الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلان) أي: لأبي شاه، وفيه دليل على أنَّه عليه السلام لم يكتب بيده الشريفة، وهو قول الجمهور؛ لأنَّه أبلغ في المعجزة على الكفار، وفيه: دليل على جواز تسمية فلان لمن كان اسمه غيره وندائه وخطابه به، فيقال لمن اسمه حسن مثلًا: ياشيخ فلان أو يا أبا
(1)
فلان وغيرذلك؛ فليحفظ.
(فقال رجل من قُريش)؛ بضم القاف مشتق من القرش؛ دابة في البحر، وهو العباس بن عبد المطلب عمُّ النبيِّ الأعظم عليه السلام: قل يا رسول الله: لا يختلى شوكها، ولا يعضد شجرها (إلا الإذْخِر)؛ بكسر الهمزة، وإسكان الذال، وكسر الخاء المعجمتين: نبت معروف طيب الرائحة (يا رسول الله) فهو استثناء منصوب على الاستثناء، ويجوز فيه البدل مما قبله؛ لكونه واقعًا بعد النفي، كما في «عمدة القاري» ؛ (فإنا نجعله في بيوتنا) للسقف فوق الخشب، أو يخلط بالطين؛ لئلَّا ينشق إذا بني به (وقبورنا) نسدُّ به فرج اللَّحد المتخللة بين اللبنات، (فقال النبيُّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم بوحي أوحي إليه في الحال أو قبل ذلك أو أنه إن طلب منه أحد استثناء شيء منه؛ فاستثنى:(إلا الإذخر) وللأصيلي: (إلا الإذخر) مرتين، فتكون الثانية تأكيدًا للأولى، وزاد في رواية هنا وهي:(قال أبو عبد الله) أي: المؤلف (يقال: يقاد؛ بالقاف، فقيل لأبي عبد الله: أي شيء كتب له؟ فقال: كتب له هذه الخطبة) وهي ثابتة في «مسلم» ، قال الوليد-يعني: ابن مسلم راوي الحديث-: قلت للأوزاعي: ما قوله: اكتبوا لي يا رسول الله؟ قال: هذه الخطبة التي سمعها من النبيِّ عليه السلام.
وفي الحديث: دليل على استحباب قيام الخطيب على موضع عال حال الخطبة.
وفيه: دلالة أيضًا واضحة على أن مكة فتحت عنوة وأن التسليط الذي وقع للنبيِّ الأعظم عليه السلام مقابل بالحبس الذي وقع لأصحاب الفيل، وهو الحبس على القتال، وهو قول الإمام الأعظم، وأصحابه، والجمهور، خلافًا للشافعي، واستدل الأصوليُّون بالحديث على أن النبيَّ الأعظم عليه السلام كان متعبدًا باجتهاده فيما لا نصَّ فيه، قالوا: وهو الأصح، وبه قال الإمام أبو يوسف قاضي القضاة، والشافعي، وأحمد، ومنعه بعضهم وقالوا: إنه بالوحي.
