الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَا عِندَ الله خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ*وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِالله وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِله لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ الله ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ الله سَرِيعُ الْحِسَابِ*يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواِ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواِ الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 190 - 200]، وتفسير ذلك يطلب من «تفسير أبي السعود» و «الزمخشري» ، والله تعالى أعلم.
(ثم قام) عليه السلام (إلى شِنٍّ)؛ بكسر الشين المعجمة وتشديد النُّون، وهو وعاء الماء إذا كان من أدم فأَخْلَق، وجمعه شِنان؛ بكسر المعجمة، (معلقة)؛ بالجرِّ، صفة (شن)، وقد سبق هذا الحديث في باب (التخفيف)، وذكر فيه مالفظه:(فتوضَّأ من شنٍّ معلَّق وضوءًا خفيفًا)؛ بتذكير وصف: (شن) وتوصيف الوضوء بالخفة، وهنا أنَّث الوصف؛ حيث قال:(معلقة)، وقال:(فتوضأ منها) أي: من الشن، (فأحسن وضوءه) والمراد به: الإتمام والإتيان بجميع مندوباته، فما وجه الجمع بينهما؟ أجاب في «عمدة القاري» حيث قال:(قلت: الشَّنُّ: يذكَّر ويؤنَّث، فالتذكير باعتبار لفظه أو باعتبار الأدم أو الجلد، والتأنيث باعتبار القربة، وإتمام الوضوء لا ينافي التخفيف؛ لأنَّه يجوز أن يكون أتم بجميع مندوباته مع التخفيف، أو هذا كان في وقت، وذاك في وقت) انتهى، فافهم.
(ثم قام يصلي) عليه السلام (قال ابن عباس: فقمت فصنعت مثل ما صنع) : النبي الأعظم عليه [السلام]؛ أي: توضأت نحوًا مما توضأ، كما صرح به في باب (التخفيف)، ويحتمل أن يريد به أعم من ذلك، فيشمل النوم حتى انتصاف الليل، ومسح العينين من النوم، وقراءة العشر الآيات، والقيام إلى الشن، والوضوء، وإحسانه، كذا في «عمدة القاري» .
(ثم ذهبت فقمت إلى جنبه) عليه السلام؛ أي: الأيسر، (فوضع) أي: النبي الأعظم عليه السلام (يده اليمنى على رأسي؛ فأخذ) أي: ثم أخذ (بأُذْني)؛ بضم الهمزة وسكون الذال المعجمة (اليمنى)؛ أي: بعد أن دارني، وجملة قوله:(يفتلها)؛ أي: يدلكها ويعركها حال أو خبر (أخذ)، ولم يكن فتله لأذنه إلا لأجل أنَّه لما وقف بجنبه اليسار؛ أخذ أذنه وعركها وأداره إلى يمينه، وما قاله القسطلاني والعجلوني: من أنَّه لأجل التأنيس له عليه السلام؛ لكون ذلك كان ليلًا؛ فيه نظر؛ لأنَّه عليه السلام لا يستوحش وحده؛ لكونه دائمًا بمراقبة ربه عز وجل، وإذا لم يكن ابن عباس موجودًا عنده؛ بمن كان يستأنس؟! فما قالاه مردود عليهما؛ فافهم.
(فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين)، فلفظ (ركعتين) مكرر ست مرات، فيكون المجموع اثنَتيْ عشرة ركعة، ففيه دليل للإمام أبي يوسف والإمام محمد، وهو رواية عن الإمام الأعظم: أن صلاة الليل مثنى مثنى، (ثم أوتر)؛ أي: بثلاث ركعات لا بواحدة؛ لأنَّه قد ورد: النهي عن البتيراء؛ وهو التنفل بركعة واحدة، وهو حجة على الشافعي، كما سيأتي في محله إن شاء الله تعالى، وهذا تقييد وتفسير للمطلق الذي ذُكٍر في باب (التخفيف) حيث قال هناك:(فصلى ما شاء الله تعالى)، (ثم اضطجع) عليه السلام؛ أي: نام حتى نفخ، كما صرح به في باب (التخفيف) (حتى) أي: إلى أن (أتاه المؤذن)؛ أي: بلال رضي الله عنه؛ أي: فأيقظه وأعلمه بالصلاة، (فقام) عليه السلام (فصلى ركعتين خفيفتين)، وهما سنة الصبح، (ثم خرج)؛ أي: من الحجرة إلى المسجد، (فصلى الصبح)؛ أي: فرضه بأصحابه رضي الله عنهم، ففيه: دليل على استحباب قيام الليل، والصلاة فيه وقراءة الآيات المذكورة بعد الانتباه من النوم، وعلى تخفيف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح مع مراعاة أدائها، وعلى جواز عرك أذن الصغير؛ لأجل التأديب، وعلى استحباب مجيء المؤذن إلى الإمام وإعلامه بإقامة الصلاة، وعلى جواز الاضطجاع عند المَحْرَم وإن كان زوجها عندها، وعلى استحباب إقامة المقتدي على يمين الإمام، وعلى استحباب أداء السنن في البيت والفرائض في المسجد، وقال ابن بطال:(فيه دليل على ردِّ من كره قراءة القرآن على غير طهارة لمن لم يكن جنبًا، وهي الحجة الكافية؛ لأنَّه عليه السلام قرأ العشر الآيات بعد قيامه من النوم قبل الوضوء)، واعترضه الكرماني:(بأنه ليس ذلك حجَّة كافية؛ لأنَّ قلبه عليه السلام لا ينام ولا ينتقض وضوءه به)، وتبعه ابن المنير، ثم قال:(وأمَّا كونه توضأ عقيب ذلك؛ فلعلَّه جدَّد الوضوء، أو أحدث بعد ذلك فتوضأ)، واستحسن ابن حجر كلامه بالنسبة إلى كلام ابن بطال حيث قال:(بعد قيامه من النوم)، ثم قال:(لأنَّه لم يتعين كونه أحدث في النوم، لكن لمَّا عقَّب ذلك بالوضوء؛ كان ظاهرًا في كونه أحدث، أو لا يلزم من كون نومه لا ينقض وضوءه ألَّا يقع منه حدث وهو نائم، نعم؛ إن وقع؛ شعر به، بخلاف غيره، وما ادَّعوه من التجديد وغيره؛ الأصل عدمه) انتهى.
واعترضه في «عمدة القاري» كما هي عادته في بيان ما هو الصواب؛ حيث قال: (قلت: وقوله: «لا يلزم من كون نومه
…
» إلى آخره: غير مسلَّم، وكيف يمنع عدم الملازمة؟! بل يلزم من كون نومه لا ينقض وضوءه ألَّا يقع حدثٌ في حالة النوم؛ لأنَّ هذا من خصائصه عليه السلام، فيلزم من قول هذا القائل ألَّا يفرَّق بين نوم النبي الأعظم عليه السلام ونوم غيره، وهو ممنوع).
وقوله: «وما ادَّعوه من التجديد وغيره؛ الأصل عدمه» قال: (قلت: وهذا عند عدم قيام الدليل على ذلك، وههنا قام الدليل بأنَّ وضوءه عليه السلام لم يكن لأجل الحدث، وهو قوله عليه السلام: «تنام عيناي ولا ينام قلبي»، فحينئذ يكون تجديد وضوئه؛ لأجل طلب زيادة النور حيث قال: «الوضوء على الوضوء نور على نور») انتهى.
قلت: وهو كلام في غاية التحقيق:
إذا قالت حزام فصدِّقوها
…
فإن القول ما قالت حزام
فليحفظ.
