الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: (ابدأْن)؛ بسكون الهمزة، من ابتدأ، أمر لجمع المؤنث (بميامنها)
(1)
: جمع ميمنة؛ وهي الجهة اليمنى، (ومواضع الوضوء منها)؛ ففيه المطابقة للترجمة؛ لأنَّ التقدير: ابدأن بميامنها؛ أي: في تغسيلها، وابدأن بميامن مواضع الوضوء منها؛ بناء على جواز العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار، أو لأنَّ التقدير: ابدأن بميامنها مطلقًا؛ أي: في الغسل والوضوء، وعليه فقوله:(ومواضع) عطف على (ميامنها) فيكنَّ مأمورات بالبداءة بالميامن مطلقًا، وبالبداءة بمواضع الوضوء مطلقًا؛ لشرفها، أو في الوضوء؛ لأنَّه يسن تقديمه على الغسل عند الأئمة الأربعة، وأمَّا ما نقله النووي عن الإمام الأعظم من عدم استحبابه؛ فغير صحيح؛ لأنَّ كتب مذهبه طافحة بالتصريح بالسنيَّة، وقد صرح به الإمام المرغيناني في «الهداية» ، والإمام القدوري في «مختصره» ، وتمامه في «عمدة القاري» .
[حديث عائشة: كان النبي يعجبه التيمن في تنعله]
168 -
وبه قال: (حدثنا حَفص بن عُمر)؛ بفتح الحاء المهملة، وبضم العين المهملة: الخوصي البصري، المتوفى بالبصرة سنة خمس وعشرين ومئتين (قال: حدثنا شعبة) : هو ابن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (أشْعَث)؛ بفتح الهمزة، وسكون الشين المعجمة، وفتح العين المهملة، آخره ثاء مثلثة (بن سليم)؛ بالتصغير، المتوفى سنة خمس وعشرين ومئة (قال: سمعت أبي)؛ أي: سليم المذكور بن الأسود المحاربي؛ بضم الميم، الكوفي أبو الشعثاء، وشهرته بكنيته أكثر من اسمه، المتوفى سنة اثنتين ومئة، (عن مسْروق)؛ بسكون السين المهملة: ابن الأجدع الكوفي أسلم قبل وفاة النبي الأعظم عليه السلام، وأدرك الصدر الأول من الصحابة، وكانت عائشة رضي الله عنها قد تبنَّت مسروقًا فسمى ابنته عائشة، فكني بأبي عائشة، (عن عائشة) : أم المؤمنين رضي الله عنها أنَّها (قالت: كان النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم يُعجبه)؛ بضم التحتية، من الإعجاب، يقال: أعجبني هذا الشيء لحسنه، والعجيب: الأمر الذي يتعجب منه، وبمعناه: استعجبت، والمصدر: العَجَب؛ بفتحتين، وأمَّا العُجْب؛ بضم العين، وسكون الجيم؛ فهو اسم من أعجب فلان بنفسه، فهو معجَب -بفتح الجيم- برأيه وبنفسه، وأمَّا العَجْب؛ بفتح العين، وسكون الجيم، فهو أصل الذنب (التيمُّنُ)؛ بتشديد الميم المضمومة، بالرفع على الفاعلية؛ وهو الأخذ باليمين في الأشياء؛ أي: الابتداء باليمين؛ لأنَّه يحب الفأل الحسن؛ أن أصحاب اليمين أهل الجنة، وزاد المؤلف في (الصلاة) :(ما استطاع)، فنبَّه على المحافظة عليه ما لم يمنع مانع، والتيمن: لفظ مشترك بين الابتداء باليمين وتعاطي الشيء باليمين والتبرُّك، فبيَّن حديث أم عطية أنَّ المراد به الأول، والجملة من الفعل والفاعل محلها النصب على أنَّه خبر (كان) (في تَنَعُّله)؛ أي: في لبسه النعل؛ وهي التي تلبس في المشي، وهي مؤنثة، يقال: نعلت وانتعلت؛ إذا لبست النعل، وانتعلت الخيل؛ بالهمزة، وبه الحديث:(أنَّ غسان تنعل خيلها)، وفي الروايات كلها:(في تَنَعُّله)؛ بفتح الفوقية والنُّون، وتشديد العين، وكذا ذكره الحميدي والحافظ عبد الحق في كتابيهما «الجمع بين الصحيحين» ، وفي رواية مسلم:(في نعله)؛ بالإفراد، وفي بعض الروايات:(نعليه)؛ بالتثنية، قال النووي:(وهما صحيحان، ولم ير في شيء من نسخ بلادنا غير هذين الوجهين)، قلت: الروايات كلها صحيحة؛ فافهم، كذا في «عمدة القاري» ، والجار والمجرور في محل النصب على الحال من الضمير المنصوب في (يعجبه)؛ والتقدير: كان يعجبه التيمن حال كونه لابسًا النعل، ويجوز أن يكون من التيمن؛ أي: يعجبه التيمن حال كون التيمن في تنعله، ويجوز أن يكون ظرفًا لغوًا للتيمن؛ فتأمل.