[حديث: ما من أصحاب النبي أحد أكثر حديثًا عنه مني]
113 -
وبه قال: (حدثنا علي بن عبد الله) : ابن المديني (قال: حدثنا سفيان) : هو ابن عيينة (قال: حدثنا عمرو) : ابن دينار أبو محمد، المكي الجمحي أحد الأئمة المجتهدين، المتوفى سنة ست وعشرين ومئة (قال: أخبرني) بالإفراد (وهب بن مُنَبِّه)؛ بضم الميم، وفتح النون، وكسر الموحدة المشددة، ابن كامل الصنعاني الأبناوي الذماري، المتوفى سنة أربع عشرة ومئة، (عن أخيه) : همام بن منبه أبو عقبة، وكان أكبر من وهب المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومئة (قال سمعت أبا هريرة) : عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه؛ أي: كلامه حال كونه (يقول ما) للنفي؛ (من) : ابتدائية (أصحاب النبيِّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم أحدٌ)؛ بالرفع اسم (ما) النافية (أكثرَ)؛ بالنصب خبرها، وروي بالرفع صفة لـ (أحد)، والأوجه: الأول، قاله في «عمدة القاري» (حديثًا)؛ بالنصب على التمييز، (عنه) عليه السلام (مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو)؛ أي: ابن العاصي رضي الله عنهما، (فإنه كان يكتب و) أنا (لا أكتب)؛ أي: لكن الذي كان من عبد الله بن عمرو وهو الكتابة لم يكن مني، والخبر محذوف بقرينة باقي الكلام سواء لزم منه كونه أكثر حديثًا لما تقتضيه العادة من أن الشخصين إذا لازما شيخًا مثلًا وسمعا منه الأحاديث؛ يكون الكاتب أكثر حديثًا من غيره، فالاستثناء منقطع، ويجوز أن يكون متصلًا نظرًا إلى المعنى؛ لأنَّ (حديثًا) وقع تمييزًا، والتمييز كالمحكوم عليه، فكأنه قال: ما أحد حديثه أكثر من حديثي إلا أحاديث حصلت من عبد الله بن عمرو، وإنما قلَّت الرواية عنه مع كثرة ما حمل عن النبيِّ الأعظم عليه السلام؛ لأنَّه سكن مصر وكان الواردون إليها قليلًا بخلاف أبي هريرة؛ فإنَّه سكن المدينة وهي مقصد المسلمين من كل جهة.
وقيل: كان السبب في كثرة حديث أبي هريرة دعاء النبيِّ الأعظم عليه السلام له بعدم النسيان، والسبب في قلة حديث عبد الله بن عمرو أنه كان قد ظفر بحمل جمل من كتب أهل الكتاب، وكان ينظر فيها ويحدِّث منها؛ فتَجنَّب الأخذ عنه كثير من التابعين.
قال المؤلف: روى عن أبي هريرة نحو من ثمان مئة رجل، وروى عن رسول الله عليه السلام خمسة آلاف وثلاثمئة حديث، ووجد لعبد الله بن عمرو سبع مئة حديث اتفقا على سبعة عشر، وانفرد المؤلف بمئة، ومسلم بعشرين.
(تابعه) أي: تابع وهب بن منبه في روايته لهذا الحديث عن همام (مَعمَر)؛ بفتح الميمين، ابن راشد، (عن همام) : ابن منبه، (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وأخرج هذه المتابعة عبد الرزاق عن معمر، وأخرجها أبو بكر المروزي، وما قاله الكرماني ردَّه في «عمدة القاري» .
[حديث: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده]
114 -
وبه قال: (حدثنا يحيى بن سليمان) : ابن يحيى بن سعيد الجعفي الكوفي، أبو سعيد، سكن مصر ومات بها سنة سبع أو ثمان وثلاثين ومئتين (قال حدثني) بالإفراد، (ابن وهب) : عبد الله المصري (قال: أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي، (عن أبي شهاب) : محمد بن مسلم الزهري، (عن عبيد الله) بالتصغير (بن عبد الله)؛ بالتكبير، ابن عُتبة-بضم العين-ابن مسعود، أبو عبد الله أحد الفقهاء السبعة.
