الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإقامة حدودكم، وسل سيوفكم، واتخذوا على أبوابها المطاهر، وجمِّروها في الجُمَع) انتهى.
قلت: وهو وإن كان بنحوه، لكنه أيضًا لا يدل على منع لعبهم في المسجد؛ لأنَّ الحديثان ليس فيهما منع اللعب، بل فيهما منع المقاتلة بالسيوف.
وزعم ابن حجر عن مالك: (أن لعبهم كان خارج المسجد، وكانت عائشة فيه، وهذا لا يثبت؛ لأنَّ مالكًا صرح في طرف هذا الحديث بخلافه، وفي بعضها: أن عمر أنكر عليهم لعبهم في المسجد، فقال النَّبي عليه السلام: «دعهم»، فإن اللعب بالحراب ليس لعبًا مجردًا، بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب والاستعداد للعدو) انتهى.
قلت: والظَّاهر أن مذهب مالك منع اللعب بالحراب في المسجد كما يؤخذ من كلام أبي الحسن اللخمي؛ وهو غير صحيح؛ لأنَّ حديث الباب صريح في الجواز، فيكون حجة عليه، وقوله:(إن لعبهم كان خارج المسجد) يرده قول عائشة: (والحبشة يلعبون في المسجد).
وزعم ابن حجر أن البخاري قصد بالتَّرجمة أصل الحديث لا خصوص السياق الذي يورده، ولم أقف على طريق يونس من رواية إبراهيم بن المنذر موصولة، انتهى.
قلت: وهذا غير صحيح، فإن البخاري قصده الإشارة بالتَّرجمة للسياق الذي يورده؛ لأنَّه يجعله دليلًا على التَّرجمة؛ لأنَّ الحديث وإن كان ليس فيه تصريح بأن لعبهم كان بحرابهم، لكن اللعب لا يكون إلا بالحراب، وساق التَّعليق بعده؛ ليدل على هذا القيد فيكون دليلًا على ترجمته.
وقوله: (ولم أقف
…
) إلى آخره؛ ممنوع؛ فإن من هو أكبر منه -إمام الشَّارحين- قد وقف على وصله عند الإسماعيلي من طريق عثمان بن عمر عن يونس، وعند مسلم عن أبي طاهر عن ابن وهب؛ فافهم، والله أعلم.
(70)
[باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد]
هذا (باب) حكم (ذكر البيع والشراء)؛ أي: الإخبار بوقوعهما من غير كراهة في الخطبة (على المنبر) الكائن (في المسجد)؛ أي: النَّبوي وغيره، بخلاف فعل البيع والشراء، فإنَّه منهي عنه فيه، وليس المراد: أنَّه أوقعهما فيه كما توهمه بعضهم؛ حيث زعم أنَّه لا مطابقة بين الحديث والتَّرجمة، كما نبَّه عليه إمام الشَّارحين، فقوله:(على المنبر) : متعلق بقوله: (ذِكرُ)، وقوله:(في المسجد) : صفة للمنبر أو حال منه، وفي رواية تقديم (المسجد) على (المنبر)، وفي رواية أبي ذر:(على المنبر والمسجد)؛ بالواو العاطفة، وعليها فيشكل تعدية (ذكر) بـ (على) بالنسبة للمسجد؛ لأنَّ التقدير يكون: وعلى المسجد، وأجاب إمام الشَّارحين:(بأنه ضمَّنه معنى الاستعلاء؛ عكس قوله تعالى: {لأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71]، وبأنه يغتفر بالتَّابع ما لا يغتفر في المتبوع، وبأنه من باب قولهم: علفتها تبنًا وماء باردًا؛ فإن تقديره: وسقيتها ماء باردًا؛ لأنَّه لا يعلف بالماء) انتهى بزيادة.
وقال المازري: اختلفوا في جواز ذلك في المسجد مع اتفاقهم على صحة العقد لو وقع، انتهى.
قلت: فيه نظر، فإن العقد حال الخطبة جائز مع الحرمة عند الإمام الأعظم وأصحابه، وغير صحيح عند مالك ومن تبعه، وأما العقد في المسجد في غير حال الخطبة من غير إحضار السلعة؛ فجائز غير مكروه، وبها؛ مكروه؛ فافهم.
وقد خبط هنا العجلوني وخلط، وأطلق في محل التقييد، وغير العبارة، ولم يفهم الإشارة؛ فافهم.
