الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وهم راكعون)؛ يعني: حقيقة، أو من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل، (فقال) أي: الرجل: (هو يشهد) : أراد به نفسه، ولكن عبر عنها بلفظ الغيبة على سبيل التجريد، باب جرد من نفسه شخصًا، أو على طريقة الالتفات، أو نقل الراوي كلامه بالمعنى، ويؤيده الرواية في باب (الإيمان) بلفظ:(أشهد)(أنَّه صلى) أي: العصر (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: بالمدينة، (وأنَّه) عليه السلام (توجه) في صلاته (نحو) جهة (الكعبة) وللأربعة: (وأنَّه نحو الكعبة)، (فتحرف القوم) : الذين صلُّوا العصر نحو بيت المقدس (حتى) أي: إلى أن (توجهوا)
(1)
؛ أي: في استدارتهم (نحو) أي: جهة (الكعبة) وهم في صلاتهم، فأتموها لجهة الكعبة.
ففيه: المطابقة للترجمة حيث توجه نحو الكعبة التي استقرت قبلة أبدًا في أي حالة كان المصلي صلاة الفرض.
وفيه: جواز التحري والاجتهاد في أمر القبلة، فلو تحرى لجهة وشرع في الصلاة، ثم تبدل اجتهاده وهو في الصلاة لجهة أخرى؛ استدار وأتم صلاته، ولو صلى الظهر مثلًا كل ركعة إلى جهة بالتحري؛ جازت صلاته، كما لا يخفى.
وفيه: بيان شرف النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم وكرامته على ربه؛ حيث أعطاه ما أحب واختار.
وفي الحديث: أنه عليه السلام صلى العصر، ويدل عليه الرواية في الباب السابق، وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر؛ أي: متوجهًا للكعبة، وعند ابن سعد في «الطبقات» :(أنه عليه السلام صلى ركعتين من الظهر في مسجده بالمسلمين، ثم أمر أن يتوجه إلى المسجد الحرام، فاستدار إليه، ودار معه المسلمون)، وعند ابن سعد:(أنه عليه السلام زار أم بشر بن البراء بن معرور في بني سلمة، فصنعت له طعامًا، وحانت الظهر، فصلى عليه السلام لأصحابه ركعتين، ثم أمر، فاستدار إلى الكعبة، واستقبل الميزاب، فسمي: مسجد القبلتين).
قلت: والظاهر من هذا أنه عليه السلام وقع له ذلك مرات متعددة، ويحتمل أنه عليه السلام صلى الظهر في آخر وقتها، أو قدم صلاة العصر على وقتها المستحب، فالراوي رآه يصلي صلاة الظهر قرب العصر، فظن أنها العصر، فعبر بما رآه، أو رآه يصلي في أول وقت العصر مقدمها على وقتها المستحب، فظن أنها العصر، فعبر عنها، ويحتمل أنه عليه السلام صلى في بيت أم بشر ناسيًا، فأمر بالاستقبال، وقول ابن سعد عن الواقدي:(صلاة الظهر أثبت عندنا)؛ ليس بشيء بعد تصريح الإمام البخاري في باب (الصلاة) عن البراء: (أنه عليه السلام صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر)؛ أي: متوجهًا إلى الكعبة، ولا شك أن ذلك أثبت؛ لأنَّ صاحب الدار أدرى؛ فليحفظ.
وجاء في رواية ابن عمر في «البخاري» ، و «مسلم» ، و «النسائي» :(أنه عليه السلام صلى الصبح)، قال إمام الشَّارحين:(والتوفيق بينها وبين رواية الباب أن هذا الخبر وصل إلى قوم كانوا يصلون في نفس المدينة صلاة العصر، ثم وصل إلى أهل قباء في صبح اليوم الثاني؛ لأنَّهم كانوا خارجين عن المدينة؛ لأنَّ قباء من جملة سوادها، وفي حكم رساتيقها) انتهى.
