الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مَنِ القوم؟) بالشكِّ مِن شعبة أو شيخه (قالوا) نحن (ربيعة) بن نزار بن مَعَد بن عدنان؛ لأنَّ عبد القيس من أولاده، (فقال) عليه السلام، وفي رواية:(قال) : (مرحبًا بالقوم أو بالوفد) على الشك أيضًا، وفي رواية بحذفهما، وانتصابُه على المصدريَّة بفعلٍ مضمر (غير) بالنصب حال، وبالجرِّ صفة (خزايا)؛ أي: مذَلِّين ولا مهانِين بالقتل والسَّبِي (ولا ندامى) جمع نادم على القياس؛ كما قدَّمناه، وعند النسائيِّ قال:«مرحبًا بالوفد ليس الخزايا النادمين» .
(قالوا) : يا رسول الله؛ (إنا نأتيك من شُقَّة)؛ بضمِّ الشين المعجمة؛ أي: سفرة، (بعيدة) وكانوا ينزلون البحرين، (وبيننا وبينك هذا الحي من كفَّار مُضر)؛ بضمِّ الميم ممنوعٌ من الصرف؛ للعلمية والتأنيث، وأصل الحي: منزل القبيلة، ثم سُمِّيت به؛ اتِّساعًا، (ولا نستطيع أن نأتيك)؛ أي: الإتيان إليك (إلَّا في شهرٍ حرامٍ)؛ بتنكيرها؛ أي: رجب، كما صرَّح به البيهقي، وفي رواية:(في شهر الحرام)؛ بتعريف الثاني، (فمرنا بأمر) زاد في (الإيمان) :(فصل)(نخبر به) بالرفع على الصفة لقوله: (أمر)، وبالجزم جوابًا للأمر (مَن وراءَنا)؛ أي: الذي استقرَّ خلفنا من قومنا، (ندخل به الجنة)؛ بإسقاط واو العطف الثابتة في (كتاب الإيمان) مع الرفع على الحال المقدَّرة؛ أي: نخبر مقدِّرين دخول الجنة، أو على الاستئناف، أو البدلية، أو الصفة بعد الصفة، والجزم جوابًا للأمر بعد جواب، وفي رواية:(وندخل) بإثبات الواو كالأولى، وعليها؛ فلا يتأتَّى الجزم في الثاني مع رفع الأول، كذا قرَّره في «عمدة القاري» .
(فأمرهم) عليه السلام (بأربع) جمل أو خصال، (ونهاهم عن أربع، أمرهم: بالإيمان بالله عز وجل وحده، قال: هل تدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله)؛ برفع (شهادة) : خبر لمبتدأ محذوف، ويجوز الجرُّ على البدليَّة، (وإقام الصلاة) المفروضة؛ أي: أداؤها، (وإيتاء الزكاة)؛ أي: إعطاؤها، (وصوم رمضان، و) زاد الخامس: أن (تعطوا الخُمُس مِنَ المغنم)، وصرَّح بـ (أن) أحمدُ؛ لكونهم كانوا مجاورين كفَّار مضر وكانوا أهل جهاد وغنائم، فزاد الخامس لذلك، (ونهاهم عن الدُّبَّاء)؛ بضم الدال المهملة وتشديد الموحَّدة والمدِّ: القرع؛ أي: عن الانتباذ بهذه الأشياء، ثم ثبتت الرخصة بما في «مسلم» :«كنت نهيتكم عنِ الانتباذ إلَّا في الأسقية، فانتبذوا في كلِّ وعاءٍ، ولا تشربوا مسكرًا» ، (و) عن (الحَنْتم)؛ بفتح الحاء المهملة وسكون النون: جِرار متخذةٌ من طين، ودم، وشعر، أو مطلية بما يسدُّ الخَرْق، (و) عن (المُزَفَّت)؛ أي: المطليِّ بالزفت، (قال شعبة: ربما)، وفي رواية:(وربما)(قال) أبو جمرة: عن (النَّقِير)؛ بفتح النون وكسر القاف؛ أي: الجذع المنقور، (وربما قال) : عن (المقيَّر)؛ أي: المطليِّ بالقار، وليس المراد أنَّه كان يتردَّد في هاتين اللفظتين؛ ليثبت إحداهما دون الأخرى؛ لأنَّه على هذا التقدير يلزم التَكرار؛ بلِ المراد أنَّه كان جازمًا بذكر الألفاظ الثلاثة الأُوَل، شاكًّا في الرابع؛ وهو النقير، فكان تارة يذكره وتارة لا يذكره، وكان أيضًا شاكًّا في التلفُّظ بالثالث؛ أعني المزفَّت، فكان تارة يقول: المزفت، وتارة يقول: المقيَّر، والدليل عليه: أنَّه جزم بالنقير في الباب السابق، ولم يتردَّد إلَّا في المزفَّت والمقيَّر فقط، كذا قرره في «عمدة القاري» ؛ فليحفظ.