[حديث: ابتاعيها فأعتقيها فإن الولاء لمن أعتق]
456 -
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا علي بن عبد الله)، هو المديني ابن جعفر السعدي مولاهم، المدني البصري (قال: حدثنا سفيان) هو ابن عيينة (عن يحيى) هو ابن سعيد الأنصاري، وفي «مسند الحميدي» :(عن سفيان: حدثنا يحيى)(عن عَمْرة)؛ بفتح العين المهملة، وسكون الميم: هي بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية، المدنية الموثقة، المتوفاة قبل المئة، ويقال: بعدها، كذا في «التقريب» ، قلت: وقد كان ابن المديني يفخم أمرها، وهي إحدى الثقات العلماء، المتوفاة سنة ثمان وتسعين على الأصح، كما قاله الكرماني، (عن عائشة) هي الصديقة بنت الصديق الأكبر رضي الله عنهما (قالت) أي: عائشة: (أتتها بريرة)، فاعل (قالت) : يحتمل أن يكون عمرة، ويحتمل أن يكون عائشة، فإن كان عمرة؛ فلا التفات، وإن كان عائشة؛ ففيه التفات من الحاضر إلى الغائب.
و (بَرِيْرَة)؛ بفتح الموحَّدة، وكسر الرَّاء الأولى، وفتح الثانية، بينهما تحتية ساكنة، وزعم القرطبي: أن وزنها: «فعيلة» ، من البر، ويحتمل أن يكون بمعنى: مفعولة؛ أي: مبرورة؛ كـ (أكيلة السبع)؛ أي: مأكولة، ويحتمل أن تكون بمعنى: فاعلة؛ كرحيمة؛ بمعنى: راحمة، وهي بنت صفوان، كانت لقوم من الأنصار، أو مولاة لأبي أحمد بن جحش، وقيل: مولاة لبعض بني هلال، وكانت قبطية، وزعم الكرماني: أنها مولاة لعائشة كانت لعتبة بن أبي لهب.
قلت: ذكرها الذهبي في «الصَّحابيات» وقال: يقال: إن عبد الملك بن مروان سمع منها، وفي «معجم الطَّبراني» من حديث عبد الملك بن مروان قال:(كنت أجالس بريرة بالمدينة، فكانت تقول لي: يا عبد الملك؛ إني أرى فيك خصالًا، وإنك لخليق أن تلي هذا الأمر، فإن وليته؛ فاحذر الدنيا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الرجل يدفع عن باب الجنة بعد أن ينظر إليها بملء محجمة من دم يريقه من مسلم بغير حق») انتهى، وعبد الملك اختلف في مولده، فقال خليفة بن خياط: سنة ثلاث، وقال أبو حسان الزيادي: سنة خمس، وقال محمَّد بن سعد: سنة ست وعشرين، وولاه معاوية رضي الله عنه ديوان الخراج
(1)
، وعمره ست عشرة سنة، فعلى هذا؛ تكون بريرة موجودة بعد سنة أربعين.
وقد اختلف في اسم زوج بريرة، ففي الصَّحيح: أنَّه مُغِيْث؛ بِضَمِّ الميم، وكسر الغين المعجمة، وسكون التحتية، آخره مثلثة، وعند الصريفيني عن العسكري: معتِب؛ بعين مهملة، وكسر المثناة الفوقية، آخره موحَّدة، وعند أبي موسى الأصبهاني: أنَّه مقسم؛ بميم، ثم قاف، ثم سين مهملة، آخره ميم، كذا قرره إمام الشَّارحين في «عمدة القاري» .
وقال القسطلاني: (بريرة: بعدم الصرف؛ لأنَّه منقول من بريرة؛ واحدة البرير؛ وهو ثمر الأراك، وهي بنت صفوان فيما نقل عن النَّووي في «التهذيب»، قال البلقيني: لم يقله غيره، وفيه نظر) انتهى.
(تسألها)؛ أي: تستعطي بريرة عائشة (في كتابتها)؛ أي: في شأنها، والجملة محلها نصب على الحال من (بريرة)، والأصل في السؤال أن يعدَّى بـ (عن)؛ كما في قوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ} [الأنفال: 1]، ولكن لما كان سؤالها بمعنى: الاستعطاء؛ بمعنى: تستعطيها في أمر كتابتها؛ عُدِّي بكلمة الظرف، ويجوز أن يكون معنى (تسأل) : تستعين بالتضمين، على أنَّ في رواية جاءت
(1)
في الأصل: (الجراح)، وهو تصحيف.
