الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشَّافعي القديم، وهذا قوله في الجديد، وعلى كل حال؛ فهو مخالف للحديث؛ لأنَّ مشيه عليه السلام إلى الجذع ودخوله في منزله ومجيئه إلى المكان الأول هو زيادة على عشر حركات، كما لا يخفى.
وهذا الحديث قد تقدم في باب (التوجه نحو القبلة)، وسيأتي أيضًا إن شاء الله تعالى في باب (السَّهو) مع مزيد الكلام فيه، والله تعالى أعلم.
(89)
[باب المساجد التي على طرق المدينة]
هذا (باب) بيان حكم الصلاة في (المساجد التي على طُرق)؛ بِضَمِّ الطاء المهملة، جمع طريق، ويجمع أيضًا على طرائق؛ وهو الشَّارع الموصل إلى (المدينة) المنورة، والمراد: الطرق التي يتوصل بها إلى المدينة من أيِّ ناحية كانت.
وزعم العجلوني: (أي: في نواحيها واقعة بينها وبين مكة) انتهى.
قلت: هذا ليس بقيد معتبر، بل هو تقييد من عنده، والمراد به الأعم، وهو ظاهر التَّرجمة؛ فافهم.
و (المدينة) تسمى أيضًا: طَيبة -بفتح الطاء المهملة-، وهو اسم من أسمائها، وقد روي: أنَّ لها في التوراة أحد عشر اسمًا، وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى، وكانت قبل الإسلام تسمى بـ (يثرب)؛ باسم رجل من العماليق؛ قبيلة منسوبة إلى عملاق كان يسكنها، فلما جاء الإسلام وسكنها النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم؛ كره لها هذا الاسم؛ لما فيه من لفظ التثريب، فسماها: طَيبة، وقد جاء في القرآن لفظ (يثرب)، ولكن الله لم يسمِّها بذلك، وإنَّما قاله حكاية عن الكفار والمنافقين:{وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} [الأحزاب: 13]، فنبه تعالى بما حكى عنهم أنَّهم قد رغبوا عن اسم سماها به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبوا إلا ما كانوا عليه من جاهليتهم، وقد سماها تعالى المدينة بقوله:{مَا كَانَ لأَهْلِ المَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللهِ} [التوبة: 120]، وقد روي في معنى قوله تعالى:{وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} : أنَّه المدينة، وأنَّ {مخرج صِدْقٍ} : مكة، و {سُلْطَانًا نَّصِيرًا} [الإسراء: 80] : الأنصار، وقد وَرَد:(من سمى المدينة بـ «يثرب»؛ فليستغفر الله هي طابة هي طابة)، رواه أحمد ابن حنبل في «مسنده» عن البراء رضي الله عنه؛ فليحفظ.
قيل: وفي نسخة قبل باب (بسم الله الرحمن الرحيم).
قلت: الله أعلم بصحتها؛ لأنَّه ليس فيه استئناف كلام، بل هو ملحق بسابقه؛ فافهم.
وقوله: (والمواضع)؛ أي: وبيان حكم الصلاة في المواضع؛ أي: الأماكن (التي صلى فيها النَّبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم؛ أي: ولم تجعل مساجد، ثابت في أكثر الروايات، ساقط في بعضها، كما قاله إمامنا الشَّارح.
وتقديرنا: بيان حكم الصلاة؛ أولى وأظهر من تقدير صاحب «المنحة» : أي: باب مشروعية الصلاة فيها، وكذا أولى من تقدير العجلوني:(وذلك من حيث الصلاة فيها وبيانها) انتهى؛ لأنَّ الصلاة في هذه الأماكن والطرقات مشروعيتها معلومة من قوله عليه السلام: «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» ، كما رواه المؤلف فيما سبق، وإنَّما المجهول حكم الصلاة فيها، فأراد المؤلف بما ترجم به بيان حكمها، فما زعمه في «المنحة» غير ظاهر.
وقول العجلوني: (وذلك
…
) إلى آخره: مقلق محتاج للبيان ولا معنى له؛ لأنَّ قوله: (من حيث الصلاة)؛ لم يبين ما معنى هذه الحيثية، فإن كان مراده جوازها؛ فهو ظاهر من الحديث السَّابق، وإن كان مراده مشروعيتها؛ فظاهر أيضًا منه.
وقوله: (وبيانها)؛ أي: بيان المواضع والطرقات، ففيه نظر ظاهر؛ لأنَّ المؤلف ليس مراده بيان ذلك، وليس في كلامه تعرض إليه، ولا إشارة عليه، وإنَّما مراده بيان حكم الصلاة في الطرق والأماكن؛ فافهم، ولا تكن من الغافلين.
[حديث: رأيت سالم بن عبد الله يتحرى أماكن من الطريق
فيصلي فيها]
483 -
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا محمَّد بن أبي بكر المقدَّمي)؛ بتشديد الدَّال المهملة، اسم مفعول، نسبه لجده؛ لشهرته به؛ لأنَّه محمَّد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم البصري، المتوفى سنة أربع وثلاثين ومئتين (قال: حدثنا فُضيل بن سُليمان)؛ بِضَمِّ أولهما مصغرين: هو النُميري -بضم النُّون- البصري (قال: حدثنا موسى بن عُقْبَة)؛ بِضَمِّ العين المهملة وسكون القاف وفتح الموحَّدة: هو صاحب المغازي المشهور، ثقة، ولم يثبت أنَّ ابن معين ليَّنه، ذكره في «التقريب» (قال: رأيت سالم بن عبد الله) هو ابن عمر بن الخطاب القرشي المدني رضي الله عنهم (يتحرى)؛ أي: يجتهد ويقصد ويختار (أماكن) : جمع مكان؛ وهو الموضع، ويجمع أيضًا على أمكنة، كما في «القاموس» (من الطريق) : وهو مذكر ويؤنث، جمع أطرق، وطرق، وأطرقاء، وأطرقة، وطرائق: وهو الشَّارع الموصل إلى الشيء المقصود، والطرقة؛ بالضم: الظلمة والطمع، والمطاريق: القوم المشاة، وأطرق: سكت ولم يتكلم، وأرخى عينيه ينظر إلى الأرض (فيصلِّي فيها)؛ أي: الصلاة المفروضة أو النافلة، والظَّاهر الأول؛ لأنَّه كان مسافرًا؛ وهو لا يتنفل عادة، ويحتمل أنَّه يقصد الصلاة فيها، وعليه فالظَّاهر أنَّها النافلة، ويحتمل أنَّه يجمع بين الفرض والنفل فيها؛ فافهم، وسيأتي في الحديث الثاني في هذا الباب: أنَّه كان يصلِّي الظُّهر والصبح فيها (ويحدِّث)؛ بتشديد الدَّال المهملة؛ يعني: إذا سأله سائل: لِمَ خصصت هذه الأماكن بالصلاة؟ فيقول: (أنَّ أباه) هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (كان يصلِّي فيها)؛ أي: في تلك الأماكن، وهذا ليس بجواب مخلص؛ لأنَّه مصدَّر بالتبعية للآباء، وإنَّما الجواب الواضح قوله:(وأنَّه)؛ أي: أباه عبد الله المذكور (رأى النَّبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم يصلِّي في تلك الأمكنة)؛ أي: الصلاة المفروضة، أو النافلة، أو كلاهما، وسيأتي في حديث الباب: أنَّه كان يصلِّي الظُّهر والصبح، فإنَّها أمكنة معظمة، وآثار مُعمَّرة، وتعظيمها إنَّما يكون بالصلاة فيها، فلهذا خصها عليه السلام بالصلاة بمحضر من ابن عمر وغيره من أصحابه، وهم أشد اتباعًا لآثاره وأفعاله عليه السلام.