(قال: احفظوه)؛ أي: المذكور، (وأخبروه)؛ بفتح الهمزة وكسر الموحَّدة، وفي رواية: بحذف الضمير، وفي أخرى:(وأخبروا به)(مَن وراءَكم) من قومكم، وتمامه قدَّمناه.
(26)
[باب الرحلة في المسألة النازلة وتعليم أهله]
هذا (باب الرحلة)؛ بكسر الراء؛ أي: الارتحال، وبالضم: جودة الشيء (في المسألة النازلة) بالمرء، (وتعليمِ أهله) بالجرِّ عطفًا على الرحلة، قال في «عمدة القاري» : والصواب حذف هذه الجملة؛ لأنَّه يأتي آخر الباب.
[حديث عقبة: أنه تزوج ابنة لأبي إهاب]
88 -
وبه قال: (حدثنا محمد بن مقاتل) المروزي، وفي رواية:(ابن مقاتل أبو الحسن)(قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي (قال: أخبرنا عُمر بن سعِيد)؛ بضم العين في الأول وكسرها في الثاني (بن أبي حُسَين)؛ بضم الحاء وفتح السين المهملتين؛ مصغرًا، النوفلي المكي (قال: حدثني) بالإفراد (عَبْد الله)؛ بفتح العين وسكون الموحدة (ابن أبي مُليكة)؛ بضم الميم: زهير التيمي القرشي الأحول المكي، ونسبه لجده؛ لشهرته به، وإلَّا فأبوه عُبيد الله؛ بضم العين، (عن عُقْبَة)؛ بضم العين، وسكون القاف، وفتح الموحدة (بن الحارث) بن عامر القرشي المكي، أبو سِروعة؛ بكسر السين المهملة، وحكي فتحها، قال أبو عمران: ابن أبي مليكة لم يسمع من عقبة، وهو سهوٌ؛ لما سيأتي عند المؤلف في (النكاح) : أنَّ ابن أبي مليكة قال: حدثنا عبيد بن أبي مريم عن عقبة بن الحارث قال: وسمعته من عقبة، فهذا صريح في سماعه من عقبة:(أنَّه)؛ أي: عقبة بن الحارث (تزوَّج ابنةً) وللأصيلي: (بنتًا)(لأبي إِهاب بن عَزِيز)؛ بكسر الهمزة، وفتح العين المهملة، وكسر الزاي، وسكون التحتية: ابن قيس بن سويد التيمي الدارمي، واسم ابنته: غَنِيَّة؛ بفتح المعجمة، وكسر النون، وتشديد التحتية، وكنيتها: أم يحيى، (فأتته امرأة) قال في «عمدة القاري» : لم أقف على اسمها، (فقالت: إنِّي أرضعت عقبة) بن الحارث (والتي تزوَّج بها)؛ أي: غَنِيَّة، وفي رواية: بحذف (بها)، (فقال لها عقبة: ما أعلم أنكِ) بكسر الكاف (أرضعتني)، وفي رواية:(أرضعتيني)؛ بزيادة تحتية قبل النون، (ولا أخبرتني) وفي رواية:(ولا أخبرتيني)؛ بزيادة تحتية قبل النون
(1)
، (فركب) عقبة (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حال كونه (بالمدينة)؛ أي: فيها، وكان ركوبه من مكة، (فسأله)؛ أي: سأل عقبة النبيَّ الأعظم عليه السلام عن الحكم، (فقال) وفي رواية:(قال)(رسول الله) وفي رواية: (قال النبيُّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم: كيف) تباشرها (وقد قيل) : إنك أخوها من الرضاعة؟! (ففارقها عقبة) بن الحارث؛ أي: طلقها احتياطًا وورعًا، لا حكمًا بثبوت الرضاع وفساد النكاح؛ لأنَّه ليس قول المرأة الواحدة شهادةً يجوز الحكم بها في أصل من الأصول، وإنَّما يثبت الرضاع بما يثبت به المال؛ وهو شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، وهذا مذهب إمامنا الإمام الأعظم رضي الله عنه.