واعلم أن مطابقة الحديث للترجمة في قراءة القرآن بعد الحدث؛ لأنَّه عليه السلام قرأ العشر الآيات بعد قيامه من النوم قبل وضوئه، واعترضه في «عمدة القاري» بأنَّه كيف يقال هذا ونومه عليه السلام لا ينقض وضوءه؟!
وزعم ابن حجر تبعًا للسبكي أنَّ مناسبة الحديث للترجمة من جهة أن مضاجعة الأهل في الفراش لا تخلو من الملامسة، واعترضه في «عمدة القاري» بأنَّ هذا بعيد؛ لأنَّا لا نسلِّم ذلك على التحقيق، ولئن سلَّمنا؛ فمراده من الملامسة: اللمس باليد أو الجماع، فإن كان الأول؛ فلا نقض للوضوء أصلًا سيما في حقه عليه السلام؛ لأنَّه قد ثبت عنه عليه السلام أنَّه كان يقبِّل بعض أزواجه ثمَّ يصلي، ولم يتوضأ، كما رواه أبو داود والنَّسائي وغيرهما، وإن كان الثاني؛ فيحتاج إلى الاغتسال، ولم يوجد هذا في هذه القصة، انتهى بزيادة.
وأجاب القسطلاني وتبعه العجلوني عن الأول بأنَّ المذهب الجزم بانتقاض الوضوء بالمس باليد، انتهى.
قلت: أي: في مذهب الشافعي، وهذا ليس بجواب، كما لا يخفى على أولي الألباب؛ لأنَّ المذهب لا يعارض الأحاديث الصحيحة المروية عن النبي الأعظم عليه السلام، ومهما اجتهد الشافعي لا يصل إلى مقام المعارضة للأحاديث، فإن أجابوا بأحاديث تدل [في] ظاهرها على أن المسَّ ينقض الوضوء؛ فأحاديث عدم النقض أصحُّ وأرجح من وجوه شتَّى، على أنَّ أحاديث النقض مثبتة، وعدم النقض نافية، والقاعدة عند المحققين: أن المثبِت مقدَّم على النافي، على أنَّ أحاديث عدم النقض أقوى وطرقها عديدة؛ فهي أولى، على أنَّ الشافعي استدلَّ بالنقض بالآية:{أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43]، وإجماع أهل اللغة -وهو المروي عن جميع الصحابة- أن المراد بالمسِّ: الجماع؛ لأنَّه كناية، كما كنَّى عن قضاء الحاجة: بـ {الغائط} ، فلا دليل يظهر له في ذلك، والله تعالى أعلم وأحكم.
(37)
[باب من لم يتوضأ إلا من الغشي المثقل]
هذا (باب: من لم يتوضأ)؛ أي: من لم يَرَ الوضوء (إلا من الغَشْي)؛ بفتح الغين المعجمة، وسكون الشين المعجمة، آخره ياء، يقال: غشي عليه غشية، وغشية، وغشيانًا، فهو مغشي عليه، والغشي: مرض يعرض من طول التعب والوقوف، وهو ضرب من الإغماء، إلا أنَّه أخف منه، وقد يكون من نحو مرض، وقال صاحب «العين» :(غشي عليه: ذهب عقله)، وفي التنزيل: {كَالَّذِي يُغْشَى
عَلَيْهِ مِنَ المَوْتِ} [الأحزاب: 19]، وقال تعالى:{فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [يس: 9]، وقوله:(المُثقل) : صفة الغشي، وهو بضم الميم، من أثقل يثقل إثقالًا، فهو مثقل؛ بكسر القاف للفاعل، وبفتحها للمفعول.
