الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للمشروب.
فإن قلت: إذا ثبت أنَّ الحلاب اسم للإناء؛ فالمذكور في الترجمة شيئان؛ أحدهما: الإناء، والآخر: الطيب، وليس في حديث الباب ذكر الطيب، فلا يطابق الحديث الذي فيه إلا بعض الترجمة؟
قلت: قد عقد الباب؛ لأحد الأمرين حيث جاء بـ (أو) الفاصلة دون (الواو) الواصلة، فوفى بذكر أحدهما على أنَّه كثيرًا يذكر في الترجمة شيئًا ولا يذكر في الباب حديثًا متعلقًا به لأمر يقتضي ذلك.
فإن قلت: ما المناسبة بين ظرف الماء والطيب؟
قلت: من حيث أنَّ كلًّا منهما يقع في مبدأ الغسل، ويحتمل أيضًا أنَّه أراد بالحلاب: الإناء الذي فيه الطيب؛ يعني به: تارة يطلب ظرف الطيب، وتارة يطلب نفس الطيب، كذا قاله الكرماني، ولكن يرد عليه ما رواه الإسماعيلي من طريق مكي بن إبراهيم عن حنظلة في هذا الحديث:(كان يغتسل بقدح) بدل قوله: (بحلاب)، وزاد فيه:(كان يغسل يديه، ثم يغسل وجهه، ثم يقول بيديه ثلاث غرف) انتهى كلام «عمدة القاري» رحمه الله تعالى.
[حديث: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب]
258 -
وبه قال: (حدثنا)؛ بالجمع، وفي رواية: بالإفراد (محمَّد بن المثنى)؛ بالمثلثة، البصري (قال: حدثنا أبو عاصم) : هو الضحاك بن مَخْلد؛ بفتح الميم، وسكون الخاء المعجمة، البصري المتفق عليه علمًا وعملًا، ولُقِّب بالنبيل؛ لأنَّ شعبة حلف أنَّه لا يحدث شهرًا، فبلغ ذلك أبا عاصم، فقصده فدخل مجلسه، وقال: حدث وغلام العطار حرٌّ عن كفارة يمينك فأعجبه ذلك، وقال: أبو عاصم النبيل، فلقِّب به، وهو من كبار شيوخ المؤلف، وقد أكثر عنه في هذا الكتاب، لكنه نزل في هذا الإسناد، فأدخل بينه وبينه محمَّد بن المثنى، كذا قاله في «عمدة القاري» ، (عن حنظلة)؛ بالحاء المهملة أوله: هو ابن أبي سفيان القرشي، (عن القاسم) : هو ابن محمَّد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه التيمي المدني، أفضل أهل زمانه، كان ثقةً عالمًا فقيهًا من الفقهاء السبعة بالمدينة، إمامًا ورعًا من خيار التابعين، المتوفى سنة بضع ومئة، (عن عائشة) : أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما أنَّها (قالت: كان النبيُّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل)؛ أي: إذا أراد أن يغتسل (من الجنابة دعا)؛ أي: طلب ماء (بشيء نحو الحِلاب)؛ بكسر الحاء المهملة؛ أي: إناء مثل الإناء الذي يسمى الحلاب، وقد وصفه أبو عاصم: بأنَّه أقل من شبر في شبر، أخرجه أبو عَوانة في «صحيحه» عنه، وفي رواية لابن حبان:(وأشار أبو عاصم بكفيه يصف به دوره الأعلى)، وفي رواية للبيهقي:(كقدر كوز يسع ثمانية أرطال)، وفي حديث مكي عن القاسم:(أنَّهسئل كم يكفي من غسل الجنابة؟ فأشار إلى القدح والحلاب)، ففيه: بيان مقدار ما يحمل من الماء لا الطيب والتطيب، ومن له ذوق من المعاني وتصرف في التراكيب؛ يعلم أنَّ الحلاب المذكور في الترجمة إنَّما هو الإناء، ولم يقصد البخاري إلا هذا غير أنَّ القوم أكثروا الكلام فيه من غير زيادة فائدة، ولفظ الحديث أكبر شاهد على ما ذكرنا؛ لأنَّه قال:(دعا بشيء نحو الحلاب)، فلفظ (نحو) ههنا بمعنى: المثل، ومثل الشيء: غيره، فلو كان دعا بالحلاب؛ كان ربما يشكل، على أنَّ في بعض الألفاظ:(دعا بإناء مثل الحِلاب)، كذا قاله إمام الشارحين في «عمدة القاري» ؛ فليحفظ، (فأخذ) أي: النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم (بكفه)؛ بالإفراد، وفي رواية الكشميهني:(بكفيه)؛ بالتثنية، وكذا وقع في رواية مسلم بعد قوله:(الأيسر)، وكذا وقع في رواية أبي داود؛ أي: من الماء الذي في الإناء الذي يسمى الحلاب، وهذا هو المعنى الصحيح، وزعم العجلوني أنَّ المراد بالحلاب: الطيب، فيكون (فأخذ)؛ أي: من الطيب الذي في الإناء.
