الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلى هذا؛ فهذا الحديث لا يطابق الترجمة، وكان ينبغي أن يذكره في كتاب (الأشربة)؛ لأنَّ الشراب إذا كان مسكرًا يكون شربه حرامًا، فكذلك التوضُّؤ به، وأما النبيذ؛ فليس كذلك، فلا يساعد الترجمة، كما نبه عليه إمام الشارحين.
وزعم ابن حجر أن حديث ابن مسعود أطبق علماء السلف على تضعيفه، ورده صاحب «عمدة القاري» ، فقال: إنَّما ضعفوه؛ لأنَّ في رواته أبا زيد، وهو رجل مجهول لا يعرف له رواية غير هذا الحديث، قاله الترمذي، وقال ابن العربي في «شرح الترمذي» : أبو زيد مولى عمرو بن حريث، روى عنه راشد بن كيسان وأبو روق، وهذا يخرجه عن حد الجهالة، وأما اسمه؛ فلم يُعْرَف، فيجوز أن يكون الترمذي أراد به مجهول الاسم.
على أنه روى هذا الحديث أربعة [عشر] رجلًا عن ابن مسعود، كما رواه أبو زيد:
الأول: أبو رافع عند الحافظ الطحاوي والحاكم.
الثاني: رباح أبو علي عند الطبراني في «الأوسط» .
الثالث: عبد الله بن عمر عند أبي موسى الأصبهاني في كتاب «الصحابة» .
الرابع: عمرو البكالي عند أبي أحمد في «الكنى» بإسناد صحيح.
الخامس: أبو عبيدة بن عبد الله.
السادس: أبو الأحوص، وحديثهما عند محمَّد بن عيسى المدائني، وقول البيهقي:(إن محمَّد بن عيسى المدائني واهي الحديث) مردود؛ لأنَّ البرقاني قال فيه: إنه ثقة لا بأس به، وأن اللالكائي
(1)
صالح، قال: ليس يدفع عن السماع.
السابع: عبد الله بن مسَلَمَة عند الحافظ أبي الحسن بن المظفر في كتاب «غرائب شعبة» .
الثامن: قابوس أبو ظبيان
(2)
عن أبيه عند ابن المظفر أيضًا بسند لا بأس به.
التاسع: عبد الله بن عمر بن غيلان الثقفي عند الإسماعيلي في جمعه حديث يحيى بن أبي كثير عن يحيى عنه.
العاشر: عبد الله بن عباس عند الحافظ الطحاوي وابن ماجه.
الحادي عشر: أبو وائل شقيق بن سَلَمَة عند الدارقطني.
الثاني عشر: ابن لعبد الله رواه أبو عبيدة بن عبد الله، عن طلحة بن عبد الله، عن أبيه: أن أباه حدثه.
الثالث عشر: أبو عثمان بن سنة عند أبي حفص بن شاهين في كتاب «الناسخ والمنسوخ» من طريق جيد، وخرجها الحاكم في «مستدركه» .
الرابع عشر: أبو عثمان النهدي عند الدورقي في «مسنده» بطريق لا بأس به، انتهى؛ فافهم.
وزعم العجلوني (أنه يمكن أن يجاب بأن إطباقهم على تضعيف الحديث لأمر آخر غير الجهالة في راويه) انتهى.
قلت: وهذا فاسد، فما الأمر الآخر غير الجهالة، وما هو إلا محض تعصب وتعنت، وكأنه لم يعلم بيان طرق الحديث التي
(3)
قدمناها، والحديث على فرض ضعفه؛ فقد تقوَّى بهذه الطرق العديدة، وبها يرتقي إلى درجة الصحيح؛ فليحفظ.
وزعم ابن حجر تبعًا لابن بطال بأنه قد روي عن ابن مسعود من طرق ثابتة أنه لم يشهد ليلة الجن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورده صاحب «عمدة القاري» : بأنه يجوز أن يكون صحبه في بعض الليل واستوقفه في الباقي، ثم عاد إليه، فصحَّ أنه لم يكن معه عند الجن لا نفس الخروج؛ أي: لا يصح أن يكون قد خرج عنه، وقد قيل: إن ليلة الجن كانت مرتين، ففي أول مرة خرج إليهم لم يكن مع النبيِّ عليه السلام ابن مسعود ولا غيره، كما هو ظاهر حديث مسلم، ثم بعد ذلك خرج إليهم وابن مسعود معه ليلة أخرى، كما رواه أبو حاتم في «تفسيره» في أول سورة الجن من حديث ابن جريج قال: وقال ابن عبد العزيز بن عمر: أما الجن الذين لقوه بنخلة؛ فجن نينوى، وأما الجن الذين لقوه بمكة؛ فجن نصيبين، انتهى، فليحفظ.