وزعم العجلوني أنَّ لفظة (يصلِّي) ساقطة لابن عساكر، انتهى.
قلت: وإن كانت كذلك، لكنَّها مقدرة الوجود، ولا يصح المعنى إلا بها، كما لا يخفى؛ فافهم، وجمهور الرواة على وجودها ثابتة.
قال إمام الشَّارحين: (وأنَّه رأى) هذا مرسل من سالم إذ لم يتصل سنده، انتهى، وقال البرماوي:(إن كان الضمير لسالم؛ فمرسل) انتهى.
قلت: (وأنَّه) عطف على (ويحدِّث)؛ يعني: أنَّ سالمًا يحدَّث: أنَّ أباه رأى النَّبي عليه السلام يصلِّي، فلا يلزم من كونه مرسلًا أن يكون الضمير لسالم، بل الضمير راجع إلى أبيه عبد الله، ومع هذا فهو مرسل؛ لأنَّ قوله:(وأنَّه) معطوف على قوله: (ويحدِّث) كما ذكرنا؛ فافهم ذلك ولا تكن من الغافلين.
(وحدَّثني) بالإفراد (نافع) هو مولى ابن عمر، القائل ذلك هو موسى بن عقبة، وهو عطف على (رأيت)؛ أي: قال موسى: وحدثني
…
إلخ، قاله إمام الشَّارحين.
وفي «المنحة» : (وفي نسخة قبل «وحدثني» : «ح»، فهو من كلام البخاري فيكون تعليقًا) انتهى.
قلت: قدَّمنا أنَّ إمام الشَّارحين قال: (القائل ذلك هو موسى)، ومثله في «الكرماني» ، و «ابن حجر» ، وغيرهما، ولم يتعرض أحد لهذه النُّسخة، فالله أعلم بصحتها.
وزعم ابن حجر أنَّه لم يسق البخاري [لفظ] فُضيل بن سُليمان، بل ساق لفظ أنس بن عياض، وكأنَّه اعتمده؛ لأنَّه أتقن من فُضيل، انتهى.
قلت: لا يلزم من سوقه [لفظ] أنس كونه أتقن من فضيل؛ لأنَّه أيضًا متقن ثبت، بل إنَّما ساق ذلك لأجل التفنن في السند، وذكر أشياخه كما هي عادته في أبوابه؛ فليحفظ.
(عن ابن عمر) هو عبد الله رضي الله عنهما (أنَّه) أي: ابن عمر (كان يصلِّي في تلك الأمكنة)؛ أي: لِمَا رآه من صلاته عليه السلام فيها، ففيه المطابقة للتَّرجمة.
وقوله: (وسألت سالمًا) أي: ابن عبد الله بن عمر، عطف على قوله:(رأيت)، فهو من كلام موسى بن عقبة (ولا أعلمه إلا وافق نافعًا) أي: مولى ابن عمر (في الأمكنة) أي: المواضع (كلها)؛ أي: التي حول المدينة، التي صلى فيها النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم (إلَّا أنَّهما) أي: سالمًا ونافعًا (اختلفا في مسجد)؛ أي: هل صلى فيه النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم
أم لا؟ وهو الذي (بشرف)؛ بفتح المعجمة والرَّاء، آخره فاء: المكان العالي (الرَّوْحاء)؛ بفتح الرَّاء، وسكون الواو، آخره حاء مهملة، وبالمد: هي قرية جامعة لمزينة على ليلتين من المدينة، بينهما أحد وأربعون ميلًا، قاله البكري، وسميت روحاء؛ لكثرة رواحها، وفيها بناء يزعمون أنَّه قبر مضر بن نزار، قاله كثير، والنسب إليها: روحائي على غير قياس، وقد قيل: روحاوي على القياس، قاله أبو عبيد، والرَّوحاء: أربعة برد إلا ثلاثة أميال، قاله الزمخشري.
وثبت في «صحيح مسلم» في باب (الآذان) : أنَّ بينها وبين المدينة ستة وثلاثون ميلًا.
وعند ابن أبي شيبة: على ثلاثين ميلًا.
وقال ابن قرقول: هي من عمل الفرع على نحو أربعين ميلًا من المدينة.
وقال أبو عبيد: روى نافع عن مولاه: أنَّ بهذا الموضع المسجد الصغير دون الموضع الذي بالشرف، قال: وروى أصحاب الزهري عنه، عن حنظلة بن علي، عن أبي هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والذي نفسي بيده؛ ليهلنَّ ابن مريم بفج الرَّوحاء حاجًّا أو معتمرًا أو ليثنينهما» ، وفي رواية الأعرج عن أبي هريرة مثله.
وروى غير واحد: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال -وقد وصل المسجد الذي ببطن الروحاء عند عرق الظبية-: «هذا واد من أودية الجنة، وصلى في هذا الوادي قبلي سبعون نبيًّا عليهم السلام، وقد مر به موسى بن عمران حاجًّا أو معتمرًا في سبعين ألفًا من بني إسرائيل على ناقة له ورقاء عليها عباءتان قطويتان يلبي» .
وحاصله: أنَّ ابن عمر كان يتبرك بهذه الأماكن المذكورة، فيصلِّي فيها، وتشديده بالإتباع مشهور، ولا يعارضه ما ثبت عن عمر بن الخطاب أنَّه كان في سفر فصلى الغداة، ثم أتى على مكان فجعل الناس يأتونه، ويصلُّون فيه، ويقولون: صلى النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم فيه، فقال:«من عرضت له الصلاة؛ فليصلِّ، وإلا؛ فليمض، فإنَّما أهلك أهل الكتاب أنَّهم تتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعًا» ؛ لأنَّ ذلك محمول من عمر رضي الله عنه على أنَّه كره زيارتهم لمثلها بغير صلاة، وخشي أن يشكل على من لا يعرف حقيقة الأمر فيه، فيلتزم الناس الصلاة فيه، فيرى الناس ذلك واجبًا، وكلا الأمرين مأمون على ابن عمر، وكان يتبرك بتلك الأماكن، فالتبرك بآثار الصالحين ثابت، وفي «الصَّحيح» كما سبق صلاته عليه السلام في موضع من بيت عتبان؛ ليتخذه مصلى وغير ذلك، انتهى أفاده إمام الشَّارحين بزيادة.
[حديث: أن رسول الله كان ينزل بذي الحليفة حين يعتمر]
484 -
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا إبراهيم بن المنذِر)؛ بكسر الذَّال المعجمة: هو الحزامي المدني -بالزاي المعجمة- نسبة إلى أحد أجداده، فإنَّه إبراهيم بن المنذِر بن عبد الله بن المغيرة بن عبد الله بن خالد بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد الصمد بن قصي المديني، المتوفى سنة ست وثلاثين ومئتين (قال: حدثنا أنس بن عِياض)؛ بكسر العين المهملة: هو المدني، المتوفى سنة ثمانين ومئة.
