الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن موسى هذا غير موسى ذاك الذي ظنه ابن القطان، وفيه ضعف أيضًا، ولكنه دون ذاك، وروى الحافظ أبو جعفر الطحاوي: حدثنا ابن أبي داود قال: حدثنا ابن قتيبة قال: حدثنا الدراوردي، عن موسى بن محمد بن إبراهيم، عن أبيه، عن سلمة ابن الأكوع، وهذا اختلاف آخر، كذا قاله إمام الشَّارحين.
وزعم ابن حجر أن من صحح هذا الحديث؛ فقد اعتمد على رواية الدراوردي، ورده إمام الشَّارحين فقال:(ويجوز أن يكون وجه ذلك اعتمادًا على رواية موسى بن إبراهيم المخزومي لا على رواية موسى بن إبراهيم التيمي، والمخزومي: هو موسى بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي، وهذا هو الوجه في تصحيح من صححه، ويشهد لما قلنا رواية ابن حبان المذكورة آنفًا، ولا يبعد أن يكون كل واحد من المخزومي والتيمي روى هذا الحديث عن سلمة ابن الأكوع، وحمل عنهما الدراوردي، ورواه) انتهى.
وزعم ابن حجر أن ذكر محمد فيه شاذ، ورده إمام الشَّارحين فقال:(حكمه بشذوذه إن كان من جهة انفراد الحافظ الطحاوي؛ فليس بشيء؛ لأنَّ الشاذ من ثقة مقبول) انتهى.
قلت: على فرض كونه شاذًّا، والحال أنه ليس بشاذ؛ لأنَّ الحافظ الطحاوي إمام هذه الصنعة مشهور بكونه ثقة ثبتًا حجة، وحين كان كذلك كان ابن حجر منيًا في ظهر أبيه بعسقلان؛ فليحفظ.
(ومن صلى)؛ أي: وباب من صلى (في الثوب الذي يجامع)؛ بضم المثناة التحتية أوله؛ أي: يطأ (فيه) امرأته أو أمته؛ فحكمه: أنه (ما لم ير فيه أذى)؛ أي: من مني ونحوه من النجاسات؛ فصلاته فيه صحيحة، وكلمة (ما) مصدرية ظرفية؛ ومعناها
(1)
: المدة؛ يعني: مدة عدم وجود الأذى فيه فيصلي فيه، وأمَّا إذا وجد فيه منيًا أو نحوه؛ فلا يصلي فيه؛ لكونه حاملًا للنجاسة، فأشار البخاري بهذه الترجمة إلى اشتراط طهارة الثوب من النجاسة؛ لأنَّه ذكر أولًا اشتراط ستر العورة، وهنا ذكر اشتراط طهارة الساتر، وهذا يدل على أن المؤلف يرى نجاسة المني كما هو مذهب الجمهور؛ لأنَّه صرح بهذه الترجمة صلاة الرجل في الثوب الذي يجامع فيه، والغالب أنَّ هذا الثوب يصيبه شيء من المني حين الجماع، فأفاد أن ما يصيبه من المني نجس لا يصلى بالثوب الذي فيه المني، وأفاد أيضًا أن رطوبة الفرج نجسة، وقد يقال: لا يفيد كلامه ذلك؛ لأنَّه صرح بالجماع، ووجوده لا يخلو عن المني، فالرطوبة داخلة في المني، وهي طاهرة، لكن لما خالطه النجس؛ تنجست؛ فليحفظ.
ويدل لما ذكرناه ما رواه أبو داود والنسائي من طريق معاوية بن أبي سفيان: أنه سأل أخته أم حبيبة: (أهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامع فيه؟ قالت: نعم؛ إذا لم ير فيه أذًى)، وصححه ابنا حبان وخزيمة، وسقط في رواية الحموي لفظة:(فيه)، وفي رواية المستملي:(إذا لم ير فيه دمًا)، وهذه الرواية تعين ما قلنا؛ لأنَّ الدم أخو
(2)
المني في النجاسة.
قال الكرماني: وقوله: (ومن صلى
…
) إلى آخره: من تتمة الترجمة.
