الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي: نغسل غسلًا خفيفًا للاستعجال، (فنادى) عليه السلام حين رآنا (بأعلى صوته: ويلٌ) بالرفع على الابتداء: كلمة عذاب أو وادٍ في جهنم (للأعقاب من النار)؛ أي: لأصحابها المقصِّرين في غسلها (مرتين أو ثلاثًا) شك من الراوي، وتقدم في باب (من رفع صوته بالعلم)؛ فليحفظ.
(31)
[باب تعليم الرجل أمته وأهله]
هذا (باب تعليم الرجل أمته وأهله) من عطف العام على الخاص؛ لأنَّ أمة الرجل من أهل بيته وخصَّها بالذكر؛ لأنَّها على الجهل المحض.
[حديث: ثلاثة لهم أجران رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه]
97 -
وبه قال: (أخبرنا) وفي رواية: (حدثنا)(محمد) هو ابن سلام، كما في رواية، بتخفيف اللام، وفي رواية: إسقاط (هو)، وفي أخرى:(حدثني محمد بن سلام)(قال: حدثنا) وفي رواية: (أخبرنا)(المُحارِبيُّ)؛ بضم الميم والمهملة وكسر الراء: عبد الرحمن بن محمد بن زياد، الكوفي، المتوفى سنة خمس وتسعين ومئة (قال: حدثنا صالح ابن حَيَّان)؛ بفتح المهملة وتشديد التحتية، ونسبه لجدِّه الأعلى؛ لشهرته به، وإلَّا؛ فهو صالح بن صالح بن مسلم بن حيان، ولقبه حيٌّ، الهمداني الكوفي، المتوفى سنة ثلاث وخمسين ومئة (قال)؛ أي: صالح: (قال عامر) بن شراحيل (الشَّعْبي)؛ بفتح المعجمة وإسكان المهملة وبالموحدة: (حدثني) بالإفراد (أبو بُردة)؛ بضم الموحدة، عامر الأشعري قاضي الكوفة، (عن أبيه) هو أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري (قال) أبو موسى:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثةٌ) مبتدأ؛ أي: ثلاثة رجال أو رجال ثلاثة (لهم) مبتدأ (أجران) خبر، والجملة خبر الأول؛ (رجل) خبر لمبتدأ محذوف تقديره: أولهم أو الأول رجل وكذا امرأة (من أهل الكتاب) صفة (رجل)، (أل) فيه للعهد؛ أي: التوراة والإنجيل، أو الإنجيل، قال تعالى:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ} إلى قوله: {أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ} [القصص: 52 - 54]، فالآية: موافقة لهذا الحديث وهي نزلت في طائفة آمنوا منهم؛ كعبد الله بن سلام وغيره حال كونه قد (آمن بنبيه) موسى أو عيسى عليهما [السلام]، (وآمن بمحمد) النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم؛ أي: أنهم بقوا على ما بعث به نبيهم من غير تبديل ولا تحريف حتى بُعِث نبينا عليه السلام، فآمنوا به أو الأمر على عمومه؛ أي: وإن كانوا محرِّفين مبدِّلين؛ لأنَّه عليه السلام كتب إلى هرقل: «أسلم؛ يؤتك الله أجرك مرتين» ، وهو: كان ممن دخل في النصرانية بعد التبديل، وببعثته عليه السلام انقطعت دعوة عيسى عليه السلام، فدخل جميع الكفار أهل الكتاب وغيرهم تحت دعوة النبيِّ الأعظم عليه السلام، سواء بلغتهم الدعوة أو لا، ولهذا يقال لهم: أهل الدعوة، وأما من لم تبلغه الدعوة؛ فلا تطلق عليهم بالفعل، وأما بالقوَّة؛ فليسوا خارجين عنها، فهذا مختص بمن آمن منهم في عهد البعثة غير شامل لمن آمن منهم في زماننا؛ لأنَّ عيسى عليه السلام ليس نبيهم بعد البعثة؛ بل نبيهم النبيُّ الأعظم عليه السلام، فلا يحصل لهم به
(1)
إلَّا أجر واحد، وأما الآخران؛ فهو باق إلى يوم القيامة، وتمام تحقيقه في «عمدة القاري» .
