الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصلاة، ولم يصلِّ حيث شاء؛ كما في حديث الباب، فبَطُلَ حكم (حيث شاء)، قاله ابن بطال،
قال: ويؤيده قوله: (ولا يتجسَّس)؛ بالجيم، أو بالحاء المهملة، وبالضم، أو بالجزم؛ أي: لا يتفحص مكانًا يصلي فيه.
وقال ابن المنير: (والظاهر الأول، وإنما استأذن عليه السلام؛ لأنَّه دعي إلى الصلاة؛ ليتبَّرك صاحب البيت بمكان صلاته، فسأله عليه السلام؛ ليُصلِّ في البقعة التي يجب تخصيصها بذلك، وأمَّا من صلى لنفسه؛ فهو على عموم الإذن إلَّا أن يَخُص صاحب البيت ذلك العموم فيختص به) انتهى.
قلت: وفيه نظر؛ فإن المؤلف عادته عدم القطع بالحكم، ولهذا أتى بالترجمة بكلمة (أو) التي لأحد الشيئين؛ إشعارًا بأنَّ الحديث يطابق إمَّا الحكم الأول، أو الثاني، والظاهر أن المراد: الحكم الثاني، والحكم الأول باطل، فكأن المؤلف قال:(باب: «إذا دخل بيتًا يصلي حيث أمر ولا يتجسس»)، وهذا هو المطابق للحديث، فإن الرجل الذي يدخل دار غيره يحتاج إلى الإذن العام في الدخول والقعود، وأمَّا الصلاة؛ فيحتاج إلى الإذن الخاص؛ لأنَّ المكان الذي دخله يحتمل أنَّه غير طاهر، ويحتمل أنَّ الرجل لا يعلم جهة القبلة، فيلزمه السؤال عن ذلك؛ لأنَّ الاجتهاد لا يصح هنا، وكذلك النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم إنَّما استأذن؛ ليعلم طهارة المكان مع تبرُّك صاحب البيت بصلاته، فسؤاله
(1)
إنَّما كان عن طهارة المكان، لا سيما وصاحب البيت إذا كان له أولاد صغارٌ
(2)
لا يميزون بين الطاهر والنجس يلزم السؤال ألبتة، وعلى هذا؛ فالدخول للبيت على عموم الإذن إلَّا أن يخص صاحبه بمكان فيختص.
وأمَّا الصلاة؛ فهي على الإذن الخاص، كما ذكرنا، وعليه فالمراد: أنَّ الحديث يطابق الشق الثاني من الترجمة، والشق الأول المراد به: الدخول فقط، ويدلُّ لما قلناه حديث عتبان في الباب الذي بعده، وفيه: «فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى أن قال: ثم قال: «أين تحب أن أصلي لك
…
؟»؛ الحديث، وعليه؛ فيتعين أن يكون استئذانه إنَّما هو في الدخول، وقوله:«أين تحب» استئذان في مكان الصلاة، وحديث الباب قطعة من حديث الباب الآتي؛ لأنَّهما واحد على أنَّ
(3)
الأحاديث تفسر بعضها بعضًا، كما ستقف عليه، فما ذكره ابن المنير ليس بشيء؛ فافهم.
[حديث: أين تحب أن أصلي لك من بيتك]
424 -
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبد الله بن مَسْلَمَة)؛ بفتح الميم واللام، بينهما مهملة ساكنة، هو ابن قعنب الحارثي البصري (قال: حدثنا إبراهيم بن سعْد)؛ بسكون العين المهملة، هو المدني، سبط عبد الرحمن بن عوف، (عن ابن شهاب)؛ هو محمد بن مسلم ابن شهاب الزهري المدني، وصرح أبو داود الطيالسي في «مسنده» بسماع إبراهيم بن سعد من ابن شهاب، (عن محمود بن الرَّبِيْع)؛ بفتح الراء وسكون التحتية، بينهما موحدة مكسورة، هو الخزرجي الأنصاري الصحابي، وعند المؤلف من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه قال: أخبرني محمود (عن عتْبَان بن مالك)؛ بكسر العين المهملة وضمها، وسكون الفوقية، بعدها موحدة مفتوحة، هو الأنصاري السالمي المدني، كان إمام قومه على عهده عليه السلام، المتوفى بالمدينة زمن معاوية رضي الله عنه، وصرَّح المؤلف في رواية يعقوب بسماع محمود من عتبان.