قلت: وهو فاسد، فأي معنى لوضع الطيب في الإناء؟ على أنَّ
(1)
الطيب إنَّما يستعمل بعد الغسل لا قبله، وهنا يكون الغسل بعد التطيُّب فلا فائدة فيه، ولا ثمرة تحويه؛ فافهم.
(فبدأ بشِق) بكسر الشين المعجمة (رأسه الأيمن) : وهو القوذ الأيمن؛ لأنَّ الرأس أربع قطع: الناصية، والقذال، والقوذان، (ثم) بشق رأسه (الأيسر) : وهو القوذ الأيسر، فغسلهما بالماء، (فقال بهما)؛ أي: بكفيه، وهذا يدل على أنَّ الرواية الصحيحة:(فأخذ بكفيه)؛ بالتثنية حيث أعاد الضمير بالتثنية، وأمَّا على رواية مسلم؛ فظاهر؛ لأنَّه زاد في روايته بعد قوله:(الأيسر فأخذ بكفيه)، والعرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال وتطلقه أيضًا على غير الكلام، فتقول: قال بيده؛ أي: أخذ، وقال برجله؛ أي: مشى، قال الشاعر:
وقالت له العينان سمعًا وطاعة....
أي: أومأت.
وجاء في حديث آخر: (فقال بثوبه)؛ أي: رفعه، وكل ذلك على المجاز بالاتساع، ويقال: إنَّ (قال) يجيء لمعان كثيرة بمعنى: أقبل، ومال، واستراح، وذهب، وغلب، وأحب، وحكم. تقول: أخذ العصا وقال به كذا؛ أي: ضرب، وأخذ ثوبه وقال به عليه؛ أي: لبسه، وغير ذلك، كذا في «عمدة القاري» ، ومعنى (قال بهما) : أي: قلب بكفيه الماء (على وسط رأسه) والجار والمجرور متعلق بـ (قال)، وسقط في رواية لفظ:(وسط)، قال في «عمدة القاري» :(بفتح السين)، وقال الجوهري:(بالسكون ظرف، وبالحركة اسم، وكل موضع صلح فيه (بين)؛ فهو بالسكون، وإن لم يصلح فيه؛ فهو بالتحريك)، وقال المطرزي: سمعت ثعلبًا يقول: استنبطنا من هذا الباب: أنَّ كل ما كان أجزاء تنفصل.
قلت: فيه (وسْط) بالتسكين، وما كان لا ينفصل، ولا يتفرق.
قلت: بالتحريك تقول من الأول: اجعل هذه الخرزة وسط السبحة، وانظم هذه الياقوتة وسط القلادة، وتقول أيضًا: لا تقعد وسط الحلقة ووسط القوم، هذا كله يتجزأ، ويتفرق، وينفصل، فتقول فيه بالتسكين، وتقول في القسم الثاني: احتجم وسط رأسه، واقعد وسط الدار، وقس على هذا، انتهى، ثم قال: ومما يستنبط من الحديث: أنَّ المغتسل يستحب له أن يجهز الإناء الذي فيه الماء؛ ليغتسل منه، وفيه أنَّ قولها: (كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم دليل على مداومته على ذلك؛ لأنَّ هذه اللفظة تدل على الاستمرار والدوام، ويستحب للمغتسل أن يبدأ بشقه الأيمن، ثم بالشق الأيسر، ثم على وسط رأسه، انتهى.