(و) في (ترجُّله)؛ بتشديد الجيم المضمومة؛ أي: في تمشيطه الشعر؛ وهو تسريحه، وهو أعم من أن يكون في الرأس أو في اللحية، وقال ابن حجر:(أي: ترجيل شعره؛ وهو تسريحه ودهنه)، قال في «المشارق» :(رجَّل شعره؛ إذا مشطه بماء أو دهن؛ ليلين، ويرسل الثائر، ويمد المنقبض) انتهى، لكن في «المغرب» :(رجَّل شعره؛ أرسله بالمرجل؛ وهو المشط، وترجَّل: فعل ذلك بنفسه)، ويقال: شعر رَجَل ورَجِل؛ وهو السبوطة والجعودة، وقد رَجِل رَجَلًا، ورَجَّله هو، ورجُل رَجِل الشعر ورَجَلَ، وجمعهما: أرْجال، ورَجَال، ذكره ابن سيده في «المحكم» ، وذكر نحوه في «الصحاح» ، و «القاموس» ، وغيرها، واللفظ لا يدل على الدهن، فما فسره في «المشارق» وتبعه ابن حجر؛ مبني على العادة النادرة التي لا حكم لها لا اللغة، وكأنهما لم يفرقا بين العادة واللغة، أو هو قول شاذ لبعض أهل اللغة؛ لأنَّ كتب اللغة المشهورة لم تصرح بذلك، وهذا دأب ابن حجر يعتمد على الأقوال الشاذة في اللغة والمذاهب، كما بين ذلك في «كشف الحجاب عن العوام» .
(وفي طُهوره) : زاد أبو داود: (وسواكه)، و (طُهوره)؛ بضم الطاء؛ لأنَّ المراد: وفي طهره، وقال الكرماني: ولا يجوز فتحها هنا، واعترضه في «عمدة القاري» : بأنَّه لا نسلِّم هذا على الإطلاق؛ لأنَّ الخليل، والأصمعي، وأبا حاتم السجستاني، والأزهري، وآخرين قد ذهبوا إلى أن (الطَّهور) بالفتح في الفعل الذي هو المصدر، والماء الذي يتطهر به، وقال صاحب «المطالع» : وحُكِي الضم فيهما، والفرق المذكور ذكره ابن الأنباري عن جماعة من أهل اللغة، فإذا كان كذلك؛ فقول الكرماني:(ولا يجوز فتحها)؛ غير صحيح على الإطلاق، انتهى.
واعتراض صاحب «عمدة القاري» على الكرماني صحيح لا غبار عليه؛ لأنَّ جميع نسخ شرح «الكرماني» هكذا كما علمت، وقال بعضهم: بل في «شرح الكرماني» أنَّه قال: (ولا يجوز فتحها هنا) على ما تقدم من الفرق بينهما على ما هو المشهور، انتهى، قلت: وهذه زيادة من بعض المطلعين على الشرح المذكور لا من أصل المؤلف، وأن أصل الشرح ما ذكره صاحب «عمدة القاري» وهي النسخ المقابلة على أصل المؤلف وعليها خطوط بعض العلماء، فثبت أن هذه الزيادة من غير المؤلف، والاعتراض باق على حاله؛ فليحفظ.