قلت: ومع هذا، فقد صرَّح إمام الشَّارحين:(بأن عنعنة «الصحيحين» محمولة على السماع مقبولة)؛ فافهم.
(أنَّ النبيَّ) الأعظم، ولأبي ذر:(أنَّ رسول الله) صلى الله عليه وسلم أتاه في منزله)؛ أي: يوم السبت، ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، كما عند الطبراني، وفي لفظ: أن عتبان لقي النبيَّ صلى الله عليه وسلم يوم جمعة، فقال: إنِّي أحبُّ أن تأتيني، وفي بعضها: أنَّ عتبان بعث إليه.
وعند ابن حبان في «صحيحه» عن أبي هريرة: أنَّ رجلًا من الأنصار أرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن تعال، فخُطَّ لي مسجدًا في داري أصلي فيه، وذلك بعدما عمي، فجاء، ففعل.
قال إمام الشَّارحين: (وهذا كأنَّه عتبان) انتهى.
(فقال)؛ أي: النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم: (أين تحب أن أصلي) يعني: أين تريد أن أخصَّ مكانًا لصلاتي (لك من بيتك) وفي رواية الكشميهني: (في بيتك)، والإضافة في (لك) باعتبار الموضع المخصوص، فالأداء فيه له، وإلا؛ فالصلاة لله عز وجل، أفاده إمام الشَّارحين.
(قال) أي: عتبان: (فأشرت له) عليه السلام (إلى مكان) من بيتي نظيف طاهر مقابل للكعبة، (فكبر النبيُّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم؛ أي: تكبيرة الإحرام، (وصففنا)؛ أي: جعلنا صفًّا (خلفه) ولأبي ذر: (فصففنا)؛ بالفاء، ولابن عساكر:(وصفَّنا)؛ بالواو مع الإدغام، لا يقال: إنَّ إقامة الصف بعد التكبير؛ لأنَّا نقول: الواو لمطلق الجمع لا تقتضي الترتيب، فصفَّهم عليه السلام صفًّا خلفه، ثم كبر، (فصلى ركعتين) قال ابن بطال:(ولا يقتضي لفظ الحديث أن يصلي حيث شاء، وإنَّما يقتضي الحديث أن يصلي حيث أُمِر؛ لقوله: «أين تحب أن أصلي لك؟»، فكأنَّه قال: باب: «إذا دخل بيتًا هل يصلي حيث شاء أو حيث أُمِر؟»؛ لأنَّه عليه السلام استأذنه في موضع الصلاة، ولم يصلِّ حيث شاء، فبطل الحكم الأول، وبقي الحكم الثاني، وهو وجه مطابقة الحديث للجزء الثاني من الترجمة) انتهى.
قال إمام الشَّارحين: (وفي الحديث استحباب تعيين مصلًّى في البيت إذا عجز عن حضور الجماعة.
وفيه: جواز الجماعة في البيوت.
وفيه: جواز النوافل بالجماعة.
وفيه: إتيان الرئيس في موضع المرؤوس.
وفيه: تسوية الصف خلف الإمام.
وفيه: ما يدلُّ على حُسن خلقه عليه السلام وتواضعه مع جلالة قدره وعِظَم منزلته) انتهى.
(46)
[باب المساجد في البيوت]
هذا (باب) حكم اتخاذ (المساجد في البيوت)، وهذا الباب والذي قبله في الحقيقة باب واحد؛ لأنَّ المؤلف ليس له إلا حديث واحد من عتبان، وإنَّما أخرجه في عدة مواضع مفرقًا ومطولًا ومختصراَ؛ لأجل التراجم.
(وصلى البَرَاء)؛ بفتح الموحدة وتخفيف الراء (بن عاذب) بالذال المعجمة رضي الله عنه (في مسجد داره في جماعة) وفي رواية الأربعة: (جماعة)؛ بالنصب وإسقاط (في)، وفي رواية:(في مسجده في داره)، وهذا تعليق روى معناه ابن أبي شيبة، وأشار المؤلف به إلى أن صلاته بالجماعة في مسجد داره دليل على جواز اتخاذ المساجد في البيوت؛ لأنَّه لو كان غير جائز؛ لما صلى البراء، ولما تابعوه على ذلك، فهو كالإجماع على جواز الصلاة في البيوت جماعة وانفرادًا؛ لأنَّ الأرض كلها جُعِلت مسجدًا وطهورًا؛ كما في
(1)
في الأصل: (فسأله)، وليس بصحيح.
