (مرة مرة).
[حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين]
158 -
وبه قال: (حدثنا)؛ بالجمع، وفي رواية: بالإفراد (الحسين)؛ بالتصغير، وفي رواية:(حسين)؛ بدون (أل) التي للَّمح، (بن عيسى) بن حُمران؛ بضم الحاء المهملة، أبو علي الطائي القومسي -بالقاف والسين المهملة- البَسطامي الدامغاني، وبَسطام؛ بفتح الموحدة، والدامغان؛ بالغين المعجمة من قومس، وقومس: عمل مفرد بين الري وخراسان، المتوفى بنيسابور سنة سبع وأربعين ومئتين، (قال: حدثنا يونس بن محمد) بن مسلم أبو محمد المؤدِّب المعلِّم البغدادي، المتوفى سنة سبع أو ثمان ومئتين (قال: حدثنا)، وفي رواية:(أخبرنا)(فُلَيْح بن سليمان)؛ بضم الفاء، وفتح اللام، وسكون التحتية، آخره حاء مهملة، واسمه عبد الملك، وفليح لقب له غلب عليه، (عن عبد الله بن أبي بكر بن عَمرو بن حَزْم)؛ بفتح العين في الأول، وفتح الحاء المهملة وسكون الزاي في الثاني، المدني التابعي الأنصاري، المتوفَّى سنة خمس وثلاثين ومئة، وفي رواية:(أبي بكر بن محمد بن عمرو)؛ بزيادة (ابن محمد) بين (أبي بكر) و (ابن عمرو).
(عن عبَّاد بن تميم)؛ بتشديد الموحدة بعد العين المهملة، ابن زيد بن عاصم الأنصاري واختلف في صحبته، (عن عبد الله بن زيد)؛ أي: ابن عاصم المازني، وهو عمُّ عبَّاد، وهو غير عبد الله بن زيد بن عبد ربِّه صاحب رؤيا الأذان، كما في «عمدة القاري» ، وتبعه العجلوني في «شرحه» وغيره، فما وقع في «شرح القسطلاني» من أنَّه صاحب رؤيا الأذان؛ خطأ، والصواب: أنَّه غيره؛ فافهم: (أنَّ النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم توضأ) فغسل أعضاء الوضوء (مرتين مرتين)؛ أي: لكلِّ عضو؛ بالنصب فيهما على المفعولية المطلقة، أو على الظرف، أو على الحال، كما سبق في (مرة مرة).
قال ابن حجر: وهذا الحديث مختصر من حديث عبد الله بن زيد المشهور في صفة وضوئه عليه السلام، كما سيأتي بعد من حديث مالك وغيره، لكن ليس فيه الغسل مرتين إلا في اليدين إلى المرفقين، وكان حقُّ حديث عبد الله بن زيد أنَّ يُبوَّب له: غسل بعض الأعضاء مرة، وبعضها مرتين، وبعضها ثلاثًا.
وروى أبو داود والترمذي وصحَّحه ابن حبان عن أبي هريرة: أنَّه عليه السلام توضَّأ مرتين مرتين، وهو شاهد قويٌّ لرواية فليح هذه، فيحتمل أن يكون حديثه هذا المجمل غير حديث مالك المبين؛ لاختلاف مخرجهما، واعترضه في «عمدة القاري» بأنَّه إذا كان كذلك؛ لا يقتضي ما ذكره على أنَّه ليس في حديث عبد الله بن زيد أنَّه غسل بعض الأعضاء مرة مرة، وإنَّما هذا في حديث غيره ولم يلتزم المؤلف التبويب على الوجه المذكور، وإن كان الأمر يقتضي بيان ما روي عنه عليه السلام:(أنَّه توضَّأ مرة مرة)، وما روي عنه:(أنَّه توضَّأ مرَّتين مرَّتين)، وما روي عنه:(أنَّه توضَّأ ثلاثًا ثلاثًا)، وما روي عنه:(أنَّه توضَّأ بعض وضوئه مرة، وبعضه ثلاثًا)، وما روي عنه:(أنَّه توضَّأ بعض وضوئه مرَّتين، وبعضه ثلاثًا)؛ فافهم، انتهى، والله تعالى أعلم.
