الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كنسبة المد والصاع إلى جسده عليه السلام، والثالث: أن يكون متفاحش الخلق طولًا وعرضًا، وعظم البطن، وثخانة الأعضاء، فيستحب ألَّا ينقص عن مقدار يكون النسبة إلى بدنه كنسبة المد والصاع إلى النبي عليه السلام.
ثم قال: (واعلم أن الروايات مختلفة في هذا الباب، ففي رواية أبي داود من حديث عائشة:«أنه عليه السلام كان يغتسل بالصاع، ويتوضأ بالمد» ، ومن حديث جابر كذلك، ومن حديث أم عمارة:«أنَّه عليه السلام توضأ، فأتي بإناء فيه ماء قدر ثلثي المد» ، وفي رواية عن أنس:«أنه عليه السلام كان يتوضأ بإناء يسع رطلين ويغتسل بالصاع» ، وفي رواية ابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما» ، والحاكم في «مستدركه» من حديث عبد الله بن زيد:«أنَّه عليه السلام أتي بثلثي مد من ماء، فتوضأ، فجعل يدلك ذراعيه» ، وقال الحاكم:«هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه» ، وقال الثوري:«حديث أم عمارة حسن» ، وفي رواية مسلم من حديث عائشة:«كانت تغتسل هي والنبي عليه السلام من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد» ، وفي رواية:«من إناء واحد تختلف أيدينا فيه» ، وفي رواية:«فدعت بإناء قدر الصاع، فاغتسلت فيه» ، وفي أخرى: «كانت تغتسل بخمسة مكاكيك وتتوضأ
(1)
بمكوك»، وفي أخرى:«يغسله عليه السلام الصاع ويوضئه المد» ، وفي أخرى:«يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد» ، وفي رواية المؤلف:«نحوًا من صاع» ، وفي لفظ:«من قدح يقال له: الفَرَق» ، وعند النسائي:«نحو ثمانية أرطال» ، وفي «مسند أحمد بن منبع» :«حزرته ثمانية أو تسعة أو عشر أرطال» ، وعند ابن ماجه بسند ضعيف، عن عقيل، عن أبيه قال عليه السلام:«يجزئ من الوضوء مد ومن الغسل صاع» ، وكذا رواه الطبراني في «الأوسط» من حديث ابن عباس، وعند أبي نعيم في «المعرفة» من حديث أم سعيد بنت زيد بن ثابت ترفعه:«الوضوء مد والغسل صاع» ) انتهى.
قلت: وليس معنى الحديث على التوقيت: أنَّه لا يجوز أكثر منه ولا أقل منه، بل هو تقدير أدنى الكفاية عادة، وليس بلازم حتى من أسبغ بدون ذلك؛ أجزأه، وإن لم يكفه؛ زاد عليه؛ لأنَّ طباع الناس وأحوالهم تختلف، كما في [ما] قدمناه عن «البدائع» .
والجمع بين هذه الروايات: أنَّها كانت اغتسالات في أحوال وجد فيها أكثر ما استعمله وأقله، فدل ذلك على أنَّه لا حدَّ في قدر ماء الطهارة يجب استيفاؤه، والإجماع قائم على ذلك، فالقلة والكثرة باعتبار الأشخاص والأحوال؛ فليحفظ.
وقال في «عمدة القاري» : (والفَرَق: بفتح الفاء وفتح الرَّاء، وقال أبو زيد: «بفتح الرَّاء وسكونها»، وزعم النووي أن الفتح أفصح، وزعم الباجي أنَّه الصواب، وليس كما قال، بل هما لغتان، وقال ابن الأثير: «الفرق -بالتحريك- يسع ستة عشر رطلًا، وهي ثلاثة أصوع، وقيل: الفرق: خمسة [أقساط]، وكل قسط نصف صاع، وأما الفرْق -بالسكون- فمئة وعشرون رطلًا»، وقال أبو داود: سمعت أحمد ابن حنبل يقول: «الفرق: ستة عشر رطلًا، والمكوك: إناء يسع المد المعروف عندهم»، وقال ابن الأثير: «المكوك: المد، وقيل: الصاع»، والأول أشبه؛ لأنَّه جاء في الحديث مفسرًا بالمد، وقال أيضًا: «المكوك: اسم للمكيال، ويختلف مقداره باختلاف اصطلاح الناس عليه في البلاد، ويجمع على مكاكي؛ بإبدال الياء من الكاف الأخيرة، ويجيء أيضًا على مكاكيك»)، انتهى، والله تعالى أعلم.