(2)
في الأصل: (أولادًا صغارًا)، وليس بصحيح.
(3)
في الأصل: (أنه).
«الصحيح» ، وهذا وجه مطابقته للترجمة؛ فافهم.
[حديث: أين تحب أن أصلي من بيتك
؟]
425 -
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا سعِيد ابن عُفَيْر)؛ بضمِّ العين المهملة وفتح الفاء وسكون التحتية، نسبه لجده؛ لشهرته به، وهو سعيد بن كثير بن عفير المصري، وعين سعِيد مكسورة (قال: حدثني) بالإفراد (الليث) هو ابن سعد الفهمي المصري الحنفي (قال: حدثني) بالإفراد أيضًا (عُقَيل)؛ بضمِّ العين المهملة وفتح القاف، هو ابن خالد الأيلي، (عن ابن شهاب)؛ هو محمد بن مسلم ابن شهاب الزهري المدني، ونسبه لجده؛ لشهرته به (قال: أخبرني) بالإفراد (محمود بن الرَّبيع) بفتح الراء (الأنصاري) الخزرجي الصحابي: (أن عتْبان بن مالك)؛ بضمِّ العين المهملة وكسرها وسكون الفوقية، هو الأنصاري السالمي المدني الصحابي المتوفى بالمدينة زمن معاوية، والجملة في محل النصب على أنها مفعول ثان؛ لقوله:(أخبرني)، كذا في «عمدة القاري» .
وقال إمام الشَّارحين: (وفي الحديث: رواية الصحابي عن الصحابي، فإن قلت: من قوله: «أنَّ عُتْبان» إلى قوله: «قال عتبان» من رواية محمود بغير واسطة، فيكون مرسلًا، فلا يكون رواية الصحابي عن الصحابي.
ومن هذا قال الكرماني: «الظاهر أنَّه مرسل» ؛ لأنَّه لا جرم أنَّ محمودًا سمع من عتبان أنَّه رأى بعينه ذلك؛ لأنَّه كان صغيرًا عند وفاة النبيِّ عليه السلام.
قلت: قد وقع تصريحه بالسماع عند البخاري من طريق مَعْمَر، ومن طريق إبراهيم بن سعد، كما مر في الباب الماضي، ووقع التصريح بالتحديث أيضًا بين عتبان ومحمود من رواية الأوزاعي، عن ابن شهاب عند أبي عوانة؛ فيكون رواية الصحابي عن الصحابي، فيُحمل قوله:«قال عتبان» على أن محمودًا أعاد اسم شيخه؛ اهتمامًا بذلك؛ لطول الحديث) انتهى.
قلت: وهذا يردُّ على ما زعمه الكرماني، وكأنَّه لم يطلع
(1)
على هذه الروايات، فللَّه درُّ إمامنا الشَّارح!
واختلف فيما إذا قال: (حدثنا فلان بن فلان قال: كذا، أو فعل كذا)، فقال الجمهور: هو كـ (عن) محمول على السماع بشرط أن يكون الراوي غير مدلس، وبشرط ثبوت اللقاء على الأصح.
وقال أحمد وغيره: (يكون منقطعًا حتى يتبين السماع)، كذا في «عمدة القاري» .
قلت: ومع هذا، فإنَّ عنعنة «الصحيحين» مقبولة محمولة على السماع؛ فافهم.
(وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إمام قومه على عهد النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم (ممَّن شهد بدرًا من الأنصار) رضي الله عنه، أشار بذلك؛ لإفادة تقوية الرواية، وتعظيمه، والافتخار، والتلذذ به، وإلا؛ كان هو مشهورًا بذلك، أو غرضه التعريف للجاهل به؛ فافهم.
(أنَّه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا بدل من قوله: (أنَّ عتبان)، وفي رواية ثابت عن أنس:(عن عتبان).
فإن قلت: جاء في رواية مسلم: أنَّه بعث إلى النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم يطلب منه ذلك، فما وجه الروايتين؟
قلت: يحتمل أن يكون جاء إلى النبيِّ عليه السلام بنفسه مرة، وبعث إليه رسوله مرة أخرى؛ لأجل التذكير، قاله إمام الشَّارحين.