فإن قلت: كيف يجوز هذا الحصر وللوضوء أسباب أُخَر غير الغَشْي؟
قلت: إنَّما يقع مثل هذا الحصر؛ فالمراد أنه ردُّ لاعتقاد السامع حقيقةً أو ادَّعاءً، فكأن ههنا من يعتقد وجوب الوضوء من الغشي مطلقًا سواء كان مثقلًا أو غير مثقل وأشركهما في الحكم، فالمتكلم حصر على أحد النوعين من الغشي، فأفرده بالحكم مزيلًا للشركة، ومثله من قبيل قصر الأفراد، ومعناه: أنه
(1)
لم يتوضأ إلا من الغَشْي المثقل لا من الغَشْي الغير المثقل، وليس المعنى: من توضَّأ من الغشي المثقل، لا من سبب آخر من أسباب الحدث، أو أنه استثناء مفرَّغ، فلا [بدَّ] من تقدير المستثنى منه مناسبًا له؛ فتقديره: من لم يتوضأ من الغشي إلا من الغشي المثقل، كذا قرره في «عمدة القاري» .
[حديث: ما من شيء كنت لم أره إلا قد رأيته في مقامي هذا]
184 -
وبه قال: (حدثنا إسماعيل)؛ أي: ابن أبي أويس (قال: حدثني)؛ بالإفراد، وفي رواية: بالجمع (مالك)؛ أي: ابن أنس الأصبحي خال إسماعيل المذكور، (عن هِشام بن عُروة)؛ بكسر الهاء، وضم العين المهملة؛ أي: ابن الزبير بن العوَّام -بتشديد الواو- القرشي، (عن امرأته) أي: هشام (فاطمة)؛ أي: بنت المنذر بن العوام، (عن جدتها أسماء) على وزن (حمراء) (بنت أبي بكر)؛ أي: الصديق الأكبر، وزوجة الزبير بن العوام، وفي رواية:(عن جدته)؛ بتذكير الضمير، وكلاهما صحيحان بلا تفاوت في المعنى؛ لأنَّ أسماء جدة لهشام ولفاطمة كليهما؛ لأنَّها أم عروة والد هشام وأم المنذر أبي فاطمة:(أنها) أي: أسماء (قالت: أتيت عائشة)؛ أي: أختها الصديقة (زوج النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم ورضي عنها (حين) ظرف لـ (أتيت)(خَسَفَتِ الشمس)؛ بالبناء للفاعل، وأطلقت على الكسوف خسوفًا، إمَّا حقيقة أو مجازًا، قيل: يقال أيضًا: كسفت، ويقالان للقمر أيضًا، ويقال أيضًا: خُسفا وكُسفا؛ بضم أولهما، وانخسفا وانكسفا، قال ثعلب: والأجود: كسفت الشمس وخسف القمر، وهو ذهاب ضوئهما كله أو بعضه، وقيل: الخسوف في الكل، والكسوف في البعض، وقيل: الخسوف ذهاب لونهما، والكسوف تغيره، (فإذا الناس قيام يُصَلَّون)؛ أي: صلاة الكسوف ركعتين، (وإذا هي)؛ أي: عائشة رضي الله عنها (قائمة تصلي)؛ أي: صلاة الكسوف.
(فقلت) أي: قالت أسماء لعائشة: (ما للناس؟)؛ أي: قائمين يصلون، (فأشارت) أي: عائشة (بيدها نحو السماء)؛ أي: رفعتها تريد إعلامها بذلك، وهو غير مفسد ولا مكروه للصلاة، لكنه ينافي الخشوع، (وقالت)؛ أي: عائشة، وفي رواية:(فقالت)؛ بالفاء: (سبحان الله!)، وقولها ذلك أيضًا غير مفسد ولا مكروه؛ لأنَّه من أعمال الصلاة، وجملة:(فقلت: آية؟)؛ أي: أهي علامة لعذاب الناس؟ من القول، ومقوله من كلام أسماء، (فأشارت)؛ أي: عائشة برأسها كما في الرواية السابقة في كتاب (العلم)(أن)، وفي رواية:(أي)، وهما حرفا تفسير، (نعم) آية للعذاب، قالت أسماء
(2)
: (فقمت)؛ أي: وقفت في الصلاة (حتى) أي: إلى أن (تجلَّاني)؛ بالجيم؛ أي: غطَّاني، (الغَشِيُّ)؛ بفتح الغين المعجمة، وكسر الشين المعجمة، وتشديد التحتية، أو بفتح، فسكون، قال ابن بطال:(الغشي: مرض يَعْرِض من طول التعب والوقوف، وهو ضرب من الإغماء، إلا أنَّه دونه) انتهى، قلت: وقد يكون من نحو مرض الصفراء تصعد إلى رأس الشخص، فمن شدة بخارها وغلظه يحصل ذلك، وفي قوله:(ضرب من الإغماء) مع قوله: (إلا أنه دونه) نوع تدافع؛ فتأمل، ويطلق الغشي على ذهاب العقل، كما قاله صاحب «العين» ، كما سبق.