(عن ابن عباس) : عبد الله رضي الله عنهما (قال: لما) : ظرف بمعنى: حين (اشتد) أي: قوي (بالنبيِّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم وجعه)؛ بالرفع فاعل (اشتد)؛ أي: في مرض موته، وللمؤلف أن ذلك كان يوم الخميس وهو قبل وفاته بأربعة أيام، (قال) : جواب (لما) : (ائتوني) : مقول القول (بكتاب) فيه حذف؛ لأنَّ الظاهر: أن يقال: ائتوني بما يكتب به الشيء؛ كالدواة والقلم، والكتاب بمعنى: الكتابة، والتقدير: ائتوني بأدوات الكتابة، أو يكون أراد بالكتاب ما من شأنه أن يكتب فيه نحو: الكاغد والكتف، وقد صرَّح مسلم بالتقدير المذكور والمراد بالكتف: عظمه؛ لأنَّهم كانوا يكتبون فيه؛ (أكتبْ لكم) : مجزوم؛ لأنَّه جواب الأمر، ويجوز الرفع على الاستئناف (كتابًا) بالنصب على المفعولية؛ أي: أمرنا بالكتابة، نحو: كسا الخليفة الكعبة؛ أي: أمر بالكسوة، ويحتمل أن يكون على حقيقته، وقد ثبت أنه عليه السلام كتب بيده، ولكن في «مسند أحمد» من حديث على أنه المأمور بذلك، ولفظه: أمرني النبيُّ الأعظم عليه السلام أن آتيه بطبق؛ أي: كتف يكتب ما لا تضل أمته بعده.
قلت: وفيه إشارة للرد على الروافض والشيعة؛ حيث كان المأمور عليًّا بالكتابة.
(لا تضلوا) وفي رواية: (لن تَضِلوا)؛ بفتح أوله وكسر الضاد المعجمة، من الضلالة ضد: الرشاد، وعلى الرواية الأولى: نفي وليس بنهي، وحذفت منه النون؛ لأنَّه بدل من جواب الأمر (بعده)؛ بالنصب على الظرفية، يحتمل أنه أراد أن ينص على الإمامة بعده فترتفع تلك الفتن؛ كحرب الجمل وصفين، أو أراد أن يبيِّن كتابًا فيه مهمات الأحكام؛ ليحصل الاتفاق على المنصوص عليه، ثم ظهر له عليه السلام أن المصلحة تركه أو أوحيإليه به، ويدل للأول: أنه عليه السلام قال في أوائل مرضه عند عائشة: «ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابًا، فإني أخاف أن يتمنَّى متمنٍّ ويقول قائل، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر» ، أخرجه مسلم، وللمؤلف معناه، ومع ذلك فلم يكتب.
(قال عمر) : ابن الخطاب لمن كان حاضرًا من الصحابة: (إنَّ النبيَّ) الأعظم، وفي رواية:(رسول الله) صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع) : مقول قول عمر، جملة من الفعل، والمفعول والفاعل محلها رفع خبر (إن)، (و) الحال (عندنا) خبر مقدم (كتاب الله) : مبتدأ مؤخر مضاف للجلالة؛ أي: القرآن (حسبنا) خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: هو حسبنا؛ أي: كافينا؛ فهو تبيان لكل شيء، فقصد عمر رضي الله عنه التخفيف على النبيِّ الأعظم عليه السلام حين غلبه الوجع، ولو كان مراده عليه السلام أن يكتب ما لا يستغنون عنه لم يتركهم لاختلافهم، أو خشي أن يكتب أمورًا يعجزونعنها؛ فيستحقون
(2)
العقوبة عليها؛ لأنَّها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها، أو خشي أن يكتب مما لا عزيمة له فيه؛ فيجد المنافقون بذلك سبيلًا إلى الكلام في الدين، وقد كانت الصحابة تراجعه في بعض الأمور؛ كما في يوم الحديبية والصلح بينه وبين قريش، فإذا أمر بالشيء أمر عزيمة؛ فلا يراجعه أحد.
وأكثر العلماء على أنه يجوز عليه الخطأ فيما لم ينزل عليه فيه الوحي، وأجمعوا
(1)
في الأصل: (أبو)، وليس بصحيح.
(2)
في الأصل: (يعجزوا عنها فيستحقوا)، وليس بصحيح.
