الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والله لقد صلى ركعتين بين العمودين، ثم ألصق بهما بطنه وظهره».
ومطابقته للتَّرجمة في قوله: «ففتح الباب» ، وفي قوله:«ثم أغلق» .
وفي الحديث: أنَّ اتخاذ الأبواب للمساجد واجب.
وفيه: أنَّ المستحب لمن يدخل الكعبة أن يصلِّي فيها بين الأسطوانتين، كما فعل النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم انتهى.
قلت: وفي الحديث: دليل على جواز الصلاة داخل البيت فرضًا كانت أو نفلًا؛ لأنَّ صلاته عليه السلام وإن كانت نفلًا فالفرض في معناه فيما هو من شرائط الجواز دون الأركان، ولأنها صلاة استجمعت شرائطها بوجود استقبال القبلة، ويدل عليه قوله تعالى:{أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125]؛ لأنَّ الأمر بالتطهير للصلاة فيه ظاهر في صحتها فيه؛ إذ لا معنى لتطهير المكان لأجل الصلاة وهي لا تجوز في ذلك المكان؛ فليحفظ، وتمامه في شرحنا «منهل الطلاب» .
وقال ابن بطال: (الحكمة في غلق الباب لئلا يظن الناس أنَّ الصلاة في البيت سُنَّة).
واعترضه ابن حجر، فقال:(ولا يخفى ما فيه).
قال العجلوني: (ولعله لما قال البرماوي من أنَّ ذلك سنَّة لكن في النفل دون الفرض؛ فقيل بعدم جوازه) انتهى.
قلت: وكلام ابن بطال ظاهر لا غبار عليه؛ لأنَّ صلاته عليه السلام في البيت أمر مستغرب؛ لأنَّه لم يكن عادة له عليه السلام، فلا ريب أنَّ الناس يظنوا أنَّ الصلاة فيه سنة، ويدل عليه أنَّه عليه السلام حين خرج لصلاة الليل، فلما رأى الناس كثروا وظنوا أنَّ صلاة الليل سنة؛ لم يخرج إليهم؛ خشية أن تكتب عليهم، فما زعمه ابن حجر؛ باطل غير ظاهر كما لا يخفى.
وقول البرماوي: في الفرق بين النفل والفرض، وأنَّه قيل بعدم جوازه؛ لا وجه لذلك؛ لأنَّه لا فرق بين النفل والفرض؛ لأنَّ الفرض في معنى النفل حيث هو من شرائط الجواز دون الأركان، والآية المطهرة تدل على ذلك، فالآية وكذا الحديث حجة على من منع الصلاة في الكعبة؛ لأنَّ الصلاة أحق بأن تكون في بيت الله؛ لأنَّها عبادة الله تعالى، فلا وجه لهذا الكلام الصَّادر من غير مرام؛ فافهم، والله أعلم.
(82)
[باب دخول المشرك المسجد]
هذا (باب) بيان حكم (دخول المشرك المسجد) اللَّام فيه للجنس، فيشمل كل مسجد، وهو من إضافة المصدر إلى فاعله مع ذكر مفعوله على حد قوله تعالى:{وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ} [البقرة: 251]، وهذه التَّرجمة هنا ترد على الإسماعيلي حيث ترجم بها بدل ترجمة:(باب الاغتسال إذا أسلم) هناك، وعليه ففيه تكرار ظاهر، ويحتمل أنَّه أسقط هذه التَّرجمة هنا مع حديثها؛ لعلمها مما سبق؛ فافهم.
قال إمام الشَّارحين: (فإن قلت: هذه التَّرجمة مكررة؛ لأنَّه ذكر هناك وربط الأسير أيضًا في المسجد، وربطه فيه يستلزم إدخاله.
قلت: أجيب: بأن هذا أعم؛ لأنَّ المشرك أعم من أن يكون أسيرًا أو غير أسير.
قلت: هذا غير مقنع؛ لأنَّ الأسير أيضًا أعم من أن يكون مشركًا أو غير مشرك) انتهى كلامه.
