الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصله: مغموي على وزن (مفعول)، اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأُدْغِمَتِ الياء في الياء فصار: مغمُيٌّ -بضم الميم الثانية وتشديد الياء- ثم أبدلت من ضمة الميم كسرة؛ لأجل الياء، فصار: مغمي.
قال الكرماني: (والإغماء والغشي بمعنى واحد)، ورده في «عمدة القاري» :(بأن الغشي مرض يحصل من طول التعب، وهو أخف من الإغماء، والفرق بينه وبين الجنون والنوم: أن العقل يكون في الإغماء مغلوبًا، وفي الجنون يكون مسلوبًا، وفي النوم يكون مستورًا) انتهى؛ فافهم، وهذا موافق لما قاله في «القاموس» و «الكليات» ، وقد تصدى العجلوني للانتصار للكرماني بما في «القاموس» ، ومن نظر عبارة «القاموس» ؛ وجدها تدل لما قاله في «عمدة القاري» ، وترد على العجلوني والكرماني؛ فافهم.
[حديث: جاء رسول الله يعودني فتوضأ وصب علي من وضوئه]
194 -
وبه قال: (حدثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي، (قال: حدثنا شعبة) : هو ابن الحجاج، (عن محمد بن المنكدر) التيمي القرشي التابعي المشهور، وكان المنكدر خال عائشة رضي الله عنها، فشكا إليها الحاجة، فقالت له:(أول شيء يأتيني أبعث به إليك)، فجاءها عشرة آلاف درهم، فبعثت بها إليه، فاشترى منها جارية، فولدت له محمدًا إمامًا متابعًا، مات سنة إحدى وثلاثين ومئة، كذا في «عمدة القاري» .
(قال: سمعت جابرًا)؛ أي: ابن عبد الله الصحابي المشهور (يقول)؛ جملة وقعت حالًا: (جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني)؛ جملة وقعت حالًا أيضًا، (وأنا مريض)؛ جملة وقعت حالًا أيضًا، والجملتان من (رسول الله) مترادفتان، أو الثانية متداخلة، أو من مفعول (يعودني)، وجملة (لا أعقِل)؛ بكسر القاف؛ أي: لا أفهم، خبر بعد خبر، أو صفة (مريض)، أو حال من ضميره، وحذف مفعول (أعقل) إما للتعميم؛ أي: لا أعقل شيئًا، وبه صرَّح المؤلف في (التفسير)، وله في (الطب) :(فوجدني قد أغمي عليَّ)، أو لجعله كالفعل اللازم، كذا في «عمدة القاري» ، قلت: لا مانع من تقدير مفعول؛ أي: شيئًا مثلًا؛ فتأمل.
قال في «عمدة القاري» : (ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة) انتهى، قلت: لأنَّ المراد من قوله: (لا أعقل)؛ أي: قد أغمي علي؛ فافهم.
(فتوضأ)؛ أي: النبي الأعظم عليه السلام، (وصبَّ عليَّ)؛ بالتشديد لآخر الكلمتين (من وَضوئه)؛ بفتح الواو، قال في «عمدة القاري» :(معناه: من الماء الذي توضأ به أو مما بقي منه، وأخرج في «الاعتصام» عن علي بن عبد الله: «ثم صب وضوءه عليَّ»، ولأبي داود: «فتوضأ وصبه علي») انتهى، وعلى هذا، فالظاهر: الأول؛ فافهم.
(فعقَلت)؛ بفتح القاف؛ أي: انجلى عني ففهمت، ففيه: دليل على أن بركة يد النبي الأعظم عليه السلام وآثاره تزيل كل علة، ولاشكَّ في ذلك، فإن هذا من بعض آثاره عليه السلام، (فقلت: يا رسول الله؛ لمن الميراث؟) مبتدأ وخبر، واللام فيه عوض عن ياء المتكلم؛ أي: لمن ميراثي؟ ويؤيده ما أخرجه في (الاعتصام) أنَّه قال: (كيف أصنع في مالي؟)، وفي رواية:(ما تأمرني أن أصنع في مالي.)، وفي أخرى:(إنما يرثني سبع أخوات)، وفي أخرى:(كيف أقضي في مالي؟)، وجوَّز الكرماني أن تكون اللام للعهد عن المتكلم، (إنما يرثني كلالة)؛ الجملة مستأنفة استئنافًا نحويًّا أو بيانيًّا، و (الكَلَالَة)؛ بفتح الكاف وتخفيف اللامين، وقد اختلف فيها على أقوال؛ أصحها: أنها غير الوالد والولد، وفيه حديث صحيح من طريق البراء بن عازب، وقيل: إنها غير الولد خاصة، وقيل: الإخوة للأم، وقيل: بنو العم ومن أشبههم، وقيل: العصبات كلهم وإن بعدوا، ثم قيل للورثة، وقيل للميت، وقيل لهما، وقيل للمال الموروث، وقال الجوهري:(الكَلُّ: الذي لا ولد له ولا والد، يقال: كَلَّ الرجل يكلُّ كَلًّا)، وقال جار الله الزمخشري:(ينطلق «الكلالة» على ثلاثة: من لم يُخَلِّفْ ولدًا ولا والدًا، وعلى من ليس بولد ولا والد من المخلفين، وعلى القرابة من غير جهة الولد والوالد)، وقال التيمي:(الكلالة في هذا الحديث: اسم للوارث، وهو الأخوات هنا، وهذا اللفظ يقع على الوارث والموروث منه).