على أنه لا يقر عليه، ومعلوم أنه عليه السلام درجته فوق الخلق؛ فلم ينزه عن العوارض البشرية فقد سها في الصلاة؛ فلا ينكر أن يظن به حدوث بعض هذه الأمور في مرضه؛ فيتوقف في هذه الحالة حتى يتبين حقيقته؛ فلهذا توقف عمر في ذلك وتركه عليه السلام ولم ينكر عليه، وهو دليل على استصوابه، فالأمر في (ائتوني) وإن كان حق المأمور أن يبادر للامتثال، لكن ظهر لعمر مع طائفة أنه ليس للوجوب، وأنه من باب الإرشاد إلى الصلح، فكرهوا أن يكلِّفوه من ذلك ما يشقُّ عليه في تلك الحالة مع استحضارهم قوله تعالى:{مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [الأنعام: 38]، ولهذا قال عمر:(حسبنا كتاب الله).
(فاختلفوا)؛ أي: الصحابة في ذلك وظهر لطائفة أخرى أن الأولى: أن يكتب لما فيه من امتثال أمره وما يتضمَّنه من زيادة الإيضاح، (وكثُر)؛ بضم المثلثة، (اللَّغط)؛ بتحريك اللام والغين المعجمة، الصوت والجلبة، فاختلفوا والحال أنهم قد كثر لغطهم بسبب ذلك فلما رأى عليه السلام ذلك؛ (قال)، وفي رواية:(فقال)؛ بفاء العطف، وفي أخرى:(وقال)؛ بواوه: (قوموا عني)؛ أي: قوموا متبعدين عن جهتي، (ولا ينبغي) لا يطلب، (عندي التنازعُ)؛ بالرفع فاعل (ينبغي)؛ أي: الاختلاف والتجادل، وهو دليل على أن أمره الأول كان على الاختيار وأن ما اختاره عمر صوابًا، ولهذا عاش عليه السلام بعد ذلك أيامًا، ولم يعاود أمرهم بذلك، ولو كان واجبًا؛ لم يتركه؛ لاختلافهم؛ لأنَّه لم يترك التكليف؛ لمخالفة من خالف؛ فليحفظ.
(فخرج ابن عباس يقول) ظاهره: أن ابن عباس كان معهم، وأنه في تلك الحالة خرج قائلًا هذه المقالة، وليس كذلك؛ بل قول ابن عباس إنَّما كان تقوله عندما تحدث بهذا الحديث لما عند المؤلف في (الاعتصام)، قال عبيد الله: فكان ابن عباس يقول وكذا لأحمد ولأبي نعيم، قال عبيد الله: فسمعت ابن عباس يقول، ووجه رواية حديث الباب أن ابن عباس لما حدث عبيد الله بهذا الحديث؛ خرج من المكان الذي كان فيه وهو يقول، وإنما تعين حمله على غير ظاهره؛ لأنَّ عبيد الله تابعي من الطبقة الثانية لم يدرك القصة في وقتها؛ لأنَّه ولد بعد النبي الأعظم عليه السلام بمدة طويلة ثم سمعها من ابن عباس بعد ذلك بمدة أخرى.
(إن الرَّزِيَّئة)؛ بفتح الراء، وكسر الزاي، بعدها تحتية ثم همزة، وقد تسهل الهمزة وتشديد الياء التحتية ومعناها: المصيبة، (كل الرزيئة)؛ بالنصب على النيابة عن المصدر، ومثل هذا يعد من المفاعيل المطلقة أو على التأكيد.
(ما) : موصولة؛ بمعنى: الذي، (حالُ) : صلتها محله الرفع خبر (إن) حجز؛ أي: صار حاجزًا، (بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كتابه)؛ فكان ابن عباس من الطائفة التي ظهر لها أن يكتب؛ لما فيه من الامتثال وزيادة الإيضاح.
وفيه: دليل على أن عمر أفقه من ابن عباس؛ حيث اكتفى بالقرآن.
وفيه: دليل على إباحة الاجتهاد؛ لأنَّه وكَّلهم إلى أنفسهم.