اللهم إنِّي أسألك بالنبي الأعظم عليه السلام وبآله وأصحابه رضي الله عنهم أن تفرِّج عنا وعن المسلمين، وأن تكشف عنَّا وعنهم الهموم والأحزان، وتبدلها أمنًا وسرورًا برحمتك يا أرحم الراحمين؛ لأنَّ في يوم الاثنين العاشر صفر سنة سبع وسبعين سكَّروا أبواب البلد، ووضعوا العساكر في الأسواق والطرقات، ومسكوا النظام، ففرَّ من فرَّ، وقرَّ من قرَّ، وضجَّ من ضجَّ، وهجَّ من هجَّ، وعزم من عزم، ودعا من دعا، وكبَّر من كبَّر، وأغلق من أغلق، وبات الناس في كرب عظيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم إنَّه على ما يشاء قدير، وأستغفر الله العظيم.
(48)
[باب المسح على الخفين]
هذا (باب) جواز (المسح على الخفين) في الوضوء بدلًا عن غسل الرجلين، وإنَّما عبَّر بـ (الخفين)؛ إشارةً إلى أنه لو لبس خفًّا واحدة؛ لا يجوز عليها المسح، لكن إذا كانت إحدى رجليه مقطوعة مما فوق الكعب؛ فإنه يجوز كما أفصح به في «الينابيع» وغيره، وإنما قال:(على الخفين)؛ إشارةً إلى أنَّ المسح لا يكون إلا على ظاهرهما، وإنَّما سمِّي الخف خفًّا؛ لأنَّه من الخفة؛ لأنَّ الحكم خفَّ به من الغسل إلى المسح، كما في «البحر» و «السراج» ، قلت: وفيه أنَّه يقتضي حصول التسمية حين المشروعية مع أن اللغة سابقة على ورود الشرع، وقد قال العلامة خير الدين الرملي الحنفي: المسح على الخفين من خصائص هذه الأمة، فكيف يعلل للوضع السابق عليه؟ وقد يجاب: بأنَّ الواضع هو الله تعالى، كما هو قول الأشعري، وهو تعالى عالم بما يشرعه على لسان نبيه الأعظم عليه السلام؛ فليحفظ.
وهو في اللغة: إمرار اليد على الشيء، واصطلاحًا: عبارة عن رخصة مقدرة جُعِلَتْ للمقيم يومًا وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليها، كذا في «البحر» ، واعترضه في «النهر» وقال:(الأولى أن يقال: هو إصابة اليد المبتلة الخف أو ما يقوم مقامها في الوضع المخصوص في المدة الشرعية) انتهى، وهو شامل لما لو كان المسح باليد أو الخرقة ونحوهما كالمطر.
وإنَّما قلنا بالجواز؛ للإشارة إلى أنَّ المسح غير واجب؛ لأنَّ العبد مخيَّر بين فعله وتركه، كذا قالوا، وينبغي أن يكون المسح واجبًا في مواضع؛ منها: إذا كان معه ماء لو غسل به رجليه؛ لا يكفي وضوءَه، ولو مسح على الخفين؛ يكفيه، فإنَّه يتعين عليه المسح، ومنها: ما لو خاف خروج الوقت لو غسل رجليه؛ فإنه يمسح، وتمامه في «منهل الطلاب» .
