الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو ودي ولم يتذكر احتلامًا فيهما، والمراد بالتيقُّن هنا: غلبة الظن؛ لأنَّ حقيقة اليقين متعذرة مع النوم) انتهى كلامه.
وقوله: (أقَيْس وقولهما استحسان وعليه الفتوى) احتياطًا، وقال في «الفتاوى» :(الخلاصة: ولسنا نوجب الغسل بالمذي، ولكن المني قد يرق بطول المدة فتصير صورته كصورة المذي) انتهى أي: لا حقيقته.
وقال في «شرح المنية» : وإن استيقظ فوجد في إحليله بللًا ولم يتذكر حلمًا إن كان ذكره منتشرًا قبل النوم؛ فلا غسل عليه وإن كان ساكنًا؛ فعليه الغسل، هذا إذا نام قائمًا أو قاعدًا، أما إذا نام مضطجعًا أو تيقن أنه مني؛ فعليه الغسل وهو مذكور في «المحيط» و «الذخيرة» .
وقال شمس الأئمَّة الحلواني: (هذه المسألة يكثر وقوعها والناس عنها غافلون)، ومشى على هذا العلامة الشرنبلالي في «الإمداد» وغيره، وذكر مثله في «الجواهر» ، ودرج عليه شراح «الملتقى» ؛ فافهم.
قال في «الحلية» : (الفرق بين النوم قائمًا أو قاعدًا، وبين النوم مضطجعًا غير ظاهر، والوجه الإطلاق؛ إذ لا يظهر بينهما افتراق).
قال في «منهل الطلاب» : (والظاهر: أن الفرق بينهما من حيث إن النوم مضطجعًا سبب للاسترخاء والاستغراق وهو سبب للاحتلام بخلاف النوم قائمًا أو قاعدًا؛ لعدمهما فيه عادة؛ فتأمل، والمرأة مثل الرجل في ظاهر المذهب؛ فليحفظ) انتهى.
وقال في «البحر» : لو احتلمت المرأة ولم يخرج الماء إلى ظاهر فرجها، فعن الإمام محمَّد: يجب الغسل، وفي «ظاهر الرواية» عن الإمام الأعظم: لا يجب؛ لأنَّ خروج منيها إلى فرجها الخارج شرط لوجوب الغسل عليها، وعليه الفتوى، كذا في «المعراج» ، وحرر ابن الهمام في «فتح القدير» وقال: إنه الحق الاتفاق على تعليق وجوب الغسل بوجود المني في احتلامها، والقائل بوجوبه في هذه الخلافية إنَّما يوجبه على وجوده وإن لم تره، فالمراد بعدم الخروج في قولهم: ولم يخرج منها لم تره خرج؛ فعلى هذا: لا وجه لوجوب الغسل بوجود المني في احتلامها في الخلافية.
ورده في «شرح المنية» بأن هذا لا يفيد وجوب الغسل في المسألة الخلافية، فإن ظاهر الرواية لا يجب عليها الغسل، وبه أخذ شمس الأئمَّة الحلواني، وقال في «الخلاصة» : (وهو الصحيح
…
) إلى آخر كلامه؛ فافهم.
وقال ابن عبد البر: (في الحديث: دليل على أن النساء ليس كلهن يحتلمن، وإنما أنكرت عائشة ذلك إما لصغر سنها وكونها مع زوجها؛ لأنَّها لم تحض عنده ولم تفقده فقدًا طويلًا إلا بموته عليه السلام، فلذلك لم تعرف في حياته الاحتلام؛ لأنَّه لا تعرفه النساء ولا أكثر الرجال إلا عند عدم الرجال بعد المعرفة به، فإذا فقدت النساء أزواجهن؛ احتلمن، والوجه الأول عندي أصح وأولى؛ لأنَّ أم سَلَمَة فقدت زوجها وكانت كبيرة عالمة بذلك، وأنكرت منه ما أنكرت عائشة، فدل على أن من النساء من لا ينزل الماء منها في غير الجماع الذي يكون في اليقظة) انتهى.