وفيه: جواز نسخ الأحكام عند الجمهور إلا طائفة لا يقولون به، ولا يعبأ بهم؛ لموافقتهم لليهود، واختلف في صلاته عليه السلام إلى بيت المقدس وهو بالمدينة كمكة؛ فقال جماعة: لم يزل يستقبل الكعبة بمكة، ثم لما قدم المدينة؛ استقبل بيت المقدس، ثم نسخ، وزعم البيضاوي في تفسير قوله تعالى:{وَمَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَتِي كُنتَ عَلَيْهَا} [البقرة: 143]؛ أي: الجهة التي كنت عليها وهي الكعبة، فإنه كان يصلي إليها بمكة، ثم لما هاجر؛ أمر بالصلاة إلى الصخرة تألفًا لليهود، وقال قوم: كان لبيت المقدس، وفي حديث عند ابن ماجه:(صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ثمانية عشر شهرًا، وصرفت القبلة إلى الكعبة بعد دخول المدينة بشهرين)، وظاهره أنه كان يصلي بمكة إلى بيت المقدس، وكذلك في المدينة، فالمخبر به على الأول الجعل الناسخ، وعلى الثاني المنسوخ؛ والمعنى: أنَّ أصل أمرك أن تستقبل الكعبة، وما جعلنا قبلتك بيت المقدس؛ فافهم.
وفي الحديث: دليل على نسخ السنة بالقرآن عند الإمام الأعظم والجمهور، وهو حجة على الشافعي؛ حيث منعه.
وفيه: دليل على قبول خبر الواحد.
وفيه: وجوب الصلاة إلى القبلة، وتقرر الإجماع على أنها الكعبة.
وفيه: جواز الصلاة الواحدة إلى جهتين أو جهات، كما قدمنا.
وفيه: أن النسخ لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه، وفي هذا الباب أبحاث تقدمت
(2)
في باب (الصلاة من الإيمان)، والله تعالى أعلم.
[حديث: كان رسول الله يصلي على راحلته حيث توجهت]
400 -
وبالسند إليه قال: (حدثنا مسلم) زاد الأصيلي: (ابن إبراهيم) : هو أبو عمرو البصري الأزدي الفراهيدي القصاب (قال: حدثنا هشام) زاد الأصيلي: (ابن أبي عبد الله) : هو سندر الربعي الدستوائي البصري (قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير)؛ بالمثلثة: هو صالح بن المتوكل الطائي مولاهم العطار، (عن محمد بن عبد الرحمن) : هو ابن ثوبان المدني العامري، قال إمام الشَّارحين:(وليس له في «الصحيح» عن جابر غير هذا الحديث، وفي طبقته محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، ولم يخرج له البخاري عن جابر شيئًا) انتهى.
(عن جابر) زاد الأصيلي: (ابن عبد الله) : هو الأنصاري رضي الله تعالى عنه (قال: كان النبيُّ) الأعظم، وفي رواية:(رسول الله) صلى الله عليه وسلم وإفادة (كان) الدوام والاستمرار (يصلي) : صلاة النافلة، والجملة فعلية محلها نصب خبر (كان) (على راحلته) : الراحلة: الناقة التي تصلح لأن تركب، وكذلك الرحول، ويقال الراحلة: المركب من الإبل ذكرًا كان أو أنثى، كذا في «عمدة القاري» (حيث توجهت به)؛ أي: الراحلة؛ يعني: توجه صاحب الراحلة؛ لأنَّها تابعة لقصد توجهه بنفسها من غير أن يسوقها أو يديرها، فإن ساقها أو حولها؛ بطلت صلاته، وظاهر الحديث بل صريحه أنه عليه السلام كان يتركها حيثما سارت؛ لتوجهها أول الصلاة إلى المكان المقصود له، فلا يحتاج إلى تحويلها إن دارت، وسيأتي بيانه؛ فافهم.
وفي حديث ابن عمر عند مسلم، وأبي داود، والنسائي قال:(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر)، وفي حديث جابر عند الترمذي وأبي داود قال:(بعثني النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم في حاجة، فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق، السجود أخفض من الركوع)، قال الترمذي:(حسن صحيح)، كذا في «عمدة القاري» .
(فإذا أراد) عليه السلام أن يصلي (الفريضة)؛ أي: صلاة الفرض العملي والعلمي؛ (نزل)؛ أي: عن راحلته إلى الأرض (فاستقبل القِبلة)؛ أي: توجه إلى الكعبة، وصلى الفرض والوتر، وهذا يدل على عدم ترك استقبال القِبلة في الفريضة، وهو إجماع، ولكن رخص في شدة الخوف.