(ونَكحت) غَنِيَّة بعد فراق عقبة، ومُضِيِّ عِدتها (زوجًا غيره) هو ظُرَيب؛ بضم المعجمة، وفتح الراء، آخره موحدة: ابن الحارث، والله أعلم.
(27)
[باب التناوب في العلم]
هذا (باب التناوب) بالجرِّ؛ للإضافة (في العلم)، والتناوب (تفاعل) من ناب؛ أي: قام مقامي؛ بأن يأخذ هذا مرة ويذكره لهذا، والآخر مرة ويذكره له.
[حديث عمر: كنت أنا وجار لي من الأنصار]
89 -
وبه قال: (حدثنا أبو اليمان) هو الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة؛ بالمهملة والزاي، (عن الزهري) محمد بن مسلم ابن شهاب،
(ح) مهملة للتحويل: (قال أبو عبد الله)؛ أي: المؤلف، وهو ساقط في رواية، (وقال ابن وهب) عبد الله المصري فيما وصله ابن حبَّان في «صحيحه» عن ابن قتيبة، عن حرملة، عن عبد الله بن وهب:(أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي، (عن ابن شهاب) الزهري المذكور في الموصول، فغاير بين اللفظين؛ تنبيهًا على قوَّة محافظته على ما سمعه من شيخه، (عن عبيد الله) بالتصغير (بن عبد الله) بالتكبير (ابن أبي ثور)؛ بالمثلثة، القرشي النوفلي التابعي، (عن عبد الله بن عباس، عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه أنَّه (قال: كنت أنا وجارٌ)؛ بالرفع عطفًا على الضمير المنفصل المرفوع، أعني: أنا، وإنَّما أظهره؛ لصِحَّة العطف حتى لا يلزم عطف الاسم على الفعل، هذا قول البصريين، وعند الكوفيين: يجوز من غير إعادة الضمير، ويجوز فيه النصب على معنى المعية، واسمه: عتبان بن مالك بن عمرو بن العجلان الأنصاري الخزرجي، كذا في «عمدة القاري» ؛ فليحفظ، (لي) جارٌ ومجرور في محل رفع أو نصب صفة لـ (جار)، (مِن) بيانية (الأنصار) جمع ناصر أو نصير، عبارة عن الصحابة الذين آووا ونصروا رسول الله عليه السلام من أهل المدينة، وهو اسم إسلامي سمَّى الله به الأوس والخزرج (في بني) في محل نصب خبر (كان)؛ أي: مستقرِّين، أو نازلين، أو كائنين فيها، وفي رواية:(من بني)(أمية بن زيد)؛ أي: في هذه القبيلة ومواضعهم؛ يعني: في ناحية بني أمية، سُمِّيت البقعة باسم مَن نزلها، (وهي)؛ أي: القبيلة، وفي رواية:(وهو)؛ أي: الموضع (من عوالي) خبر (هي)(المدينة) جمع عالية، وهي عبارة عن قرًى بقرب المدينة من فوقها في جهة الشرق، وأقرب العوالي إلى المدينة على ميلين، أو ثلاثة، أو أربعة، وأبعدها ثمانية، وتمامه في «عمدة القاري» (وكنا نتناوب) جملة محلها النصب خبر كان (النزول) بالنصب مفعوله (على رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل) جملة محلها الرفع خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: جاري (يومًا) بالنصب على الظرفية، (وأنزل يومًا) من العوالي إلى رسول الله عليه السلام؛ لتعلُّم العلم، (فإذا نزلت) أنا؛ (جئته) جواب (فإذا)؛ لما فيها من معنى الشرط (بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره) من الشرائع، (وإذا نزل) جاري؛ (فعل) معي (مثل ذلك) فيأتيني بخبر يومه من الوحي وغيره، (فنزل صاحبي الأنصاريُّ) بالرفع صفة لـ (صاحبي) المرفوع،
(1)
في الأصل: (الفوقية)، ولعل المثبت هو الصواب.