وزعم ابن حجر: وقيل: على تقدير صحة حديث ابن مسعود، فإنه منسوخ؛ لأنَّ ليلة الجن كانت بمكة، ونزول قوله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] إنَّما كان بالمدينة بلا خلاف، فإنها نزلت في غزوة بني المصطلق بالمدينة حيث فقدت عائشة رضي الله عنها عقدها.
ورده صاحب «عمدة القاري» فقال: (قلت: هذا القائل نقل هذا عن ابن القصار من المالكية، وابن حزم من الظاهرية، والعجب منه أنه مع علمه أن هذا مردود نقل هذا، وسكت عليه! ووجه الرد ما ذكره الطبراني في «الكبير»، والدارقطني: (أن جبريل عليه السلام نزل على رسول الله عليه السلام بأعلى مكة فهمز له بعقبه، فأنبع الماء، وعلمه الوضوء)، وقال السهيلي:(الوضوء مكي، ولكنه مدني التلاوة، وإنما قالت عائشة رضي الله عنها: آية التيمم: ولم تقل: آية الوضوء؛ لأنَّ الوضوء كان مفروضًا قبلُ، غير أنه لم يكن قرآنًا يتلى حتى نزلت آية التيمم)، وحكى القاضي عياض عن ابن الجهم (أن الوضوء كان سنة حتى نزل فيه القرآن بالمدينة) انتهى.
قلت: ولا عجب منه؛ لأنَّه من الأخصام أهل التعصب على الأئمَّة الحنفية، ومنهم العجلوني حيث قال بعد هذا:(ولعله لا يسلم رده).
قلت: بل قد سلم رده؛ حيث إنه قد اطَّلع
(4)
على هذا الرد في «الانتقاض» ، ودرج عليه ولم يقل شيئًا، فهو دليل على تسليمه، وعلى فرض عدم تسليمه فما جوابه مع [ما] لم يجب عنه في «الانتقاض» ، وما جوابه إلا جواب المتعصبين؛ فافهم.
ثم زعم ابن حجر أن الحديث- أي: حديث ابن مسعود- محمول على ما ألقيت فيه تمرات يابسة لم تغير له وصفًا، وإنما كانوا يضعون ذلك؛ لأنَّ غالب مياههم لم تكن حلوة) انتهى.
قلت: هذا الجواب أخذه هذا القائل من كلام البغوي، وهو فاسد؛ لأنَّ هذا الحمل غير صحيح؛ لأنَّ إلقاء التمر يابسًا مع عدم تغيُّر وصفه لا يُسمَّى نبيذًا، وقد سماه النبيُّ الأعظم عليه السلام نبيذًا، كما سبق في الروايات، على أن التقييد باليابس يحتاج إلى دليل صحيح، ولم يوجد؛ فهو تقييد من عنده على أن كون مياههم لم تكن حلوة؛ أي: فإنها كانت مالحة كما صرح به البغوي يلزم أن يُطرَح في الماء تمر غير يابس حتى يحلو الماء، ويحصل المقصود من طرحها، أما إذا كانت يابسة؛ فلا تحل شيئًا، فوجودها كالعدم، وهو مصادمة الحديث، وفساده ظاهر، كما لا يخفى؛ فليحفظ.
وزعم الكرماني أن القياس حجة على أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه؛ إذ رأينا الأصل المتفق عليه أنه لا يتوضأ بنبيذ الزبيب، فقلنا: يجب أن يكون نبيذ التمر كذلك، وأيضًا لما كان خارجًا عن حكم المياه في حال وجود الماء؛ كان خارجًا من حكم المياه في عدم الماء.
قلت: وهذا الزعم فاسد؛ لأنَّ قوله: (إن القياس حجة
…
) إلخ مردود؛ لأنَّه إنَّما يصار إلى القياس إذا لم يوجد النص، وهنا قد وجد النص في التوضؤ بالنبيذ، فكيف يقال بالمنع بالوضوء به قياسًا على نبيذ الزبيب؟ وما هو إلا قياس مع الفارق مع مخالفته لنص الحديث، فمع وجود النص يترك القياس؛ لأنَّه لا مجال له.