(فنزلت آية الفرائض) جمع: فريضة، والمراد هنا: الحصص المقدرة في كتاب الله تعالى للورثة، وهي قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الكَلالَةِ
…
} إلى آخر السورة [النساء: 176]، كما بيَّنها المؤلف في (التفسير)، وفي رواية:(فنزلت: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11])، وهي آية المواريث مطلقًا.
وفي الحديث من الفوائد: استحباب عيادة المريض وإن كان مغمى عليه إذا كان عنده من يراعي حاله؛ لئلَّا تنكشف عورته، وقيل: إن كان الزائر صالحًا؛ فله ذلك، وإلا كُرِه.
وفيه: التبرك بآثار الصالحين لا سيما سيد المرسلين.
وعيادة [الضعفاء].
وفيه: فضيلة عيادة الأكابر للأصاغر.
وفيه: رقية الصالحين للماء ومباشرتهم إياه، وذلك مما يُرْجَى بركته.
وفيه: أن ما يُقْرَأُ على الماء مما ينفع، كذا في «عمدة القاري» .
قال ابن بطال: (فيه: دليل على طهورية الماء الذي توضأ به؛ لأنَّه لو لم يكن طاهرًا لما صبَّه عليه) انتهى، قال في «عمدة القاري» :(ليس فيه دليل؛ لأنَّه يحتمل أنَّه صبَّ عليه من الباقي في الإناء) انتهى، وذكر مثله الكرماني، واعترضه العجلوني بما في «أبي داود» :(فتوضأ وصبه عليَّ)؛ فتأمل.
قلت: وليس في هذا دليل لما قاله ابن بطال؛ لأنَّ الضمير في (صبه) يحتمل أن يعود على الماء الباقي في الإناء بعد الفراغ من الوضوء، ففيه: دليل على نجاسة الماء المستعمل ولو سلم أنه عليه السلام صب عليه مما اجتمع من تقاطره؛ فهو محمول على الخصوصية له عليه السلام، لا يقال: إن الأصل عدم الخصوصية؛ لأنَّا نقول: الخصوصية ثابتة ومستفادة من هذا الحديث، ومن نفاها؛ فعليه البيان بالبرهان، والله تعالى الكريم الحنَّان المنان [أسأل] أن يفرِّج عنا ما نحن فيه وعن المسلمين.
وفي يوم الاثنين الثالث من صفر سنة سبع وسبعين شُنِق ستة وخمسون نفرًا؛ منهم: مصطفى بيك الحواصلي، ومحمود ركاب، وابنه راغب، وحسن بيك بن ناصوح باشا، وحسن النشواتي، وعلقوا في الشوارع، وفيه قتلوا مئة وعشرة أنفار في المرجة بالرصاص؛ منهم: محمد بن شيخ قطنا، وحسن البهنسي، وأحمد البغجاتي، ومصطفى بيك وأخوه إبراهيم بيك وَلَدَيْ عاكف بيك ناصوح باشا وغيرهم، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونسألك يا ربنا بجاه نبيك محمد وآله وأصحابه عليهم السلام أن تفرج عنا هذا البلاء، وأن تكشف عنا هذا الهمَّ والغمَّ برحمتك وفضلك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه.