وفي رواية ابن منده: (كان يحب التيامن في الوضوء والانتعال)، وفيه المطابقة للترجمة؛ لأنَّ الطهور يشمل الوضوء، والغسل، والتيمم، والتخفف، فتسحب البداءة بالجهة اليمنى في الغسل، وباليمين في اليدين والرجلين على اليسرى، وفي «سنن أبي داود» عن أبي هريرة مرفوعًا:«إذا توضأتم؛ فابدؤوا بميامنكم» ، وفي أكثر طرقه:(بأيامنكم)، جمع أيمن؛ إذا لبستم وإذا توضأتم، والأمر فيه للاستحباب، فإن قدَّم اليسرى على اليمنى؛ كره تنزيهًا، ووضوءُه صحيح بإجماع أهل السنة.
وروينا عن علي، وأبي هريرة، وابن مسعود رضي الله عنهم أنهم قالوا: لا يُبَالَى بأيٍّ بدأت، وزعم الشيعة أنَّه واجب، وما نقله المرتضى عن الشافعي: من أنَّه واجب؛ فغلط، وكأنَّه قاسه على وجوب الترتيب عنده.
وقد صحَّف العمراني في «البيان» ، والبندنجي في «التجريد» (الشيعة)؛ بالمعجمة بـ (السبعة) من العدد في نسبتهما القول بالوجوب إلى الفقهاء السبعة، فهو بعيد جدًّا وواه، ووهم الرافعي فنقل عن أحمد: أنَّه واجب؛ لأنَّ صاحب «المغني» قال: لا نعلم في عدم الوجوب خلافًا، وأمَّا الأذنان والخدان؛ فلا يستحب التيامن فيها؛ لأنَّ الأذنين تبع للرأس، وهو عضو واحد، والخدين تبع للوجه، وهو عضو واحد، بل يستحب المعية فيهما، كما قدمناه، فإن كان أقطع ونحوه ولا يمكنه مسحهما معًا؛ فيستحب له أن يبدأ بالأذن اليمنى ثم باليسرى، وكذا يستحب أن يبدأ بالخد الأيمن ثم بالأيسر، كذا يستفاد من «السراج الوهاج» كما نقله في «منهل الطلاب» .
وفي الحديث: استحباب البداءة بشق الرأس الأيمن
(1)
(بميامنها) : جاء في الأصل بعد قوله: (من ابتدأ).
في الترجل والغسل والحلق، لا يقال: إنه من باب الإزالة فينبغي أن يبدأ بالأيسر؛ لأنَّا نقول: هو من باب التجمل والتزين.
(و) كذا كان عليه السلام يعجبه التيمن (في شأنه كلِّه) : كذا في رواية أبي الوقت: (وفي)؛ بواو العطف، وهو من عطف العام على الخاص، ولغيره:(في شأنه)؛ بإسقاطها، وهي رواية الأكثرين بحذف العاطف، أو هو بدل اشتمال من الثلاثة قبله، والشرط في بدل الاشتمال أن يكون المبدل منه مشتملًا على الثاني؛ أي: متقاضيًا له بوجه ما، وهنا كذلك، كما لا يخفى، وإذا لم يكن المبدل منه مشتملًا على الثاني؛ يكون بدل الغلط، وقد يقع في الكلام الفصيح قليلًا، فلا ينافي البلاغة، أو هو بدل كلٍّ من كلٍّ، كما نقله ابن حجر عن الطيبي، وعبارته: قوله: (في شأنه) بدل من قوله: (في تنعُّله) بإعادة العامل، وكأنَّه ذكر التنعُّل؛ لتعلقه بالرجل، والترجُّل؛ لتعلقه بالرأس، والطهور؛ لكونه مفتاح العبادة، فكأنه نبه على جميع الأعضاء، فهو كبدل الكلِّ من الكلِّ، ثم قال ابن حجر: قلت: ووقع في رواية مسلم تقديم قوله: (في شأنه كله) على قوله: (في تنعله
…