وقوله: (وأيضًا لما كان
…
) إلخ مردود أيضًا؛ لأنَّه لا يلزم من عدم جواز الوضوء بالنبيذ مع وجود الماء أنه لا يجوز الوضوء به مع عدم الماء الذي هو من شروطه عند الإمام الأعظم القائل بجواز الوضوء بالنبيذ مع عدم الماء، ألا ترى أن التيمم لا يصح مع وجود الماء، ويصح مع عدم الماء؛ فافهم، وقد ظهر أن كلام الكرماني فاسد؛ فليحفظ.
وتعجب العجلوني من صاحب «عمدة القاري» حيث لم يعترض على الكرماني في هذا الكلام.
قلت: لا عجب، فإن جواب كلامه يعلمه كل من له أدنى ذوق في العلم على أنه قد تعرض له ضمنًا لا صريحًا في أثناء كلامه، ولقد أنصف العجلوني هنا حيث رد كلام الكرماني بنحو ما علمت، والله أعلم.
وزعم الكرماني أن وجه احتجاج المؤلف بهذا الحديث في أن المسكر لا يجوز شربه، وما لا يجوز شربه؛ لا يجوز الوضوء به اتِّفاقًا؛ لخروجه عن اسم الماء لغة وشرعًا، والنبيذ غير المسكر أيضًا في معنى المسكر؛ لأنَّه لا يقع عليه اسم الماء، ولو جاز أن يسمى النبيذ ماء لأنَّ فيه ماء؛ جاز أن يسمَّى الخل ماء؛ لأنَّ فيه ماء، وقال أبو عبيدة إمام اللغة:(النبيذ لا طهورًا أبدًا؛ لأنَّ الله تعالى شرط الطهور بالماء والصعيد، ولم يجعل لهما ثالثًا) انتهى.
قلت: وقد رد هذا صاحب «عمدة القاري» ، فقال في رد الأول:
(1)
في الأصل: (اللالكاكي)، وليس بصحيح.
(2)
في الأصل: (طيبان)، وهو تحريف.
(3)
في الأصل: (الذي)، ولعل المثبت هو الصواب.
(4)
في الأصل: (اضطلع)، وليس بصحيح.
(قلت: كون النبيذ الغير المسكر في معنى المسكر غير صحيح؛ لأنَّ النبيذ الذي لا يسكر إذا كان رقيقًا وقد ألقيت فيه تميرات؛ لتخرج حلاوتها إلى الماء ليس في معنى المسكر، ولم يقل به أحد، ولا يلزم من عدم جواز تسمية الخل ماء عدم جواز تسمية الذي ذكره ابن مسعود ماء، ألا ترى أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كيف قال:«ثمرة طيبة، وماء طهور» حين سأل ابن مسعود: «ما في إداوتك؟» ، قال: نبيذ، وقد أطلق عليه الماء، ووصفه بالطهورية، فكيف ذهل الكرماني عن هذا حتى قال ما قاله ترويجًا لما ذهب إليه والحق أحق أن يتبع؟
والإِداوة؛ بكسر الهمزة: إناء صغير يتخذ من جلد للماء؛ كالسطيحة ونحوها، وجمعها: أداوى).
وقوله: (وقال أبو عبيدة
…
) إلخ قال: (قلت: الكلام مع أبي عبيدة فإنه إن أراد به مطلق النبيذ؛ فغير مسلَّم؛ لأنَّ فيه مصادمة الحديث النبوي، وإن أراد النبيذ الخاص -وهو الغليظ المسكر-؛ فنحن أيضًا نقول بما قال) انتهى.
قلت: وعلى هذا؛ فمطابقة الحديث للترجمة بالجر الثقيل وكان حق وضعه في كتاب (الأشربة)، كما لا يخفى.
