الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفتح العين، واسمه: هَرْم؛ بفتح الهاء وسكون الراء، ابن عمر بن جرير.
(عن جَرير)؛ بفتح الجيم، ابن عبد الله البجلي جد أبي زرعة الراوي عنه هنا لأبيه، وكان بديع الجمال، طويل القامة، وكان نعله ذراعًا، (أن النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم قال) : جملة محلها الرفع خبر (إن)، (له) وعند المؤلف في (حجة الوداع) :(أن النبي عليه السلام قال لجرير)، (في حَجة)؛ بفتح الحاء وكسرها، (الوَداع)؛ بفتح الواو وكسرها، والمشهور: الفتح فيهما، وإنَّما سمِّيت بحجة الوداع؛ لأنَّ النبي الأعظم عليه السلام ودَّع الناس فيها، والمقالة كانت عند جمرة العقبة واجتماع الناس للرمي وغيره.
(استنصت) : أمر من الإستنصات، (استفعال) من الإنصات، ومعناه: طلب السكوت، (الناس) والجملة من الفعل، والفاعل، والمفعول مقول القول، وقد أنكر بعضهم لفظة (له) من قوله: قال له في حجة الوداع، معللًا بأن جريرًا أسلم قبل وفاته عليه السلام بأربعين يومًا، وتوقف المنذري؛ لثبوتها في الطرق الصحيحة، وقد ذكر غير واحد أنه أسلم في رمضان سنة عشر، فأمكن حضوره مسلمًا لحجة الوداع، وحينئذ فلا خلل في الحديث كما أوضحه في «عمدة القاري» .
(فقال) عليه السلام بعد أن أنصتوا: (لا ترجعوا)؛ أي: لا تصيروا، (بعدي)؛ أي: بعد موتي أو موقفي هذا، (كفارًا) نصب خبر لا ترجعوا المفسر بلا تصيروا، فيكون من الأفعال الناقصة؛ أي: لا تكن أفعالكم شبيهة بأفعال الكفار، أو دوموا مسلمين أولا يكفِّر بعضكم بعضًا فتستحلوا القتال.
(يضربُ بعضكم رقاب) جمع: رقبة، (بعض)؛ بالرفع في (يضرب) على الصفة لـ (كفارًا)؛ أي: لا ترجعوا بعدي كفارًا متصفين بهذه الصفة القبيحة، يعني ضرب بعضهم رقاب بعض آخرين، أو على الحال من ضمير (ترجعوا)؛ أي: لا ترجعوا
(1)
بعدي كفارًا حال ضرب بعضكم رقاب بعض، أو على الاستئناف كأنه قيل: كيف يكون الرجوع كفارًا؟ فقال: يضرب بعضكم رقاب بعض، فمعناه:
على الأول: لا ترجعوا عن الدين بعدي فتصيروا مرتدِّين مقاتلين يضرب بعضكم رقاب بعض بغير حق.
وعلى الثاني: لا تكفروا حال ضرب بعضكم رقاب بعض لأمر يعرض بينكم باستحلال القتل، ولا ترجعوا حال المقاتلة لذلك كالكفار في الانهماك في تهييج الشرِّ وإثارة الفتن من غير إشفاق بعض على بعض.
وعلى الثالث: لا يضرب بعضكم رقاب بعض بغير حقٍّ، فإنَّه فعل الكفار، وجوَّز الإمام أبو البقاء وابن مالك جزم (يضرب) على أنه بدل من (لا ترجعوا) وأن يكون جزاء الشرط مقدرًا
(2)
؛ أي: فإن رجعتم يضرب بعضكم رقاب بعض، أو أن يكون جواب النهي، والمعنى: لا تتشبهوا بالكفار في قتل بعضهم بعضًا.
وقد جرى بين الأنصار كلام بمحاولة اليهود حتى ثار بعضهم إلى بعض في السلاح فأنزل الله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ} [آل عمران: 101]؛ أي: تفعلون فعل الكفار، وسياق الخبر يدل على أن النهي عن ضرب الرقاب والنهي عما قبله بسببه، كما جاء في حديث أبي بكرة:«إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام» وذكر الحديث، ثم قال: «ليبلِّغ الشاهد الغائب لا ترجعوا بعدي كفارًا
…
»؛ الحديث، فهو شرح لما تقدم من تحريم بعضهم على بعض.