(45)
[باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب والحجارة]
هذا (باب: الغُسل والوُضوء)؛ بضم الغين المعجمة في الأول، وضم الواو في الثاني، قال العجلوني:(وجوَّز الكرماني فيهما الفتح أيضًا)، قلت: لكن المشهور الأول؛ لأنَّ المراد به هنا الفعل؛ فافهم، (من المِخْضب)، وفي رواية:(في) بدل (من)، وهو بكسر الميم، وسكون الخاء المعجمة، آخره موحدة، شبه الإجانة، أو إناء يُغْسَلُ فيه الثياب، ويقال له: المِرْكَن -بالنُّون أخره- كـ (مِنْبَر)، وهو يكون من أي جنس ولو صغيرًا، (والقَدَح)؛ بفتحتين: إناء معروف، واحد الأقداح التي للشرب، وقيل: القَدَح: الذي يؤكل فيه، وأكثر ما يكون من الخشب مع ضيق فيه، (والخَشَب)؛ بفتح المعجمتين، جمع خشبة، وكذا الخُشُْب؛ بضمتين وبسكون الشين، ومراده: الإناء من الخشب، (و) الإناء من (الحِجارة)؛ بكسر المهملة؛ لأنَّ الأواني تكون من الخشب، والحجر، وسائر جواهر الأرض كالحديد، والصفر، والنحاس، والذهب، والفضة، فقوله:(والخشب) يتناول سائر الأخشاب، وقوله:(والحجارة) يتناول سائر الأحجار من التي لها قيمة والتي لا قيمة لها، والحجارة: جمع حجر، وهو جمع نادر؛ كالجمالة: جمع جمل، وكذا حجار -بدون الهاء- وهما جمع كثرة، وجمع القلة: أحجار.
فإن قلت: ما وجه عطف الخشب والحجارة على المخضب والقدح؟
قلت: هو من باب عطف التفسير؛ لأنَّ المخضب والقدح قد يكونان من الخشب، وقد يكونان من الحجارة، وقد صرح في الحديث المذكور في هذا الباب:(بمِخْضَبٍ من الحجارة)، كما يأتي عن قريب، والدليل على صحة ذلك ما وقع في رواية:(في المخضب والقدح).
وقال ابن حجر: (ليس من عطف العام على الخاص فقط، بل بين هذين وهذين
(1)
عموم وخصوص من وجه).
وردَّه في «عمدة القاري»
(1)
في الأصل: (بل من هذين وهذان)، ولعله تحريف عن المثبت.
بأن قصارى فهم هذا القائل أنه ليس من عطف العام على الخاص، ثم أضرب عنه إلى بيان العموم والخصوص من وجه بين هذه الأشياء، ولم يبيِّن وجه العطف ما هو، وقد وقع في بعض النسخ بعد قوله:(والحجارة) : (والتَّور)؛ بفتح المثناة فوق، قال الجوهري:(هو إناء يشرب فيه)، زاد العلامة المطرزي:(صغير)، وفي «المغيث» : (هو إناء شبه إجانة من صفر أو حجارة يتوضأ فيه ويؤكل
(1)
فيه، وقيل: هو مثل قدح من الحجارة)، كذا في «عمدة القاري» .
وما شرحنا عليه من قوله: (من المِخْضَبِ) أحسن؛ لأنَّها أنسب بالمعطوفات، وفي رواية:(في المخضب)، ولم يطلع ابن حجر على رواية:(من المخضب)، فقال ما قال من التكلفات؛ فافهم.
[حديث أنس: حضرت الصلاة فقام من كان قريب الدار]
195 -
وبه قال: (حدثنا عبد الله بن مُنِيْر)؛ بضم الميم، وكسر النُّون، وسكون التحتية، آخره راء، الحافظ الزاهد السهمي المروزي، المتوفى سنة إحدى وأربعين ومئتين، قال في «عمدة القاري» :(ووقع في رواية الأصيلي: «ابن المنير»؛ بالألف واللام)، قال:(قلت: يجوز كلاهما، كما عرف في موضعه، وقد يلتبس هذا بابن المُنَيِّر الذي له كلام في تراجم البخاري، وهو بضم الميم، وفتح النُّون، وتشديد التحتية، وهو متأخر عن ذلك بزهاء أربعمئة سنة، وهو أبو العباس أحمد بن أبي المعاني محمد كان قاضي إسكندرية وخطيبها) انتهى: (أنه سمع عبد الله بن بَكْر)؛ بفتح الموحدة وسكون الكاف، أبا وهب البصري، نزل بغداد وتوفي بها