) إلخ، وعليها شرح الطيبي، واعترضه في «عمدة القاري» : بأن كلام الطيبي ليس هو على رواية المؤلف بل على رواية مسلم، ولفظها:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في شأنه كلِّه؛ في طهوره، وترجُّله، وتنعله)، فقال الطيبي في شرحه لذلك: قوله: (في طهوره، وترجُّله، وتنعله) بدل من قوله: (في شأنه) بإعادة العامل، فكأن ابن حجر لم يفهم مراد الطيبي، ولم يعلم المتن، فظن أن كلام الطيبي في الرواية التي فيها ذكر الشأن متأخرًا كرواية المؤلف هنا، فركب متن عمياء وخبط خبط عشواء؛ فتأمل، وهو بدل كل من بعض؛ كقوله تعالى:{فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا*جَنَّاتِ عَدْنٍ} [مريم: 60 - 61]، وكقول الشاعر:
نضر الله أعظمًا دفنوها
…
بسجستان طلحة الطلحات
أو يقدَّر لفظ: يعجبه التيمن، فتكون الجملة بدلًا من الجملة، أو هو متعلق بـ (يعجبه) لا بـ (التيمن)؛ والتقدير: يعجبه في شأنه كلِّه التيمن في تنعله
…
إلخ؛ أي: لا يترك ذلك في سفر، ولا حضر، ولا في فراغه، واشتغاله، قاله ابن حجر والكرماني، واعترضهما في «عمدة القاري» : بأنَّه يلزم من ذلك أن يكون إعجابه التيمن في هذه الثلاثة مخصوصة في حالاته كلها، وليس كذلك، بل كان يعجبه التيمن في كلِّ الأشياء في جميع الحالات، ألا ترى أنَّه أكَّد الشأن بمؤكِّد، والشأن: بمعنى الحال؛ والمعنى: يعجبه التيمن في جميع حالاته؛ فافهم.
وتأكيد الشأن بقوله: (كلِّه) يدل على العموم، فيدخل فيه نحو لبس الثياب، والسراويل، والخفاف، ودخول المسجد، والصلاة على ميمنة الإمام، وميمنة المسجد، والأكل، والشرب، والاكتحال، وتقليم الأظفار، وقص الشارب، واللحية، ونتف الإبط، وحلق الرأس والعانة، والخروج من الخلاء والحمام، وغير ذلك مما في معناه إلا ما خص بدليل خارجي؛ كدخول الخلاء، والخروج من المسجد، والامتخاط، والاستنجاء، وخلع الثياب، والسراويل، وغير ذلك، وإنَّما استحب فيها التياسر؛ لأنَّه من باب الإزالة، والقاعدة: أنَّ كلَّ ما كان من باب التكريم والتزين؛ فباليمين، وإلا؛ فباليسار، ولا يقال: حلق الرأس من باب الإزالة، فيبدأ فيه بالأيسر؛ لأنَّه من باب التزين، وقد ثبت الابتداء فيه بالأيمن، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
(32)
[باب التماس الوضوء إذا حانت الصلاة]
هذا (باب التماس الوَضوء)؛ بفتح الواو؛ أي: طلب الماء لأجل الوُضوء؛ بالضم (إذا حانت) بالحاء المهملة (الصلاة)؛ أي: قرب وقتها الذي تُفْعَل فيه، يقال: حان الشيء؛ أي: قرب وقته، أو آنت، يقال: حان له أن يفعل كذا؛ أي: آن، وأراد المؤلف بهذه الترجمة الاستدلال على أنَّه لا يجب طلب الماء للتطهير قبل دخول الوقت؛ لأنَّه عليه السلام لم ينكر عليهم التأخير، فدلَّ على الجواز.
(وقالت عائشة) رضي الله عنها، مما أخرجه المؤلف من حديثها في ضياع عقدها في مواضع؛ منها (التيمم) :(حضرت الصبح)؛ أي: صلاتها، والقياس: حضر الصبح؛ لأنَّه مذكر، والتأنيث باعتبار صلاة الصبح، (فالتُمِس)؛ بضم المثناة الفوقية على صيغة المجهول؛ أي: طلب (الماءُ)؛ بالرفع مفعول نائب عن الفاعل، (فلم يوجد) وفي رواية:(فالتمسوا الماءَ-بالجمع والنصب على المفعولية- فلم يجدوه)؛ بالجمع، (فنزل التيمم)؛ أي: فنزلت آية التيمم، وإسناد النزول إلى التيمم مجاز عقلي، كما في «عمدة القاري» ، وتبعه الشراح، فما وقع في «القسطلاني» من قوله:(وإسناد التيمم إلى النزول مجاز عقلي) خطأ ظاهر؛ فليحفظ.