قلت: ولم يذكر جوابًا مقنعًا.
وأجاب العجلوني: (بأنَّ الدخول عُلِم من الباب السَّابق بطريق اللزوم، وأمَّا هنا؛ فبالقصد) انتهى.
قلت: وهذا أيضًا غير مقنع؛ لأنَّه لما علم الدخول من الباب السَّابق، وإن كان بطريق اللزوم؛ فقد علم حكمه، فإعادته مرة ثانية وإن كان بالقصد؛ يكون تكرارًا لا محالة.
وقد يقال: إنَّه لما ذكر ربط الأسير تبعًا لاغتسال الكافر إذا أسلم وكان في بيان دخول الكافر المسجد خفاء؛ ترجم له بما فيه إيضاح وبيان لحكمه على طريق الاستقلال بدون التبعية؛ فافهم، وعليه فلا تكرار في التراجم كما لا يخفى؛ فاحفظ.
[حديث: بعث رسول الله خيلًا قبل نجد فجاءت]
469 -
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا قتيبة)؛ تصغير قتبة، وكنيته: أبو رجاء، واسمه علي بن سعيد بن جميل البغلاني، قرية من قرى بلخ، المتوفى سنة أربعين ومئتين (قال: حدثنا اللَّيث) هو ابن سعد الفهمي المصري الحنفي، من أتباع الإمام الأعظم رئيس المجتهدين، (عن سعِيد بن أبي سعِيد)؛ بكسر العين المهملة فيهما، واسم أبي سعيد: كيسان، هو المقبري المدني، المتوفى بعد اختلاطه بأربع سنين سنة خمس وعشرين ومئة:(أنَّه) أي: سعِيدًا (سمع أبا هريرة) هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي الصَّحابي الجليل (يقول) جملة فعلية محلها نصب؛ إمَّا مفعول ثان
(1)
لـ (سمع)، وإمَّا حال على الخلاف:(بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لعشر خلون من محرم سنة ست إلى القرطاء (خيلًا)؛ أي: فرسانًا، وهم ثلاثون، أميرهم: محمَّد بن مسلمة، وكانت غيبته تسع عشرةليلة (قِبَل)؛ بكسر القاف، وفتح الموحَّدة؛ أي: الجهة، يقال: جلس قُبالته -بالضم-؛ أي: تجاهه (نَجْد)؛ بفتح النُّون، وسكون الجيم: وهي الأرض المرتفعة، ضد الغور، وهي تهامة إلى العراق، وهي من جزيرة العرب، (فجاءت) أي: الخيل (برجل من بني حَنيفة)؛ بفتح الحاء المهملة: قبيلة مشهورة (يقال له) أي: للرجل: (ثُمَامَة بن أُثَال)؛ بالمثلَّثة فيهما مع ضم أولهما، وتخفيف ثانيهما ورابعهما، وهو في الأول ميم، وفي الثاني لام، (فربطوه)؛ أي: بإذنه عليه السلام وأمره، كما صرح به ابن إسحاق كما تقدم (بسارية) أي: أسطوانة (من سواري) أي: من أساطين (المسجد)؛ أي: النَّبوي، فاللَّام فيه للعهد، وإنما فعل به ذلك؛ لينظر حسن صلاة المسلمين، واجتماعهم عليها، فيرق قلبه ويألف الإسلام، وهذا الحديث قد سبق في باب (الاغتسال إذا أسلم)، واختصره المؤلف هنا مقتصرًا على مطابقة التَّرجمة؛ وهو دخول المشرك المسجد، والمراد به: الذمي؛ لأنَّ ثمامة كان ذميًّا.
فقال الإمام الأعظم أبو حنيفة رضي الله عنه: يجوز دخول الكتابي المسجد ولو المسجد الحرام، لا الحربي؛ لحديث الباب وحديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل مسجدنا هذا بعد عامنا هذا مشرك إلا أهل العهد وخدمهم» ، رواه أحمد بسند جيد.