سنة ثمان ومئتين في خلافة المأمون (قال: حدثنا حُمَيد)؛ بالتصغير، ابن أبي حميد الطويل، المتوفى وهو قائم يصلي سنة ثلاث وأربعين ومئة، (عن أنس)؛ أي: ابن مالك رضي الله عنه (قال: حضرت الصلاة)؛ أي: صلاة العصر، وكان بالمدينة، (فقام من كان) في محل الرفع فاعل (قام) (قريب الدار إلى أهله) يتعلق بقوله:(فقام)، وذلك القيام كان لتحصيل الماء والتوضؤ به، (وبقي قوم)؛ أي: عند النبي الأعظم عليه السلام في مجلسه، ولم يكونوا على الوضوء أيضًا، وإنما توضؤوا من المخضب الذي أُتي به رسول الله عليه السلام، ولذا قال:(فأُتي)؛ بضم الهمزة على صيغة المجهول (رسول الله صلى الله عليه وسلم بمِخْضَب)؛ بكسر الميم، وسكون الخاء المعجمة، وفتح الضَّاد المعجمة، آخره موحدة: إناء متخذ (من حجارة) كلمة (من) للبيان، (فيه ماء)، لكنه قليل، (فصغُر) بضم الغين المعجمة (المخضب أن يبسُط) بضم السين المهملة (فيه كفه) الشريف؛ أي: لم يسع بسط الكف فيه؛ لصغره، وقد علم من ذلك: أن المخضب يكون من حجارة وغيرها، ويكون صغيرًا وكبيرًا، وفي رواية:(فلم يستطع أن يبسط كفَّه من صغر المخضب)؛ أي: لأن يبسط، وكلمة (أن) مصدرية؛ أي: بسط الكفِّ فيه، (فتوضَّأ القوم)؛ أي: القوم الذين بقوا عند النبي الأعظم عليه السلام، ويحتمل العموم، ولعلَّ من ذهب لم يجد ماء للوضوء (كلهم) من ذلك المخضب الصغير، (قلنا)، وفي رواية:(فقلنا)، وفي أخرى:(فقلت)، وهو من كلام حميد الطويل الراوي عن أنس رضي الله عنه:(كم كنتم؟) مميز (كم) محذوف؛ تقديره: كم نفسًا كنتم؟ (قال) أي: أنس: (ثمانين)؛ أي: كنَّا ثمانين نفسًا (وزيادة) على الثمانين، فـ (ثمانين) منصوب؛ لأنَّه خبر الكون المقدر هو واسمه؛ لدلالة الكلام عليه، وفي الحديث: دلالة على معجزة عظيمة للنبي الأعظم عليه السلام، وأسألك بجاهه عندك أن تفرِّج عنا، وعن المسلمين يا أرحم الراحمين، وفيه: استحباب التهيؤ للوضوء عند حضور الصلاة، والله تعالى أعلم.
[حديث: أن النبي دعا بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه ومج فيه]
196 -
وبه قال: ([حدثنا] محمد بن العَلَاء) بالمهملة المفتوحة وبالمد (قال: حدثنا أبو أُسَامة)؛ بضم الهمزة، وتخفيف السين المهملة، حماد بن أسامة، (عن بُرَيْد)؛ بضم الموحدة، وفتح الرَّاء، وسكون التحتية، هو ابن عبد الله، (عن أبي بُرْدة)؛ بضم الموحدة، وسكون الرَّاء: الحارث أو عامر، أو اسمه كنيته، (عن أبي موسى) : عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه، وهذا الإسناد بعينه تقدم في باب (فضل من علم وعلم)، ولا تفاوت إلا في لفظ:(حماد)، فإنه ذكر هنا بالكنية، وثَمَّة بالاسم، كذا في «عمدة القاري» :(أن النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم دعا بقَدَح)؛ أي: طلب قدحًا (فيه ماء)؛ جملة اسمية في موضع الجر؛ لأنَّها صفة لـ (قدح)، (فغسل يديه)؛ بالتثنية، الفاء للعطف على (دعا) (ووجهَه)؛ بالنصب عطف على قوله:(يديه)(فيه)؛ أي: في القدح، (ومجَّ)؛ بتشديد الجيم؛ أي: صبَّ (فيه)؛ أي: في القدح، يقال: مجَّ لعابه؛ إذا قذفه، وهذا يدل على أن الغَسل -بفتح الغين المعجمة- لا على الغُسل -بضمها- ولا على الوضوء منه، وفيه: دلالة على جواز الشرب منه، وكذا الإفراغ منه على الوجوه والنحور، كما سبق في هذا الحديث.