قال صاحب «عمدة القاري» : (ولقائل أن يقول: إن أم سَلَمَة أيضًا تزوجت أبا سَلَمَة شابة، ولما توفي عنها زوجها؛ تزوجها سيد المرسلين عليه السلام لا سيما مع شغلها بالعبادة وشبهها التي هي وجاء لغيرها، أو تكون قالته إنكارًا على أم سَلَمَة؛ لكونها واجهت به سيدنا رسول الله عليه السلام، ويوضحه: فقالت أم سَلَمَة: وغطت وجهها، ثم قال: وفي رواية أبي داود: (أن أم سليم قالت: يا رسول الله؛ إن الله لا يستحي من الحق، أرأيت امرأة إذا رأت في النوم ما يرى الرجل أتغتسل أو لا؟ قالت عائشة: فأقبلت عليها فقلت: أف لك وهل ترى ذلك المرأة؟ فأقبل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «تربت يمينك يا عائشة، ومن أين يكون الشبه؟»)، وعند المؤلف في باب:(الحياء في العلم) بعد قوله: «إذا رأت الماء» فغطت أم سَلَمَة -تعني: وجهها- وقالت: (يا رسول الله؛ أوَ تحتلم المرأة؟) قال: «نعم؛ تربت يمينك، فبم يشبهها ولدها؟» ، وفي لفظ له بعد قوله:(إذا رأت الماء) فضحكت أم سَلَمَة فقالت: (أوَ تحتلم المرأة؟) فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «فبم شبه الولد؟» ، وفي لفظ: قالت أم سَلَمَة: (فقلت فضحكت النساء)، وعند مسلم من حديث أنس: أن أم سُليم حدثت أنها سألت النبيَّ صلى الله عليه [وسلم]، وعائشة عنده:(يا رسول الله؛ المرأة ترى ما يرى الرجل في المنام، ومن نفسها ما يرى الرجل من نفسه)، فقالت عائشة:(يا أم سُليم)؛ فضحكت النساء (تربت يمينك)، فقال لعائشة:«بل أنت تربت يمينك نعم؛ فلتغتسل يا أم سليم» .
وفي لفظ: فقالت أم سُليم: (واستحييت من ذلك وهل يكون هذا؟) قال: «نعم؛ ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر، أيهما علا أوسبق يكون منه الشبه» .
وفي لفظ: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان منها ما يكون من الرجل؛ فلتغتسل» .
وفي لفظ: قالت عائشة: (فقلت لها: أف لك، أترى المرأة ذلك؟)
وفي لفظ: (تربت يداك)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«دعيها، تربت يمينك» ، قالت:(وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك إذا علا ماؤها ماء الرجل؛ أشبه الولد أخواله، وإذا علا ماء الرجل ماءها؛ أشبه أعمامه).
وفي لفظ أبي داود: (أتغتسل أم لا؟) فقال: «فلتغتسل إذا وجدت الماء» .
وفي لفظ: (المرأة عليها غسل؟) قال: «نعم؛ إنَّما النساء شقائق الرجال» .
وفي لفظ النسائي: (فضحكت أم سَلَمَة).
وعند ابن أبي شيبة: (فقال: هل تجد شهوة؟) قالت: (لعله) قال: «هل تجد بللًا» قال: ولعله قال: «فلتغتسل» ، فلقيتها النسوة فقلن: فضحتينا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت:(والله ما كنت لأنتهي حتى أعلم في حل أنا أم في حرام).
وعند الطبراني في «الأوسط» : (قلت: يا رسول الله؛ أنت تقربني إلى الله أحببت أن أسألك عنه، قال: «أصبت يا أم سُليم»؛ فقلت الحديث).
وعند البزار: (فقالت أم سَلَمَة: وهل للنساء من ماء؟ قال: «نعم؛ إنَّما هن شقائق الرجال»).
وعند ابن عمر: (إذا رأت ذلك فأنزلت؛ فعليها الغسل، فقالت: أم سُليم: أيكون هذا؟).
فإن قلت: قد جاء عن [أم] سَلَمَة: (فضحكت)، وجاء:(فغطت وجهها) فما التوفيق بينهما؟
قلت: معنى (فضحكت) : تبسمت تعجبًا، و (غطت وجهها) حياء، ومعنى (تربت يمينك) في الأصل: لا أصابت خيرًا غير أن في لسان العرب ذلك وأمثالها، ويراد به المدح، وفي «أدب الخواص» لأبي القاسم:(معنى «تربت يمينك»؛ أي: افتقرت من العلم بما سألت عنه أم سُليم)، وفي «المحكم» : ترب الرجل صار في يده التراب، قال تعالى:{أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16]؛ أي: لا يملك إلا التراب، وترب تربًا؛ لصق بالتراب من الفقر، وترب تربًا وتربة؛ خسر وافتقر، وحكى قطرب:(ترب وأترب)، كذا ذكره في «عمدة القاري» ، وفيه قوله:(وآلت) بعد قوله: (تربت يمينك)؛ معناه: صاحت؛ لما أصابها من شدة هذا الكلام، وروي:(أُلَّت)؛ بضمِّ الهمزة مع التشديد؛ أي: طعنت بالآلة؛ وهي الحربة العريضة النصل، انتهى.