قلت: وهذا قول شمس الأئمَّة الحلواني من الأئمَّة الحنفية، ومشى عليه في «تنوير الأبصار والدرر والغرر» قائلًا:(هو الأصح)، وقدمنا أنَّ الصحيح أنَّه يبدأ بالرأس، فينبغي للمغتسل أن يفعل مرة هكذا، ومرة هكذا؛ ليكون فعله موافقًا لحديث الباب، ولما سبق من الأحاديث، والله أعلم.
وزعم ابن حجر أنَّ المراد بـ (الطيب) في الترجمة الإشارة إلى حديث عائشة أنَّها كانت تطيِّب النبيَّ عليه السلام عند الإحرام، والغسل من سنن الإحرام، فكان الطيب حصل عند الغسل.
قال: ويقويه تبويب البخاري بعد سبعة أبواب بـ (باب من تطيب ثم اغتسل)، وساق حديث:(أنا طيَّبت رسول الله عليه السلام، ثم طاف في نسائه، ثم أصبح محرمًا)، فعلى هذا؛ فقوله:(من بدأ بالحلاب)؛ أي: بالطيب عند إرادة الغسل، قال:(وهذا أحسن الأجوبة) انتهى.
قلت: وهذا ليس بشيء، فإنَّ قوله: (إنَّ المراد
…
) إلخ بعيد؛ لأنَّ عادة المؤلف يذكر الترجمة، ويستدل لها بحديث فأكثر، فلا يلزم أن يشير في ترجمة باب على حدة إلى حديث آخر مذكور في باب آخر هذا بعيد جدًّا، على أنَّ حديث عائشة إنَّما هو في حال الإحرام، وهنا في غسل الجنابة، كما صرح به الحديث، فإنَّ حال الإحرام لا يقاس على حال الإحلال، فإنَّه قياس مع الفارق؛ لأنَّ حال الإحرام يحرم التطيُّب، فيلزم ذلك قبل الغسل للسنَّة، والغسل وإن كان من سنن الإحرام لكنه ممنوع من التطيب بعد الغسل.
وقوله: (ويقويه
…
) إلخ؛ هذا ليس بشيء أيضًا؛ لأنَّ تبويب البخاري مخصوص لحكم التطيب قبل غسل الإحرام، وسياق الحديث يدل عليه، فهذا ليس له فائدة هنا؛ لأنَّ كل ترجمة وأحاديثها مخصوصة بحكمها لا تعلق لها بأحاديث أخرى مذكورة في باب آخر.
وقوله: (فعلى هذا
…
) إلخ؛ بعيد جدًّا، أما سمعت قول الإسماعيلي سبق لقلب البخاري أنَّ الحلاب طيب، وأي معنى للطيب عند الاغتسال قبل الغسل؟
وقول ابن الأثير: لأن يستعمل الطيب بعد الغسل أليق منه قبل الغسل؛ لأنَّه إذا بدأ به ثم اغتسل؛ أذهبه الماء؛ فلا فائدة له
(1)
في الأصل: (أنه)، ولعل المثبت هو الصواب.
في ذلك، فهذا الجواب ضعيف، وليس بحسن، فضلًا عن أن يكون أحسن، فإنَّ المقصود من التطيب ليس استعمال الطيب فقط، بل استعماله مع الانتفاع برائحته ونحو ذلك، واستعماله قبل الغسل لا معنًى [له]؛ لأنَّ الماء لا يبقى له أثرٌ
(1)
في البدن، كما لا يخفى على من له أدنى ذوق في العلم.
(7)
[باب المضمضة والاستنشاق في الجنابة]
هذا (باب) حكم (المضمضة والاستنشاق في) الغسل من (الجنابة) هل هما واجبان أو سنتان، ومثل الجنابة الحيض والنفاس، كما لا يخفى، والإمام المؤلف قصد بهذه الترجمة إثبات وجوب المضمضة والاستنشاق، فاستنبط من الحديث الآتي في هذا الباب وجوبهما، وكذلك الحديث السابق في الباب قبله، فإنَّه يدل على وجوبهما أيضًا؛ حيث إنَّه لم يذكر فيه أنَّه توضأ وضوءه للصلاة، فدل ذلك على وجوبهما، كما لا يخفى، ولهذا عقب هذا الباب بالباب الذي قبله، وهذا ظاهر، كما لا يخفى، وبهذا ظهر فساد ما زعمه ابن حجر تبعًا لما زعمه ابن بطال: من أنَّ المؤلف استنبط عدم وجوبهما من هذا الحديث؛ لأنَّ في رواية الباب الذي بعده في هذا الحديث: (ثم توضأ وضوءه للصلاة)، فدل على أنَّهما للوضوء، وقام الإجماع على أنَّ الوضوء في غسل الجنابة غير واجب وهما من توابع الوضوء، فإذا سقط الوضوء؛ سقط توابعه، ويحمل ما روي من صفة غسله عليه السلام على الكمال والفضل.
