الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال مالك: (لا أحب لمن له منزل أن يبيت في المسجد)، وبه قال أحمد وإسحاق، وكره النوم فيه: ابن مسعود، وطاووس، ومجاهد، وهو قول الأوزاعي.
والظاهر: أنَّ نوم ابن عمر فيه كان نهارًا لا ليلًا؛ لأنَّ قوله: (كان ينام)، أو (كنت أنام)، أو (كنا ننام) على اختلاف الروايات؛ محتمل للوجهين؛ أرجحهما: الأول، فلا دلالة فيه على ما ذكر، وسُئِل ابن المسيب وسليمان بن يسار عن النوم فيه فقالا:(كيف تسألون عنه وقد كان أهل الصُفَّة ينامون فيه وهم قوم كان مسكنهم المسجد).
قلت: وهذا يدلُّ على الإباحة للغريب الفقير الأعزب، ويدلُّ على كراهته لغيره، كما لا يخفى، وذكر الطبري عن الحسن قال:(رأيت عثمان بن عفان نائمًا فيه ليس حوله أحد، وهو أمير المؤمنين).
قلت: لعله كان نائمًا نهارًا لا ليلًا، ويحتمل أنَّه كان ينتظر الصلاة، ومثل النوم فيه الأكل، والشرب، والجلوس؛ فهو مكروه إلا لمعتكف؛ لأنَّ المساجد قد بنيت للعبادة، كما لا يخفى؛ فافهم، والصحيح عند الشافعي: عدم الكراهة، وما ذكرناه حجة عليه؛ فافهم.
[حديث: قم أبا تراب قم أبا تراب]
441 -
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا قتيبة بن سعِيد)؛ بكسر العين المهملة: هو ابن جميل الثقفي البلخي، و (قتيبة) : لقبه، غلب عليه وعرف به، واسمه يحيى (قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم)؛ بالحاء المهملة، والزاي: هو المدني، ولم يكن بالمدينة أفقه منه بعد مالك المتوفى سنة أربع وثمانين ومئة، (عن) أبيه (أبي حازم) واسمه سَلَمَة -بفتحات- ابن دينار الأعرج المدني الزاهد، (عن سهل بن سعْد)؛ بسكون العين المهملة: هو ابن مالك الساعدي الأنصاري الصحابي آخر من مات من الصحابة رضي الله عنه (قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة)؛ أي: الزهراء ابنته عليه السلام، و (بيت) منصوب: مفعول (جاء)؛ لأنَّه متعدٍّ، (فلم يجد عليًّا)؛ أي: ابن أبي طالب الصديق الأصغر زوج فاطمة رضي الله عنهما (في البيت) وهل البيت لعلي أو لفاطمة؟ ظاهر اللفظ: يدل للثاني، ويحتمل أنَّه لعلي، وعبَّر به باعتبار سكناها فيه؛ فافهم.
(فقال)؛ أي: النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة: (أين ابن عمكِ؟)؛ بكسر الكاف: أراد به: علي بن أبي طالب، وفي الحقيقة: هو ابن عم النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم، وإنَّما اختار هذه العبارة ولم يقل: أين زوجك؟ أو أين علي؟ لأنَّه عليه السلام فهم أنَّه جرى بينهما شيء؛ فأراد استعطافها عليه بذكر القرابة النسبية التي بينهما) قاله إمام الشَّارحين.
قلت: وفيه إطلاق ابن العم على أقارب الأب؛ لأنَّه ابن عم أبيها، ويحتمل أنَّه أراد بهذه العبارة ظاهرها، وهو أنَّه يقال لوالد الزوج: عم في العرف؛ فأراد ابن عمها في الزوجية؛ فافهم.