(قال: حدثنا موسى بن عقبة) هو صاحب المغازي، المدني المشهور الثِّقة، (عن نافع) هو أبو عبد الله المدني التَّابعي مولى ابن عمر رضي الله عنهما، المتوفى سنة عشرين ومئة:(أنَّ عبد الله)؛ بفتح الهمزة؛ زاد الأصيلي: (يعني: ابن عمر)، ولأبوي ذر والوقت:(أنَّ عبد الله بن عمر) هو ابن الخطاب القرشي المدني رضي الله عنهما (أخبره) أي: أخبر نافعًا (أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح الهمزة (كان) أتى بها لإفادة الدوام والاستمرار (ينزل بذي الحُلَيفة)؛ بِضَمِّ الحاء المهملة، وفتح اللَّام؛ وهو الميقات المشهور لأهل المدينة، وهو من المدينة على أربعة أميال، ومن مكة على مئتي ميل غير ميلين، وزعم الكرماني بينها وبين المدينة ميل أو ميلان، والميل: ثلث فرسخ، وهو أربعة آلاف ذراع ومنها إلى مكة عشر مراحل، وزعم ابن التين أنَّها أبعد المواقيت من مكة؛ تعظيمًا لأجر النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، كذا في «عمدة القاري» ، (حين يعتمر، وفي حجته حين حج)؛ أي: حجة الوداع، قيل: وفي نسخة: (حين يحج)، وعلى الأولى شرح إمام الشَّارحين، وقال:(إنَّما قال في العمرة بلفظ المضارع، وفي الحج بلفظ الماضي؛ لأنَّه عليه السلام لم يحج إلا مرة واحدة، وتكررت منه العمرة) انتهى، وتبعه ابن حجر وغيره.
وزعم الكرماني أنَّ المضارع قد يفيد الاستمرار.
وردَّه إمامنا الشَّارح: (بأنَّ الماضي أقوى في إفادة الاستمرار من المضارع؛ لأنَّ الماضي قد مضى واستقر بخلاف المضارع) انتهى.
واعترضه ابن حجر تعصبًا بأنَّ من يستدل على الاستمرار بالاستقرار، فما له ولتعقيب كلام الناس؟ انتهى.
قلت: انظر إلى هذا الكلام الذي لا يصدر من ذوي الأفهام، والحال أنَّه لم يستدل بذلك، وإنَّما ذكر المعنى الذي يفيده اللَّفظ في الكلام على القواعد الموضوعة للنحاة الموافقة للمرام، وإنَّما قال ذلك في تعقيب كلام الناس عدم فهمهم الكلام بالمعاني والأساس.
ويدل على صحة ما قاله إمامنا الشَّارح أنَّ لفظ (كان) يفيد الدوام والاستمرار في الألفاظ المطلقة، ثم عبر بالعمرة بالمضارع المطلق، فأفاد التكرار، وعبر بالحج -في قوله:(وفي حجته)؛ أي: التي حجها، وهي حجة الوادع- بالماضي المقيد، فأفاد عدم التكرار، والوقوع مرة واحدة، وهذا ظاهر اللَّفظ؛ فليحفظ، ولا عليك من لقلقة اللسان بغير حجة وبرهان؛ فافهم.
والنُّسخة الثانية الله أعلم بصحتها، ولم ينقلها أحد من الشراح غير العجلوني ذكرها ولم يَعزُها لأحد من الرواة، وهو نقل أوهى من بيت العنكبوت؛ لأنَّه من غير برهان ولا نعوت؛ فافهم.
(تحت سَمُرة)؛ بفتح السين المهملة، وضم الميم: وهي شجرة الطلح، وهو عظام الأشجار التي لها شوك، وتعرف عند الناس: بأم غيلان، كذا في «عمدة القاري» .
قلت: وهي كثيرة في البساتين في ديارنا الشريفة الشامية، وتوضع في الحدود بينها؛ لأنَّها تُعمَّر كثيرًا كما يعهد من حالها.
(في موضع المسجد الذي بذي الحليفة) قيل: وفي نسخة: (الذي كان بذي الحليفة)، وهذا موضع التَّرجمة، ولهذا قال إمامنا الشَّارح:(ومطابقته للتَّرجمة ظاهرة في الفصلين) انتهى، (وكان إذا رجع من غزوة)؛ بالتأنيث، وفي رواية: بحذف التَّاء؛ (وكان
(1)
في تلك الطريق)؛ أي: طريق ذي الحليفة، والجملة حالية بالواو، وفي رواية: بحذف الواو، فهي صفة
(1)
في الأصل: (كان)، وأُثبتت الواو؛ لأنه شرح عليها.
للغزو، ووجه التذكير في (كان) باعتبار السفر، ويجوز أن يرجع الضمير فيه للنبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، قاله إمامنا الشَّارح، وما شرحنا عليه هو رواية الأصيلي وأبي ذر عن الحموي والمستملي، (غزوة وكان) بالتَّاء والواو، وعليها شرح إمام الشَّارحين، (أو حج أو عمرة هبط من بطن واد) هو وادي العقيق، وسقط كلمة (من) لأبوي ذر والوقت، وعند ابن عساكر:(هبط من ظهر واد)، والهبوط: النزول من الأعلى إلى الأسفل، وإنَّما لم يؤخر لفظ:(كان) في تلك الطريق عن الحج والعمرة؛ لأنَّهما لم يكونا إلا من تلك الطريق، (فإذا ظهر من بطن واد)؛ أي: علا في أعلاه وارتفع في وادي العقيق المذكور؛ (أناخ)؛ أي: أقعد راحلته، وهو جواب (إذا)(بالبطحاء) هو تراب لين السيول، والجمع: بطحاوات وبطاح، فإن اتسع وعرض؛ فهو الأبطح، والجمع: الأباطح، كما في «المحكم» ، وقال بعضهم: الأبطح: لا ينبت
(1)
شيئًا، إنَّما هو بطن الوادي، وفي «الجامع» :(الأبطح والبطحاء والبطاح: الرمل المنبسط على وجه الأرض)، وفي «الواعي» :(البطحاء: حصى ورمل ينقل من مسيل الماء)، وقال النَّضر بن شميل:(بطحاء الوادي وأبطحه: حصاة اللين)، وقال أبو سليمان:(هي حجارة ورمل)، وقال الدَّاودي:(البطحاء: كل أرض منحدرة)، وفي «المنتهى» :(الأبطح: مسيل واسع، فيها دقاق الحصى، والجمع: الأباطح، وكذلك البطحاء)، وفي «الصِّحاح» : البطاح: على غير قياس، والبطيحة؛ مثل: الأبطح، كذا في «عمدة القاري» .
(التي على شَفير الوادي)؛ بفتح الشين المعجمة؛ أي: طرفه، وقال ابن سيده:(شفير الوادي وشفره: ناحيته من أعلاه)(الشرقيةِ) بالجر: صفة (البطحاء)، (فعرَّس)؛ بتشديد الرَّاء، قال الأصمعي:(عرَّس المسافرون تعريسًا؛ إذا نزلوا نزلة في وجه السحر، وأناخوا إبلهم فروحوها ساعة حتى يرجع إليها أنفسها)، وعن أبي زيد:(عرَّس القوم تعريسًا في المنزل حيث نزلوا بأيِّ حينٍ كان من ليل أو نهار)، وفي «المحكم» :(المعرس: الذي يسير نهاره، ويعرِّس؛ أي: ينزل أول الليل)، وفي «الصِّحاح» :(أعرسوا لغة فيه قليلة، والموضع: مِعرس ومَعرس)، وفي «الغريبين»
(2)
: (التعريس: نومة المسافر بعد إدلاج الليل)، وفي «المغيث» :(عرَّس؛ أي: نزل للنوم والاستراحة، والتعريس: النزول لغير إقامة)، أفاده إمام الشَّارحين.