قال ابن بطال: (وفيه: دليل على أن كل النساء يحتلمن)، وقد عكس غيره، فقال: فيه: دليل على أن بعض النساء لا يحتلمن.
واعترضه صاحب «عمدة القاري» فقال: (وفيه: دليل على وجوب الغسل على المرأة بالإنزال، ونفى ابن بطال الخلاف فيه، وقد ذكرنا في أول الباب خلاف النخعي) انتهى.
وقد تبعه ابن حجر فقال: (والظاهر: أن مراد ابن بطال الجواز لا الوقوع؛ يعني: فيهن قابلية ذلك، وفيه: دليل على وجوب الغسل على المرأة بالإنزال، ونفى ابن بطال الخلاف فيه، لكن تقدم الخلاف فيه عن النخعي) انتهى.
واعترضه العجلوني فقال: (ما تقدم عن النخعي في نفي وقوعه وما قاله ابن بطال في نفي الخلاف فإنما هو على المرأة في لزوم الغسل إذا أنزلت إلا أن يقال: إذا انتفى وقوع الموجب؛ لزم انتفاء الوجوب؛ فتأمل) انتهى.
وفي الحديث: جواز استفتاء المرأة بنفسها؛ لأنَّه غير مخل في الديانة، وكأن أم سُليم لم تسمع حديث:«إنما الماء من الماء» ، أو سمعته وقام عندها أنه منسوخ بدلائل أخر، أو ما يوهم خروج المرأة عنه وهو ندرة بروز الماء منها.
وروى عبد في هذه القصة: «إذا رأت إحداكن كما يراه الرجل» .
وروى أحمد من حديث خولة بنت حكيم في نحو هذه القصة «ليس عليها غسل حتى تنزل كما ينزل الرجل» ، فإن هذا صريح على أنه يدل على كونه في حال الاحتلام.
ففيه: رد على من زعم أن
ماء المرأة لا يبرز، وإنما يعرف إنزالها بشهوتها كما قدمناه؛ لأنَّ الشهوة حقيقة أو حكمًا، وذلك إذا احتلم ورأى بللًا ولم يدرك اللذة فإنه يمكن أنه أدركها، ثم ذهل عنها بوجود النوم فجعلت اللذة حاصلة حكمًا وهو ظاهر، فيمكن أن أم سَلَمَة قام عندها أن الاحتلام لم يوجد فيه شهوة وحديث:(الماء من الماء) مطلق غير مقيد بالشهوة فتركته؛ لأنَّه منسوخ بأحاديث؛ منها: ما قدمناه من حديث أم سَلَمَة عند ابن أبي شيبة، فقال عليه السلام: «هل تجد شهوة
…
»؛ الحديث، ولقوله تعالى:{مِن مَّاءٍ دَافِقٍ*يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: 6 - 7] والدفق لا يكون إلا عن شهوة على أنه حديث (الماء من الماء) مطلق، فهو محمول على المقيد بالشهوة، ولأن (اللام) فيه للعهد الذهني؛ أي: الماء المعهود، والذي به عهدهم هو الخارج عن شهوة؛ لأنَّه كثيرًا يأتي على أكثر الناس جميع عمره، ولا يرى هذا الماء مجردًا عن الشهوة، بل هي مصاحبة له ضرورة، ويدل لهذا: تفسير عائشة رضي الله عنها الحديث، كما قد رواه ابن المُنْذِر أن المني: هو الماء الأعظم الذي منه الشهوة وفيه الغسل؛ فليحفظ، والله تعالى أعلم.
(23)
[باب عرق الجنب وأن المسلم لا ينجس]
هذا (باب) حكم (عرق) الآدمي (الجنب) والطاهر، والمحدث، والحائض، والنفساء، والصغير، والكبير، والمسلم، والكافر، والذكر، والأنثى؛ يعني: أن عرق هؤلاء طاهر، (وأن المسلم لا ينجس) عطف على المضاف إليه، والتقدير: وباب أن المسلم لا ينجس، بل هو طاهر وإن كان متصفًا بما ذكرناه، فإذا كان هو طاهرًا؛ فعرقه طاهر ضرورة؛ للزومه له.
قال صاحب «عمدة القاري» : (ولم يبين البخاري ما حكم عرق الجنب، ولا ذكر في هذا الباب شيئًا يطابق هذه الترجمة).