(قالت) ولابن عساكر (وقالت)؛ بالواو، وللأصيلي (فقالت)؛ بالفاء؛ أي: فاطمة: (كان بيني وبينه شيء)؛ أي: أمر يقتضي المنافرة بين الزوجين عادة، (فغاضبني) من باب المفاعلة الموضوع لمشاركة الاثنين، لكنه ابتدأ هو بالمغاضبة، (فخرج)؛ أي: علي، (فلم)؛ بالفاء، وللأصيلي (ولم)؛ بالواو (يَقِل)؛ بفتح التحتية، وكسر القاف: من القيلولة، وللأصيلي وابن عساكر (يُقل)؛ بضمِّ أوله من (الإقالة)؛ بمعنى:(القيلولة)، والقائلة: وهو النوم في نصف النهار، وقال الزمخشري:(الهاء في القائلة تدل على الساعة؛ كقولهم: الهاجرة)، وقال الفراء:(قلت: وأنا أقيل قيلًا ومقيلًا وقيلولة وقائلة)، وفي «نوادر اللحياني» :(أنا قائل، والجمع قائلون وقيال)، وفي «المخصص» :(قوم قيَّل؛ بالتشديد)، وفي «الصحاح» :(قيل؛ بالتخفيف مثل صاحب وصحب)، كذا في «عمدة القاري» .
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان) وللطبراني: (فأمر إنسانًا معه، فوجده مضطجعًا في فيء الجدار، وقال بعضهم: هو عمران بن حصين).
وزعم ابن حجر أنَّه ظهر له أنَّه سهل راوي الحديث؛ لأنَّه لم يذكر أنَّه كان معه غيره.
قلت: وهو غير ظاهر؛ لأنَّه لو كان هو الراوي؛ لكان يقول: فقال لي، ولم يقل: لإنسان، وظاهر اللفظ: يدل على أنَّ سهلًا لم يحضر القصة، بل كان في المسجد؛ فسمع هذه القصة من عمران، وقوله: (لأنَّه لم يذكر
…
) إلخ: تردُّه رواية الطبراني: (فأمر إنسانًا معه)؛ فهي تدلُّ على أنَّ (الإنسان) هو عمران بن حصين، وهو الصواب؛ فافهم.
(انظر أين هو)؛ أي: في أي مكان علي؟
فإن قلت: ينافيه ما للمؤلف في «الأدب» : (أنه عليه السلام قال لفاطمة: «أين ابن عمك؟» قالت: في المسجد).
قلت: لا ينافيه؛ لأنَّه يحتمل أن يكون المراد من قوله: «انظر أين هو» : المكان المخصوص من المسجد، أو هل بقي فيه، أو تحول منه؟ فافهم.
(فجاء)؛ أي: فذهب ذلك الإنسان الذي أمره، فرأى عليًّا في المسجد، ثم جاء إلى النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم (فقال: يا رسول الله؛ هو) أي: علي (في المسجد)؛ أي: النبوي والجار والمجرور متعلق بقوله: (راقدٌ)؛ أي: نائم، وهو بالرفع خبر لقوله:(هو)، ويحتمل أنَّه خبر أول، و (راقد) خبر ثان، (فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: إلى المسجد المدني؛ ليراضي عليًّا، ولا يخفى ما فيه من غاية التواضع واللطف منه عليه السلام؛ حيث إنَّه لم يستحضر عليًّا للمنزل، بل ذهب بنفسه الشريفة إليه؛ فرآه (وهو مضطجع) : جملة اسمية محلها نصب على الحال، وكذلك قوله:(قد سقط) أي: وقع (رِدَاؤه)؛ بكسر الراء، وفتح الدال المهملتين: وهو ما يستر أعلى البدن، جملة حالية (عن شِقه)؛ بكسر الشين المعجمة؛ أي: جانبه الأيسر؛ لأنَّه كان ينام على الأيمن، كما هو السنة (وأصابه) أي: عليًّا (تراب)؛ أي: من تراب المسجد، والجملة حالية، (فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ملاطفًا ومؤانسًا لعلي (يمسحه) أي: التراب (عنه)؛ أي: عن علي (ويقول) له: (قم؛ أبا تراب، قم أبا تراب)؛ بتكرار الجملة للتأكيد، إيقاظًا لعلي من نومه، و (أبا تراب) : منادى حذف منه حرف النداء تقديره: يا أبا تراب، على حد قوله تعالى:{يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} [يوسف: 29]
ومطابقة الحديث للترجمة، ظاهرة وظاهر الحديث: يدل على أنَّ
نوم علي في المسجد إنَّما كان نهارًا لا ليلًا، يدل عليه قولها:(فخرج، فلم يَقِل)؛ يعني: وأنَّه أقال في المسجد، والقيلولة: النوم في نصف النهار؛ ففيه: دليل على جواز النوم نهارًا في المسجد لغير الغريب، ولغير الفقير، ولغير الأعزب، وهذا القيد وهو كونه (نوم النهار) قد غفل عنه العجلوني.