(يوم نوبته)؛ أي: يومًا من أيام نوبته، فسمع أنَّ النبيَّ الأعظم عليه السلام اعتزل نساءه، فرجع إلى العوالي فجاء، (فضرب بابي) فالفاء تسمَّى فاء الفصيحة؛ لأنَّها أفصحت عن شرط مقدر (ضربًا شديدًا، فقال: أثَمَّ هو)؛ بفتح المثلثة وتشديد الميم: اسم يُشار به إلى المكان البعيد، وهو ظرف لا ينصرف، (ففزِعت)؛ بكسر الزاي؛ أي: خِفت لأجل الضرب الشديد؛ لأنَّه كان على خلاف عادته، فـ (الفاء) تعليلية، وللمؤلف في (التفسير) :(قال عمر: كنا نتخوَّف مَلِكًا من ملوك غسان ذُكر لنا أنَّه يريد أن يسير إلينا وقد امتلأت صدورنا منه، فتوهَّمت لعلَّه جاء إلى المدينة، فخفته لذلك)، (فخرجت إليه فقال: قد حدث أمر عظيم) أراد به اعتزاله عليه السلام عن أزواجه الطاهرات، وإنَّما وصفه بالعظمة؛ لكونه مَظِنَّة الطلاق وهو عظيم، لا سيما بالنسبة إلى عمر؛ فإنَّ بنته إحدى زوجاته، وفي أصل الحديث بعد قوله:(أمر عظيم) : (طلق رسول الله عليه السلام نساءه، قلت: قد كنتُ أظنُّ أنَّ هذا كائنٌ حتى إذا صليت الصبح شددتُ عليَّ ثيابي ثم نزلت)، (فدخلت على حفصة) أمِّ المؤمنين، فالداخل أبوها عمر، لا الأنصاري، و (الفاء) تفصيحية أفصحت عن المقدر؛ أي: نزلت من العوالي فجئت إلى المدينة فدخلت على حفصة؛ (فإذا هي تبكي) مبتدأ وخبره، (فقلت) لها:(طلقكُنَّ) وفي رواية: (أطلقكُنَّ)(رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت)؛ أي: حفصة: (لا أدري)؛ أي: لا أعلم، ومفعوله محذوف؛ أي: أنَّه طلق، (ثمَّ دخلتُ على النبيِّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم؛ أي: فخرجت من عندها ودخلت عليه، (فقلت وأنا قائم) : يا رسول الله؛ (أَطلقتَ نساءك؟)؛ بهمزة الاستفهام مفتوحة، (قال) عليه السلام:(لا، فقلت) وللأصيلي: (قلت) : (الله أكبر!) وقع موقع التعجُّب من كون الأنصاري ظنَّ أنَّ اعتزالَه عليه السلام عن نسائه طلاقٌ أو ناشئٌ عنه، فلمَّا رأى عمرُ أنَّ صاحبه لم يصب في ظنِّه؛ تعجَّب منه بلفظ:(الله أكبر).
وإيراد هذا الحديث هنا للتناوب
(1)
في العلم، وفيه: جواز دخول الآباء على البنات بغير إذن أزواجهنَّ، وفيه: أنَّ لطالب العلم أن ينظر في معيشته وما يستعين به، وفيه: قبول خبر الواحد، وفيه: توقيت يوم للعلم ويوم للمعيشة، والله أعلم.
(28)
[باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره]
هذا (باب الغضب) بالإضافة، وهو انفعال يحصُل من غليان الدم لشيءٍ دخل في القلب (في) حالة (الموعظة)؛ أي: الوعظ (و) في حالة (التعليم إذا رأى) الواعظ أو المعلِّم (ما يكره)؛ أي: الذي يكرهه، فحذف العائد.