وهو كسابقه ولاحقه يدلُّ على جواز استعمال الأواني كيفما كانت إلا ما خرج منها لأدلة، قال في «عمدة القاري» :(الأواني كلها سواء كانت من الخشب أو من جواهر الأرض طاهرة، فلا كراهة في استعمالها للأكل والشرب إلا آنية الذهب والفضة، فيُكْرَهُ الأكل والشرب والتوضؤ في آنية الذهب والفضة، ولو توضَّأ فيه؛ أجزأه وقد أساء، هذا مذهب الإمام الأعظم، ومالك، وإسحاق، وأبو ثور، والشافعي، وغيرهم، والمراد بالكراهة: التحريم، وأما المتصفر؛ فلا بأس بالأكل والشرب منه والتوضؤ فيه، ذكر أبو عبيد عن ابن سيرين: «كانت الخلفاء يتضؤون في الطست»، وعن الحسن: «رأيت عثمان بن عفان يصبُّ عليه من إبريق»؛ يعني: نحاسًا، قال أبو عبيد: وعلى هذا أمر الناس في الرخصة والتوسعة في الوضوء في آنية النحاس وأشباهه من الجواهر إلا ما روي عن ابن عمر من الكراهة، وذكر ابن أبي شيبة عن يحيى بن سليم عن ابن جريج قال: قال معاوية: كرهت أن أتوضأ في النحاس، وقال ابن بطال: «وقد وجدت عن ابن عمر: أنه توضأ في النحاس، وهذه الرواية أقرب إلى الصواب»، وفي «الأشراف» : «ما علمت أن أحدًا كَرِهَ الوضوء في آنية الصُّفر، والنحاس، والرصاص، وشبهه، والأشياء على الإباحة إلا ما روي عن ابن عمر»، قلت: وقد علمت ما قاله ابن بطال، وفي «سنن أبي داود» بسند ضعيف عن عائشة قالت: «كنت أغتسل أنا ورسول الله عليه السلام في تَوْرٍ من شَبَه»، وفي «مسند» أحمد بسند صحيح عن زينب بنت جحش: «نه عليه السلام كان يتوضأ من مِخْضَب من صُفر»، والصُّفر؛ بضم الصَّاد المهملة: هو النحاس الجيد، قال أبو عبيد: كسر الصَّاد فيه لغة، ولم يُجِزْهُ غيره، ويقال له: الشَبَه أيضًا -بفتحتين- لأنَّه يشبه الذهب) انتهى ملخصًا، والله تعالى أعلم.
اللهم إني أسألك أن تفرِّج عنا وعن المسلمين بجاه سيد المرسلين وحبيب ربِّ العالمين، واكشف يا ربَّنا هذا البلاء، وأبدله فرحًا وسرورًا برحمتك يا أرحم الراحمين.
[حديث: أتاتا رسول الله فأخرجنا له ماء في تَوْر من صُفر فتوضأ]
197 -
وبه قال: (حدثنا أحمد ابن يونس) نسبه لجده؛ لشهرته به، وإلا؛ فهو أحمد بن عبد الله بن يونس (قال: حدثنا عبد العزيز ابن أبي سلَمة)؛ بفتح اللام، الماجَشون -بفتح الجيم- نسبه لجده أيضًا لشهرته به، وإلا؛ فهو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، فأحمد وعبد العزيز؛ كلاهما منسوبان إلى جدهما، واسم أب كلٍّ منهما عبد الله، وكنية كلٍّ منهما أبو عبد الله، وكلٌّ منهما ثقة حافظ فقيه، كذا في «عمدة القاري» (قال: حدثنا عَمرو بن يَحيى) بفتح أولهما، (عن أبيه) يحيى بن عمارة، (عن عبد الله بن زيد) الأنصاري الصحابي الجليل رضي الله عنه (قال: أَتى)؛ بفتح الهمزة على البناء للفاعل، وفي رواية:(أتانا)(رسول الله)، وفي رواية:(النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم؛ أي: إلى دارنا، (فأخرجنا) من الدار (له)؛ أي: للنبي الأعظم عليه السلام (ماء)؛ بالمد؛ لأجل الوضوء (في تَور) بالمثناة الفوقية المفتوحة (من) للبيان (صُفر)؛ بضم الصَّاد المهملة، وقد تُكْسَر؛ أي: من نحاس أصفر، وقدَّمنا عن الجوهري:(أن التور: هو إناء يشرب فيه)، وزاد في «المغرب» : صغير، وفي «المغيث» : إناء شبه إجانة من صُفْر أو حجارة يُتَوَضَّأُ فيه ويُؤْكَل، وقال ابن قرقول
(2)
: (هو مثل القدح من الحجارة)، وقوله:(في تور من صفر) زيادة عبد العزيز، قال الكرماني: (فإن قلت: لم يذكر في الترجمة
(1)
في الأصل: (ويكل).
(2)
في الأصل: (قرقور)، وهو تحريف عن المثبت.