(و) الثاني (العبد المملوك)؛ أي: جنسه: وإنما وصفه بالمملوك؛ لأنَّ كل الناس عباد الله، فأراد تمييزه بكونه مملوكًا للناس، (إذا أدى حقَّ)؛ بالنصب: مفعول (أدى)(الله تعالى)؛ أي: امتثل أوامره ففعلها، واجتنب نواهيه فتركها، (و) أدى (حق مواليْه)؛ بإسكان التحتية، جمع مولى، وإنما جمعه؛ لأنَّه لما كان المراد من العبد: جنس العبد؛ فجمع حتى يكون التوزيع لكل عبد مولى؛ لأنَّ مقابلة الجمع بالجمع مفيدة للتوزيع، أو أراد: أن استحقاق الأجرين إنَّما هو عند أداء حق مواليه لو كان مشتركًا بين جماعة، والمراد من حقِّهم: خدمتهم.
فإن قلت: أجر المماليك ضعف أجر السادات؛ قلت: المراد: ترجيح العبد المؤدِّي للحقَّين على العبد المؤدي لأحدهما.
فإن قلت: يلزم على هذا أن يكون الصحابيُّ الذي كان كتابيًّا راجحًا على أكابر الصحابة، وهو خلاف الإجماع.
قلت: الإجماع خصصهم وأخرجهم من هذا الحكم، ويلتزم ذلك في كل صحابي لا يدل دليل على زيادة أجره على من كان كتابيًّا، كذا في «عمدة القاري» ؛ فليحفظ.
(و) الثالث (رجل كانت عنده أمة) زاد في رواية: (يطؤها)؛ بالهمزة، و (أمة)؛ بالرفع: اسم (كانت)، وإذا لم يطأها؛ هل له أجران؟ قلت: نعم؛ إذ المراد من قوله: (يطؤها) محل وطئها سواء صارت موطوءة أو لا؛ فافهم.
(فأدَّبها) لتُحسِن الأحوال والأخلاق (فأحسن تأديبها) من غير عنف وضرب؛ بل بالرفق واللطف، (وعلَّمها) الأمور الشرعيات (فأحسن تعليمها) فالأول: دنيوي، والثاني: ديني، (ثم أعتقها فتزوجها) زاد في رواية:(أصدقها)؛ أي: أعطاها صداقها، (فله) أي: الرجل الأخير (أجران) وإنما لم يقتصر على قوله: (لهم أجران) مع كونه داخلًا في الثلاثة بحكم العطف؛ لأنَّ الجهة متعددة وهي: التأديب، والتعليم، والعتق، والتزوُّج، وكانت مظنَّة أن يستحق الأجر أكثر من ذلك، فأعاده إشارة إلى أن المعتبَر من الجهات أمران، وإنما لم يعتبر إلَّا الأمرين ولم يعتبر الكل؛ لأنَّ التأديب والتعليم يوجبان الأجر في الأجنبي، والأولاد، وجميع الناس، فلم يكن مختصًّا بالإماء، فلم يبق إلا اعتبار الجهتين؛ العتق والتزوج، وإذا كان المعتبَر أمرين؛ فما فائدة ذكر الأخيرين؟ لأنَّ التأديب والتعليم أكمل للأجر؛ لأنَّ تزوُّج المرأة المؤدبة المعلَّمة أكثر بركة وأقرب إلى أن تعين زوجها على دينه، كذا في «عمدة القاري» ؛ فليحفظ.
وإنما عرَّف (العبد) ونكَّر (رجل)؛ لأنَّ المعرَّف بلام الجنس كالنكرة في المعنى، وكذا الإتيان في العبد بـ (إذا) دون القسم الأول؛ لأنَّها ظرف، و (آمن) حال وهي في حكم الظرف، وتمامه في القسطلاني معزوًّا
(2)
للكرماني، واعترضه ابن حجر، ورده الشيخ الإمام بدر الدين العيني بما يطول؛ فليحفظ.