وفيه: بطلان ما زعمه الشيعة من وصاية النبي الأعظم عليه السلام بالإمامة؛ لأنَّه لو كان عند علي عهد من النبي عليه السلام؛ لأحال عليها.
وفيه: دلالة على أن للإمام أن يوصي عند موته بما يراه نظرًا للأمة وكذا غيره.
وفيه: دلالة على جواز كتابة الحديث، ويعارضه ما في مسلم مرفوعًا:«لا تكتبوا عني شيئًا غير القرآن» .
وأجيب: بأن النهي خاص بوقت نزول القرآن؛ خشية التِبَاسهِ بغيره والإذن في غير ذلك، أو الإذن ناسخ؛ للنهي عند الأمن من الالتباس، أو النهي خاص بمن خشي منه الاتكال على الكتاب دون الحفظ، والإذن لمن أمن منه ذلك.
وكره جماعة من الصحابة والتابعين كتابة الحديث، واستحبُّوا أن يؤخذ عنهم حفظًا كما أخذوا حفظًا، لكن لما قصرت الهمم وخشي الضياع؛ دونوه، وأول من دوَّن الحديث: ابن شهاب الزهري على رأس المئة بأمر عمر بن عبد العزيز، وأوَّل من دوَّن الفقه ورتبه: إمامنا رأس المجتهدين الإمام الأعظم التابعي الجليل، ولما رآه مالك؛ شرع في «الموطأ» ودوَّنه ورتَّبه، وتبعه بعد ذلك المحدثون والفقهاء وغيرهم، ففضله عامٌّ على الجميع، وإنما يعرف الفضل من الناس ذووه، والله تعالى أعلم، وأستغفر الله العظيم رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وجعل الجنة مسكنه ومأواه.
(40)
[باب العلم والعظة بالليل]
هذا (باب) تعليم (العلم والعِظة)؛ بكسر العين؛ أي: الوعظ، وفي بعض النسخ:(واليقظة) وهو أنسب للترجمة كما قاله في «عمدة القاري» ، (بالليل)؛ ليدل على الاجتهاد وشدة التحصيل.
[حديث: سبحان الله ماذا أنزل الليلة من الفتن وماذا فتح من الخزائن]
115 -
وبه قال: (حدثنا صدقة) : ابن الفضل المروزي، أبو الفضل المنفرد بالإخراج عنه المؤلف عن الستة، المتوفى سنة ثلاث أو ست وعشرين ومئتين، (قال: أخبرنا ابن عُيينة)؛ بضم العين: سفيان، (عن مَعْمَر)؛ بفتح الميمين بينهما مهملة ساكنة، ابن راشد، (عن الزهري) : محمد بن مسلم، (عن هند) بنت الحارث الفِرَاسية؛ بكسر الفاء وبالسين المهملة، ويقال:(القُرشِية)؛ بضم القاف وكسر الشين المعجمة، زوجة معبد بن المقداد، وفي رواية:(عن امرأة)، فالزهري تارة سمَّاها باسمها، وتارة أبهمها.
(عن أم سَلَمَة)؛ بفتح اللام والسين المهملة، هند أو رملة زوج النبي الأعظم عليه السلام، بنت أبي أمية حذيفة، أو ابنة سهيل بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، كانت عند أبي سلمة فتوفى عنها، فتزوجها النبي الأعظم عليه السلام في شوال سنة أربع، وتوفيت سنة تسع وخمسين في خلافة يزيد بن معاوية، وولايته كانت في رجب سنة ستين، وتوفي سنة أربع وستين في ربيع، وكان لها حين توفيت أربع وثمانون سنة، وصلى عليها أبو هريرة في الأصحِّ، ودفنت بالبقيع اتفاقًا.