وقال مالك وقتادة والمزني وعمر بن عبد العزيز: لا يجوز دخول الكافر المسجد؛ لقوله تعالى: {إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ
…
}؛ الآية [التوبة: 28]، ولا حجة لهم فيها؛ لأنَّ معناه: أنجاس في اعتقادهم، وأقوالهم، وأفعالهم؛ لأنَّهم يشركون بالله غيره، ويريدون بأعمالهم سواه، فالآية في دخولهم للحج
(2)
، أمَّا نفس الكافر؛ فغير نجس؛ لأنَّ الكفر لا يؤثر في بدنه.
وقال الشَّافعي وأحمد: يجوز دخول الكافر المسجد لحاجة وإِذْنِ مسلم سواء كان كتابيًّا أو غيره إلا المسجد الحرام؛ لحديث الباب، ولا حجة لهما فيه؛ لأنَّ ثمامة كان إمَّا ذميًّا أو خدمًا لأهل العهد كما هو صريح الحديث، واشتراط الإذن شرط زائد على النص؛ لأنَّه غير مذكور؛ لأنَّ ثمامة كان مغلولًا بأيديهم، واستثناء المسجد الحرام يرده قوله تعالى: {فَلَا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا
…
}؛ الآية [التوبة: 28]، والخطاب إنَّما كان للمشركين كما هو صدر الآية، فالمعاهد خارج عن الآية؛ فافهم.
وتمامه تقدم في الباب السَّابق بأبسط من هذا، والله تعالى أعلم.
(83)
[باب رفع الصوت في المساجد]
هذا (باب) حكم (رفع الصوت في المساجد) ولأبي ذر: (في المسجد)؛ بالإفراد، قال إمام الشَّارحين: (وهو أعم من أن يكون ممنوعًا أو غير ممنوع، فذكر المؤلف الحديثين فيه إشارة إلى بيان تفصيل فيه مع الخلاف، فالحديث الأول يدل على المنع، والحديث
(1)
في الأصل: (ثاني)، ولعل المثبت هو الصواب.
(2)
في الأصل: (الحج)، ولعل المثبت هو الصواب.
الثاني يدل على عدمه، وقد ذكرنا الخلاف فيه فيما تقدم، وهو «باب التقاضي والملازمة في المسجد» ) انتهى، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
[قول عمر: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما]
470 -
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا علي بن عبد الله) هو المديني (قال: حدثنا يحيى بن سعِيد) بكسر العين المهملة، هو القطان (قال: حدثنا الجُعَيْد)؛ بِضَمِّ الجيم، وفتح العين المهملة، وسكون التحتية، آخره دال مهملة، ويقال له: جعيد أيضًا؛ بدون الألف واللَّام، ويقال له: الجعد أيضًا؛ بدون التصغير، وهو اسمه الأصلي، وكذا وقع في رواية الإسماعيلي:(الجعد)(بن عبد الرحمن) بن أوس، وهو ثقة (قال: حدثني) بالإفراد (يَزِيد) بفتح التحتية أوله، وكسر الزاي (ابن خُصَيْفة)؛ بِضَمِّ الخاء المعجمة، وفتح الصَّاد المهملة، وسكون التحتية، وبالفاء: ابن أخي السائب المذكور فيه، وخُصَيْفة جده، وأبوه عبد الله بن خُصَيْفة، وقد نُسب إلى جده، (عن السائب) بالسين المهملة (بن يَزِيد)؛ بفتح التحتية أوله، من الزيادة: هو الكندي الصَّحابي، وهو عم يزيد ابن خُصَيْفة، وروى الجعيد عن السائب بدون واسطة في باب (استعمال فضل وضوء الناس)، وهنا روى عنه بواسطة يزيد، وروى حاتم بن إسماعيل هذا الحديث عن الجعيد عن السائب بلا واسطة، أخرجه الإسماعيلي، وصح سماع الجعيد من السائب كما ذكرنا الآن، فلا يكون هذا الاختلاف قادحًا، وروى عبد الرزاق هذا من طريق أخرى عن نافع قال: كان عمر يقول: لا تكثروا اللغط، فدخل المسجد؛ فإذا هو برجلين قد ارتفعت أصواتهما، فقال: إنَّ مسجدنا هذا لا يرفع فيه الصوت
…
؛ الحديث، وهذا فيه انقطاع؛ لأنَّ نافعًا لم يدرك هذا الزمان، كذا قاله إمام الشَّارحين، (قال) أي: السائب بن يَزِيد: (كنت قائمًا)؛ بالقاف للأكثرين، وفي رواية:(نائمًا)؛ بالنُّون، ويؤيد هذه الرواية ما ذكره الإسماعيلي عن أبي يعلى: حدثنا محمَّد بن عباد: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن الجعد، عن السائب قال:(كنت مضطجعًا)، قاله إمام الشَّارحين، وقال في «المنحة» :(وروي: «مضطجعًا»، وظاهره هنا أنَّه مُدْرَج) انتهى.