وفي قولها: (وجعلت أصُبُّ) بضمِّ الصَّاد المهملة (فوق رأسي ماء) كان بقربها؛ إشارةٌ إلى أنَّه لم يكن مثقلًا، وأنَّ حواسها بقيت مُدْرِكة، وإلَّا فالإغماء المستغرق ينقض الوضوء إجماعًا، وكان صبُّها الماء فوق رأسها؛ ليزول عنها الغشي بحركة أو حركتين أو حركات لا تبطل الصلاة، والظَّاهر: أنَّ المراد: أخذ الماء بيدها وبلها ووضعها على رأسها، لا أنَّه تأخذه بإناء وتصبُّه؛ لأنَّ ذلك ممَّا يتلف ثيابها، وهذا فيه منفعة عظيمة لأرباب الصفراء في زوال ألم الرأس منها، ووجه الاستدلال بفعلها: من جهة أنَّها كانت تصلي خلف النبي الأعظم عليه السلام، وكان يرى من خلفه كما يرى من أمامه وهو في الصلاة، ولم يُنْقَل أنَّه أنكر ذلك عليها وأمرها بالوضوء، وفيه تحصل المطابقة للترجمة، كذا قاله الشارحان، وفيه نظر، فإنَّ الذي رآه عليه السلام منها هو صبُّ الماء فوق رأسها، وأمَّا الغشي؛ فإنَّه أمر باطني خفي لا يدرك بالنظر، على أنَّه هي كانت في حجرتها، والنبي عليه السلام يصلي في المسجد، وهو يرى من خلفه من أصحابه لا من في الحجر.
والوجه الصحيح أن يقال: فوجه المطابقة للترجمة في قولها: (حتى تجلاني الغشي)؛ لأنَّه لو كان مثقلًا؛ لكان ينتقض الوضوء منها؛ لأنَّه كالإغماء، والدليل على أنَّه لم يكن مثقلًا أنَّها صبَّت الماء على رأسها؛ ليزول الغشي، وذلك يدلُّ على أنَّ حواسها كانت حاضرة، وهو يدلُّ على عدم انتقاض وضوئها، فأخبرت بذلك النبي الأعظم عليه السلام، فأقرَّها ولم يُنْكِر عليها؛ فليحفظ.
(فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: من الصلاة لا من المسجد وإن جرى [عليه] كثير من الشراح؛ لأنَّه يبعده قوله: (حمد الله وأثنى عليه)
…
إلى آخره؛ لأنَّ ذلك لا يكون إلا عقب الصلاة، وهو في المسجد، وهذا من باب عطف العام على الخاص، (ثم قال) عليه السلام:(ما من شيء) أي: من الأشياء (كنت لم أره إلا قد رأيته)؛ أي: رؤية عين حقيقة، وتقدَّم بيان المراد من (الشيء)، وأنَّه عام أو خاص مع بقية المباحث، وقوله:(في مَقامي هذا)؛ بفتح الميم، حال من فاعل (رأيته)(حتى الجنةَُِ والنارَُِ)؛ برفعهما ونصبهما وجرهما، (ولقد أُوحي)؛ بضم الهمزة، (إليَّ) أي: في هذا المقام (أَنكم تفتنون)؛ بفتح [همزة](أن)؛ لأنَّها مع ما بعدها نائب فاعل (أوحي)؛ أي: تمتحنون وتختبرون (في القبور) وللأصيلي: (في قبوركم)(مثل) فتنة المسيح الدجال (أو قريبًا)؛ بالتنوين، وفي رواية:(قريبَ)؛ بتركه، وفي أخرى بإثبات
(3)
التنوين فيهما (من فتنة) المسيح (الدجال)؛ أي: الكذاب، من الدجل؛ وهو الكذب، والمسيح: بالحاء المهملة، وقيل: هو بالخاء المعجمة؛ فرقًا بينه وبين عيسى عليه السلام.