(1)
في الأصل: (توجوا)، وليس بصحيح.
(2)
في الأصل: (تقدم)، وليس بصحيح.
قال في «خلاصة الفتاوى» : (أمَّا صلاة الفرض على الدابة بالعذر؛ فجائزة، ومن الأعذار المطر، إذا كان في السفر، فأمطرت السماء، فلم يجد مكانًا يابسًا ينزل للصلاة؛ فإنه يقف على الدابة مستقبل القبلة، ويصلي بالإيماء إذا أمكنه إيقاف الدابة، فإن لم يمكنه؛ يصلي مستدبر القبلة، وهذا إذا كان الطين بحال يغيب وجهه فيه، فإن لم يكن بهذه المثابة لكن الأرض ندية؛ صلى هنالك)، ثم قال:(وهذا إذا كانت الدابة تسير بنفسها، أمَّا إذا سيرها صاحبها؛ فلا يجوز صلاته مطلقًا فرضًا أو نفلًا، ومن الأعذار كون الدابة جموحًا لو نزل؛ لا يمكنه الركوب، ومنها اللص والمرض، وكونه شيخًا كبيرًا لا يجد من يركبه، ومنها الخوف من سَبُع) انتهى.
وصرح صاحب «المحيط» : (بأنَّ الصلاة على الدابة في هذه الأعذار جائزة، ولا يلزمه الإعادة بعد زوال العذر، وهذا كله إذا كان خارج المصر) انتهى.
قلت: أمَّا عدم لزوم الإعادة؛ للقاعدة الأصولية: (أن الساقط لا يعود)، فمتى صحت صلاته بوجه؛ لا يجب عليه إعادتها، وأمَّا كونه خارج المصر؛ لأنَّه لو كان في المصر؛ لا تصح صلاته هذه؛ لأنَّ المصر ليس فيه شيء من هذه الأعذار؛ كما لا يخفى، ومثل صلاة الفرض صلاة الوتر الواجب، والمنذور، والعيدين، وما شرع فيه نفلًا فأفسده، وصلاة الجنازة، وسجدة التلاوة التي تلاها على الأرض، كما صرح به في «إمداد الفتاح» ، وفيه:(والصلاة في المحمل، وهو على الدابة كالصلاة على الدابة، سواء كانت سائرة أو واقفة، ولو أوقفها وجعل تحت المحمل خشبة ونحوها حتى بقي قرار المحمل على الأرض؛ كان المحمل بمنزلة الأرض، فتصح الفريضة فيه قائمًا) انتهى.
وأمَّا التنفل على الدابة؛ فلا يجوز إلا إذا كان خارج المصر، وهو المكان الذي يجوز للمسافر أن يقصر الصلاة، وقيل: قدر فرسخين، وقيل: قدر ميل، والأول هو الأصح، وهذا قول الإمام الأعظم رأس المجتهدين، وهو قول علي بن أبي طالب، وابن الزبير، وأبي ذر، وأنس، وابن عمر، وبه قال طاووس، وعطاء، والأوزاعي، والثوري، ومالك، والليث، فلا يشترط أن يكون السفر طويلًا، بل لكل من كان خارج المصر؛ فله الصلاة على الدابة، واشترط مالك مسافة القصر، وهو إحدى قولي الشافعي.
وقال ابن بطال: (واستحب ابن حنبل وأبو ثور: أن يفتتحها متوجهًا إلى القبلة، ثم لا يبالي حيث توجهت، وزعمت الشافعية أن المنفرد في الركوب على الدابة إذا كانت سهلة يلزمه أن يدير رأسها عند الإحرام إلى القبلة على الأصح، وقيل: لا يلزمه كما لا يلزمه في القطار والدابة الضعيفة) انتهى.
قلت: وظاهر حديث الباب بل صريحه يرد هذا؛ لأنَّه عليه السلام كان يصلي على راحلته حيث توجهت، ولأن في التزامه النزول والتوجه انقطاعًا عن النافلة أو القافلة، فيكون حرجًا، فالحديث حجة على من اشترط التوجه واستحبه؛ فليحفظ.