وقال صاحب «التوضيح» : (وهذا منه دال على الاكتفاء بالظن فيما يصلي فيه لا القطع) انتهى.
قلت: فإن غلبة الظن بمنزلة اليقين، فلو غلب على ظنه نجاسة الثوب؛ لا يصلي فيه ما لم يتيقن طهارته إما بغسله كله أو بعضه بأن تحرى مكانًا خاصًّا فيه أنه الذي أصابه النجس، فغسله فيصلي فيه، ولا كلام عند القطع بالنجاسة، كما لا يخفى.
وزعم ابن حجر أن البخاري يشير بقوله: (ومن صلى
…
) إلى آخره: إلى ما رواه أبو داود، والنسائي، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان من طريق معاوية بن أبي سفيان: أنه سأل أخته أم حبيبة: (أهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامع فيه؟ قالت: نعم؛ إذا لم ير فيه أذًى)، قال إمام الشَّارحين:(قلت: وما قاله الكرماني أوجه؛ لأنَّه اقتبس هذا من الحديث المذكور، وأراد به إدخاله في ترجمة الباب، وهذا كما رأيت قد أخذ ثلاثة أحاديث، وأدخلها في ترجمة الباب؛ الأول: حديث سلمة ابن الأكوع، وقد مر، والثاني: حديث أم حبيبة، أخرجه أبو داود عن معاوية بن أبي سفيان: أنه سأل أخته أم حبيبة زوج النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم: «هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامع فيه؟ فقالت: نعم؛ إذا لم ير فيه أذًى»، وأخرجه النسائي، وابن ماجه، وابن حبان، وصححاه، الثالث: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، كما سنذكره) انتهى كلامه.
قلت: وفي حديث أم حبيبة دليل واضح على نجاسة المني؛ لأنَّه عليه السلام صرح: بأن ما يصيب الثوب حال الجماع نجس لا يصلى فيه، وليس يصيب الثوب حال الجماع إلا المني، فهو دال على نجاسته، وهذا حجة على من زعم طهارته؛ فافهم.
(وأمر النبي) الأعظم، وفي رواية:(رسول الله) صلى الله عليه وسلم فيما وصله المؤلف في الباب الثامن بعد هذا الباب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين يوم النحر تؤذن بمنًى ألَّا يحج بعد العام مشرك، و (ألَّا يطوف بالبيت)؛ بالنصب؛ لأنَّه في الحديث المأخوذ منه عطف على المنصوب؛ وهو قوله:(ألَّا يحجَّ بعد العام مشرك)، انتهى (عريان)؛ أي: مكشوف العورة، فاستدل بهذا المؤلف؛ حيث إنه اقتباس من حديث أبي هريرة على اشتراط ستر العورة في الصلاة؛ لأنَّه إذا كان سترها في الطواف الذي هو يشبه الصلاة واجبًا؛ فاشتراط سترها في الصلاة أولى وأجدر، كذا قرره إمام الشَّارحين، وزعم ابن حجر أن المؤلف أشار بذلك إلى حديث أبي هريرة، ولكنه ليس فيه التصريح بالأمر، ورده إمام الشَّارحين فقال: (قد ذكرت لك أنَّ هذا اقتباس، والاقتباس ههنا اللغوي لا الاصطلاحي؛ لأنَّ الاصطلاحي: هو أن يضمن الكلام شيئًا من القرآن أو الحديث لا على أنه منه، وههنا ليس كذلك، بل المراد ههنا أخذ شيء من الحديث، والاستدلال به على حكم؛ كما كان يستدل به من الحديث المأخوذ منه، فحديث أبي هريرة المذكور يدل على اشتراط ستر العورة في الصلاة بالوجه الذي ذكرناه، وهو يتضمن أمر أبي بكر، وأمر أبي بكر يتضمن أمر النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم، وأخذ البخاري من ذلك المتضمن صورة أمر، فقال: وأمر النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم ألَّا يطوف بالبيت عريان، واقتصر من الحديث على هذا؛ لأنَّه هو الذي يطابق ترجمة الباب؛ فافهم، فإنه دقيق لم ينبه عليه أحد من الشراح، انتهى.
قلت: وهو وجيه لم يسبق بنظيره رحمه الله تعالى.