[حديث: رأيت رسول الله وحانت صلاة العصر فالتمس]
169 -
وبه قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف) أي: التِّنِّيسي (قال: أخبرنا مالك)؛ أي: ابن أنس الأصبحي، (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) واسمه زيد بن سهل الأنصاري، (عن أنس بن مالك) خادم النبي الأعظم عليه السلام الأنصاري رضي الله عنه أنَّه (قال: رأيت)؛ أي: بصرت، فلذا اقتصر على مفعول واحد (النبيَّ) الأعظم، وفي رواية:(رسول الله) صلى الله عليه وسلم، وجملة (وحانت)؛ بالمهملة؛ أي: قربت، وفي رواية بإسقاط الواو (صلاة العصر)؛ أي: وقتها: حالية بتقدير (قد) عند البصريين، فالواو للحال، وزاد قتادة:(وهو بالزوراء)، وهو سوق بالمدينة كما يأتي للمؤلف، (فالتمس) أي: طلب (الناس الوَضوء)؛ بفتح الواو: الماء الذي يتوضأ به (فلم يجدوه) وفي رواية: (فلم يجدوا)؛ بدون الضمير المنصوب، وهو من الوجدان بمعنى الإصابة؛ أي: فلم يصيبوا الماء، (فأُتي)؛ بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول، وفي رواية:(فأتوا)، قال في «عمدة القاري» :(والصحيح من الرواية: «فأُتي»؛ بصيغة المجهول) انتهى (رسول الله صلى الله عليه وسلم بوَضوء)؛ بفتح الواو؛ أي: بإناء فيه الماء الذي يتوضأ به، ولا ينافي ما سبق من أنَّهم لم يجدوا ماء؛ لأنَّ المنفيَّ وجوده لهم، أو لأنَّهم طلبوه بعد ذلك فوجدوه له عليه السلام، وقدَّمنا أنَّه كان ذلك في سوق بالمدينة يسمى الزوراء، ورواه ابن المبارك بلفظ:(فجاء رجل بقدح فيه ماء يسير، فصغر أن يبسط النبيُّ عليه السلام فيه كفه، فضم أصابعه)، وروى المهلب:(أنَّه كان مقدار وَضوء رجل واحد)، ورواه المؤلف في باب (الغسل في المخضب) بلفظ:(فأُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخضب فيه ماء، فصغر أن يبسط فيه كفه)، (فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الإناء يده)؛ بالنصب على المفعولية؛ أي: يده اليمنى بعد أن ضمَّ أصابعه؛ لصغر الإناء كما سبق، والإشارة إلى الإناء المعبر عنه بالوَضوء بالفتح؛ لأنَّ الماء لا بدَّ له من إناء؛ فافهم.
(وأمر) النبي الأعظم عليه السلام (الناس أن)؛ أي: بأن (يتوضؤوا) فـ (أن) مصدرية؛ أي: بالتوضؤ (منه)؛ أي: من ذلك الإناء، فضمير (يتوضؤوا) يعود على (الناس)، وكانوا خمس عشرة مئة، وفي بعض الروايات: ثمان مئة، وفي بعضها: زهاء ثلاث مئة، وفي بعضها: ثمانين، وفي بعضها: سبعين، (قال)؛ أي: أنس كما صرح به في رواية: (فرأيت) أي: أبصرت (الماء)، وجملة (يَنبع)؛ بفتح التحتية، وتثليث الموحدة؛ أي: يخرج، محلها نصب على الحال، وقد علم أنَّ الجملة الفعلية إذا وقعت حالًا؛ تأتي بلا واو إذا كان فعلها مضارعًا، وإنما لا يجوز أن تكون الجملة مفعولًا ثانيًا لـ (رأيت)؛ لأنَّ (رأيت) هنا بمعنى أبصرت، فلا تقتضي إلَّا مفعولًا واحدًا كما سبق نظيره؛ فافهم، (من تحت) وفي رواية:(ينفجر من أصابعه كأمثال العيون)، وفي رواية:(يفور من بين)(أصابعه) عليه السلام كلها كما يفيده الإطلاق، لكن في رواية:(سكب ماء ركوة، ووضع إصبعه وبسطها، وغمسها في الماء)، فهي تدل على أن النبع كان من إصبع واحدة، وقد يقال: أطلق البعض وأراد الكل لاستلزام وضع