قلت: هذا الظَّاهر ليس بظاهر؛ لأنَّه رواية هنا أيضًا، وليس فيه دليل على الإدراج؛ فافهم، واعرفه.
(في المسجد)؛ أي: النَّبوي، فاللَّام فيه للعهد، (فحَصَبَني)؛ بفتحات، من حصبت الرجل أحصِبه -بالكسر-؛ أي: رميته بالحصباء، قاله إمام الشَّارحين، ومثله في «الصِّحاح» (رجلٌ) بالتنوين، (فنظرت) أي: إلى الرجل الحاصب؛ (فإذا هو عمر بن الخطاب) أمير المؤمنين القرشي رضي الله عنه، قال إمامنا الشَّارح:(كلمة «إذا» للمفاجأة، وهو مبتدأ، و «عمر» خبره، ويروى: «فإذا عمر بن الخطاب»، فعلى هذا «عمر» مبتدأ، وخبره محذوف؛ تقديره: فإذا عمر حاضر أو وقف) انتهى.
(فقال) أي: عمر للسائب: (اذهب فائتني بهذين)؛ يعني: بهذين الشخصين، وكانا ثقفيين
(1)
، كذا في رواية عبد الرزاق، قاله إمام الشَّارحين.
قلت: يعني: لم يعلم اسمهما، وهو كذلك؛ فافهم.
(فجئته بهما) أي: فأتيت عمر بالشخصين، (قال) : ولأبوي ذر والوقت: (فقال) أي: عمر رضي الله عنه: (مَن) ولأبي الوقت وابن عساكر: (ممن)(أنتما؟ أو من أين أنتما؟) كلمة (أو) فيه للشك من الراوي، والأولى استفهام عن ذات الشخصين، والثانية عن قبيلتهما، والثالثة عن مكانهما، (قالا) أي: الشخصان: (من أهل الطَّائف)، وهذا يصلح جوابًا عن الأخيرين بلا ريب، وعن الأول بتكلف؛ فافهم.
والطَّائف: بلد بالحجاز من أعمال مكة المشرفة على يومين منه، قيل: بينهما ستون ميلًا، نسب إليها كثير من العلماء، وهي مدينة صغيرة منحصرة، مياهها عذبة، وهواؤها معتدل صحيح، وضياعها متصلة البطيح، باردة الماء، كثيرة الفواكه، وبها مآثر نبوية، كذا في «القاموس» .
وقال الأمساطي: ومن أرض الحجاز: الطَّائف، وهي مدينة صغيرة على ظهر جبل قريب من مكة، فيها فواكه ومياه جارية، ويحمد فيه الماء، وليس في الحجاز مكان يحمد فيه الماء سواها).
وقد سكنها ثقيف، وهو قسي بن منبه بن معد بن يقدم بن أقصى بن إياد بن نزار
(2)
بن معد بن عدنان، ومن فضلهم ما رواه النسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد هممت ألَّا أقبل هدية إلا من قرشي، أو أنصاري، أو ثقفي، أو دوسي» .