زاد في الطنبور نغمة العجلوني، فزعم: (أن دعواه بأن النبيذ غير المسكر في معنى المسكر غير صحيح؛ ليس بصحيح على إطلاقه؛ لأنَّ غير المسكر إما أن يسلب عنه اسم الماء بحيث لا يسميه الرائي له ماء، فهذا لا يجوز التطهُّر به وإن كان لا يُسْكِر، وإما ألا يسلب عنه اسم الماء، فهذا نبيذ نقول بجواز
(1)
التطهير به أيضًا، وعليه؛ يحمل ما في حديث ابن مسعود الذي قال فيه الشارع:«ثمرة طيبة، وماء طهور» ، وتبيَّن أن الكرماني لم يذهل، وما قال إلا لاتباع الحق لا لمجرد ترويج ما ذهب، فإن القسم الأول لا تقول الحنفية بجواز التطهير به، والقسم الثاني يقولون به أيضًا، وعبارة «الملتقى» مع «شرحه» للعلاء، وهو من الكتب المعتمدة عندهم:«لا يجوز- أي: الطهارة- بما خرج عن طبعه، وهو الرقة بكثرة الأوراق من حيث الصفة أو بغلبة غيره من حيث الأجزاء، وبالطبخ بشرط الثخانة على ما قاله قاضيخان، وكذا بتشرب النبات سواء خرج بعلاج أو لا، على الأظهر كما في «البرهان» ؛ كالأشربة، والخل، وماء الورد، وماء الباقلاء، ومن المرق»، انتهت بحروفها، وبهذا يعلم أيضًا اندفاع اعتراضه الثاني، وليس فيه مصادمة للحديث؛ فعليك بالتأمل) انتهت عبارة العجلوني
قلت: وهذا كله فاسد وممنوع، فإن قوله:(ليس بصحيح) ممنوع، فإن النبيذ الغير المسكر لا يكون في معنى المسكر؛ لأنَّه قياس مع الفارق ومصادمة للحديث، ألا ترى أنه عليه السلام سماه نبيذًا، ولم يسمه خمرًا مسكرًا.
وقوله: (لأن غير المسكر
…
) إلخ هذا فاسد أيضًا؛ لأنَّ غير المسكر إذا سلبت عنه اسم الماء، وإذا رآه الرائي؛ لا يسميه ماء، فهذا هو النبيذ بعينه الذي جاء في الحديث، ففي الرواية السابقة قال عليه السلام:«ما في إداوتك؟» ، فقال: معي نبيذ، فقال:«نبيذ؟» ، فقال:«اصبب علي؛ إنه شراب وطهور» ، فهذا ظاهر في أن هذا هو النبيذ بعينه.
وقوله: (لا يجوز التطهُّر به) غير صحيح، فإن الشارع صلى الله عليه وسلم قال فيه:«إنه طهور» .
وقوله: (وإما ألَّا يسلب عنه اسم
…
) إلخ ممنوع أيضًا؛ لأنَّ هذا لا يُسمَّى نبيذًا، بل هو ماء، غاية الأمر أنه قد تغير بعض لونه، فيقال له: ماء متغير لا نبيذ، وكلامنا في النبيذ المختلف فيه، وأما المتغيَّر؛ فيجوز التطهُّر به إجماعًا.
وقوله: (وعليه يحمل ما في حديث ابن مسعود) ممنوع، فإن هذا الحمل غير صحيح، فإنه غير مصادف لمحله؛ لأنَّ الأصوليين قالوا: إذا تعارض الحديثان؛ يحمل كل منهما على محمل حسن، وهنا لم يوجد حديث يعارض حديث ابن مسعود حتى يحمل على هذا، على أن حديث ابن مسعود صريح في أن هذا لا يسمَّى نبيذًا، وإنما النبيذ ما علمت تفسيره فيما سبق، والكلام في النبيذ لا في هذا، فإن هذا خارج عن الحديث، وتسميته ماء في قوله عليه السلام:«ثمرة طيبة، وماء طهور» باعتبار أنه يجوز التطهير به، فيقوم مقام الماء المطلق بدليل الرواية الثانية؛ وهي قوله عليه السلام له:«اصبب علي؛ إنه طهور» ، ولا ريب أن صبه كان لأجل الوضوء به، كما لا يخفى.
وقوله: (وتبيَّن أن الكرماني لم يذهل) بل قد ذهل وغفل الكرماني عن هذا، فقال ما قاله تعصُّبًا وترويجًا لما ذهب إليه، ولم يجر على لسانه الحق، والحق أحق أن يتبع.
وقوله: (فإن القسم الأول
…
) إلخ ممنوع، فإن الأئمَّة الحنفية قالوا بجواز التطهير بالنبيذ اتباعًا للنبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم الواجب اتباعه.