ورد هذا صاحب «عمدة القاري» فقال: قلت: (هذا الاستدلال غير صحيح؛ لأنَّ هذا الحديث ليس له تعلق بالحديث الذي يأتي بعده، وفيه تصريح بالمضمضة والاستنشاق، ولا شك أنَّه عليه السلام لم يتركهما؛ فدل ذلك على المواظبة، وهي تدل على الوجوب، والدليل على المواظبة عدم النقل عنه عليه السلام تركه إياهما، وسقوط الوضوء القصدي لا يستلزم سقوط الوضوء الضمني، وعلى كل حال لم ينقل تركهما، وأيضًا النص يدل على وجوبهما، كما ذكرنا فيما مضى) انتهى.
قلت: والنص هو قوله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]، فإنَّ معناه: طهروا أبدانكم، فيدخل فيه كل ما أمكن تطهيره من البدن من غير حرج، ولا ريب أنَّ المضمضة والاستنشاق داخلان تحت هذا الأمر، وهو للوجوب، فدل ذلك على وجوبهما بالنص، على أنَّ قول ابن بطال: (استنبط عدم وجوبها
…
) إلخ؛ فاسد، فإنَّ الظاهر أنَّ المؤلف استنبط وجوبهما بدليل أنَّه عقب هذا الباب بالباب الذي قبله، والأحاديث التي فيهما لم يذكر فيها أنَّه توضأ وضوءه للصلاة، فدل ذلك على أنَّه اغتسل الغسل المفروض بدون سننه، وهو دليل على وجوبهما قطعًا، كما لا يخفى على من له أدنى ذوق في العلم.
وزعم ابن حجر في «الانتقاض» معترضًا على صاحب «عمدة القاري» ، فقال:(حكاية هذا الكلام تغني عن تكلف الرد عليه، وقد صرح الحذاق بأنَّ عدم النقل لا يدل على عدم الوقوع، ولا سيما إن وجدت قرينة تدل على عدم الوقوع، وهذا المعترض أكثر من الطعن على من تقدمه) انتهى.
قلت: وهذا الزعم باطل، وأشار بقوله: (حكاية هذا
…
) إلخ: إلى أنَّ الدليل الذي ذكره صاحب «عمدة القاري» قوي؛ كالجبل الراسخ، فلم يوجد ما يعارضه إلا قوله: (وقد صرح
…
) إلخ، وهو لا يعارضه أصلًا، فأي قرينة وجدت مع النقل بالوقوع والتصريح بعدم نقل الترك؟ على أنَّ الأحاديث الواردة في ذلك قرينة ظاهرة على أنَّه عليه السلام لم يتركهما أصلًا، هذا وقد روى البيهقي والدارقطني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثًا فريضة» ، وما زعمه بعضهم من أنَّه ضعيف فاسد؛ لأنَّه روي بطرق متعددة، وبتعدد طرقه يرتقي إلى درجة الصحيح، كما لا يخفى، وقد انعقد الإجماع على أنَّ الفرض مرة واحدة، فهذا دليل ظاهر، وقرينة واضحة على أنَّه عليه السلام لم يتركهما أصلًا، فدل ذلك على الوجوب قطعًا، كما لا يخفى على من له أدنى ذوق في العلم.
وقوله: (وهذا المعترض
…
) إلخ؛ فإنا لم نعهد سوء أدب من هذا الإمام الشارح مع من تقدمه من المجتهدين، فإنَّه سيد المؤدبين من الشراح، بل عهدنا سوء الأدب من ابن حجر في حقهم كثيرًا، فلا له أن يقول هذا الكلام، ومقصد إمامنا الشارح بيان الحق والرجوع إليه؛ إذ ما بعد الحق إلا الضلال؛ فافهم، وبما قررناه ظهر فساد ما زعمه ابن حجر من أنَّ الله تعالى لم يذكرهما في كتابه ولا أوجبهما رسوله، ولا اتفق الجميع على إيجابهما، والفرائض لا تثبت إلا بهذه الوجوه، وما كان في معناها) انتهى.