وفي «الجامع الصغير» للأسيوطي: «أول من أشفع له من أمتي: أهل المدينة، وأهل مكة، وأهل الطَّائف» ، وأخرجه الطَّبراني في «الكبير» من حديث عبد الله بن جعفر.
وفي حديث طويل: «الطَّائف قرية يونس بن متى عليه السلام» ، وأشار إليه في قوله تعالى:{لَوْلا نُزِّلَ هَذَا القُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: 31]، قالوا: هما مكة والطَّائف، ومن فضلها
(3)
ما في «البيضاوي» في تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الحُوتِ} [القلم: 48] : نزلت حين هم عليه السلام بالدعاء على ثقيف.
وروى صاحب «الفائق» : أنَّه عليه السلام قال: «لا يحب ثقيفًا إلا مؤمن، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، ولا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من ثقيف أحد» ؛ تكرمة لهم، وتمامه في «الطيف الطَّائف بفضل الطَّائف» للشيخ محمَّد بن علان الصديقي؛ فيراجع.
(قال) أي: عمر رضي الله عنه: (لو كنتما من أهل البلد) أي: المدينة المنورة؛ (لأوجعتكما)؛ أي: جَلْدًا، كما هو في رواية الإسماعيلي؛ يعني: لعدم عذركما، ففيه -كما قاله إمام الشَّارحين-: ما يدل على جواز قبول اعتذار أهل الجهل بالحكم إذا كان في شيء يخفى مثله، انتهى.
قال العجلوني: (وهو يدل على أنَّه تقدم نهيه عن ذلك) انتهى.
قلت: هذا فاسد الاعتبار، فإنَّه ليس فيه ما يدل على تقدم النَّهي؛ لأنَّه يجوز أن يكون ذلك أول الأمر بالنَّهي، ويدل عليه أنَّهما جهلا الحكم؛ لأنَّه لم يصدر، ولم يتقدم، فلو كان النَّهي معلومًا؛ لما فعلا ذلك؛ فليحفظ.
ثم بيَّن سبب الجلد بقوله: (ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله) وللأصيلي: (النَّبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم وهذا خطاب لهذين الشخصين، وهي جملة مستأنفة لا محل لها، وهي في الحقيقة جواب عن سؤال مقدر، كأنَّهما قالا: لم توجعنا؟ قال: لأنَّكما ترفعان
…
إلخ.
فإن قلت: ما وجه الجمع في (أصواتكما) مع أن الموجود صوتان لهما؟
قلت: المضاف المثنى معنًى إذا كان جزء ما أضيف إليه الأفصح أن يذكر بالجمع كما في قوله تعالى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]، ويجوز إفراده؛ نحو: أكلت رأس شاتين، والتثنية مع أصالتها قليلة الاستعمال، وإن لم يكن جزؤه؛ فالأكثر مجيئه بلفظ التثنية؛ نحو: سلَّ الزيدان سيفهما، فإن أمن اللبس؛ جاز جعل المضاف بلفظ الجمع؛ كما في قوله عليه السلام:«يعذبان في قبورهما» .
وفي رواية الإسماعيلي: (برفعكما أصواتكما)؛ أي: بسبب رفعكما أصواتكما، كذا قرره إمام الشَّارحين.
وزعم ابن حجر أنَّ هذا الحديث له حكم الرفع؛ لأنَّ عمر لا يتوعد الرجلين بالجلد إلا على مخالفة أمر توقيفي، انتهى.
وردَّه إمامنا الشَّارح فقال: (لا نسلم ذلك؛ لأنَّه يجوز أن يكون ذلك باجتهاده ورأيه) انتهى.
(1)
في الأصل: (ثقفيان)، وليس بصحيح.
(2)
في الأصل: (نوار)، وهو تحريف.
(3)
في الأصل: (فضله)، ولعل المثبت هو الصواب.