(1)
في الأصل: (معناه)، ولعل المثبت هو الصواب.
(2)
في الأصل: (أخ)، ولعل المثبت هو الصواب.
[حديث: لتلبسها صاحبتها من جلبابها]
351 -
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا موسى بن إسماعيل) : هو التبوذكي المنقري البصري ((قال: حدثنا يزيد بن إبراهيم) : هو أبو سعيد التستري البصري، المتوفى سنة إحدى وستين ومئة، (عن محمد) : هو ابن سيرين البصري، (عن أم عطية) : واختلف في اسمها؛ فقيل: نَُسِيبة؛ بضم النون وفتحها، وكسر السين المهملة، وقيل: نُشَيبة؛ بضم النون، وفتح الشين المعجمة، وقيل: لُسَينة؛ بضم اللام، وفتح السين المهملة، وتحتية ساكنة، ونون مفتوحة، واختلف أيضًا في اسم أبيها؛ فقيل: الحارث، وقيل: كعب (قالت: أُمِرنا)؛ بضم الهمزة، وكسر الميم، مبني لما لم يسم فاعله، ولا ريب أن الآمر هو النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم، يدل عليه ما في «مسلم» من طريق هشام، عن حفصة، عن أم عطية قالت:(أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما تقدم عند المؤلف في (باب شهود الحائض العيدين)، وفيه: (أن حفصة سألت أم عطية: أسمعت النبيَّ الأعظم صلى الله عليه وسلم؟ قالت أم عطية: سمعته يقول
…
)؛ الحديث، وهو خبر متضمن للأمر كما سبق (أن نُخرِج)؛ بضم النون، وكسر الراء (الحُيَّض)؛ بضم الحاء المهملة، وتشديد المثناة التحتية، جمع حائض (يوم العيدين) بالتثنية، وفي رواية المستملي والكشميهني:(يوم العيد)؛ بالإفراد، (و) أن نخرج (ذوات) أي: أصحاب (الخُدور)؛ بضم الخاء المعجمة، والدال المهملة، جمع خِدْر؛ بكسر الخاء المعجمة، وسكون الدال المهملة: وهو ستر يكون في ناحية البيت تقعد البكر وراءه، وفي «المخصص» :(الخدر: ثوب يمد في عرض الخباء، فتكون فيه الجارية البكر)، والجمع خدور وأخدار، وأخادير جمع الجمع، وقد تخدرت الجارية واختدرت: تسترت؛ والمعنى: أمرنا أن نخرج الأبكار الشابات صواحبات الستور، (فيشهدن) أي: يحضرن كلهن (جماعة المسلمين) بالنصب؛ أي: صلاة العيدين، ومجالس الخير؛ كمجلس الوعظ ونحوه، (ودعوتهم)؛ أي: دعوة المسلمين؛ نحو: صلاة الخسوف، والكسوف، والاستسقاء، والجنازة، وغيرها، فإن اللفظ عام يشمل ذلك وغيره، خلافًا لمن زعم أنه قاصر على الاستسقاء، وهو وهم كما لا يخفى، (ويعتزل)؛ أي: ويبعد (الحُيَّض)؛ بضم الحاء المهملة، وتشديد التحتية، جمع حائض؛ أي: منهن (عن مصلاهن)؛ أي: عن مصلى النساء اللاتي لسن بحُيَّض، وفي رواية المستملي:(عن مصلاهم)؛ بالتذكير على التغليب، وفي رواية الكشميهني:(عن المُصلَّى)؛ بالإفراد، وهو بضم الميم، وفتح اللام: موضع الصلاة تحرزًا، وتنزيهًا، وصيانةً عن وقوع شيء منهن في المصلى فيتنجس، وعن مخالطة الرجال من غير حاجة ولا صلاة، بل وعن المخالطة مطلقًا ولو لحاجة؛ لفساد الزمان، وإنما لم يحرم دخولهن، وكذا الجنب؛ لأنَّه ليس بمسجد من كل وجه، كما لا يخفى.