(ثم قال عامر) الشعبيُّ لراويه صالح المذكور: (أعطيناكها)؛ أي: أعطينا المسألة أو المقالة إياك (بغير شيء)؛ أي: بغير أخذ مال منك على جهة الأجرة عليه، وإلَّا؛ فلا شيء أعظم من الأجر الأخروي الذي هو ثواب التبليغ والتعليم، كذا قاله في «عمدة القاري» ، وتبعه في الفتح، قال القسطلاني: وهو الراجح، والخطاب لرجل من أهل خراسان، سأل الشعبي عمن يعتق أمته، ثم يتزوجها، فأجابه بهذا الحديث، كما بسطه في «عمدة القاري» ، وسيأتي عند المؤلف في باب {وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ مَرْيَمَ} [مريم: 16].
(قد) وللأصيلي: (وقد) بالواو، ولغيره كما قاله الشيخ الإمام بدر الدين العيني:(فقد)(كان يُركَب) على صيغة المجهول؛ بضم التحتية؛ أي: يرحل (فيما دونها)؛ أي: فيما دون هذه المسألة (إلى المدينة) : (أل) للعهد،؛ أي: مدينة النبيِّ الأعظم عليه السلام، وسؤال الخراسانيمن الشعبيِّ ليس للتعليم؛ بل كان لما قاله أهل خراسان: من أنه إذا أعتق أمته، ثم تزوجها؛ فهو كالراكب بدنة أو كالراكب هدية، فأجابه بالحديث، كما بسطه في «عمدة القاري» معزوًّا لرواية مسلم.
والتخصيص لهذه الثلاثة لا ينفي ما عداه؛ لأنَّ الصحيح أن التنصيص باسم الشيء لا يدل على نفي الحكم عما عداه، وهو مذهب الجمهور ومال الإمام صدر الدين المرغيناني إلى أن التنصيص بعدد محصور يدل على نفي الحكم عن غيره مستدلًّا بقوله عليه السلام:«خمس من الفواسق يقتلن في الحل والحرم» ، قلت: هذا قول، والصحيح من المذهب: أنه لا يدل على النفي فيما عداه وإن كان في عدد محصور، والحكم في غير المذكور إنَّما يثبت بدلالة النص، فلا يوجب إبطال العدد المنصوص، كذا في «عمدة القاري» .
(32)
[باب عظة الإمام النساء وتعليمهن]
هذا (باب عِظة)؛ بكسر العين المهملة؛ بمعنى: الوعظ؛ لأنَّه مصدر (وعظ) حذفت الواو فعوضت عنها الهاء (الإمام)؛ أي: الأعظم وهو السلطان أو نائبه (النساءَ) فيذكرهنَّ العواقب (وتعليمهنَّ) أمور الدين.
[حديث: أشهد على النبي خرج ومعه بلال فظن أنه لم يسمع]
98 -
وبه قال: (حدثنا سليمان بن حرب) الأزدي البصري (قال: حدثنا شعبة) هو ابن الحجَّاج، (عن أيوب) السختياني (قال: سمعت عطاء)؛ أي: ابن أبي رباح سلمان المكي القرشي الحبشي، الحاج سبعين حجة، القائل:(إن وافق يوم عيد يوم جمعة؛ يصلى العيد فقط، ولا ظهر ولا جمعة في ذلك اليوم)، المتوفى سنة خمس أو أربع عشرة ومئة عن ثمانين سنة (قال: سمعت) عبد الله (ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: أشهد على النبيِّ) الأعظم، وفي رواية:(رسول الله) صلى الله عليه وسلم، أو قال عطاء: أشهد على ابن عباس) يعني: أنَّ الراوي تردَّد في لفظ (أشهد) هل هو من قول ابن عباس أو من قول عطاء؟ وأخرجه أحمد جازمًا بلفظ (أشهد) عن كلِّ منهما، وعبر بلفظ الشهادة؛ تأكيدًا لتحققه:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج) جملة محلها الرفع خبر (أن)؛ أي: من بين صفوف الرجال إلى صف النساء (ومعه بلال) جملة اسمية وقعت حالًا، وفي رواية: بإسقاط الواو؛ كقوله تعالى: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [البقرة: 36]، وبلال هو ابن أبي رَبَاح؛ بفتح الراء وتخفيف الموحدة، الحبشي القرشي، واشتهر باسم أمه حمامة؛ بفتح المهملة، (فظن) عليه السلام (أنه لم يسمع النساء) حين أسمع الرجال، وسقط في رواية لفظة (النساء)، و (أن) مع اسمها وخبرها سدت مسد مفعولي (ظن)، (فوعظهنَّ) بقوله:«إني رأيتكنَّ أكثر أهل النار؛ لأنكنَّ تكثرن اللَّعن وتكفرن العشير» ، فيه: دليل على جواز حضورهنَّ المساجد ومجالس الوعظ، لكن بشرط أمن الفتنة وعدم المفسدة، (وأمرهنَّ بالصدقة)(أل) للعهد الخارجي، وهي صدقة التطوُّع، وإنما أمرهنَّ؛ لما رآهنَّ أكثر أهل النار على ما جاء في «الصحيح» :«تصدقن يا معشر النساء إنِّي رأيتكنَّ أكثر أهل النار» ،
(1)
في الأصل: (في)، وهو تحريف.