وقد يقال: لا دلالة فيه لجواز النوم في المسجد لغير الغريب؛ لأنَّ عليًّا لما كان ممنوعًا من النوم في البيت من أجل المغاضبة؛ فكأنه كالغريب الأعزب؛ حيث إنَّه منع من البيت والزوجة طبعًا؛ لعدم الائتلاف الحاصل بينهما؛ فافهم.
قال إمام الشَّارحين: وفي الحديث أحكام:
الأول: فيه جواز دخول الوالد بيت ولده بغير إذن زوجها.
الثاني: فيه استعطاف الشخص غيره بذكر ما بينهما من القرابة.
الثالث: فيه إباحة النوم في المسجد لغير الغريب، أو لغير الفقير، وكذلك القيلولة في المسجد؛ فإنَّ عليًّا لم يقل عند فاطمة ونام في المسجد، وروى أبو نعيم في كتاب (المساجد) بسنده إلى جبير بن مطعم عن أبيه يرفعه:«لاتمنعوا القائلة في المسجد مقيمًا ولا ضعيفًا»
الرابع: فيه جواز الممازحة للغاضب بالتكنية بغير كنية، إذا كان ذلك لا يغضبه، بل يؤنسه.
الخامس: فيه مداراة الصهر، وتسلية أمره في غيابه.
السادس: فيه جواز التكنية بغير الولد؛ لأنَّه عليه السلام كناه: (أبا تراب)، وعند المؤلف في (الاستئذان) :(ما كان لعلي اسم أحبُّ إليه من أبي تراب، وأنَّه كان يفرح بها).
السابع: فيه فضيلة عظيمة لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه، انتهى.
وزعم العجلوني أنَّ فيه: أنَّه لا بأس بإبداء المنكبين في غير الصلاة، انتهى.
قلت: بل لا بأس بذلك في الصلاة أيضًا؛ لأنَّه ليس فيه كشف العورة؛ فافهم.
وفيه إباحة الأكل والشرب في المسجد قياسًا على النوم فيه إذا لم يضر المسجد، والظاهر: أنَّه مباح للغريب، والمسافر، والفقير، أمَّا المقيم الذي له مسكن؛ فيكره ذلك له؛ لأنَّ منزله أولى في ذلك.
وفيه جواز النوم على التراب إذا لم يضر جسده، والله أعلم.
[حديث: رأيت سبعين من أصحاب الصفة]
442 -
وبالسند إليه قال: (حدثنا يوسف بن عيسى) : هو ابن يعقوب المروزي (قال حدثنا ابن فُضَيْل)؛ بضمِّ الفاء وفتح المعجمة؛ مصغرًا: هو محمد بن فضيل بن غزوان أبو عبد الرحمن الكوفي، المتوفى سنة خمس وتسعين ومئة، (عن أبيه) هو فضيل المذكور، (عن أبي حازم)؛ بالحاء المهملة، والزاي: هو سلْمان؛ بسكون اللام: الأشجعي الكوفي المدني.
قال إمام الشَّارحين: (وأبو حازم هذا أكبر من أبي حازم الذي قبله في السن واللقاء وإن كانا جميعًا مدنيين، تابعيين، ثقتين، ويحتاج الواقف هنا أن يكون على التيقُّظ؛ لئلَّا يقع التلبيس؛ لأجل التشابه) انتهى.
