الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طريق الأوزاعي؛ كلاهما عن الزُّهْرِي، عن عروة وحده، وكذا من طريق إبراهيم بن سعد، وأبو داود من طريق يونس؛ كلاهما عن الزُّهْرِي، عن عمرة وحدها، قال الدارقطني:(هو صحيح من رواية الزُّهْرِي، عن عروة وعمرة جميعًا) انتهى.
(أنَّ أمَّ حَبِيبة) بفتح الحاء المهملة، وكسر الموحَّدة، بعدها تحتية، ثم موحَّدة، هي بنت جحش أخت زينب أمِّ المؤمنين، وهي مشهورة بكنيتها.
وزعم الواقدي والحربي أن اسمها حبيبة، وكنيتها أمُّ حبيب؛ بغير هاء، ورجَّحه الدارقطني، والمشهور في الروايات الصحيحة:(أمُّ حبيبة)؛ بإثبات الهاء، وكانت زوج عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، كما ثبت عند مسلم من رواية عمرو بن الحارث، ووقع في «الموطأ» عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أبي سَلَمَة: (أنها [رأت] زينب بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف كانت تستحاض
…
)؛ الحديث فقيل: هو وهم، وقيل: بل صواب، وإنَّ اسمها زينب، وكنيتها أمُّ حبيبة، وأمَّا كون اسم أختها أمُّ المؤمنين زينب؛ فإنَّه لم يكن اسمها الأصلي، وإنَّما كان اسمها برَّة، فغيَّره النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم، فلعلَّه سمَّاها باسم أختها؛ لكون أختها غلبت عليها الكنية، فأمن اللبس، ولهما أخت أخرى اسمها حَمْنة -بفتح الحاء المهملة، وسكون الميم، آخره نون- وهي إحدى المستحاضات، وقال ابن الأثير: (روى ابن عيينة، عن الزُهْرِي، عن عمرة، عن عائشة: أنَّ أمَّ حبيبة أو حبيب
(1)
)، وعند ابن عبد البرِّ: أكثرهم يسقطون الهاء، ويقولون: أمَّ حبيب، وأهل السير يقولون: المستحاضة حمنة، والصحيح عند أهل الحديث: أنَّهما كانتا مستحاضتين جميعًا، وقيل: إنَّ زينب استحيضت، كذا قرَّره إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري» ، (استحيضت)؛ بضمِّ الهمزة؛ أي: استمرَّ بها دم الحيض بعد العادة، وقوله:(سبع سنين)؛ جمع لسنة، على سبيل الشذوذ من وجهين؛ الأوَّل: أنَّ شرط جمع السلامة أن يكون مفرده مذكَّرًا عاقلًا، وليست كذلك، والآخر كسر أوَّله، والقياس فتحه، كذا في «عمدة القاري» ، (فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك) أي: عن حكم دم الاستحاضة، (فأمرها) أي: النبيَّ الأعظم صلَّى عليه الله وسلم (أن تغتسل) أي: بأن تغتسل، فـ (أن) مصدريَّة؛ والتقدير: فأمرها بالاغتسال، وفي رواية مسلم، والاسماعيلي:(فأمرها أن تغتسل وتصلي)، وهذا الأمر بالاغتسال مطلق يحتمل الأمر بالاغتسال لكلِّ صلاة، ويحتمل الاغتسال في الجملة.