(وعمروٍ) : هو ابن دينار؛ بالجر عطفًا على معمر، يعني ابن عيينة، يروي عن معمر بن راشد وعن عمرو بن دينار، (و) عن (يحيى بن سعيد) الأنصاري، ومن زعم أنه يحيى بن سعيد القطان؛ فقد أخطأ؛ لأنَّه لم يسمع من الزهري ولا لقيه، فهؤلاء الثلاثة يروون (عن) ابن شهاب (الزهري)، ويجوز في (عمرو) الرفع؛ كما في رواية على أن يكون استئنافًا، وعادة ابن عيينة يحدث بحذف صيغة الأداة، و (يحيى) يجوز فيه الجر والرفع عطفًا على (عمرو).
(عن هند)، وفي رواية:(عن امرأة)؛ كما مر، (عن أم سلمة) رضي الله عنها أنها (قالت: استيقظ)؛ بمعنى: تيقظ، فالسين ليست للطلب هنا، ومعناه: انتبه من النوم، (النبي) الأعظم، وفي رواية:(رسول الله)، صلى الله عليه وسلم ذات ليلة)؛ أي: في ليلة، ولفظة (ذات) مقحمة للتأكيد، قال الفاضل جار الله الزمخشري: هو من إضافة المسمى إلى اسمه، وكان عليه السلام في بيت أم سلمة؛ لأنَّها كانت ليلتها، وتمام تحقيقه في «عمدة القاري» ؛ فليحفظ.
(فقال) : عطف على (استيقظ)، (سبحان الله) : مقول القول، و (سبحان) علم للتسبيح، وانتصابه على المصدرية، والتسبيح لغة: التنزيه؛ أي: أنزِّه الله تنزيهًا عما لا يليق به، واستعماله هنا للتعجب؛ لأنَّ العرب قد تستعمله في مقام التعجب.
(ماذا) فيه أوجه؛ لأنَّه إما أن تكون (ما) استفهامًا و (ذا) إشارة نحو: ماذا الوقوف.
أو تكون (ما) استفهامًا و (ذا) موصولة؛ بمعنى: الذي.
أو تكون (ماذا) بتمامها استفهامًا.
أو تكون (ما) نكرة موصوفة؛ بمعنى: شيء.
أو تكون (ما) زائدة و (ذا) للإشارة.
أو تكون (ما) استفهامًا و (ذا) زائدة، كما أوضحه في «عمدة القاري» .
(أُنزل)؛ بضم الهمزة على صيغة المجهول، وفي رواية:(أنزل الله)، (الليلةَ)؛ بالنصب على الظرفية للإنزال، والإنزال لغة: الإيواء، كما يقال: أنزل الجيش بالبلد، أو تحريك الشيء من علو إلى سفل، والمعنيان لا يتحقَّقان في أنزل الله؛ فهو مستعمل في معنى مجازي؛ بمعنى: أعلم الله الملائكة بالأمر المقدر، وكذا المعنى في أنزل الله القرآن، فمن قال: إن القرآن معنى قائم بذات الله تعالى فإنزاله: أن يوجد الكلمات والحروف الدالة على ذلك المعنى، ويثبتها في اللوح المحفوظ، ومن قال: إن القرآن هو الألفاظ؛ فإنزاله مجرَّد إثباته في اللوح المحفوظ؛ لأنَّ الإنزال إنَّما يكون بعد الوجود، والمراد بإنزال الكتب السماوية: أن يتلقاها الملك من الله تلقيًا روحانيًا، أو يحفظها من اللوح المحفوظ وينزل بها فيلقيها على الأنبياء عليه السلام، وكان عليه السلام أوحي إليه في يومه ذاك بما سيقع بعده.
(من الفتن) فعبَّر عنه بالإنزال، (وماذا) فيه الأوجه المارة، (فُتح من الخزائن)؛ بضم الفاء، عبَّر عن العذاب بـ (الفتن)؛ لأنَّها أسبابه، وعن الرحمة بـ (الخزائن)؛ لقوله تعالى:{خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ} [ص: 9]، يعني: أن النبي الأعظم عليه السلام رأى في تلك الليلة المنام،