هكذا.
والكتابة: لغة: مصدر كتب، من الكَتْب؛ وهو الجمع، ومنه: كتبت القربة إذا خرزتها، وسمي هذا العَقْد كتابة ومكاتبة؛ لأنَّ فيه ضم حرية اليد إلى حرية الرقبة، أو لأنَّ فيه جمعًا بين نجمين فصاعدًا، أو لأنَّ كلًا منهما يكتب الوثيقة، وفي الشرع: تحرير المملوك يدًا في الحال، ورقبة في المآل؛ لأنَّ المكاتب لا يتحرر رقبة إلا إذا أدى المال، وهو بدل الكتابة، وأما في الحال؛ فهو حر من جهة اليد فقط، حتى يكون أحق بكسبه، ويجب على المولى الضمان بالجناية عليه أو على ماله، ولهذا قيل:(المكاتب طار عن ذل العبودية، ولم ينزل في ساحة الحرية، فصار كالنعامة إن استطيرت؛ تباعدت، وإن استحملت؛ تطايرت)، كذا قرره إمام الشَّارحين في «عمدة القاري» .
(فقالت)؛ أي: عائشة مخاطبة لبريرة: (إن شئتِ)؛ بكسر التَّاء؛ لأنَّه خطاب المؤنث؛ (أعطيتُ) بلفظ المتكلم (أهلَكِ) بكسر الكاف؛ أي: مواليك، وهو منصوب على أنَّه مفعول أول لـ (أعطيت)، ومفعوله الثاني محذوف وهو ثمنك؛ لدلالة الكلام عليه، كذا قاله إمامنا الشَّارح، (ويكون الوَلاء)؛ بفتح الواو، هو في عرف الفقهاء: تناصر يوجب الإرث والعقل؛ لأنَّ الولاء لغة: النصرة والمحبة، إلا أنَّه اختص في الشرع بولاء العتق والموالاة، واشتقاقه من (الولي) وهو القربوحصول الثاني بعد الأول من غير فصل، انتهى، (لي) أي: لا لأهلك، (وقال أهلها) أي: موالي بريرة لعائشة رضي الله عنهما: (إن شئتِ) بكسر التَّاء؛ (أعطيتِها)؛ بكسر التَّاء أيضًا؛ أي: بريرة، وهو مقول القول (ما) أي: الذي (بقي) من مال الكتابة في ذمة بريرة.
قال إمام الشَّارحين: (ومحل هذه الجملة النصب؛ لأنَّها وقعت مفعولًا ثانيًا لقوله: «أعطيتها»، ومفعوله الأول الضمير المنصوب في «أعطيتها») انتهى.
واعترضه العجلوني بأن محل (ما) الموصولة النصب، لا الجملة على الصَّحيح، انتهى.
قلت: واعتراضه مردود عليه؛ لأنَّ دأب المؤلفين التسامح في مثل هذا في عباراتهم، ومعلوم أن محل الموصول النصب؛ فافهم، وقد يقال أيضًا: إن جمهور النحاة جوزوا أن يكون محل الجملة بتمامها النصب، وقال بعضهم: وهو الأصح، وعلى هذا فالاعتراض غير وارد من أصله؛ فافهم.
قال إمام الشَّارحين: (فإن قلت: كم كان مال الكتابة على بريرة؟
قلت: ذكر في باب «الكتابة» من حديث يونس، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: «إن بريرة دخلت عليها تستعينها في كتابتها، وعليها خمس أواق نُجمت عليها في خمس سنين
…
»؛ الحديث.
فإن قلت: ذكر في باب «سؤال الناس» : كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية، فأعينيني، فقال:«خذيها فأعتقيها، واشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق» ، فبين الروايتين تعارض.
قلت: هذا الحديث أصح؛ لاتصاله ولانقطاع ذاك، ولأن راوي هذا عن أمه، وهو أعرف بحديث أمه وخالته.
وقيل: يحتمل أن تكون هذه الخمسة الأواق التي قد استحقت عليها بالنجوم من جملة التسعة، أو أنها أعطت نجومًا وفَضُلَ عليها خمسة.
قلت: هذا يرده ما رواه البخاري في «الشروط في البيع» : «ولم تكن قضت من كتابتها شيئًا» .