(2)
في الأصل: (معزيًّا)، وكذا في الموضع اللاحق.
أو لأنَّه وقت حاجة والصدقة كانت يومئذٍ أفضل وجوه البر، (فجعلت) من أفعال المقاربة؛ مثل كاد، وقوله:(المرأة)؛ بالرفع: اسمها، وقوله:(تلقي) خبرها بغير (أن) متأوَّل باسم الفاعل (القُرْط)؛ بالنصب مفعول (تلقي) من الإلقاء؛ بضم القاف، وإسكان الراء، آخره مهملة: ما يعلق بشحمة الأذن (والخاتمَ)؛ بالنصب عطفًا على المفعول (وبلال) مبتدأ (يأخذ في طرف) وفي رواية: (أطراف)(ثوبه) خبره، والجملة حالية، والمفعول محذوف؛ أي: ما يلقينه؛ ليصرفه عليه السلام مصارفه؛ لأنَّه يحرم عليه الصدقة.
(وقال إسماعيل) وفي رواية: (قال أبو عبد الله -أي: المؤلف-: وقال إسماعيل) هو ابن عليَّة، (عن أيوب) السختياني، (عن عطاء)؛ أي: ابن أبي رباح، (وقال: عن ابن عباس) وفي رواية: (قال ابن عباس) : (أشهد على النبيِّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم فجزم بأن لفظ (أشهد) من كلام ابن عباس فقط، وهذا من تعاليقه؛ لأنَّه لم يدرك إسماعيل ابن علية؛ لأنَّه مات في عام ولادة المؤلف سنة أربع وتسعين ومئة، ووصله المؤلف في (الزكاة)، وفيه: دليل على أن الصدقة تنجي من النار، وجواز الصدقة من المرأة من مالها بغير إذن زوجها، ولا يتوقف ذلك على ثلث مالها، وهو مذهب إمامنا الإمام الأعظم، وقال مالك: لا يجوز الزيادة على الثلث إلَّا برضا الزوج، وتمامه في «عمدة القاري» .
(33)
[باب الحرص على الحديث]
هذا (باب الحرص على) تحصيل (الحديث) النبوي.
[حديث: لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد]
99 -
وبه قال: (حدثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى بن عمرو القرشي العامري الأويسي المديني (قال: حدثني) بالإفراد (سليمان) بن بلال أبو محمد التيمي القرشي المدني، (عن عَمرو بن أبي عَمرو)؛ بفتح العين فيهما، ميسرة مولى المطلب المخزومي القرشي المدني، المتوفى في خلافة المنصور سنة ست وثلاثين ومئة، (عن سعيد بن أبي سعيد المقبَُري)؛ بضم الموحدة وفتحها، (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه:(أنه)؛ بفتح الهمزة (قال) جملة محلها الرفع خبر (أن) : (قيل: يا رسول الله) كذا في رواية أبي ذر وكريمة، وليس في رواية الباقين لفظة (قيل)، وإنما هو:(أنه قال يا رسول الله) قال عياض: و (قيل) : وهم، والصواب سقوطها كما عند الأصيلي والقابسي؛ لأنَّ السائل هو أبو هريرة نفسه، واعتمده الشيخ الإمام بدر الدين العيني وأيَّده بما عند المؤلف في (الرقاق) :(أنه قال: قلت: يا رسول الله)، فهذا يدل على أن لفظة (قلت) تصحفت بـ (قيل)، وفي رواية:(أنه سأل)، وفي أخرى:(أن أبا هريرة قال: يا رسول الله) : (من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟) بنصب (يوم) على الظرفية، و (من) استفهامية مبتدأ، وما بعده خبره؛ أي: الذين يدخلون الجنة بغير حساب أو برفع الدرجات فيها، فالاشتراك