(24)
[باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا]
هذا (باب) جواز (الوضوء ثلاثًا ثلاثًا)؛ أي: لكل عضو، ويجري فيه كما في الحديث نظير ما سبق؛ فافهم.
[حديث: من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين]
159 -
وبه قال: (حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأُوَيْسي)؛ بضم الهمزة، وفتح الواو، وسكون المثناة التحتية، بالتصغير (قال: حدثني) بالإفراد (إبراهيم بن سعد)؛
بسكون العين المهملة، سبط عبد الرحمن بن عوف، (عن ابن شهاب) : محمد بن مسلم الزهري: (أنَّ عطاء) بالمد (بن يزيد) : الليثي التابعي (أخبره) : جملة محلها الرفع خبر (أنَّ)؛ أي: أخبر عطاءٌ ابنَ شهاب (أنَّ)؛ بفتح الهمزة وتشديد النُّون؛ أي: بأنَّ، (حُمْران) -بضم الحاء المهملة، وسكون الميم، وبالرَّاء- ابن أَبَان -بفتح الهمزة والموحدة المخففة- ابن خالد بن عبد عمرو، من سبي عين التمر، سباه خالد بن الوليد، فوجده غلامًا فطنًا فوجهه إلى عثمان، فأعتقه، وكان كاتبه وحاجبه، وولِّي نيسابور من الحجَّاج، ثم أغرمه الحجَّاج مئة ألف لأجل الولاية السابقة، ثم ردَّها عليه بشفاعة عبد الملك، وقوله:(مولى عثمان)؛ أي: ابن عفان، جملة محلها النصب؛ لأنَّه صفة لـ (حُمرانَ) منصوب؛ لأنَّه اسم (أنَّ)، ومنع من الصرف؛ للعلمية وزيادة الألف والنُّون، وحديث حُمران صحيح، توفي سنة خمس وسبعين (أخبره)؛ أي: أخبر حمرانُ عطاءً: (أنَّه)؛ أي: بأنَّه (رأى) أي: أبصر (عثمان بن عفان) : أمير المؤمنين ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وأمُّه أروى بنت عمة رسول الله عليه السلام، وهو أصغر من النبي عليه السلام، وسمي بذي النورين؛ لأنَّه تزوج بنتي سيد الكونين عليه السلام؛ رقية فماتت عنده ثم أم كلثوم، وقال النبي الأعظم عليه السلام له:«لو أنَّ لي أربعين ابنة؛ زوَّجتك واحدة بعد واحدة حتى لا يبقى منهن واحدة، وما زوَّجته إلا بالوحي من الله عز وجل» ، ولم يتفق لغيره أنَّه تزوج بنتَي نبي غيره، استُخلِف أول يوم من محرم سنة أربع وعشرين، وقُتِل يوم الجمعة لثمان عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، قتله الأسود التُّجِيْبي؛ بضم الفوقية، وكسر الجيم، وسكون التحتية، والموحدة، المصري، ودفن بالبقيع ليلة السبت، وعمره اثنان وثمانون سنة، وصلى عليه حكيم بن حزام، أو جبير بن مطعم، أو المسور بن مخرمة، والأصح الأول، وكثرت الأموال في خلافته حتى بيعت جارية بوزنها، وفرس بمئة ألف، ونخلة بألف درهم، وليس في الصحابة من اسمه عثمان بن عفان غيره رضي الله تعالى عنه.