فإن قلت: رقاب جمع: رقبة، وليس لكل شخص إلا رقبة واحدة، ولا شك أن ضرب الرقبة الواحدة منهي عنه.
قلت: البعض وإن كان مفردًا، لكنه في معنى الجمع، كأنه قال: لا يضرب فرقة منكم رقاب فرقة أخرى، والجمع في مقابلة الجمع أو ما في معناه يفيد التوزيع.
وفي الحديث: وجوب الإنصات عند قراءة الحديث والعلم وغيره من العلوم الشرعية.
وفيه: تعلق بعض المبتدعة في إنكار حجة الوداع؛ لأنَّه نهى الأمة بأسرها عن الكفر ولولا جواز إجماعها عليه؛ لما نهاها، والجواب أن الامتناع إنَّما جاء من جهة خبر الصادق لا من الإمكان، وقد قال تعالى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65]، ومن المعلوم أنه عليه السلام معصوم، كذا حققه في «عمدة القاري» ، والله تعالى أعلم.
(44)
[باب ما يستحب للعالم إذا سئل أي الناس أعلم
فيكل العلم إلى الله]
هذا (باب ما)؛ أي: الذي، (يستحب للعالم إذا) : شرطية، (سُئِل) بالبناء للمجهول، (أيُّ الناس)؛ أي: شخص من أشخاص الناس، (أعلم) من غيره، (فيكل) الفاء في جواب (إذا)، وأصله: يوكل حذفت الواو؛ لوقوعها بين الياء والكسرة؛ أي: فهو يكل، (العلم إلى الله) تعالى، والجملة بيان لما يستحب، أو (إذا) ظرف لـ (يستحب) والفاء تفسيرية على أن (يكل) في تقدير المصدر بتقدير أن؛ أي: ما يستحب وقت السؤال هو الوكول إلى الله تعالى، وصرَّح بـ (أن) في رواية، كما في «عمدة القاري» .
[حديث: قام موسى النبي خطيبًا في بني إسرائيل]
122 -
وبه قال: (حدثنا عبد الله بن محمد) الجعفي المسنَدي؛ بفتح النون، (قال: حدثنا سفيان) : هو ابن عُيينة؛ بضم العين، (قال: حدثنا)، وفي رواية:(أخبرنا)، (عَمرو)؛ بفتح العين، ابن دينار، (قال: أخبرني)؛ بالإفراد، (سعيد بن جُبَير)؛ بضم الجيم وفتح الموحدة.
(قال: قلت لابن عباس) عبد الله رضي الله عنهما، فالسائل هنا سعيد بن جبير، والمجيب ابن عباس، وفيما تقدم أن ابن عباس تمارى هو والحر بن قيس فمرَّ بهما ابن كعب فسأله ابن عباس، فيحتمل أن يكون سعيد بن جبير سأل ابن عباس بعد الوقعة الأولى المتقدمة لابن عباس والحر، وجاء أن السائل غير ابن جبير، قال سعيد: (كنت عند ابن عباس وعنده قوم من اليهود فقال بعضهم: يا أبا عبد الله
…
) إلخ، فقال ابن عباس: (كذب
…
) إلخ.
(إن نَوْفًا)؛ بفتح النون وسكون الواو آخره فاء، ابن فَضَالة؛ بفتح الفاء والضاد المعجمة، أبو يزيد القاص، (البِكالي)؛ بالنصب صفة لـ (نوفًا)، بكسر الموحدة وفتحها وتخفيف الكاف نسبة إلى بكال بطن من حمير، وهو ابن امرأة كعب الأحبار على المشهور، وهمزةإن مكسورة، و (نوفًا)؛ بالنصب اسمها، وهو منصرف في اللغة الفصيحة، وفي بعضها غير منصرف، وكتبت بدون ألف؛ لأنَّه أعجمي، لكن الأفصح: الصرف؛ لأنَّ سكون وسطه يقاوم إحدى العلتين فيبقى الاسم بعلة واحدة كنوح ولوط، كما بسطه في «عمدة القاري» .
(يزعم) : جملة من الفعل والفاعل محلها الرفع خبر (إن)، والزعم بمعنى: القول فلا يقتضي إلا مفعولًا واحدًا وهو قوله: (أن)؛ بفتح الهمزة، (موسى) : ممنوع من الصرف؛ للعلمية والعجمة، وإن كان الزعم بمعنى: الظن فأن مع اسمها وخبرها سدت مسد المفعولين؛ أي: موسى صاحب الخضر.