قلت: وحاصله: أنَّ التعريس: نزول استراحة، وأكثره في آخر الليل، وخصَّه الأصمعي: بآخر الليل، وأطلق فيه أبو زيد؛ فليحفظ.
(ثَمَّ)؛ بفتح المثلَّثة، وتشديد الميم: اسم إشارة للمكان البعيد؛ أي: هنالك (حتى يُصبح)؛ بِضَمِّ المثناة التحتية؛ أي: يدخل في الصباح، وهي تامة لا تحتاج إلى الخبر، واستغنت بمرفوعها (ليس عند المسجد الذي بحجارةٍ، ولا على الأكَمة)؛ بفتح الهمزة والكاف: هي التل من القف من حجارة واحدة، قاله ابن سيده، وقيل: هي دون الجبال، وقيل: هي الموضع الذي قد اشتد ارتفاعًا مما حوله، وهو غليظ لا يبلغ أن يكون حجرًا، والجمع: أَكَم، وأُكُم، وأُكْم، وإكام، وآكام، وآكُم؛ كأَفْلُس، الأخيرة عن ابن جني، وفي «الواعي» :(الآكام: دون الضراب)، وفي «الصِّحاح» :(والجمع: أكمات، وجمع الأكم: آكام؛ مثل: عنق وأعناق) انتهى.
والحاصل: أنَّه يجمع على (أَكَم)؛ بفتحات؛ وهو على (إِكام)؛ بكسر الهمزة -كجبل وجبال
(3)
-؛ وهو على (أُكُم)؛ بضمتين -نحو: كِتَاب وكُتُب-؛ وهو على (آكام)؛ كعُنُق وأعناق؛ فافهم.
(التي عليها المسجد، كان ثَمَّ)؛ بفتح المثلَّثة، وتشديد الميم: اسم إشارة للمكان البعيد؛ أي: هنالك (خَلِيج)؛ بفتح الخاء المعجمة، وكسر اللَّام، آخره جيم: واد عميق ينشق من آخر أعظم منه، قاله ابن التِّين، وفي «المنتهى» : (هو شرم من البحر اختلج منه، والخليج
(4)
: النهر العظيم، والجمع: خلجان، وربما قيل للنهر الصغير يخلج من النهر الكبير: خليج)، وفي «المحكم» : الخليج: ما انقطع من معظم الماء؛ لأنَّه يجبذ منه، وقد اختلج، وقيل: الخليج: شعبة تتشعب من الوادي تعير بعض مائه إلى مكان آخر، والجمع: خلج وخلجان، وقال الإمام الزمخشري:(جبل خليج: أحد جبال مكة) انتهى، (يصلِّي)؛ بتحتية أوله، وفي رواية:(فصلى)(عبد الله) أي: ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (عنده) أي: عند الخليج المذكور (في بطنه) أي: وسطه (كُثُب)؛ بِضَمِّ الكاف وضم الثَّاء المثلَّثة، جمع كثيب؛ هو رمل اجتمع وكل ما اجتمع من شيء وانهار؛ فقد انكثب فيه، ومنه اشتق: الكثيب من الرمل؛ في معنى: مكثوب؛ لأنَّه انصب في مكان واجتمع فيه، والجمع: كثبان؛ وهي تلال من رمل، قاله أبو المعالي، وفي «المحكم» :(الكثيب من الرمل: القطعة تبقى محدودبة، وقيل: هو ما اجتمع واحدودب، والجمع: أكثبة وكثب)، وفي «الجامع» :(إنَّما سمي كثيبًا؛ لأنَّ ترابه دقاق كأنَّه مكثوب؛ أي: منثور بعضه على بعض؛ لرخاوته)، كذا في «عمدة القاري» .
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله: (ثَمَّ)؛ بفتح المثلَّثة؛ أي: هنالك، متعلق بقوله:(يصلِّي)، وهذا مرسل من نافع، كما قاله إمام الشَّارحين وغيره، (فدحا) : الفاء للعطف، و (دحا)؛ بالدَّال والحاء المهملتين، مبنيًّا للفاعل، من الدحو؛ وهو البسط، يقال: دحا يدحوويدحى دحوًا، قاله ابن سيده، وفي «الغريبين» : كل شيء بسطته ووسعته؛ فقد دحوته، ومنه قوله تعالى:{وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: 30]؛ أي: بسطها ووسعها؛ للوقوف بها عند فصل القضاء، وبهذا تعلم فساد تفسير العجلوني: الدحي: بالرفع، فإنَّه غير موافق للُّغة ولا للقرآن العظيم؛ فافهم، بل هو تفسير من عنده، وهو غير مقبول، (السيل)؛ أي: المطر النازل من الجبال (فيه)، ولأبي ذر:(فدحا فيه السيل)(بالبطحاء) : متعلق بـ (دحا)، وفي رواية الإسماعيلي:(فدخل)؛ بالخاء المعجمة واللَّام، وفي رواية:(قد جاء)؛ بكلمة (قد) للتحقيق، وكلمة (جاء) من المجيء فهما كلمتان؛ فليحفظ، (حتى دَفن)؛ بالبناء للفاعل؛ أي: السيل، قيل: وفي رواية: بالبناء للمفعول، فنائبه قوله:(ذلك المكان الذي كان عبد الله) أي: ابن عمر (يصلِّي فيه)؛ أي: غيَّبه وغيَّر صفته، فلم يظهر بعد ذلك.
(وأنَّ)؛ بفتح الهمزة، معطوف على قوله:(أنَّ عبد الله أخبره)(عبد الله بن عمر)؛ أي: ابن الخطاب (حدَّثه)؛ أي: حدَّث نافعًا مولاه، وهو من قول موسى بن عقبة، فهو موصول بالإسناد السَّابق، وهذا يجري في نظائره، وقال الكرماني: إنَّما قال في الأول: «أنَّ عبد الله أخبره» ، وفي المرات الآتية:«أنَّ عبد الله حدَّثه» ؛ للفرق عند بعضهم بأنَّ الإخبار: القراءة على الشيخ، والتحديث: قراءة الشيخ.
واعترضه العجلوني بأنَّ الظَّاهر أنَّهما بمعنًى، انتهى.
قلت: قد سبق ذلك في باب (العلم)، وأنَّ مذهب الجمهور -ومنهم المؤلف- على أنَّه لا فرق بين (حدثنا)، و (أخبرنا)، و (أنبأنا)، وأنَّها بمعنًى، وبه قال ابن عيينة، والأئمة الكوفيون، ومالك، والحسن البصري، ويحيى القطان، وأهل الحجاز، فإذا كان هذا مذهب الجمهور؛ فكيف يدعي أنَّه الظَّاهر، فإنَّ الظَّاهر يقال
(1)
في الأصل: (يثبت)، ولعله تحريف.
(2)
في الأصل: (العربيين)، وهو تصحيف.
(3)
في الأصل: (وإجبال)، وليس بصحيح.
(4)
في الأصل: (والخلج)، ولعل المثبت هو الصواب.