ويدلُّ للأوَّل ما في «أبي داود» : حدثنا هنَّاد، عن عبدة، عن ابن إسحاق، عن الزُهْرِي، عن عروة، عن عائشة: أنَّ أمَّ حبيبة بنت جحش استحيضت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرها بالغسل لكلِّ صلاة، فهذه الرواية تدلُّ على الاغتسال لكلِّ صلاة، لكن قال البيهقي: رواية ابن إسحاق عن الزُهْرِي غلط؛ لمخالفتها سائر الروايات عن الزُهْرِي، ويمكن أن يقال: إن كان هذا مخالفة الترك؛ فلا تناقض، وإن كان مخالفة التعارض؛ فليس كذلك؛ لأنَّ الأكثر فيه السكوت عن أمر النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم بالغسل عند كلِّ صلاة، وفي بعضها أنها فعلته هي، كما سيأتي، (فقال) أي: النبيَّ الأعظم صلى الله عليه وسلم لها: (هذا عِرْق)؛ بكسر العين المهملة، وسكون الراء؛ أي: دم عرق انفجر، وليس بحيض، وقوله:(وكانت تغتسل لكل صلاة) من كلام الراوي؛ ومعناه: تغتسل من الدَّم الذي كان يصيب الفرج؛ فإنَّ المشهور من مذهب عائشة الصدِّيقة أنَّها كانت لا ترى الغسل لكلِّ صلاة، ويدلُّ لصحَّة هذا قوله عليه السلام:«هذا عرق» ؛ لأنَّ دم العرق لا يوجب غسلًا، وقيل: إنَّ هذا الحديث منسوخ بحديث فاطمة بنت أبي حبيش، فإنَّ فيه الأمر بالوضوء، رواه البيهقي في باب (المستحاضة إذا كانت مميزة).
ووجه النَّسخ أن عائشة رضي الله عنها أفتت بحديث فاطمة بعد النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم، وخالفت حديث أم حبيبة، وهذا لأنَّ أبا محمَّد الإشبيلي قال:(حديث فاطمة أصح حديث يروى في الاستحاضة)، وقال الليث بن سعد في روايته عند مسلم:(لم يذكر ابن شهاب أنَّه عليه السلام أمرها أن تغتسل لكل صلاة، ولكن شيء فعلته هي)، وإلى هذا ذهب الإمام الأعظم، وأصحابه، والجمهور، فقالوا: لا يجب الغسل على المستحاضة لكل صلاة، ولكن يجب عليها الوضوء إلا المتحيرة، وقال محمَّد بن إدريس: إنَّما أمرها عليه السلام أن تغتسل وتصلي، وإنما كانت لكل صلاة تطوُّعًا، وروى أبو الوليد الطيالسي عن سليمان بن كثير، عن الزُهْرِي، عن عروة، عن عائشة: استحيضت زينب بنت جحش، فقال النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم:«اغتسلي لكل صلاة» ، وقال أبو داود: ورواه عبد الصمد، عن سليمان بن كثير قال:«توضئي لكل صلاة» ، قال أبو داود:(وهو وهم).
وأجيب: بأنه قد ذكر هذا في حديث حمَّاد، أخرجه النَّسائي، وابن ماجه، وقال مسلم في «صحيحه» :(وفي حديث حمَّاد بن زيد حرف تركناه، وهي: «توضئي لكل صلاة)، قال النووي:(وأسقطها مسلم؛ لأنَّها مما انفرد به حمَّاد).
قلنا: لم ينفرد به حمَّاد عن هشام، بل رواه عنه أبو عوانة، كما أخرجه الحافظ الطحاوي في كتاب «الرد على الكرابيسي» من طريقه بسند جيد، ورواه أيضًا حمَّاد بن سَلَمَة، أخرجه الدارمي من طريقه، وأخرجه الحافظ الطحاوي من طريق أبي نعيم، وعبد الله بن يزيد المقري، عن الإمام الأعظم أبي حنيفة، عن هشام، وأخرجه الترمذي، وصححه من طريق وكيع، وعبدة، وأبي معاوية، عن هشام، وقال في آخره: وقال أبو معاوية في حديثه: «توضئي لكل صلاة» ، وقد جاء الأمر أيضًا بالوضوء فيما أخرجه البيهقي من حديث فاطمة بنت أبي حبيش على أن حمَّاد بن زيد لو انفرد بذلك؛ لكان كافيًا؛ لثقته وحفظه، لا سيما في هشام، وليس هذا مخالفة، بل زيادة ثقة، وهي مقبولة لا سيما في مثله.
وزعم الخطابي أن هذا الخبر مختص، ليس فيه ذكر حال هذه المرأة، ولا بيان أمرها، وكيفية شأنها، وليس كل مستحاضة يجب عليها الاغتسال لكل صلاة، وإنما هي فيمن تبتلى وهي لا تميز دمها، أو كانت لها أيام فنسيتها، وموضعها، ووقتها، وعددها، فإذا كانت كذلك؛ فإنها لا تدع شيئًا من الصَّلاة، وكان عليها أن تغتسل عند كل صلاة؛ لأنَّه يمكن أن يكون ذلك الوقت قد صادف زمان انقطاع دمها، فالغسل عليها عند ذلك واجب، انتهى.