إنَّما هو في مطلق السعادة بالشفاعة، وأن أسعدهم بها المؤمن المخلص، فالتفضيل بحسب المراتب، (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد) (اللام) فيه جواب قسم محذوف؛ أي: والله، والأولى أن تكون لام التأكيد (ظننتُ يا أبا هريرة أن لا يسألَُني)؛ بضم اللام وفتحها على حد قوله:{وَحَسِبُوا أَلَّاتَكُونَ} [المائدة: 71]؛ بالرفع والنصب لوقوع (أن) بعد الظن (عن هذا الحديث أحدٌ)؛ بالرفع فاعل (يسألني)(أولُ منك)؛ برفع (أولُ) على أنه صفة لـ (أحد) أو بدل منه، وبالنصب على الظرفية، وقال القاضي: على المفعول الثاني لـ (ظننت)، قال في «المصابيح» : ولا وجه له، وقال الشيخ أبو البقاء: على الحال؛ أي: لا يسألني أحد سابقًا لك، ولا يضر كونه نكرة؛ لأنَّها في سياق النفي فتكون عامة، وتمامه في «عمدة القاري»؛ (لِما رأيت)؛ بكسر اللام؛ أي: الذي رأيته (من حرصكَ)؛ بفتح الكاف (على الحديث) متعلق بالحرص، و (ما) موصولة، والعائد محذوف، و (من) بيانية؛ أي: للذي رأيته من حرصك، أو تكون (ما) مصدرية، و (من) تبعيضية ويكون مفعول (رأيت)؛ أي: لرؤيتي بعض حرصك (أسعد الناس) التقييد به لا ينفي السعادة عن الجن والملك؛ لأنَّ مفهوم اللقب ليس بحجة عند الجمهور (بشفاعتي يوم القيامة) مبتدأ مضاف، والجار والمجرور متعلق بـ (أسعد)، و (يوم) منصوب على الظرف، وقوله:(من قال) محله رفع خبر المبتدأ، و (من) موصولة؛ أي: الذي قال: (لا إله إلا الله)؛ أي: مع محمد رسول الله، فالمراد: الكلمة بتمامها، والإيمان: التصديق القلبي على الأصح، وقول الكلمة لإجراء الأحكام عليه، فلو صدق بالقلب ولم يقل الكلمة؛ يكون سعيدًا بشفاعته إذا لم يكن مع التصديق مناف، فالمعتبر في الشرع: القول اللساني، والمعتبر عند الله: القول النفساني (خالصًا) وفي رواية: (مخلصًا) من الإخلاص: وهو في الإيمان ترك الشرك، وفي الطاعة ترك الرياء (من قلبه أو نفسه) الشك من أبي هريرة قاله الكرماني، وقال الشيخ الإمام بدر الدين العيني: التعيين غير لازم؛ لأنَّه يحتمل أن يكون من أحد الرواة ممن هم دونه؛ فليحفظ.
فإن قلت: الإخلاص محلُّه القلب فما فائدة قوله: (من قلبه)؟ أجيب: بأنَّه ذكر؛ للتأكيد، وفي الحديث: دليل على أن الشفاعة مختصة بأهل الإخلاص، وورد أنَّها لأهل الكبائر، فالمراد: أنها أقسام؛ لأنَّها تكون للإراحة من هول الموقف وإدخال قوم الجنة بغير حساب، وفي قوم استوجبوا النار، فيشفع بهم، فلا يدخلوها، وفي قوم دخلوا النار، فيشفع بهم، فيخرجون منها، وتكون لزيادة الدرجات في الجنة، ومذهب أهل السنة: جواز الشفاعة ووجوبها بصريح الآيات والأخبار المتواترة لمذنبي
(1)
المؤمنين، وأنكرها المعتزلة والخوارج؛ لقوله تعالى:{فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 48]، قلنا: هي واردة في الكفار، وأما الشفاعة في زيادة الدرجات في الجنة؛ فأثبتها المعتزلة وسيأتي تمامه، والله تعالى أعلم.