في أحد قولين مرجحين، بل في قول قوي وقول ضعيف؛ لأنَّ الفرق قول ضعيف عند أهل النَّظر، وأمَّا المؤلف ههنا؛ فلم ينظر لهذا حتى زعم الكرماني ما زعم، بل إمَّا للتفنن في العبارة، أو ساق اللَّفظ بعينه، وإنَّما مذهبه عدم الفرق، كما ترجم به بباب مستقل؛ فافهم ولا تكن من الغافلين.
(أنَّ النَّبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم صلى) أي: الفرض والنفل جميعًا (حيث) بالمهملة والمثلَّثة (المسجد الصغير) : نعت لـ (المسجد)، وفي رواية:(صلى جَنْب)؛ بالجيم والنُّون والموحَّدة، وعلى الأولى؛ (المسجدُ) : مرفوع خبر مبتدأ محذوف، و (الصغيرُ) : مرفوع نعت له؛ لأنَّ (حيث) لا تضاف إلا إلى الجملة على الأصح؛ وتقديره: حيث هو بالمسجد ونحوه، وعلى الثانية؛ مجرور بالإضافة، و (الصغير) : نعت له مجرور، أفاده الشَّارح.
(الذي دون المسجد)؛ أي: أنزل من المسجد (الذي بشرف) أي: أعلى (الروحاء)؛ بالمد: قرية جامعة على ليلتين من المدينة، وهي آخر السيالة للمتوجه إلى مكة والمسجد الأوسط في الوادي المعروف الآن بوادي بني سالم، (وقد كان عبد الله) أي: ابن عمر بن الخطاب (يُعلِّم)؛ بِضَمِّ التحتية أوله، من (أعلم) من العلامة في رواية أبوي ذر والوقت، وفي رواية غيرهما:(يَعلم)؛ بفتح التحتية من العِلْم، وفي رواية:(تَعلَّم)؛ بفتح الفوقية، وتشديد اللَّام المفتوحة (المكان الذي كان) وسقطت (كان) لابن عساكر (صلى فيه النَّبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم؛ أي: صلاته الفرض والنفل جميعًا بمحضر من ابن عمر وغيره من الصَّحابة رضي الله عنهم أجمعين (يقول) أي: ابن عمر: (ثَمَّ)؛ بفتح المثلَّثة؛ أي: هنالك (عن يمينك حين تقوم في المسجد تصلي، وذلك المسجد على حافَة)؛ بتخفيف الفاء؛ أي: على جانب (الطريق)؛ أي: الشَّارع، وحافتا الوادي: جانباه (اليمنى) : صفة لـ (حافَة)؛ أي: لا اليسرى، وقوله:(وأنت ذاهب إلى مكة) : صفة لقوله: (حافَة)(بينه) أي: بين هذا المسجد (وبين المسجد الأكبر رمية حجر أو نحو ذلك)؛ أي: مقدار مسافة ذلك.
(وأنَّ) بفتح الهمزة معطوف على سابقه (ابن عمر)؛ أي: ابن الخطاب رضي الله عنهمابالإسناد المذكور، فهو من قول موسى بن عقبة (كان يصلِّي إلى العِرْق)؛ بكسر العين المهملة وسكون الرَّاء المهملة، وبالقاف؛ أي: عرق الظبية، وقال أبو منصور:(العِرْق: الجبل الصغير، ويقال أيضًا للأرض الملح التي لا تنبت)، وقال أبو عبيد:(هو واد معروف)، وقال ابن فارس:(ينبت الطرفاء، وقيل: ينبت الشجر)، وقال الخليل:(العِرْق: الجَبْل الرقيق من الرمل المستطيل مع الأرض)، وقال الدَّاودي:(هو المكان المرتفع)، أفاده في «عمدة القاري» ، (الذي كان عند منصرَف الرَّوحاء)؛ بفتح الرَّاء المهملة فيهما مع [المد] في الثاني؛ وهي القرية الجامعة على ليلتين من المدينة؛ يعني: عند آخر الرَّوحاء (وذلك العِرْق انتهاء)؛ بالمد (طرفه
(1)
على حافَة)؛ أي: جانب (الطريق)، ولأبي ذر عن الكشميهني:(انتهى طرفه)؛ بالقصر، فعل وفاعل (دون المسجد الذي بينه وبين المنصرَف)؛ بفتح الرَّاء؛ أي: أنزل منه (وأنت ذاهب إلى مكة وقد ابتُني)؛ بِضَمِّ المثناة فوق على صيغة المجهول من الماضي (ثَمَّ)؛ بالمثلَّثة، متعلق به؛ أي: هنالك (مسجد) يحتمل أنَّ الباني له أحد من قريش من الجاهلية ممن يعبد الأصنام، ويشرك بالله غيره، ويدل على هذا قوله:(فلم يكن عبد الله) زاد الأصيلي: (ابن عمر)(يصلِّي في ذلك المسجد)؛ لعله لما فيه من الصور والأصنام كما ذكرنا، فلا وجه لقول العجلوني:(ولينظر من الباني له؟)؛ لأنَّه لا شك أنَّ الباني غير مسلم، بل مشرك أو منافق، ولهذا قال:(وكان) أي: ابن عمر، وللأصيلي: بإسقاط الواو (يتركه على يساره وورائه)؛ بالجر عطفًا على (يساره)، وبالنصب على الظرفية؛ بتقدير:(في) ظرفًا (يصلِّي) أي: ابن عمر (أمامه) أي: قدام المسجد (إلى العِرْق نفسه) أي: عرق الظبية، (وكان عبد الله) أي: ابن عمر (يروح) أي: يمر (من الرَّوحاء) بالمد (فلا يصلِّي الظُّهر حتى يأتي ذلك المكان فيصلِّي فيه الظُّهر) أي: اتباعًا حيث الوقت متسع، (وإذا أقبَل) بفتح الموحَّدة (من مكة فإن مرَّ) بتشديد الرَّاء (به) أي: بذلك المكان (قبْل) بسكون الموحَّدة (الصبح) أي: طلوع الفجر الصَّادق (بساعة) : يحتمل أنَّها اللحظة والحصة من الزمان، ويحتمل الساعة المعلومة، وهي خمس عشرة درجة، (أو من آخر السحر) : وهو عبارة عما بين الفجر الكاذب والصَّادق، والفرق بين العبارتين-أعني: قوله: (قبل الصبح بساعة)، وقوله:(آخر السحر) - هو أنَّه أراد بـ (آخر السحر) : أقل من ساعة، وأراد الإبهام؛ ليتناول قدر الساعة وأقل وأكثر منها، قاله الشَّارح في «عمدة القاري» ، (عرَّس)؛ بتشديد الرَّاء، جواب (أنَّ)؛ أي: نزل للاستراحة في ذلك الوقت (حتى يصلِّي بها الصبح)؛ أي: بمكة؛ لفضل الصلاة فيها.