[حديث سعد في مسح النبي على الخفين]
202 -
وبه قال: (حدثنا أَصْبَغ)؛ بفتح الهمزة، وسكون الصَّاد المهملة، وفتح الموحدة، آخره معجمة، أبو عبد الله (بن الفَرَج)؛ بفتح الفاء والرَّاء آخره جيم، الفقيه القرشي المصري، المصطعلك بالفقه والنظر، المتوفى سنة ست وعشرين ومئتين (عن ابن وَهب)؛ بفتح الواو: هو عبد الله القرشي المصري، ولم يكن في المصريِّين أكثر حديثًا منه، طُلِبَ للقضاء؛ فجنن نفسه، وانقطع، وكان أصبغ ورَّاقًا له (قال: حدثني)، وفي رواية:(أخبرني)؛ بالإفراد فيهما (عَمرو)؛ بفتح العين المهملة؛ أي: ابن الحارث، كما في روايةٍ، أبو أمية المؤدب الأنصاري المصري القارئ الفقيه، المتوفى بمصر سنة ثمان وأربعين ومئة (قال: حدثني) بالإفراد (أبو النَّضْر)؛ بفتح النُّون وسكون المعجمة، سالم بن أبي أمية القرشي المديني، مولى عمر بن عبد الله التيمي وكاتبه، المتوفى سنة تسع وعشرين ومئة، (عن أبي سلَمة)؛ بفتح اللام؛ أي: عبد الله (بن عبد الرحمن)؛ أي: ابن عوف القرشي الفقيهالمدني، (عن عبد الله بن عمر)؛ أي: ابن الخطاب رضي الله عنهما، (عن سعْد) بسكون العين المهملة (بن أبي وقَّاص)؛ بتشديد القاف وبالصَّاد المهملة، أحد العشرة رضي الله عنه.
قال في «عمدة القاري» : وهذا من مسند سعد بحسب الظاهر، وكذا جعله صاحب «الأطراف» ، ويحتمل أن يكون من مسند عمر أيضًا، وقال الدارقطني:(رواه أبو أيوب الأفريقي، عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن ابن عمر، عن عمر وسعد عن النبي عليه السلام، ثم قال الدارقطني: (والصواب: قول عمرو بن الحارث، عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن ابن عمر، عن سعد (عن النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم أنَّه مسح على الخفين)؛ بشروط؛ منها: لبسهما بعد غسل الرجلين، ومنها: سترهما للكعبين، ومنها: إمكان متابعة المشي فيهما، ومنها: خلوُّ كل منهما عن خرق قدر ثلاث أصابع، ومنها: استمساكهما على الرجلين من غير شدٍّ، ومنها: منعهما وصول الماء إلى الجسد، ومنها: أن يبقى من مُقدَّم القدم قدر ثلاث أصابع، كما هو مبسوط في كتب الفروع، ففيه دليل على ثبوته بالسنة، وقيل: إنَّه ثبت بالكتاب؛ عملًا بقراءة الجر، فإنها لمَّا عارضت قراءة النصب؛ حُمِلَتْ على ما إذا كان متخففًا، وحُمِلَتْ قراءة النصب على ما إذا لم يكن متخففًا، واختاره في «غاية البيان» ، وقال الجمهور: إنَّه لم يثبت بالكتاب بدليل قوله: {إِلَى الكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]؛ لأنَّ المسح غير مُقَدَّرٍ بها بالإجماع، والصحيح أنَّه ثابت بالسنة، كما في «البحر» عن «المستصفى» ، واختاره الجمهور، وحملوا قراءة الجر عطفًا على المغسول، والجر؛ للجوار، وقد جاءت السنة بجوازه قولًا وفعلًا، فمُنْكِرُهُ مبتدع، وقال صاحب «البدائع» :(المسح على الخفين جائز عند عامة الفقهاء وعامة الصحابة إلا شيئًا روي عن ابن عباس: «أنه لا يجوز»، وهو قول الرافضة والخوارج)، ثم قال: (وروي عن الحسن البصري أنَّه قال: «أدركت سبعين صحابيًّا كلهم يرى المسح على الخفين» ، وقال الإمام الأعظم:«ما قلت بالمسح حتى جاءني فيه مثل فلق الصبح» ، وروي:«مثل ضوء النهار» ، فكان الجحود ردًّا على كبار الصحابة رضي الله عنهم، ونسبته إياهم إلى الخطأ، فكان
(2)
بدعة)، وقال شيخ الإسلام: (والدليل على أنَّ
(1)
في الأصل: (يتوضأ).