(قالت امرأة) : هذه المرأة هي أم عطية، وكنَّت به عن نفسها، قاله إمام الشَّارحين، وفي رواية:(قلت)(يا رسول الله؛ إحدانا) : مبتدأ؛ أي: بعضنا، وخبره قوله:(ليس لها جِلْباب)؛ بكسر الجيم، وسكون اللام، وبموحدتين بينهما ألف: وهو خمار واسع؛ كالملحفة تغطي به المرأة رأسها وصدرها، وقيل: هو الإزار، وقيل: هو الملاءة التي تشتمل بها، وقيل: هو القميص؛ والمعنى: كيف تشهد ولا جلباب لها؟ وكان ذلك بعد نزول آية الحجاب، (قال)؛ أي: النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم لها (لتلبسْها) بجزم السين المهملة، وقوله:(صاحبتها)؛ بالرفع فاعله؛ أي: من أطلق عليها صاحبة (من جلبابها)؛ أي: بأن تعيرها من ثيابها ما لا تحتاج إليه، وقيل: تشركها معها في لبس الثوب الذي عليها، وهذا مبني على أن يكون الثوب واسعًا حتى يسع فيه اثنان، وفيه نظر.
قال إمام الشَّارحين: (ووجه مطابقة الحديث للترجمة في قوله عليه السلام: «لتلبسها من جلبابها»؛ لأنَّه عليه السلام أكد الأمر باللبس حتى بالعارية للخروج إلى صلاة العيد، فإذا كان للخروج إلى العيد هكذا؛ فلأجل صلاة الفرض يكون بالطريق الأولى) انتهى.
قلت: وإذا وجب ستر العورة للنساء؛ فللرجال كذلك؛ لأنَّهم أولى لظهور التهم، وهل ستر العورة فرض مطلقًا في الصلاة وخارجها؟ نعم؛ هو فرض مطلقًا إلا لضرورة؛ نحو إزالة شعر العانة، ومريض يحقنه أجنبي، أو يجسها طبيب، أو غير ذلك كما هو مقرر في الفروع، وهذا مذهب الأئمة الحنفية وتبعهم الشافعي، فقال: ستر العورة مطلقًا واجب، والله تعالى أعلم.
(وقال عبد الله بن رجاء)؛ بالجيم، والمد: هو الغُدَاني؛ بضم الغين المعجمة، وتخفيف الدال المهملة، وبعد الألف نون، نسبة إلى غدانة؛ وهو أشرس بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن
(1)
تميم، هكذا وقع في أكثر الروايات بدون النسبة، ولكن المراد به: الغداني، وقد وهم من زعم أنه عبد الله بن رجاء المكي، قاله إمام الشَّارحين، قيل: وفي رواية الأصيلي: (حدثنا عبد الله بن رجاء)، وفي رواية ابن عساكر:(قال محمد)؛ أي: المؤلف، وقال عبد الله بن رجاء:(حدثنا عِمران)؛ بكسر العين المهملة: هو القطان (قال: حدثنا محمد بن سيرين) : هو البصري المشهور (قال: حدثتنا أم عطية) : هي نسيبة، أو نشيبة، أو لسينة بنت الحارث، أو كعب قالت:(سمعت النبيَّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم بهذا)؛ أي: بالحديث السابق، قال إمام الشَّارحين: وهذا التعليق وصله الطبراني في «الكبير» : حدثنا علي بن عبد العزيز، عن عبد الله بن رجاء؛ فذكره، وفائدته تصريح محمد بن سيرين بتحديث أم عطية له، وبطل بهذا زعم بعضهم: من أن محمدبن
(2)
سيرين إنَّما سمعه من أخته حفصة، عن أم عطية؛ لأنَّه تقدم قبل روايته له عن حفصة أخته عنها، ولهذا قال الداودي:(الصحيح رواية ابن سيرين عن أم عطية) انتهى.
(3)
[باب عقد الإزار على القفا في الصلاة]
هذا (باب) في بيان حكم (عقد) المصلي (الإزار على القفا)؛ أي: إزاره على قفاه، والحال أنه داخل (في الصلاة) : و (القفا) مقصور: مؤخر العنق، وهو
(1)
في الأصل: (بني)، ولعل المثبت هو الصواب.
(2)
في الأصل: (محمدًا ابن)، ولعل المثبت هو الصواب.