أراد المؤلف الفرق بين قضاء القاضي وهو غضبان، وبين تعليم العلم أو تذكير الوعظ؛ فإنَّه بالغضب أجدر وخصوصًا بالموعظة، كذا قاله الشيخ الإمام بدر الدين العيني، وتبعه ابن المُنَيِّر والبِرماوي، واعترضه الدَّماميني؛ حيث قال: أمَّا الوعظ؛ فمُسَلَّم، وأمَّا تعليم العلم؛ فلا نُسَلِّم أنَّه أجدر بالغضب؛ لأنَّه ممَّا يدهش الفكر، فقد يفضي التعليم به إلى خلل، والمطلوبُ كمالُ الضبط.
قلت: وهو مردودٌ؛ فإنَّ الغضب يقوِّي القلب ويحسِّنه، ويخرج الجواب منه سريعًا على الصواب، ويتفتَّح الفكر به، ويزول عن العقل جميع العوارض المخلَّة للتعليم، فيصير جوهره مضيئًا بسبب غليان الدم، فيحصل به كمال الضبط، ولا يفضي إلى خلل؛ فليحفظ.
[حديث: أيُّها الناس إنكم منفرون فمن صلى بالناس فليخفف]
90 -
وبه قال: (حدثنا محمد بن كَثير)؛ بفتح الكاف وبالمثلثة، العبْدي؛ بسكون الموحدة، البصري، المتوفى سنة ثلاث وعشرين ومئتين (قال: أخبرنا) ولأبي ذر: (أخبرني)(سفيان) هو الثوري، (عن ابن أبي خالد) : هو إسماعيل البجلي الكوفي الأحمسي التابعي الطحان، (عن قيس بن أبي حازم)؛ بالمهملة والزاي: أبو عبد الله الأحمسي الكوفي البجلي المخضرم، (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو (الأنصاري) الخزرجي البدري أنَّه (قال: قال رجل) قيل: هو حزم بن أبي كعب: (يا رسول الله؛ لا أكاد أدرك الصلاة) قال ابن الحاجب: إذا دخل النفي على (كاد)؛ فهو كالأفعال على الأصح، (مما يطول بنا)(مِن) للتعليل، و (ما) : مصدريَّة، وفي رواية:(ممَّا يطول لنا)، وفي أخرى:(ممَّا يطيل)، فالأُولى من التطويل، وهذه من الإطالة (فلان) فاعله، كناية عن اسم سمَّى به المحدث عنه، ويقال لغير الآدمي: الفلان، بالتعريف، وهو معاذ بن جبل رضي الله عنه، وفي رواية المؤلف عن الفِريابي:(لأتأخَّر عن الصلاة)، وجاء عند المؤلف أيضًا:(إنِّي لأدع الصلاة)، فهاتان الروايتان يُنبئان أنَّ المعنى: أنِّي أتأخَّر عن الصلاة مع الجماعة، ولا أكاد أُدركها لأجل تطويل فلان، (فما رأيت النبيَّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم في موعظة أشدَّ غضبًا) بالنصب على التمييز (من يومئذٍ) وفي رواية:(منه من يومئذٍ)، ولفظ (من) صلة (أشد)، والضمير راجع إليه عليه السلام، فيلزم أن يكون المفضَّل والمفضَّل عليه شيئًا واحدًا، أُجيب: إنَّما جاز ذلك باعتبارين؛ فهو مفضَّل باعتبار يومئذٍ، ومفضَّل عليه باعتبار سائر الأيام، كذا في «عمدة القاري» .
(فقال) عليه السلام: (يا أيها الناس؛ إنَّكم منفِّرون) عن الجماعات، وفي رواية بإسقاط حرف النداء، وفي أخرى:(إنَّ منكم منفِّرين)، وإنَّما خاطب الكلَّ ولم يُعيِّن المطوِّل؛ كرمًا ولطفًا به حتى لا يحصُل له الخجل، وكانت هذه عادته عليه السلام، (فمَن صلَّى بالناس)؛ أي: ملتبسًا بهم إمامًا لهم؛ (فليخفف) جواب (مَن) الشرطيَّة، بأن يقتصر على الفاتحة وسورة من قصار المفصَّل، وهذا أدنى التخفيف، ويزيد على ذلك برضا القوم، (فإنَّ فيهم المريض)(الفاء) للتعليل، و (المريض) منصوب؛ لأنَّه اسم (إنَّ) وما بعده عطف عليه، وخبرها قوله:(فيهم) مقدَّمًا؛ وهو الذي ليس بصحيح، (والضعيف)؛ أي: النحيف أو المسنُّ (وذا) بالنصب؛ أي: صاحب (الحاجة) وفي رواية: (وذو الحاجة) بالرفع: مبتدأٌ خبرُه محذوف، والجملة عطف على الجملة المتقدِّمة، أي: وذو الحاجة كذلك، وإنَّما غضب عليه السلام؛ لأنَّه كره التطويل في الصلاة من أجل أنَّ فيهم المريض ونحوه، فأراد الرِّفق والتيسير بأُمَّتِه، ولم يكن نهُيهه عن التطويل لحرمته؛ لأنَّه كان يصلِّي في مسجده ويقرأ بالطِّوال كـ (يوسف)، وكان يقصر فيقرأ بالفجر المعوذتين لما سمع بكاء الصبي ونحوه.