(2)
في الأصل: (لكان)، وهو تحريف.
مُنْكِرَ المسح ضالٌّ مبتدع ما روي عن الإمام الأعظم: أنَّه سُئِلَ عن مذهب أهل السنة والجماعة، فقال: هو أن تفضل الشيخين، وتحب الختنين، وترى المسح على الخفين)، وقال الإمام الكرخي: قال الإمام الأعظم: أخاف الكفر على من لم ير المسح على الخفين؛ لأنَّ الآثار التي جاءت فيه في حيِّز التواتر، وقال الإمام أبو يوسف: خبر المسح يجوز نسخ الكتاب به؛ لشهرته، وعلى قياس قوله؛ يكفر جاحده؛ لأنَّ المشهور عنده بمنزلة المتواتر، وعلى قول الإمام الأعظم؛ لا يكفر؛ لأنَّه بمنزلة الآحاد عنده.
وقال البيهقي: (وإنَّما جاء كراهة ذلك عن علي، وابن عباس، وعائشة، فأمَّا الرواية عن علي؛ فلم يرد عنه بإسناد موصول يثبت مثله، وأما عائشة؛ فثبت عنها أنَّها أحالت ذلك على علي رضي الله عنهما، وأمَّا ابن عباس؛ فإنَّما كرهه حين لم يثبت مسحه عليه السلام بعد نزول «المائدة»، فلما ثبت؛ رجع إليه)، وقال في «الموضوعات» :(إنكار عائشة غير ثابت عنها)، وقال الكاساني: وأمَّا الرواية عن ابن عباس؛ فلم تصح؛ لأنَّ مداره على عكرمة، وروي أنَّه لما بلغ عطاء؛ قال: كذب عكرمة، وروي عن عطاء أنَّه قال:(كان ابن عباس يخالف الناس في المسح على الخفين، فلم يمت حتى تابعهم).
وفي «المغني» لابن قدامة: قال أحمد: ليس في قلبي من المسح شيء أفضل؛ يعني: من الغَسْل؛ لأنَّه عليه السلام وأصحابه إنَّما طلبوا الفضل، وقد تكاثرت الروايات بالطرق المتعددة من الصحابة الذين كانوا لا يفارقون النبي الأعظم عليه السلام في الحضر ولا في السفر، فجرى ذلك مجرى التواتر، وحديث المغيرة كان في غزوة تبوك، فسقط بهذا قول من يقول: آية الوضوء مدنية، والمسح منسوخ بها؛ لأنَّه متقدم؛ لأنَّ غزوة تبوك آخر غزواته عليه السلام، و «المائدة» نزلت قبلها، وممَّا يدل على أنَّ المسح غير منسوخ حديث جرير:(أنَّه رأى النبي الأعظم عليه السلام مسح على الخفين، وهو أسلم بعد «المائدة»، وكان القوم يعجبهم ذلك)، وأيضًا فإن حديث المغيرة في المسح كان في السفر، فيعجبهم استعمال جرير له في الحضر، وقال النووي:(لما كان إسلام جرير متأخرًا؛ علمنا أن حديثه يُعْمَلُ به، وهو مبين أن المراد بآية «المائدة» غير صاحب الخف، فتكون السنة مخصصة للآية)، وقال الخطابي:(فيه دليل: على أنَّهم كانوا يرون نسخ القرآن بالسنة)، وفي «الهداية» :(الأخبار فيه مستفيضة حتى أنَّ من لم يره؛ كان مبتدعًا، لكن من رآه، ثم لم يمسح أخذًا بالعزيمة؛ كان مأجورًا)، وفي «جامع الفتاوى» : المسح على الخفين أفضل من الغسل؛ أخذًا بالأيسر، وقيل: الغسل أفضل؛ أخذًا بالعزيمة والمشقة، وفي «المجتبى» عن الإمام الترجماني: أنَّ المسح أفضل من الغسل؛ أخذًا بالأيسر، وما ذكره في «الهداية» من أنَّ الغسل أفضل صرَّح به شيخ الإسلام في «المبسوط» لكن بشرط أن يرى جوازه، قال في «التوشيح» : وهذا مذهبنا، وهو الصحيح، كما في «الأجناس» ، حتى أنَّ الباني إذا نزع خفيه وغسل رجليه قبل تمام مدة المسح؛ يمضي عند الإمام محمد، وهو رواية عن الإمام الأعظم، ولو لم يكن الغسل أفضل؛ لبطل البناء، انتهى.