وأمَّا التنفل في المصر على الدابة؛ فمنعه الإمام الأعظم، والإمام محمد بن الحسن، والإصطخري من الشافعية، وجوزه الإمام قاضي القضاة أبو يوسف، وهو رواية عن الإمام محمد بن الحسن.
دليل المنع: أنَّ هذه الأحاديث الدالة على جواز التنفل على الدابة وردت في السفر؛ ففي رواية جابر بن عبد الله: كانت في غزوة أنمار، وهي غزوة ذات الرقاع، وفي رواية:(أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى بني المصطلق، فأتيته وهو يصلي على بعيره)، وفي رواية ابن عمر:(بطريق مكة)، وفي رواية:(متوجه إلى المدينة)، وفي رواية:(متوجه إلى خيبر).
والحاصل: أنها كانت مرات كلها في السفر.
ودليل الجواز: ما رواه أبو يوسف قال: حدثني فلان -وسماه- عن سالم عن ابن عمر: (أنه عليه السلام ركب الحمار في المدينة يعود سعد بن عبادة، وكان يصلي وهو راكب).
وقال ابن بطال: (وروى أنس بن مالك: أنه عليه السلام صلى على حمار في أزقة المدينة يومئ إيماءً) انتهى.
قلت: وأجاب المانع عن الأول: بأنَّه شاذ، وهو فيما يعم به البلوى لا يكون حجة، وعن الثاني: بأن المراد من أزقة المدينة: الأزقة الخارجة عن المدينة؛ يعني: في أزقة البساتين في المدينة، والله تعالى أعلم.
[حديث: إنه لو حدث في الصلاة شيء لنبأتكم به]
401 -
وبالسند إليه قال: (حدثنا عثمان) : هو ابن محمد بن إبراهيم بن أبي شيبة بن عثمان بن خواستى العبسي الكوفي (قال: حدثنا جرير) : هو ابن عبد الحميد بن قرط العبسي الكوفي، (عن منصور) : هو ابن المعتمر بن عبد الله الكوفي، (عن إبراهيم) : هو ابن يزيد النخعي الكوفي، (عن علقمة) : هو ابن قيس النخعي الكوفي (قال: قال عبد الله) : هو ابن مسعود، أحد العبادلة الأربعة، وكان قصيرًا نحيفًا، وكان الريح يأخذه حين يمشي، فتنظر إليه الصحابة بحضرة الرسول عليه السلام، فحين يراهم النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم؛ يقول:«لساق عبد الله في الميزان أثقل من أُحُد» رضي الله عنه، وفي رواية أبي ذر:(عن عبد الله قال:)(صلى النبيُّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم : هذه الصلاة، قيل: العصر، وقيل: الظهر؛ يدل للأول: ما رواه الطبراني، من حديث طلحة بن مصرف، عن إبراهيم به: أنها العصر، فنقص في الرابعة، ولم يجلس حتى صلى الخامسة، ويدل للثاني: ما رواه من حديث شعبة عن حماد عن إبراهيم: أنها الظهر، وأنَّه صلاها خمسًا؛ كذا في «عمدة القاري» .
(قال إبراهيم) هو النخعي المذكور: (لا أدري زاد)؛ أي: النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم في صلاته، ولابن عساكر:(أزاد)؛ بهمزة الاستفهام (أو نقص) فيها؟ وهذا مدرج، وفي رواية أبي داود:(فلا أدري)؛ أي: فلا أعلم هل زاد النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم في صلاته أو نقص فيها؟، والمقصود: أنَّ إبراهيم شك في سبب سجود السهو المذكور، وهل كان لأجل الزيادة أو النقصان؟ وهو مشتق من النقص المتعدي لا من النقصان اللازم، والصحيح كما قال الحميدي: أنه (زاد)، قاله إمام الشَّارحين.
(فلمَّا سلَّم)؛ بتشديد اللام؛ أي: من صلاته ساهيًا؛ (قيل) لم يعلم اسم القائل (له: يا رسول الله؛ أَحَدَث)؛ الهمزة فيه للاستفهام؛ ومعناه: السؤال عن حدوث شيء من الوحي يوجب تغيير حكم الصلاة بالزيادة على ما كانت معهودة أو بالنقصان عنه، قاله الشَّارح.
قلت: وحاء (أَحَدَث)