(وأنَّ) بفتح الهمزة، معطوف على سابقه (عبد الله) أي: ابن عمر (حدَّثه)؛ أي: حدَّث نافعًا بالإسناد المذكور، فهو موصول:(أنَّ النَّبي) الأعظم، ولابن عساكر:(رسول الله) صلى الله عليه وسلم كان ينزل تحت سَرْحَة)؛ بفتح السين المهملة، وسكون الرَّاء، وفتح الحاء المهملة: وهو شجر عظام طوال (ضخمة)؛ أي: عظيمة، وقال أبو زيد: السَّرْح من العضاه، واحدته: سَرْحَة، والسَّرْح: طوال في السَّماء، وقد تكون السَّرْحة دوحة محلالًا
(2)
واسعة، يحل تحتها الناس في الصيف، ويبنون تحتها البيوت، وقد تكون منه العشة القليلة الفروع والورق، وللسرح عنب يسمى آءُ، واحدته: آءة، يأكله الناس أبيض، ويرببون منه الرب، ورقته صغيرة عريضة، تأكله الماشية لو تقدر عليه ولكن لا تقدر؛ لطوله، ولا صمغ له، ولا منفعة فيه أكثر من هذا إلَّا أنَّ ظله صالح، ومن ذلك قال الشاعر:
فيا سَرْحَة الركبان ظلك بارد
…
وماؤك عذب لا يحل لشارب
وليس للسرح شوك، وقال أبو عمرو: السَّرْح يشبه الزيتون، وروى الفراء عن أبي الهيثم: أنَّ كل شجرة لا شوك فيها؛ فهي سَرْحَة، يقال: ذهب إلى السَّرْح؛ وهو السهل من كل شيء، وأخبرني أعرابي: أنَّ في السَّرْحة غبرة، وهي دون الأثل في الطول، وورقها صغار، وهي سبطة الأفنان
(3)
، وهي مائلة النبتة أبدًا، وميلها من بين جميع الشجر في شق اليمين، ولم أبل عليه كذبًا، وزعم بعضهم أنَّ السَّرْح من نبات القف، وقيل: من نبات السهل، وهو قول الأصمعي، وفي «المطالع» :(قيل: هي الدِّفلى)، وقال أبو علي:(هو نبت، يقال لها: هدب، وليس لها ورق، وهو يشبه الصوف)، قاله إمام الشَّارحين.
(دون الرُّوَيْثَة)؛ أي: تحتها أو قريب منها، وهي بِضَمِّ الرَّاء، وفتح الواو، مع سكون التحتية، وفتح المثلَّثة
(1)
في الأصل: (طرفة).
(2)
في الأصل: (مجلالًا)، ولعل المثبت هو الصواب.
(3)
في الأصل: (الأقنان)، وهو تصحيف.
على لفظ التصغير؛ وهي قرية جامعة بينها وبين المدينة سبعة عشر فرسخًا، ومن الرُّوَيْثَة إلى السقيا عشرة فراسخ، وعقبة العرج على أحد عشر ميلًا من الرُّوَيثة، وبينها وبين العرج ثلاثة أميال، وهي غير الرُّويثة؛ ماء لبني عجل بين طريق الكوفة والبصرة، ذكره ياقوت، كما في «عمدة القاري» .
وقال الكرماني: (وفي بعض النُّسخ: «الرَّقْشة»؛ بفتح الرَّاء، وسكون القاف، وإعجام الشين)، وزعم الخطابي أنَّه اسم موضع، وردَّه إمام الشَّارحين:(بأنَّ البكري لم يذكر إلا الرقاش، وقال: هو بلد) انتهى.
قلت: وليس هناك بلاد ولا بلد تسمى بالرَّقشة، ولا موضع يسمى بهذا الاسم، فالظَّاهر أنَّه تصحيف.
وقال القاضي عياض: («دون الرُّوَيثة» تصحيف، والصَّواب: بعواسج عن يمينك)، قال العجلوني:(إن ثبتت به الرواية؛ فهو أولى) انتهى.
قلت: الرواة كلهم على الأول، ولم يذكر أحد منهم ذلك أصلًا، ولئن ثبت؛ فهو ليس بأولى؛ لأنَّ المكان جامع لقرًى شتى، ولم يتبين المكان بعينه، بل إنَّما وقعت القصة من نزوله عليه السلام عند الشجرة، وهي بين القرى، وأقربها قرية الرويثة، فلا عليك من كلام القاضي والعجلوني؛ فافهم.
(عن يمين الطريق) أي: لا عن شماله (ووُجاه)؛ بِضَمِّ الواو وكسرها؛ بمعنى: تجاه (الطريق)؛ أي: مقابلها، و (وجاه)؛ بالجر عطفًا على (يمين)، أو بالنصب على الظرفية (في مكان بَطِح)؛ بفتح الموحَّدة، وكسر الطاء المهملة وبسكونها؛ أي: واسع (سهل) أي: لا وعر فيه ولا حجارة (حتى)؛ بالمثناة فوق، وللأصيلي وأبي ذر:(حين)؛ بالتحتية والنُّون (يُفضي)؛ بِضَمِّ أوله التحتية وبالفاء، من الإفضاء؛ بمعنى الخروج، يقال: أفضيت؛ إذا خرجت إلى الفضاء، أو بمعنى الدفع؛ كقوله تعالى:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ} [البقرة: 198]، أو بمعنى الوصول، والضمير في (يفضي) يرجع إلى النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن يرجع إلى المكان، كذا قرره إمام الشَّارحين.
وقال الكرماني: (وفي بعض النُّسخ بلفظ الخطاب) انتهى.
قلت: لم يعزها لأحد من الرواة، فالله أعلم بصحتها.
(من أَكَمة)؛ بفتح الهمزة والكاف؛ وهي التل العالي كما تقدم (دُوين)؛ بِضَمِّ الدَّال المهملة، مصغر الدُّون، وهو نقيض الفوق، ويقال: هو دون ذاك؛ أي: أقرب منه (بريد) هو المرتب واحدًا بعد واحد، والمراد به: موضع البريد، وقيل: المراد به: سكة الطريق (الرُّوَيثة) وسقط (البريد) لابن عساكر (بميلين)؛ يعني: بينه وبين المكان الذي ينزل فيه البريد بالرُّويثة ميلان، (وقد انكسر أعلاها)؛ أي: السَّرْحة، (فانثَنى)؛ بفتح المثلَّثة على صيغة المعلوم من الماضي؛ ومعناه: انعطف (في جوفها) أي: السَّرْحة (وهي قائمة على ساق)؛ أي: كالبنيان ليست متسعة من أسفل، ولا ضيقة من فوق (وفي ساقها كُثُب)؛ بضمتين، جمع كثيب؛ وهو الرمل المجتمع تلال كثيرة.