(34)
[باب كيف يقبض العلم]
هذا (بابٌ) بالتنوين، وتركه مضافًا لقوله:(كيف يقبض العلم؟!) أخرج مخرج التعجب، والقبض نقيض البسط، والمراد منه: الرفع؛ أي: كيفية رفع العلم، و (كيف) استفهامية وهو الغالب فيها، وتكون شرطًا فتقتضي فعلين.
(وكتب) زاد في رواية: (قال -أي: المؤلف-: وكتب)(عمر بن عبد العزيز) أحد الخلفاء الراشدين (إلى) نائبه في الإمرة والقضاء على المدينة (أبي بكر) بن محمد بن عمرو (ابن حَزْم)؛ بفتح المهملة وإسكان الزاي، الأنصاري المدني، المتوفى سنة اثنتين ومئة، في خلافة هشام بن عبد الملك، عن أربع وثمانين سنة، ونسبه المؤلف لجده؛ لشهرته به، ولجدِّه عمرو صحبة، ولأبيه محمد رؤية:(انظر ما كان)؛ أي: اجمع الذي تجده، وفي رواية:(انظر ما كان عندك)؛ أي: في بلدك، فـ (كان) على الأولى تامة، وعلى الثانية ناقصة، و (عندك) : الخبر (من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإنِّي خفت دُروس)؛ بضم الدال (العلم)؛ أي: تركه، (وذهاب العلماء) بالموت، وفيه: إشارة إلى أن تدوين الحديث النبوي ابتدأ في أيام عمر بن عبد العزيز، وكانوا قبل ذلك يعتمدون على الحفظ، فلما خاف عمر -وكان على رأس المئة الأولى- ذهاب العلم بموت العلماء؛ رأى أن في تدوينه ضبطًا له وإبقاء، فأمر بذلك، (ولا يُقبلْ)؛ بضم التحتية وإسكان اللام، وفي رواية: بالرفع على أنَّ (لا) نافية، وفي أخرى: بمثناة فوقية على الخطاب مع الجزم (إلا حديث النبيِّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم؛ أي: بعد القرآن العظيم، (وليُفشوا)؛ بضم التحتية على صيغة الأمر، من الإفشاء؛ وهو الإشاعة، ويجوز تسكين اللام كما في روايةٍ (العلمَ)؛ بالنصب مفعوله، (وليَجلسوا)؛ بفتح التحتية، من الجلوس لا من الإجلاس، مع سكون اللام وكسرها معًا فيهما، وفي رواية:(واجلسوا)؛ بصيغة الأمر، وفي أخرى:(ولتفشوا ولتجلسوا)؛ بالمثناة الفوقية فيهما (حتى يُعلَّم)؛ بضم التحتية وتشديد اللام على صيغة المجهول من التعليم، وفي رواية:(حتى يَعلَم)؛ بفتح التحتية واللام، من العلم (من لا يَعلم)؛ بصيغة المعلوم من العلم، و (من) : موصولة محلها رفع فاعله، وبصيغة المجهول من التعليم، فتكون (من) : مفعولًا ناب عن الفاعل؛ (فإنَّ العلم لا يَهلِك)؛ بفتح أوله وكسر اللام؛ أي: لا يضيع، وفتح اللام لغة (حتى يكون سرًّا)؛ أي: خفية، وأراد به كتمان العلم، ووقع هذا التعليق موصولًا عقبه هنا، ولفظه:(حدثنا)، وفي رواية:(قال أبو عبد الله)؛ أي: المؤلف: (حدثنا العلاء بن عبد الجبار) : أبو الحسن البصري العطار الأنصاري، المتوفى سنة اثنتي عشرة ومئتين (قال: حدثنا عبد العزيز بن مسلم القسملي)، المتوفى سنة سبع وستين ومئة
(2)
، (عن عبد الله بن دينار) : القرشي المدني، مولى ابن عمر رضي الله عنهما (بذلك)؛ يعني: حديث عمر بن عبد العزيز إلى قوله: (ذهاب العلماء).
قال الشيخ الإمام بدر الدين العيني: يحتمل أن يكون من كلام عمر، ولكنه لم يدخل في هذه الرواية، ويحتمل
(1)
في الأصل: (لمذنبين)، وليس بصحيح.
(2)
في الأصل: (ومئتين)، وليس بصحيح.