وذكر نحوه ابن حجر، واعترضه العجلوني فقال:(يفترقان بأنَّ الأول اسمه سلمة بن دينار ويروي عن سهل بن سعد، وهذا اسمه سلمان الأشجعي ويروي عن أبي هريرة؛ فاعرف الامتياز بينهما) انتهى.
قلت: هذا التفريق يحتاج إلى التأمل والتفحص عن أسماء الرجال، والمؤلف ذكر الأول والثاني بلفظ:(أبو حازم)، ولا ريب أنَّ فيه اشتباهًا، ولا يلزم من رواية الأول عن سهل ألَّا يروي عن أبي هريرة أو بالعكس؛ لأنَّ كلًّا منهما تابعي يروي عن الصحابي، فما زعمه العجلوني ليس في محله، وهو غير ظاهر، كما لا يخفى؛ فافهم.
(عن أبي هريرة) : هو عبد الرحمن بن صخر؛ الدوسي الصحابي الجليل رضي الله عنه أنَّه (قال: رأيت) وفي رواية الأربعة: (لقد رأيت)(سبعين) أي: شخصًا (من أصحاب الصُّفَّة)؛ بضمِّ الصاد المهملة، وتشديد الفاء: موضع في مسجد النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم تأوي إليه الفقراء والمساكين، كما مر.
وهذا يشعر بأنَّهم كانوا أكثر من سبعين وهو كذلك، ولهذا قال إمامنا الشَّارح:(وهؤلاء الذين رآهم أبو هريرة غير السبعين الذين بعثهم النبيُّ الأعظم عليه السلام في غزوة بئر معونة، وكانوا من أهل الصُّفَّة أيضًا، لكنَّهم استشهدوا قبل إسلام أبي هريرة) انتهى.
قلت: وقد جمع ابن الأعرابي، والسلمي، والحاكم، وأبو نعيم: أصحاب الصفة وعند كل منهم ما ليس عند الآخر؛ فيراجع.
وقوله: (ما منهم رجل عليه رِدَاء)؛ بكسر الراء وفتح الدال المهملتين، والمد: هو ما يستر أعلى البدن، جملة حالية من (سبعين)، ويحتمل أنَّها مستأنفة استئنافًا بيانيًّا؛ فتأمل.
(إمَّا) بكسر الهمزة؛ للتفصيل (إزار)؛ بكسر الهمزة، والمعجمة والمهملة: هو ما يستر النصف الأسفل من البدن؛ يعني: إمَّا عليه إزار فقط، فـ (إزار) : خبر لمبتدأ محذوف، كما قدرناه (وإِمَّا كِساء)؛ بكسر الهمزة، وكسر الكاف مع المدِّ، لكنَّه على الهيئة المذكورة في قوله:(قد ربطوا)؛ أي: الأكسية، وهي صفة لـ (الكساء) والعائد إليه محذوف للعلم به، تقديره:(ربطوه)، وجمع الضمير في (ربطوا) العائد إلى (الرجل) و (الكساء)؛ لأنَّ المراد به: الجنس؛ كالضمير في قوله: (في أعناقهم)؛ لأنَّ المراد به الجنس، (فمنها)؛ أي: الأكسية، وجمع باعتبار أنَّ المراد بـ (الكساء) الجنس أيضًا (ما يبلغ نصف الساقين) ولم يُثنَّى لفظ:(النصف)؛ للعلم بأنَّ المراد منه التشبيه؛ حيث أضيف إلى الساقين؛ قاله العجلوني.
قلت: ليس كذلك، فإنَّه لو أريد به التثنية لم تسقط الألف، بل النون فقط للإضافة، فلم يبق علامة تدل على التثنية، بل لفظ:(نصف) مفرد، ولم يُثنِّه؛ للعلم بأنَّ لكل رجل منهم ساقين؛ فافهم
(ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه)؛ أي: يجمع الواحد منهم الكساء بيده، وزاد الإسماعيلي في روايته:(أنَّ ذلك في حال كونهم في الصلاة) قاله إمامنا الشَّارح، وعزا هذه الرواية القسطلاني للأصيلي، انتهى.
قلت: والظاهر: أنَّه خطأ، بل هي