وزَعْمُ ابن حجر يحتمل أن يكون نسب إتيان رسوله إلى نفسه مجازًا.
وردَّه في «عمدة القاري» فقال: (الأصل في الكلام الحقيقة، والدليل عليه: ما رواه الطبراني من طريق أبي أويس عن ابن شهاب بسنده أنَّه قال: قال للنبيِّ
(2)
صلى الله عليه وسلم يوم جمعة: «لو أتيتني يا رسول الله» ، وفيه: أنَّه أتاه يوم السبت) انتهى.
قلت: ولا يصار إلى المجاز إلا عند تعذر الحقيقة، وههنا أمكن الحمل على الحقيقة، بل تعين الحمل عليها بدلالة ما رواه الطبراني، فكلام ابن حجر ليس بشيء؛ فافهم.
(فقال يا رسول الله: قد أنكرت بصري) يحتمل معنيين: ضعف البصر، أو العمى.
وفي رواية مسلم: (لما ساء بصري).
وفي رواية الإسماعيلي: (جعل بصري يكلُّ).
وفي رواية أخرى لمسلم من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت: (أصابني في بصري بعض الشيء).
وكل ذلك يدلَّ على أنَّه لم يكن بلغ العمى.
وفي رواية للبخاري في باب: (الرخصة في المطر) من طريق مالك عن ابن شهاب، فقال فيه:(إنَّ عتبان كان يؤم قومه وهو أعمى، وأنَّه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّها تكون الظلمة والسَّيل، وأنا رجل ضرير البصر).
فإن قلت: بين هذه الرواية والروايات التي تقدمت تعارض.
قلت: لا معارضة فيها؛ لأنَّه أطلق عليه العمى في هذه الرواية؛ لقربه منه، وكان قد قَرُبَ من العمى، والشيء إذا قرب إلى الشيء يأخذ حكمه، انتهى، كذا قاله إمام الشَّارحين.
(وأنا أصلي لقومي)؛ أي: لأجلهم، والمعنى: أنَّه كان يؤمهم، وصرَّح بذلك أبو داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد؛ كذا في «عمدة القاري» .
قلت: وصرَّح بذلك أيضًا المؤلف في باب (الرخصة في المطر) من طريق مالك عن ابن شهاب، ولم يبيِّن مَنْ قومه، والظَّاهر: أنَّهم جمع من الأنصار؛ فتفحَّص.
(فإذا كانت الأمطار)؛ أي: وجدت؛ فـ (كان) تامة، ولهذا ليس لها خبر، وهو جمع مطر؛ وهو ماء المزن؛ (سال الوادي)؛ أي: سال ماؤه، فهو من قبيل إطلاق اسم المحل على الحال (الذي بيني وبينهم) وفي رواية الإسماعيلي:(يسيل الوادي الذي بيني وبين مسجد قومي، فيحول بيني وبين الصلاة معهم)، كذا في «عمدة القاري» .
(لم أستطع أن آتي مسجدهم) ولابن عساكر: (المسجد)(فأصلي بهم) بالموحدة، ونصب (أُصلِّيَ) عطفًا على قوله:(أن آتيَ) وللأصيلي: (فأصلِّي لهم)؛ باللام؛ أي: لأجلهم.
(وودِدْت)؛ بكسر الدال المهملة الأولى، ومعناه: تمنيت، قاله ثعلب.
وفي «الجامع» للقزاز، وحكى الفراء عن الكسائي:(ودَدت)؛ بالفتح، ولم يحكها غيره، والمصدر: وُدٌّ فيهما، ويقال في المصدر: الوَد، والوِد، والوُد والوَداد، والوِداد، والكسر أكثر، والوِدادة والوَدادة، وجاء: مودَّة، حكاه مكي في «شرحه» .
وقال اليزيدي في «نوادره» : (ليس في شيء من العربية ودَدَت مفتوحة)؛ كذا في «عمدة القاري» .
(يا رسول الله أنك تأتيني فتصليَْ)؛ بسكون التحتية وبنصبها، كما في «الفرع» ؛ جوابًا للتمني؛ لوقوع الفاء بعد التمني (في بيتي) يحتمل الإضافة أن تكون للملك، وأن تكون لغيره، وأضافه لنفسه؛ باعتبار سكناه
(1)
في الأصل: (يضطلع)، وليس بصحيح.
(2)
في الأصل: (النبي)، وليس بصحيح.