(وأنَّ عبد الله بن عمر) بفتح الهمزة معطوف على سابقه (حدَّثه) أي: حدَّث نافعًا بالإسناد المتقدم (أنَّ النَّبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم صلَّى) أي: الصبح أو غيره من فرض ونفل (في طرف تَلْعَة)؛ بفتح المثناة الفوقية، وسكون اللَّام، وفتح العين المهملة: هي أرض مرتفعة عريضة، يتردد فيها السيل، والتَّلْعَة: مجرى
(1)
الماء من أعلى الوادي، والتَّلعة: ما انهبط من الأرض، وقيل: هي مثل الرحبة، والجمع في كل ذلك: تلع وتلاع، وعن بعضهم: التَّلعة: أرض مرتفعة غليظة، وربما كانت على غلظها عريضة، وفي «الجامع» :(التَّلعة من الوادي: ما اتسع من فوقه، وقيل: هي مسيل من الأرض المرتفعة إلى بطن الوادي، فإن صغر عن ذلك؛ فهي شعبة، فإذا عَظُم فكان نصف الوادي؛ فهي الميثاء، قيل: والأصل في التَّلعة الارتفاع)، كذا في «عمدة القاري» ، (من وراء العَرْج)؛ بفتح العين المهملة، وسكون الرَّاء، ثم جيم: قرية جامعة على طريق مكة من المدينة، بينها وبين الرُّويثة أربعة عشر ميلًا، قال السكوني:(المسجد النَّبوي على خمسة أميال من العَرْج وأنت ذاهب إلى الهضبة، عندها قبران أو ثلاثة، عليها زحم حجارة، قال كثير: إنَّما سمي العَرْج لتعريجه، وبين العرج إلى السقيا سبعة عشر ميلًا)، وقال ياقوت: (العَرْج: قرية جامعة من نواحي الطَّائف، والعَرْج: عقبة بين مكة والمدينة على جادة الطريق، تذكر مع السقيا، وسوق
(2)
العَرْج: بلد بين المحالب والمهجم)، وقال الزمخشري:(العرج: واد بالطَّائف، والعرج أيضًا: منزل بين المدينة ومكة، وجاء فيه فتح الرَّاء أيضًا)، كذا قرره إمامنا الشَّارح.
(وأنت ذاهب إلى هَضْبَة)؛ بفتح الهاء، وسكون الضَّاد المعجمة، وفتح الموحَّدة؛ وهي الجبل المنبسط على وجه الأرض، وقال أبو زيد:(الهضبة من الجبال: ما طال واتسع وانفرد، وهي الهضبات والهضاب)، وعن سيبويه:(وقد قالوا: هضبة وهضب)، وقال صاحب «العين» :(الهضبة: كل جبل خلق من صخرة واحدة، وكل ضخرة ضخمة صلبة راسية تسمى هضبة)، وفي «الجامع» :(هي القطعة المرتفعة من أعلى الجبل)، وفي «المجمل» :(هي أكمة ملساء قليلة النبات)، وفي «المطالع» :(هي فوق الكثيب في الارتفاع ودون الجبل) انتهى.
(عند ذلك المسجد قبران أو ثلاثة على القبور رَضْم)؛ بفتح الرَّاء وسكون الضَّاد المعجمة، وللأصيلي:(رَضَم)؛ بفتحها (من حجارة)، قال الشَّارح: (الرضم: الحجارة البيض
(3)
، والرضمة: الصخرة العظيمة مثل الجزور
(4)
، وليست بثابتة، والجمع: رضم ورضام، ورَضَمَ الحجارة: جعل بعضها على بعض، وكل بناء بني بصخر: رضيم، ذكره ابن سيده، وفي «الجامع» :(ومرضوم) انتهى، (عن يمين الطريق)؛ أي: لا عن يساره، ولم يذكر أحد من الشراح أسماء أصحاب هذه القبور، والظَّاهر أنَّهم من قريش من الجاهلية (عند سَلِمات الطريق)؛ بفتح السين المهملة وكسر اللَّام، كذا في رواية أبي ذر والأصيلي، وفي رواية الباقين: بفتح اللَّام، قيل: هي بالكسر: الصخرات، وبالفتح: الشجرات، وقال أبو زياد:(من العضاه السلم: وهو سليب العيدان طولًا، يشبه القضبان، ليس له خشب وإن عظم، وله شوك دقاق طوال، حار إذا أصاب رِجل الإنسان، وكل شيء من السلمة مُرُّ يدبغ)، وقال غيره: السلمة: أطيب العضاه ريحًا، وبرمتها أطيب البرم ريحًا، وهي صفراء تؤكل، وقيل: ليس شجرة أذرى من سلمة، ولم يوجد في ذرى سلمة صرد قط، ويجمع على أسلام، وأرض مسلوماء؛ إذا كانت كثيرة السلم، وفي «الجامع» :(ويجمع أيضًا على سلامى) انتهى.
(بين أولئك السَّلِمات) وفي بعض النُّسخ: (من أولئك)، وهي في النُّسخة الأولى ظاهر التعلق بما قبله، وفي الثانية بما بعده، قاله الشَّارح، ومثله في «الكرماني» ، قال العجلوني:(فتأمله) انتهى.
قلت: لا وجه للتأمل فيه، فإنَّ كلامه ظاهر لمن له أدنى ذوق في العلم؛ فافهم.
(كان عبد الله) أي: ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (يروح) من الرواح؛ وهو الذهاب؛ يعني: يذهب (من العَرْج بعد أن تميل الشمس من الهاجرة) : متعلق بـ (يروح)؛
(1)
في الأصل: (مجرد)، ولعل المثبت هو الصواب.
(2)
في الأصل: (وتسوق)، ولعل المثبت هو الصواب.
(3)
تكرر في الأصل: (والرضمة).
(4)
في الأصل: (الجرور)، وهو تصحيف.
وهي نصف النهار عند اشتداد الحر، (فيصلي الظُّهر)؛ لأنَّ ميلان الشمس عن كبد السَّماء دخول وقت الظُّهر والجمعة (في ذلك المسجد)؛ أي: للإتباع.
(وأنَّ عبد الله بن عمر) أي: ابن الخطاب، بفتح الهمزة معطوف على سابقه (حدَّثه) أي: حدَّث نافعًا بالإسناد المذكور، فهو موصول (أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل) أي: عن راحلته (عند سَرحات)؛ بفتح الرَّاء، وبالحاء المهملة، جمع: سَرْحة؛ بسكون الرَّاء؛ وهي الشجرة العظيمة الضخمة كما سبق (عن يسار الطريق) أي: لا عن يمينه (في مَسِيل)؛ بفتح الميم، وكسر المهملة: واد منحدر مجوَّف يجري فيه الماء النازل من الجبال (دون هَرْشَى)؛ بفتح الهاء، وسكون الرَّاء، وفتح الشين المعجمة، مقصور، على وزن (فَعلى) : هو جبل من بلاد تهامة، وهو على ملتقى طريق الشام والمدينة في أرض مستوية هضبة ململمة لا تنبت شيئًا، وهي قرية قريبة من الجحفة يرى منها البحر، ويقرب منها طَفِيل؛ بفتح الطاء المهملة، وكسر الفاء، وهو جبل أسود، على الطريق من ثنية هرشى ثلاثة أودية: غزال، وذو ذروان، وكلية، وكلها لخزاعة، وبأعلى كلية ثلاثة أجبل صغار، يقال لها: سنابك، وغدير خم: واد يصب في البحر، وفي «الموعب» :(هرشى: ثنية قرية من الجحفة)، وقال الزمخشري:(هرشى: هضبة دون المدينة)، وقال علي: (هرشى: نقب في حرة
(1)
بين الأخيمص وبين السقيا على طريق المدينة، ويليه
(2)
جبال يقال لها: طوال هرشى)، وفي «المغيث» :(سميت هرشى لمهارشة كانت بينهم، والتهريش: الإفساد بين الناس)، كذا في «عمدة القاري» .