وسياقة عبارة «الملتقى» و «شرحه» لشيخ الإسلام علاء الدين أفندي الحصكفي لا تدل على ما قاله؛ لأنَّه قد فهم عبارته
(2)
بالعكس، ولأن النبيذ لم يذكر في تلك العبارة، وعادة أئمتنا معاشر الأئمَّة الحنفية أن يذكروا حكم النبيذ وحده على حدة؛ لأنَّه جرى على النص لا على القياس، كما لا يخفى، على أن الذي فهمه من عبارة «الملتقى» و «شرحه» فيه مصادمة للحديث، ولم يقل به أحد من أئمتنا الأعلام، بل هذه العبارة إنَّما هي في غير النبيذ؛ لأنَّ النبيذ له حكم آخر غير هذا، وإذا لم يفهم العجلوني عبارة أئمتنا؛ كيف يستدل بها على دعواه الباطلة؟ ولا ريب أن أدنى الطلبة منا معاشر الحنفية يفهمها وفوق كل ذي علم عليم، وقد أشار إلى هذا بالتأمل؛ فلذا قال:(فعليك بالتأمل)، والله تعالى أعلم.
(72)
[باب غسل المرأة أباها الدم عن وجهه]
هذا (باب غسل المرأة أباها الدم عن وجهه) فقوله: (أباها) منصوب؛ لأنَّه مفعول المصدر؛ أعني: غسل المرأة، والمصدر مضاف إلى فاعله، وقوله:(الدم) منصوب بدل من (أباها) بدل اشتمال، ويجوز أن يكون منصوبًا بالاختصاص؛ تقديره: أعني الدم، وفي رواية ابن عساكر:(باب غسل المرأة الدم عن وجه أبيها)، وهذا هو الأجود، وفي رواية الكشميهني:(من وجهه)؛ والمعنى في رواية (عن) : إما أن يكون بمعنى (من)، وإما أن يضمن (الغسل) معنى الإزالة، وتجيء (عن) بمعنى (من)، كما وقع في كلام الله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى: 25]، كذا قرره إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري» ، ثم قال: وههنا سؤالان؛ الأول: في وجه المناسبة بين البابين، ووجه إدخال هذا الباب في كتاب (الوضوء).
قلت: أما الأول؛ فيمكن أن يقال: إن كلًّا منهما يشتمل على حكم شرعي، أما الأول؛ ففيه أن استعمال النبيذ لا يجوز، وأما الثاني؛ فلأن ترك النجاسة على البدن لا يجوز، فهما متساويان في عدم الجواز، وهذا المقدار كاف) انتهى.
قلت: وقوله: (إن استعمال
…
) إلخ؛ يعني: إذا كان غليظًا مسكرًا؛ فافهم.
ثم قال: وأما الجواب عن الثاني؛ فهو أن النسخة إن كانت كتاب (الطهارة) بدل كتاب (الوضوء)، فالمراد منه: إما معناه اللغوي؛ لأنَّه مأخوذ من الوضاءة؛ وهي الحسن والنظافة، فيتناول حينئذٍ رفع الخبث أيضًا، وإما معناه الاصطلاحي؛ فيكون ذكر الطهارة عن الخبث في هذا الكتاب، فالتبعية بطهارة الحدث، والمناسبة بينهما كونها من شرائط الصَّلاة، ومن باب النظافة وغير ذلك، فهذا حاصل ما ذكره الكرماني، ولكن أحسن فيه وإن كان لا يخلو عن بعض تعسُّف) انتهى كلام «عمدة القاري» ؛ فليحفظ.
(وقال أبو العالية)؛ بالعين المهملة، هو رُفَيع؛ بضمِّ الراء، وفتح الفاء، وسكون التحتية، الرياحي:(امسحوا على رجلي) بالإفراد؛ (فإنها مريضة) وكانت بها جمرة، وهذا يدل على أنه غسل الصحيح ومسح الجريح من غير أن يضم إليه التيمم، كما هو مذهب الإمام الأعظم رئيس المجتهدين، وزعم الشافعية أنه يضم إليه التيمم، ولا معنى لهذا؛ لأنَّ فيه الجمع بين البدل والمبدل منه
(3)
، وهو غير مطلوب، ولا فائدة فيه، ويكون عبثًا، فقول أبي العالية قاصر على غسل الصحيح، ومسح الجريح لا صادق بكونه مع التيمم، كما زعمه العجلوني ترويجًا لمذهبه، فإنه احتمال بعيد، ويدل لما قلنا أن هذا التعليق وصله عبد الرزاق عن معمر، عن عاصم بن سليمان قال: (دخلنا
(1)
في الأصل: (بجوازه)، ولعل المثبت هو الصواب.
(2)
في الأصل: (عبارتها)، ولعل المثبت هو الصواب.
(3)
في الأصل: (عنه).