وقال بعضهم: كأن المصنف يشير بذلك إلى الخلاف في عرق الكافر، وقال قوم: إنه نجس بناء على القول بنجاسة عينه.
قلت: (ما أبعد هذا الكلام عن الذوق! فكيف يتوجه ما قاله والمصنف قال: باب عرق الجنب، وسكت عليه، ولم يشر إلى حكمه لا في الترجمة ولا في الذي ذكره في هذا الباب؟
وفائدة ذكر الباب المعقود بالترجمة ذكر ما عقدت له الترجمة وإلا؛ فلا فائدة في ذكرها، ويمكن أن يقال ذكر ترجمتين؛ فالترجمة الثانية تدل على أن المسلم طاهر، ومن لوازم طهارته طهارة عرقه، ولكن هذا مخصوص بعرق المسلم، والحال أن عرق الكافر أيضًا طاهر) انتهى.
قلت: (وقد حاول العجلوني عبارته ورمم عبارة ابن حجر بكلام أخذه من «عمدة القاري» الذي علمته، وزعم أن صنيع المؤلف وابن حجر حسن، وأن في كلام «عمدة القاري» تناقضًا
(1)
في قوله: (ويمكن
…
) إلخ وقال: ولم يتعرض ابن حجر في «الانتقاض» لرد الاعتراض؛ لظهوره) انتهى كلامه
قلت: ولا يخفى تعصب هذا القائل، فقد زاد في الطنبور نغمة، فإن كلامه لا فائدة فيه ولا معنى يأويه؛ لخلوه من التحقيق، ولا يخفى أن صنيع المؤلف وابن حجر ليس بحسن أصلًا؛ لأنَّ الترجمة قاصرة؛ حيث إنه لم يبين حكم العرق من الجنب لا في الترجمة ولا في أحاديث الباب، فكيف يقال: إن صنيعه حسن على أن قوله: (وإن المسلم لا ينجس) التي هي الترجمة الثانية، كذلك لا تدل على حكم عرق الجنب؛ لأنَّ المراد بالمسلم: الطاهر لأنَّه المسلم الكامل، ولا ريب أن عرقه طاهر لطهارة بدنه، والجنب خارج عن هذا، فلا بد من بيان حكم عرقه.
ولا دلالة في الترجمة أن المؤلف أشار بالتقييد بـ (المسلم) إلى الخلاف في عرق الكافر كما زعمه ابن حجر؛ لأنَّ مراد المؤلف بالتقييد بـ (المسلم) موافقة لحديث الباب، لا للخلاف في عرقه؛ لأنَّ هذا ظاهر حيث إنا لم ننهَ عن نكاح أهل الكتاب، فدل على طهارته من دليل آخر، كما لا يخفى.
وقوله: (وإن في كلام «عمدة القاري»
…
) إلخ ممنوع؛ فإنه لما ذكر ما هو التحقيق من عدم بيان حكم عرق الجنب، ورد كلام ابن حجر؛ ظهر له أن الترجمة يمكن حملها على ما قاله، فهذا ليس يتناقض ما زعمه هذا القائل، ولا يسع أحدًا أن يقوله من ذوي الأفهام كما لا يخفى على أولي الألباب.
وقوله: (ولم يتعرض
…
) إلخ؛ هذا ظاهر في أن الاعتراض في غاية التحقيق ولو كان غير ذلك؛ لما سكت عليه ابن حجر، فسكوته دليل على أن كلام نفسه غير مرض له؛ لما أنه غير ظاهر، كما لا يخفى؛ فافهم، والله أعلم.
[حديث: سبحان الله إن المؤمن لا ينجس]
283 -
وبه قال: (حدثنا علي بن عبد الله)؛ هو المديني (قال: حدثنا يحيى) هو ابن سَعِيْد القطان (قال: حدثنا حُميد) بضمِّ الحاء المهملة مصغرًا؛ هو المعروف بالطويل، التابعي، مات وهو قائم يصلي (قال: حدثنا بَكر) بفتح الموحدة مكبرًا؛ هو ابن عبد الله بن عمرو بن هلال المزني البصري التابعي المتوفى سنة بضع ومئة، (عن أبي رافع) واسمه: نُفيع -بضمِّ النون، وفتح الفاء- مصغرًا الصائغ -بالصاد المهملة، وبالغين المعجمة- البصري ارتحل إليها من المدينة، أدرك الجاهلية ولم يرَ النبيَّ الأعظم صلى الله عليه وسلم، (عن أبي هريرة)؛ هو عبد الرحمن بن صخر رضي الله تعالى عنه، قال صاحب «عمدة القاري» : (ومن أجلِّ لطائف هذا الحديث أنه متصل، ورواه مسلم مقطوعًا عن حميد، عن أبي رافع، كذا في طريق الجُلُودي، والجياني، والصواب ما رواه البخاري وغيره عن حميد، عن بكر، عن أبي رافع، وذكر أبو مسعود وخلف أن مسلمًا أخرجه أيضًا كذلك.