قلت: وظاهر
(1)
في الأصل: (حبيبة)، ولعل المثبت هو الصواب.
كلامه أنَّه جعل الحديث خاصًّا بالمتحيرة، وهي التي أضلت عادتها، وهذا غير صحيح؛ لأنَّ الحديث لا يدل عليه، فإنه ليس فيه ذلك، وقوله:(ليس فيه ذكر حال هذه المرأة) : ممنوع، فإنه عليه السلام قد علم حالها بإخبارها أو بالوحي، فأفتاها على طبق مقصدها ومرامها، وأحكام المتحيرة مذكورة في شرحنا على القدوري المسمى بـ «منهل الطلاب» ، والله أعلم بالصواب؛ على أنه قد ثبت في الروايات الصحيحة الوضوء دون الغسل، وأن رواية الوضوء أصح من رواية الغسل، لا سيما الرواية التي بينت أنها كانت تفعل ذلك هي وحدها؛ فافهم، والله أعلم.
(27)
[باب المرأة تحيض بعد الإفاضة]
هذا (باب) : بيان حكم (المرأة) التي (تحيض بعد) طواف (الإفاضة)؛ وهو الذي يسمى أيضًا: طواف الزيارة، وهو من أركان الحج؛ يعني: هل تنفر وتترك طواف الوداع؟ فالجواب: نعم تترك وتنفر، ووجه المناسبة بين البابين من حيث إن في الباب السابق حكم المستحاضة، وفي هذا الباب حكم الحائض، فالحيض والاستحاضة من واد واحد، أفاده إمام الشارحين.
[حديث: لعلها تحبسنا؟! ألم تكن أفاضت معكن]
328 -
وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف) هو التنيسي المصري (قال: أخبرنا) وفي رواية الأصيلي: (حدثنا)(مالك) هو ابن أنس الأصبحي، (عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حَزْم المدني الأنصاري، (عن أبيه) هو أبو بكر بن محمَّد بن عمرو بن حَزْم- بفتح الحاء المهملة، وسكون الزاي- ولي القضاء والإمرة والموسم زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، (عن عَمْرة) بفتح العين المهملة، وسكون الميم (بنت عبد الرحمن) بن سعد الأنصارية المذكورة في الباب السابق، وهي خالته التي تربت في حجر عائشة رضي الله عنها، (عن عائشة) هي الصديقة بنت الصديق الأكبر (زوج النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم ورضي عنهما:(أنها) أي: عائشة (قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله؛ (إن صَفِيَّة) بفتح الصاد المهملة، وكسر الفاء، وتشديد التحتية، بنت حُيَيٍّ-بضمِّ الحاء المهملة، وباليائين؛ الأولى مفتوحة مخففة، والثانية مشددة- ابن أخطب -بفتح الهمزة، وسكون الخاء المعجمة، وفتح الطاء المهملة بعد موحدة- النَّضْرية
(1)
-بفتح النون، وسكون الضاد المعجمة- من بنات هارون أخ موسى صلَّى الله عليهما وسلَّم، سباها النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم عام فتح خيبر، ثم أعتقها وتزوجها، وجعل عتقها صداقها، توفيت سنة ستين في خلافة معاوية رضي الله عنه، قاله الواقدي، وقال غيره: توفيت في خلافة علي الصدِّيق الأصغر سنة ست وثلاثين، كذا قرره إمام الشارحين.