والأواق: جمع أُوقيَّة؛ بِضَمِّ الهمزة، وتشديد التحتية، والجمع يشدد ويخفف، مثل أثفية وأثافي وأثافٍ، وربما يجيء في الحديث:«وقية»
(1)
، وليست بالعالية، وهمزتها زائدة، وكانت الأوقية قديمًا عبارة عن أربعين درهمًا، ثم إنها تختلف باختلاف اصطلاح البلاد)، انتهى كلام إمام الشَّارحين.
واعترضه العجلوني فزعم أن قوله: (هذا الحديث أصح؛ لاتصاله ولانقطاع ذاك) : كلٌّ منهما متصل، كما يعلم من الوقوف عليه، وعبارته غير محررة، وقوله:(بحديث أمه وخالته)؛ أين الأم والخالة؟ وقوله: (يرده ما رواه
…
) إلخ؛ لا ينافيه؛ لاحتمال أنها جاءت مرتين، انتهى.
قلت: واعتراضه مردود عليه، فإن البخاري ذكر في باب (المكاتب ونجومه) تعليقًا عن اللَّيث: حدثني يونس، عن ابن شهاب: قال عروة: قالت عائشة: (إن بريرة دخلت عليها تستعينها في كتابتها، وعليها خمسة أواق، نُجمت عليها في خمس سنين
…
)؛ الحديث، ولا ريب أنَّه منقطع، وأن عروة ابن أخت عائشة، فهي خالته، كما لا يخفى، وفي بعضها: عن أسماء؛ وهي أخت عائشة وأم هشام وعروة؛ لأنَّ المؤلف قد ذكر هذا الحديث في أربعة عشر
(2)
موضعًا، وقوله: (لا ينافيه
…
) إلخ؛ ممنوع؛ فإن المنافاة بينهما ظاهرة كما لا يخفى؛ فافهم.
والأوقية في ديارنا الشامية: سبعة وستين درهمًا، وكذلك في حلب، إلا أنها في سنة تسع وسبعين صارت في حلب فقط ثمانين درهمًا، وفي المدينة: عشرين درهمًا، والله تعالى أعلم.
(وقال سفيان) هو ابن عيينة، أحد الرواة المذكورين في الحديث (مرة) أي: أخرى، فهو موصول غير معلق، وأشار بذلك إلى أن سفيان حدَّث به على وجهين، فمرة قال:(إن شئتِ؛ أعطيتِها ما بقي)، ومرة قال:(إن شئتِ) بكسر التَّاء (أعتقتِها)؛ أي: بدل (أعطيتِها)، والمثناة الفوقية فيهما مكسورة بلا تحتية بعدها على الأفصح، (ويكون الوَلاء) بفتح الواو (لنا) أي: عليها، (فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: لحجرة عائشة رضي الله عنها؛ (ذكَّرتْهُ) بتشديد الكاف، وسكون التَّاء بعدها هاء؛ أي: النَّبيَّ الأعظم صلى الله عليه وسلم (ذلك)؛ أي: الشرط المذكور.
وقال إمام الشَّارحين: («ذكرته» يحتمل أربعة وجوه؛ الأول: «ذكَّرته» : بالتشديد، وبالضمير المنصوب، الثاني: «ذكَّرت» : بالتشديد بدون الضمير، والثالث: «ذَكَرت» : على صيغة الماضي للمؤنث الواحدة بالتخفيف بدون الضمير، والرابع: «ذَكَرته» : بالتخفيف والضمير؛ لأنَّ «ذَكَر» بالتخفيف يتعدى؛ يقال: ذَكَرت الشيء بعد النِّسيان، وذَكَرته بلساني وبقلبي، وتذكرته وأذكرته غيري وذكرته بمعنًى) انتهى.
قلت: ولم يبين الرواية ههنا، لكن الذي يظهر من كلامه وكذا من كلام صاحب «التنقيح» : أن الرواية ههنا: بتشديد الكاف، وبهاء الغيبة للمنصوب، وهو المفهوم من كلام القسطلاني؛ حيث قال: بتشديد الكاف، وسكون تائها
(3)
؛ كما في (الفرع) و (أصله)، وقال الكرماني: («ذَكَرتُه» ؛ بلفظ التكلم، والمتكلم به عائشة، والراوي نقل لفظها بعينه،
(1)
في الأصل: (بقية)، ولعل المثبت هو الصواب.
(2)
في الأصل: (أربع عشرة)، ولا يصح.
(3)
زيد في الأصل: (بلفظ المتكلم)، ولعل الصواب حذفها.