(ذلك المسيل لاصق بكُراع هرشى)؛ بِضَمِّ الكاف؛ أي: طرفها، يقال: كراع الأرض وأكارعها: أطرافها، كما في «القاموس»؛ أي: متصل بأطرافها غير فاصل، وكراعها: ما يمتد منها دون سفحها (بينه)
(3)
؛ أي: بين كراع هرشى (وبين الطريق قريبٌ من غَلوة سهم)؛ بفتح الغين المعجمة: وهي الغاية مقدار رمية، كما في «الصِّحاح» ، وفي «المغيث» :(لا تكون الغَلوة إلا مع تصعيد السهم)، وقال ابن سيده: غلا بالسهم غَلْوًا وغُلُوًّا، وغالى به غلاء: رفع به يده يريد أقصى الغاية، وهو من التجاوز، فرجل غلاء: بعيد الغلو بالسهم، وغَلَا السهم نفسه: ارتفع في ذهابه وجاوز المدى؛ وكذلك الحجر، وكل مرماة: غلوة، والجمع: غلوات وغلًا، وقد تستعمل الغَلوة في سباق الخيل، وقال الفقهاء: الغَلوة: أربع مئة ذراع، كذا في «عمدة القاري» .
قلت: الذي في «المغرب» ، وكذا في «الذخيرة» و «المستصفى» : أنَّه ثلاث مئة ذراع إلى أربع مئة ذراع، لكن لما كانت الأربع مئة هي الغاية؛ عبَّر بها، والسهم: واحد النبل.
وقد نظم ابن الحاجب مقدار البريد، والفرسخ، والميل، والباع، والذراع فقال:
إنَّ البريد من الفراسخ أربع
…
ولفرسخ فثلاث أميال ضعوا
والميل ألف أي من الباعات قُلْ
…
والباع أربع أذرع فتتبع
ثم الذراع من الأصابع أربع
…
من بعدها العشرون ثم الأصبع
ست شعيرات فظهر شعيرة
…
منها إلى بطن لأخرى
(4)
توضع
ثم الشعيرة ست شعرات فقل
…
من شعر بغل ليس فيه موضع
وتمامه في شرحنا «منهل الطلاب» ، والله أعلم بالصَّواب.
(وكان عبد الله بن عمر) أي: ابن الخطاب رضي الله عنهما (يصلي إلى سَرْحة)؛ بفتح السين المهملة، وسكون الرَّاء، وفتح الحاء المهملة؛ أي: شجرة ضخمة عظيمة (هي أقرب السَّرحات) أي: الشجرات (إلى الطريق) أي: الشَّارع، (وهي) أي: تلك السرحة (أطولهن)؛ أي: أطول تلك السَّرحات الموجودات هناك.
(وأنَّ عبد الله بن عمر) بفتح الهمزة معطوف على سابقه (حدَّثه) أي: حدَّث نافعًا بالإسناد المذكور، فهو موصول (أنَّ النَّبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم كان) أتى بها لإفادة الدوام والاستمرار (ينزل) أي: عن راحلته إذا كان في سفر أو في حضر (في المَسيل)؛ بفتح الميم: المكان المنحدر (الذي في أدنى مَرِّ الظَّهران)؛ أي: في الأقرب منه، و (مَرَّ)؛ بفتح الميم، وتشديد الرَّاء: قرية ذات نخل وثمار، وقال البكري: بفتح أوله وتشديد ثانيه، مضاف إلى (الظَّهران)؛ بظاء معجمة، وبين مَرٍّ والبيت ستة عشر ميلًا، قال إمام الشَّارحين:(هو الوادي الذي تسميه العامة بطن مَرْو؛ بسكون الرَّاء، بعدها واو)، وقال كثير:(سميت مرًّا لمرارة مائها)، وقال أبو غسان: (سميت بذلك؛ لأنَّ في بطن الوادي بين
(5)
[مر] ونخلة كتابةٌ بعِرْقٍ
(6)
من الأرض أبيضَ هجاء: «مر» إلا أنَّ الميم غير موصولة بالرَّاء، وببطن مَرٍّ تخزعت خزاعة عن أخواتها، فبقيت بمكة، وسارت أخواتها إلى الشام أيام سيل العرم)، وقال الزمخشري:(مر الظَّهران بتهامة قريب من عرفة)، وعن صاحب «العين» :(الظَّهران: من قولك: من ظهرهم)، وقال الفراء:(لم أسمع إلا تثنية الظَّهران، ولم يُجمَع ولم يُوحَّد)، كذا في «عمدة القاري» ، (قِبَل)؛ بكسر القاف، وفتح الموحَّدة؛ أي: مقابل (المدينة حين يهبط)، وفي رواية: (حتى
(7)
يهبط) أي: ينحدر (من الصَّفْراوات)؛ بفتح الصَّاد المهملة، وسكون الفاء، جمع صفراء؛ ممدود؛ وهي الأودية والجبال التي بعد مر الظَّهران، قاله إمام الشَّارحين، وزعم الكرماني:(وفي بعض النُّسخ: من وادي الصفراوات)؛ بزيادة (وادي)، (ينزل)؛ بالمثناة التحتية كما في (الفرع) وغيره، قاله القسطلاني، وقال إمام الشَّارحين:(تنزل)؛ بلفظ الخطاب؛ ليوافق قوله: (وأنت ذاهب إلى مكة)، وتبعه الكرماني وغيره، وكأنَّها رواية غير (الفرع)؛ فافهم، (ليس بين مَنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بفتح الميم؛ أي: مكان نزوله عن راحلته أو للاستراحة (وبين الطريق إلا رمية حَجر)؛ بفتح الحاء المهملة بعدها جيم، واحد الأحجار؛ أي: مقدار رميته.
(وأنَّ عبد الله بن عمر) بفتح الهمزة معطوف على سابقه (حدَّثه) أي: حدَّث نافعًا بالإسناد المذكور سابقًا (أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل)؛ أي: عن راحلته أو للاستراحة (بذي طُوى)؛ بِضَمِّ الطاء المهملة في رواية الأكثرين، وفي رواية الحموي والمستملي:(بذي الطِّواء)؛ بزيادة الألف واللَّام، وقيده الأصيلي بالكسر، وحكى عياض وغيره الفتح أيضًا، وزعم النَّووي:(ذو طَوَى؛ بالفتح على الأفصح، ويجوز ضمها وكسرها، وبفتح الواو المخففة، وفيه لغتان: الصرف وعدمه، وهي عند باب مكة بأسفلها)، وزعم الجوهري (ذو طُوى)؛ بالضم: موضع بمكة، وأمَّا طِوى؛ فهو اسم موضع بالشام تكسر طاؤه وتضم، كذا قرره إمام الشَّارحين.
قلت: وما رواه الأصيلي بالكسر، قال القسطلاني:(إنَّها رواية أبي ذر عن الكشميهني أيضًا)، وما رواه الحموي وغيره:(بذي الطِّواء)؛ بزيادة (أل) مع كسر الطاء والمد، وفي رواية «الفرع» و «أصله» :(طَوى) بفتح الطاء، وليس فيه ضم الطاء ألبتة، كما قاله القسطلاني، وبهذا ظهر فساد ما زعمه العجلوني من أنَّ الذي في «الفرع»
(1)
في الأصل: (حزة)، وهو تصحيف.
(2)
في الأصل: (وأيلية)، ولعل المثبت هو الصواب.
(3)
في الأصل: (بيته)، وهو تصحيف.
(4)
في الأصل: (الأخرى)، والمثبت موافق للوزن.
(5)
في الأصل: (بئر)، وهو تحريف.
(6)
في الأصل: (معرق)، ولعل المثبت هو الصواب.
(7)
في الأصل: (حين)، والمثبت من هامش «اليونينية» .