وقال صاحب «التلويح» : قد رأينا من قاله غيرهما، فدل على أن في «مسلم» روايتين).
قلت: ذكر البغوي في «شرح السنة» : (أن مسلمًا أخرجه بإثبات بكر) انتهى كلامه رضي الله عنه.
(أن النبيَّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم لقيه)؛ أي: اجتمع به من اللقاء؛ وهو الاجتماع؛ أي: لقي أبا هريرة وهو يمشي (في بعض طريق المدينة) المنورة، كذا هو في أكثر الروايات، وفي رواية كريمة، والأَصيلي:(طرق)؛ بالجمع، وفي رواية أبي داود، والنسائي:(لقيه في بعض طريق من طرق المدينة)، كذا في «عمدة القاري» .
وزعم العجلوني أن رواية أبي داود موافقة لرواية الأَصيلي.
قلت: وهو مردود فأين التوافق؟ بل فيه تخالف؛ لأنَّ الأولى: (في بعض طريق المدينة)، وللأَصيلي:(في بعض طرق المدينة)، ولأبي داود:(في بعض طريق من طرق المدينة)؛ فليحفظ.
(وهو جنب) جملة اسمية محلها النصب على الحال من الضمير المنصوب في (لقيه)، يقال: أجنب الرجل وهو جنب، وكذا الاثنان، والجمع، والمذكر، والمؤنث، قال ابن دريد:(وهو أعلى اللغات، وقد قالوا: جنبان وأجناب، ولم يقولوا: جنبه)، وفي «المنتهى» :(رجل جنب، وامرأة جنب، وقوم جنب، وجنبون، وأجناب)، وفي «الصحاح» :(أجنب الرجل وجنُب أيضًا؛ بضمِّ النون)، وفي «الموعب» عن الفراء وقطرب:(جنِب الرجل وجنُب؛ بكسر النون وضمها لغتان)، وقال في «المغرب» :(يقال من الجنابة: أجنَب الرجل وجنَِب؛ بفتح النون وكسرها، وجنب ويجنب، لا يقال عن العرب غيرها، وحكى بعضهم: جنُب؛ بضمِّ النون، وليس بالمشهور)، وفي «الاشتقاق» :(أجنب الرجل؛ لأنَّه يجانب الصَّلاة)، وقال أبو منصور:(لأنَّه نهي أن يقرب مواضع الصَّلاة)، وقال القتبي:(سمي بذلك لمجانبته الناس، وبعده منهم حتى يغتسل)، كذا قرره صاحب «عمدة القاري» ، وأراد أبو هريرة نفسه لرواية أبي داود:(وأنا جنب)، (فانْخَنست)؛ بالنون الساكنة، ثم خاء معجمة مفتوحة، ثم نون، ثم سين مهملة، وهي رواية الكشميهني، والحمُّوي، وكريمة؛ ومعناه: تأخرت، وانقبضت، ورجعت، واستخفيت، وهو لازم ومتعد؛ ومنه: خنس الشيطان.
الرواية الثانية: (فاختنست)؛ مثل الرواية الأولى في المعنى، غير أن اللفظ في الرواية الأولى من باب (الانفعال)، وفي هذه الرواية من باب (الافتعال).
الثالثة: (فانبجست)؛ بالموحدة، والجيم، وكذا هي في رواية الترمذي؛ ومعناه: اندفعت، وانفجرت؛ ومنه قوله تعالى:{فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} [الأعراف: 160]؛ أي: جرت واندفعت، وهي رواية ابن السكن أيضًا.
الرابعة: (فانْتَجست)؛ بفوقية مفتوحة بعد النون الساكنة، فجيم؛ من النجاسة من باب (الافتعال)؛ والمعنى: اعتقدت نفسي نجسًا، وهي رواية الأَصيلي، وأبي الوقت، وابن عساكر.
الخامسة: (فانتجشت)؛ بالشين المعجمة، من النجش؛ وهو الإسراع.
السادسة: (فانبخست)؛ بالموحدة، والخاء المعجمة، والسين
(1)
في الأصل: (تناقض)، ولعل المثبت هو الصواب.