قلت: فإنَّ هذا كلام من لم يشمَّ شيئًا من العلم كيف ولم يذكرهما الله تعالى؟ وقد قال [الله] تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]؛ ومعناه: طهروا أبدانكم، فيدخلان تحت الأمر، فكأنَّه تعالى قال ذلك صريحًا، والنبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه وجوبهما قولًا وفعلًا، كما قدمناه، وهما من الفروض العملية، وهي لا تحتاج لإثباتها الإجماع كما زعمه، فإنَّ الإجماع يُحتاج إليه في الفروض العلمية ألا ترى أنَّ من أنكر فرضيتهما لا يكفر؛ لأنَّهما من الفروض العملية لا العلمية، كما لا يخفى على من له أدنى ذوق في العلم، وفي هذا القدر كفاية للمتعصبين؛ فافهم.
[حديث: صببت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلًا فأفرغ بيمينه]
259 -
وبه قال: (حدثنا عُمر)؛ بضمِّ العين المهملة (بن حفص بن غِياث)؛ بكسر الغين المعجمة، آخره مثلثة، المتوفى سنة اثنتين وعشرين ومئتين (قال: حدثنا أبي) : هو حفص بن غياث بن طلق النخعي الكوفي، وُلِّي القضاء ببغداد، أوثق أصحاب الأعمش، ثقة، فقيه، عفيف، حافظ، مات سنة ست وتسعين ومئة (قال: حدثنا الأعمش) : هو سليمان بن مهران (قال: حدثني) بالإفراد (سالم)؛ بالسين المهملة: هو ابن أبي الجعد، التابعي، (عن كُريب)؛ بضمِّ الكاف؛ مصغرًا: مولى ابن عباس، (عن ابن عباس) : عبد الله رضي الله عنهما قال: (حدثتنا)؛ بتاء التأنيث بعد المثلثة (مَيمُونة)؛ بفتح الميم الأولى، وضم الثانية: بنت الحارث زوج النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم، وخالة ابن عباس رضي الله عنها أنَّها (قالت: صببت للنبيِّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم غُسلًا)؛ بضمِّ الغين المعجمة؛ أي: ماء للاغتسال من الجنابة، (فأفرغ) : من الإفراغ؛ أي: صب النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم (بيمينه على يساره)؛ أي: صب الماء الذي طلبه أولًا في يمينه من الإناء، أو أخذه بها، فيكون هذا على وفق عادته عليه السلام؛ لأنَّ عادته عليه السلام غالبًا الإفراغ بشماله على يمينه؛ لما رواه مسلم من حديث أبي سَلَمَة عن عائشة قالت:(كان النبي عليه السلام إذا اغتسل بدأ بيمينه، فصب عليها من الماء فغسلها)، وقد يقال: إنَّما أفرغ بيمينه على يساره لما كان فيها من المني وغيره؛ ليكون متناولًا الماء بيديه الطاهرتين، وهذا معنًى صحيح؛ فليحفظ، (فغسلهما)؛ أي: اليمين واليسار معًا بعد أن غسل اليسار أولًا، ثم جعل الماء فيهما فغسلهما معًا هذا هو الظاهر؛ فافهم، (ثم غسل فرجه)؛ أي: مذاكيره القبل والدبر وما حولهما بعد أن أفرغ بيمينه على شماله، (ثم قال بيده)؛ أي: اليسار التي استنجى بها (الأرض)؛ أي: ضرب بيده الأرض، فإنَّ العرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال وتطلقه على غير الكلام، كما ذكرناه عن قريب، وسيجيء في رواية في هذا الموضع:(فضرب بيديه الأرض)؛ بالتثنية، كذا في «عمدة القاري» ، وفي رواية أبي ذر، وابن عساكر:(على الأرض)؛ أي: ضرب بيده عليها، أو يقال: مسح بيده على الأرض، فإنَّ
(1)
في الأصل: (أثرًا)، وليس بصحيح.