وجملة (دعا) أي: عثمان (بإناء)؛ أي: بظرف فيه الماء للوضوء؛ حال من عثمان بتقدير: (قد) كما في قوله تعالى: {أَوْ جَاؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90]، وفي رواية مسلم ورواية شعيب الآتية قريبًا:(دعا بوَضوء)؛ بفتح الواو، اسم للماء المعدِّ للتوضؤ، ففيه: جواز الاستعانة بغيره في إحضار الماء وهو غير مكروه بالإجماع، (فأفرغ) الفاء تفسيرية؛ أي: صبَّ، يقال: فرِغ الماء -بالكسر- إذا انصب، وأفرغته أنا؛ أي: صببته، وتفريغ الظروف: إخلاؤها (على كفيه)؛ أي: واحدة بعد واحدة لا عليهما معًا، كما بيَّنتْه الرواية الأخرى، وهي أنَّه:(أفرغ بيده اليمنى على اليسرى ثمَّ غسلهما)(ثلاث مرات)؛ بالفوقية آخره، وفي رواية:(ثلاثَ مرار)؛ بالرَّاء آخره، وهو منصوب على أنَّه صفة لمصدر محذوف؛ أي: إفراغًا ثلاث مرات، (فغسلهما)؛ أي: كفيه إلى الرسغين.
والرسغ: منتهى الكف عند المفصل، وفي «الضياء» : الرسغ؛ بالغين المعجمة: مفصل الكف في الذراع والقدم في الساق، وأمَّا الكوع؛ فهو العظم الذي يلي الإبهام في رأس الزند، ويقابله الكرسوع؛ وهو العظم الذي يلي الخنصر من اليد في طرف الزند، والرسغ بينهما، والبوع؛ العظم الذي يلي إبهام الرجل، وقد نظم ذلك بعض الحذَّاق فقال:
وعظم يلي الإبهام كوع وما يلي
…
لخنصره الكرسوع والرسغ ما وسط
وعظم يلي إبهام رجل ملقب
…
ببوع فخذ بالعلم واحذر من الغلط
وفي غسل اليدين ابتداءً ثلاثة أقوال: قيل: إنَّه فرض وتقديمه سنة، واختاره المحقق في «فتح القدير» ، وقيل: إنَّه سنة تنوب عن الفرض، واختاره في «الكافي» ، وقال شمس الأئمة السرخسي: إنَّه سنة لا تنوب عن الفرض؛ فيعيد غسلهما ظاهرهما وباطنهما، واستشكله في «الذخيرة» ، وظاهر كلام الشرَّاح: أنَّ المذهب الأول.
قلت: والظاهر: أنَّه لا مخالفة بين الأقوال، فإنَّ القائل بالفرضيَّة أراد أنَّه يجزئ عن الفرض، وأن التقديم سنة، وهذا معنى القول: بأنَّه سنَّة تنوب عن الفرض، فالظاهر على هذين القولين: يسنُّ إعادة غسل اليدين عند غسل الذراعين؛ ليكون آتيًا بالفرض قصدًا، ولا ينوب الغسل الأول منابه من هذه الجهة، وإن ناب منابه من حيث إنَّه لو لم يعده؛ سقط الفرض، كما يسقط لو لم ينو أصلًا؛ فتأمل.
واختلف في أن غَسْلَهما قبل الاستنجاء أو بعده، فقيل: سنَّة قبله فقط، وقيل: بعده فقط، وقيل: قبله وبعده، وإليه ذهب الجمهور وصحَّحه الإمام قاضيخان، وصاحب «النهاية» ، وحِكْمَته قبل الاستنجاء: المبالغة في اليدين لئلا يتشرب الجسد من النجاسة إذا لم يُغْسلا، وكيفية غسلهما: أنَّه إذا كان الإناء صغيرًا بحيث يمكن رفعه لا يدخل يده فيه، بل يرفعه بشماله ويصبُّه على كفه اليمنى ويغسلها ثلاثًا، ثم يأخذ الإناء بيمينه ويصبُّه على كفه اليسرى ويغسلها ثلاثًا، وإن كان الإناء كبيرًا لا يمكن رفعه، فإن كان معه إناء صغير يفعل كما ذكرنا، وإن لم يكن