(قالت فاطمة: لا أدري أي ذلك قالت أسماء)؛ أي: مثل أو قريبًا، و (ذا) : قد يشار بها إلى المثنى، كما هنا، (يُؤتَى أحدكم)؛ أي: يأتيه منكر ونكير، وقيل: مبشر وبشير للمؤمنين، ومنكر ونكير للكافرين، (فيقال له)؛ أي: فيقولان له، أو يقول أحدهما ويسكت الآخر، محتمل، والثاني: أظهر: (ما علمك بهذا الرجل؟)؛ أي: النبي الأعظم عليه السلام، وظاهره: أنَّ السؤال يكون بهذه الجملة، ويحتمل أن يكون بغيرها لكن بكلام عربي، وقيل: إنَّ السؤال يكون بالسرياني، ولكنَّه غريب، (فأما) للتفصيل (المؤمن أو الموقن)؛ أي: بنبوته عليه السلام، قالت فاطمة:(لا أدري أي ذلك) أي: (المؤمن) أو (الموقن)(قالت أسماء) فالمشار إليه المثنى، كما مر، (فيقول)؛ أي: المسؤول في قبره: (هو محمد رسول الله، جاءنا بالبينات)؛ أي: المعجزات الدَّالة على نبوته (والهدى) الموصِل للمراد، (فأجبنا وآمنَّا واتَّبعنا)؛ بحذف الضمير في الأفعال الثلاثة، لكن بعد حذف الجار في (آمنا)؛ لأنَّ الأصل: آمنا به؛ فافهم.
(فيقال: نم)؛ بالنُّون، من النوم؛ أي: فيقول له الملكان أو أحدهما على ما سبق، وللحمُّوي زيادة:(له)(صالحًا)؛ بالنصب، حال من فاعل (نم)؛ أي: فإنَّك موصوف بالصلاح وقد نجوت من العذاب، (فقد علمنا إن كنت لموقنًا)؛ أي: لمصدَّقًا به، وتقدَّم جواز الكسر والفتح في همزة (أن) خلافًا للدماميني حيث أوجب الفتح، (وأما المنافق)؛ أي: الغير المصدِّق بقلبه بنبوته عليه السلام، (أو المرتاب)؛ أي: الشاك، وقوله:(لا أدري أي ذلك) أي: (المنافق) أو (المرتاب)(قالت أسماء) مقول فاطمة بنت المنذر: (فيقول)؛ أي: المسؤول في قبره: (لا أدري) هذا الرجل، بل إني (سمعت الناس يقولون شيئًا، فقلته) على سبيل الموافقة لهم غير مصدِّق به، ففي الحديث: إثبات وجود عذاب القبر، وفيه: ثبوت سنية صلاة الكسوف، وأن الحركات القليلة لا تُبْطِلِ الصلاة، وكثرتها مفوض لرأي
(1)
في الأصل: (أن)، ولعل المثبت هو الصواب.
(2)
(قالت أسماء) جاء في الأصل سابقًا قبل قوله: (نعم).
(3)
في الأصل: (بترك)، ولعل المثبت هو الصواب.