فالمراد الإرشاد بأن يكون الإمام حكيمًا ينظر في القوم، فإن كان مرادُهم التخفيف؛ خفَّف، وإن كان مرادُهم التطويل؛ طوَّل، وإنَّما اقتصر على هذه الثلاثة؛ لأنَّه متناول لجميع الأنواع المقتضية للتخفيف؛ لأنَّه المقتضى له إما في نفسه أو لا، والأوَّل إمَّا بحسب ذاته وهو الضعيف، أو بحسب العارض وهو المريض، أو لا في نفسه؛ وهو ذو الحاجة.
وفي الحديث جواز التأخير عن صلاة الجماعة الأولى، وذكر الإنسان بفلان، والغضب لأمر منكر، والإنكار على مَن ارتكب منهيًّا، والتعزير على إطالة الصلاة إذا لم يرض القوم.
[حديث: أن النبي سأله رجل عن اللُّقَطَة]
91 -
وبه قال: (حدثنا عبد الله بن محمد) أبو جعفر المسنَدي؛ بفتح النون (قال: حدثنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو العقدي، كما في رواية (قال: حدثنا سليمان بن بلال المديني) وفي رواية: (المدني)، فالأوَّل: منسوب إلى مدينة المنصور، والثاني: إلى مدينة الرسول، ويقال:(مدائني) إلى مدائن كسرى، (عن ربيعة) المشهور بالرأي؛ بالتشديد والتخفيف، منسوب إلى الرأي (بن أبي عبد الرحمن) شيخ مالك الإمام، (عن يزيد) من الزيادة (مولى المنبعث)؛ بالنون، والموحدة، والمهملة، والمثلثة، المدني، (عن زيد بن خالد الجُهَني)؛ بضم الجيم وفتح الهاء وبالنون، نزيل الكوفة المتوفَّى بها، أو المدينة، أو مصر، سنة ثمان وسبعين عن خمس وثمانين، والظاهر الأول، منسوب إلى جهينة، وكنيته: أبو طلحة، أو أبو عبد الرحمن، أو أبو زرعة، وكان معه لواء جهينة يوم الفتح:(أنَّ النبيَّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم سأله رجل) هو عُمير والد مالك، كذا في «عمدة القاري» ، وقيل: بلال المؤذِّن، وقيل غيرهما، وهو بعيد، (عن اللُّقَطة)؛ بضم اللام وفتح القاف وقد تسكن: الشيء الملقوط، (فقال له) عليه السلام، ولكريمة:(قال) : (اعرف)؛ بكسر الهمزة: من المعرفة (وِكاءَها) بالنصب مفعول (اعرف)؛ بكسر الواو ممدودًا: ما يُشَدُّ به رأس الصرَّة والكيس، أو الخيط الذي يُشَدُّ به الوعاء، (أو قال: وِعاءَها)؛ بكسر الواو: الظرف، والشك إمَّا مِن زيد أو ممَّن دونه من الرواة، (وعِفاصَها)؛ بكسر العين المهملة وبالفاء؛ الوعاء الذي يكون فيه النفقة من جلد أو خِرقة أو نحوهما، وهذا دليل على أنَّ لقطةَ الحلِّ والحرم سواءٌ، وهو مذهب الإمام الأعظم والجمهور، خلافًا للشافعي، وإنَّما أمره بذلك؛ ليعرف صدق مدعيها أو كذبه،
(1)
في الأصل: (التناوب)، وليس بصحيح.