(قد حاضت) أي: جاءها دم الحيض، (قال النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم أي: للحاضرين في مجلسه: (لعلها تحبسنا) أي: عن الخروج من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة حتى تطهر وتطوف بالبيت، و (لعل) ههنا ليست للترجي، بل للاستفهام، أو للتردد، أو للظن، وما شاكله، قاله إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري» ، (ألم تكن) بهمزة الاستفهام (طافت) أي: طواف الركن (معكن) أي: مع نساء الصحابة وأمهات المؤمنين رضي الله عنهن؟ (قالوا) وفي رواية: (فقالوا)؛ بالفاء؛ أي: الحاضرون هناك في مجلسه عليه السلام وفيهم الرجال والنساء، قاله إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري» قال: وهذا أوجه مما زعمه الكرماني؛ أي: قال الناس، وإلا فحق القول أن يقال: فقلن أو فقلنا، ومما زعمه ابن حجر؛ أي: النساء ومن معهن من المحارم قال: (وهذا ليس بصحيح؛ لأنَّ فيه تغليب الإناث على الذكور) انتهى.
قلت: وما زعمه الكرماني ليس بصحيح أيضًا، فإن قوله:(قال الناس)؛ فاسد؛ لأنَّ القائل الحاضرون ذكورًا وإناثًا، لا جميع الناس.
وقوله: (وإلا فحق
…
) إلخ: ممنوع هنا؛ لأنَّ النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم لم يخاطب النساء فقط، بل خاطب كل من كان في مجلسه الشريف، فليس حقه أن يقال ذلك، كما لا يخفى، وما زعمه ابن حجر بعيد عن الأفهام مع ما فيه من فساد الكلام؛ فإنه عليه السلام لم يخاطب إلا النساء والرجال سواء كانوا محارم أم لا، فمن أين جاء التقييد بالمحارم؟ ولا مانع أن ذلك كان قبل نزول الحجاب، فالخطاب متوجه إلى الحاضرين عنده مطلقًا، فالحق ما قاله إمام الشارحين رضي الله عنه، وهو أجدر بهذه التسمية؛ فافهم، والله تعالى أعلم.
(بلى) يا رسول الله؛ أي: طافت طواف الركن، (قال) أي: النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم: (فاخرجي) بالإفراد وبالخطاب، كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية المستملي والكشميهني:(فاخرجن) بصيغة الجمع للإناث، أما الوجه الأول؛ ففيه التفات من الغيبة إلى الخطاب؛ يعني: قال صفية مخاطبًا لها: (اخرجي)، أو يكون الخطاب لعائشة؛ لأنَّها هي القائلة للنبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم: إن صفية قد حاضت، فقال لها:(اخرجي)، فإنها توافقك في الخروج؛ إذ لا يجوز لها تأخر بعدك؛ لأنَّها قد طافت طواف الركن، ولم يبق عليها فرض، وفيه وجه آخر؛ وهو أن يقدر في الكلام شيء، قال لعائشة: قولي لها: اخرجي، وأما الوجه الثاني؛ فعلى السياق.
فإن قلت: ما الفاء في قوله: (فاخرجي)؟
قلت: فيه أوجه؛ الأول: أن تكون جوابًا لـ (أما) مقدرة؛ والتقدير: أما أنت؛ فاخرجي كما يخرج غيرك، والثاني: يجوز أن تكون زائدة، والثالث: يجوز أن تكون
(2)
عطفًا على مقدر؛ تقديره: اعلمي أن ما عليك التأخر فاخرجي، كذا قرره إمام الشارحين.
وقال النووي في «شرح مسلم» : (ففي الحديث دليل لسقوط طواف الوداع عن الحائض، وأن طواف الإفاضة ركن لا بد منه، وأنه لا يسقط عن الحائض ولا غيرها، وأن الحائض تقيم له حتى تطهر، فإن ذهبت إلى وطنها قبل طواف الإفاضة؛ بقيت محرمة) انتهى.
قلت: تبقى محرمة أبدًا حتى تطوف في حق الجماع مع زوجها، وأما في حق غيره؛ فتخرج عن الإحرام، وفيه دليل على أن الحائض لا تطوف بالبيت، فإن هجمت وطافت؛ ففيه تفصيل، فإن كانت محدثة وكان الطواف طواف القدوم؛ فعليها الصدقة عندنا، وقال الشافعي: لا يعتد به، وإن كان طواف الركن؛ فعليها شاة، وإن
(1)
في الأصل: (النضر به)، وهو تصحيف.
(2)
في الأصل: (يكون).