وقال الشيخ أبو الحسن الرستغفني: (إنَّ المسح أفضل، وهو أصح الروايتين عن أحمد، وهو قول الشعبي، وحماد، والحاكم، والشافعي، وإسحاق، إمَّا لنفي التهمة عن نفسه؛ لأنَّ الروافض والخوارج لا يرونه، وإمَّا للعمل بقراءة النصب والجر) انتهى.
فعلى هذا ينبغي أن يقال: إنَّ من يعتقد جوازه وليس بحضرة من يتهمه؛ فالغسل أفضل، وإن كان بحضرة من لم يره؛ فالمسح أفضل رغمًا له، كذا في «منهل الطلاب» ، واختلفت الرواية عن مالك؛ فروي عنه:(أنه لا يجوز المسح أصلًا)، كما هو قول الروافض والخوارج، وفي رواية:(أنه يجوز لكنه مكروه)، والمشهور: أنه يجوز أبدًا غير مؤقت، وفي رواية:(أنه يجوز بتوقيت)، وفي رواية:(يجوز للمسافر دون المقيم)، وفي رواية: بالعكس، وقال ابن المنذر: الغسل والمسح سواء، وهو رواية عن أحمد، وقال أصحاب الشافعي: الغسل أفضل من المسح بشرط ألَّا يُترَك المسح رغبة عن السنة، ولا شك في جوازه، وقال ابن عبد البر: لا أعلم أحدًا من الفقهاء روي عنه إنكار المسح إلا مالكًا، والروايات الصحاح عنه بخلاف ذلك، واعترضه في «عمدة القاري» : بأن فيه نظر؛ لما في «مصنف ابن أبي شيبة» : من أنَّ مجاهدًاوسعيد بن جبير وعكرمة كرهوه، وكذا حكى أبو الحسن النسابة عن محمد بن علي بن الحسن، وأبي إسحاق السبيعي، وقيس بن الربيع، وحكاه القاضي أبو الطيب عن أبي بكر بن أبي داود، والخوارج، والروافض، وقال الميموني عن أحمد: فيه سبعة وثلاثون صحابيًّا، وفي رواية الحسن بن محمد عنه: أربعون، وكذا قاله البزار في «مسنده» ، وقال ابن أبي حاتم: أحد وأربعون صحابيًّا، وفي «الأشراف» : عن الحسن حدثني به سبعون صحابيًّا، وقال أبو عمر
(1)
بن عبد البر: مسح على الخفين سائر أهل بدر والحديبية، وغيرهم من المهاجرين والأنصار، وسائر الصحابة، والتابعين، وفقهاء المسلمين، وقد أشرنا إلى رواية
(2)
ستة وخمسين من الصحابة في شرحنا لـ «معاني الآثار» للحافظ الطحاوي، فمن أراد الوقوف عليه؛ فليرجع إليه، قاله في «عمدة القاري» .
(وأنَّ عبد الله بن عمر)؛ أي: ابن الخطاب رضي الله عنهما، قال في «عمدة القاري» :(عطف على قوله: «عن عبد الله»، فيكون موصولًا إن حُمِلَ على أن أبا سلمة سمع ذلك من عبد الله، وإلا؛ فأبو سلمة لم يُدْرِكِ القصة) انتهى، لكن قول الكرماني:(هذا إمَّا تعليق من المؤلف، وإمَّا كلام أبي سلمة، والظاهر: الثاني)، يؤيد سماع أبي سلمة من عبد الله، ومثله ما أخرجه أحمد من طريق أخرى: عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن ابن عمر قال: رأيت سعد بن أبي وقاص يمسح على خفيه بالعراق حين توضأ، فأنكرت ذلك عليه، فلما اجتمعنا عند عمر؛ قال لي سعد: سل أباك
…
؛ وذكر القصة، ورواه ابن
(3)
خزيمة من طريق أيوب، عن نافع، عن ابن عمر نحوه، وفيه: أنَّ عمر قال: كنا ونحن مع نبينا عليه السلام نمسح على خفافنا لا نرى بذلك بأسًا، وقوله:(سأل)؛ أي: عبد الله (عمر)؛ أي: والده (بن الخطاب) كما ثبت للأصيلي (عن ذلك)؛ أي: عن مسح النبي الأعظم عليه السلام على الخفين، خبر (أنَّ)، (فقال)؛ أي: عمر عطف على (سأل) : (نعم)؛ أي: مسح النبي الأعظم عليه السلام على الخفين.
وقوله: (إذا حدثك شيئًا) : نكرة عامة؛ لأنَّ الواقع في سياق الشرط كالواقع في سياق النفي يفيد العموم، كما في «عمدة القاري» (سعْد)؛ بسكون العين؛ أي: ابن أبي وقاص، وهو بالرفع فاعل (حدثك) (عن النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم فلا تسأل) : وفي رواية: (فلا تسل)(عنه)؛ أي: عن ذلك الشيء الذي حدثه سعد (غيره)؛ أي: غير سعد؛ لقوة وثوقه بنقله، من كلام عمر مستأنف استئنافًا بيانيًّا.
ففيه: تعظيم سعد رضي الله عنه.
وفيه: دليل على وجوب العمل بخبر الواحد وإن كان ظنيًّا، وأنَّ عمر يكتفي بخبره، وما نُقِلَ عنه من توقفه في خبر الواحد؛ فذاك عند وقوع ريبة في خبره، مع أنه قد يصير الخبر محفوفًا بالقرائن، فيفيد اليقين؛ لقيام تعدد القرائن مقام تعدد الأشخاص، وحينئذ فلا حاجة إلى السؤال بأن يقال: لم نهاه عن السؤال عن غيره؟ أو هو كناية عن تصديقه؛ لأنَّ المصدق لا يسأل غيره، وإنما أنكر ابن عمر ذلك مع قدم صحبته؛ لخفائه عليه، أو لأنَّه أنكر عليه مسحه في الحضر، كما هو ظاهر رواية مالك في «الموطأ» : أن ابن عمر قدم الكوفة على سعد وهو أميرها، فرآه يمسح على الخفين، فأنكر عليه، فقال له سعد: سل أباك؛ فذكر القصة، وأمَّا في السفر؛ فكان ابن عمر يعلمه ويرويه عن النبي الأعظم عليه السلام، كما رواه ابن أبي خيثمة في «تاريخه الكبير» ، وابن أبي شيبة في «مصنفه» من رواية سالم عنه قال: رأيت النبي الأعظم عليه السلام يمسح على الخفين بالماء في السفر، أفاده في «عمدة القاري» .
(وقال موسى بن عُقْبة)؛ بضم العين المهملة وسكون القاف: التابعي صاحب «المغازي» ، المتوفى سنة إحدى وأربعين ومئة، وهذا التعليق إمَّا من المؤلف؛ فيكون عطفًا على (حدثنا أصبغ)، وإمَّا من كلام ابن وهب؛ فيكون عطفًا على (حدثني عمرو)، قاله الكرماني.
(1)
في الأصل: (عمرو)، وليس بصحيح.
(2)
في الأصل: (رواة)، ولعل المثبت هو الصواب.
(3)
زيد في الأصل: (أبي)، وليس بصحيح.