(ليس بموسى بني إسرائيل) الباء زائدة للتأكيد، وهي جملة محلها الرفع خبر (أن)، وفي رواية: بحذف الباء الموحدة من موسى؛ أي: المرسل لبني إسرائيل؛ يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، و (موسى) وإن كان علمًا؛ لا يضاف، لكنَّه نكر بأن أوِّل بواحد من الأمة المسماة به ثم أضيف إليه.
(إنما هو موسًى)؛ بالتنوين؛ لكونه نكرة فانصرف؛ لزوال العلمية وعدمه وهو ظاهر، (آخر) غير منصرف؛ للوصفية الأصلية ووزن الفعل فلا ينون على كل حال، وغلبت عليه الاسمية المحضة، فاضمحل عنه معنى التفضيل بالكلية، يعني: يزعم نوف أن موسى صاحب الخضر ليس موسى بن عمران الذي أرسل إلى فرعون، وإنما هو موسى بن مِيْشا؛ بكسر الميم، وسكون التحتية، وبالشين المعجمة، وميشا يعني: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وهو أول موسى وهو نبي أيضًا مرسل، وزعم أهل التوراة أنه صاحب الخضر.
(فقال) ابن عباس: (كذب عدو الله) نوف ومن تبعه في هذه المقالة، وهذا وقع من ابن عباس على طريق الإغلاظ على القائل، بخلاف قوله: ولم يرد ابن عباس إخراج نوف عن ولاية الله، ولكن قلوب العلماء تنفر إذا سمعت غير الحق؛ فيطلقون أمثال هذا الكلام؛ لقصد الزجر والتنفير عنه، وحقيقته غير مرادة، وكان ذلك منه حال الغضب وألفاظ الغضب تطلق ولا يراد بها حقائقها.
(حدثنا)، وفي رواية:(حدثني)، (أبيُّ بن كعب)؛ بالرفع فاعل التحديث، وهو الصحابي المشهور رضي الله عنه، (عن النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم أنه (قال: قام موسى) ابن عمران، (النبي)؛ بالرفع صفة (موسى)، صلى الله عليه وسلم حال كونه، (خطيبًا في بني إسرائيل)، أولاد يعقوب عليه السلام، وهم اثني عشر الذين سماهم الأسباط، كالشعوب من العجم، والقبائل من العرب، وجميع بني إسرائيل منهم.
(فسُئل)؛ بضم السين المهملة، (أيُّ الناس أعلم) : مبتدأ مضاف وخبره، والتقدير:
(1)
في الأصل: (ترجوا).
(2)
في الأصل: (مقدر).
أعلم منهم، كما في قولك: الله أكبر؛ أي: من كل شيء، (فقال) موسى:(أنا أعلم) الناس؛ أي: فيما ظهر لي، واقتضاه شاهد الحال أو دلالة النبوة، وهذا أبلغ من الرواية السابقة، هل تعلم أن أحدًا أعلم منك؟ فقال: لا، فإنه إنَّما نفى هناك علمه، وهنا على البت.
(فعتب الله عليه)؛ أي: لم يرض قوله شرعًا، وعن أُبي قال:(أعجب موسى بعلمه فعاتبه الله بما لقي من الخضر)، وهو من باب التنبيه لموسى والتعليم لمن بعده لئلا يقتدي به غيره في تزكية نفسه، والعجب بحالها فيهلك، (إذ)؛ بسكون الذال للتعليل، (لم يُرد)؛ بضم الدال اتباعًا لضمة الراء، والفتح للخفة، والكسر على الأصل من أن الساكن إذا حرك يحرك بالكسر، ويجوز فك الإدغام أيضًا.
(العلم)؛ بالنصب مفعول (يرد)، (إليه)، وفي رواية:(إلى الله تعالى) فكان ينبغي أن يقول: الله أعلم، وقالت الملائكة:{لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: 32]، وسئل النبي الأعظم عليه السلام عن الروح وغيره فقال: لا أدري حتى أسأل الله عز وجل، والعتب؛ بمعنى: المؤاخذة وتغير النفس وهما في حق الله تعالى محال فيراد به: لم يرض قوله شرعًا.
(فأوحى الله) تعالى (إليه)؛ أي: إلى موسى، (أن)؛ بفتح الهمزة؛ أي: بأن، (عبدًا)؛ أي: الخضر، وفي رواية: بكسر الهمزة على تقدير فقال إن عبدًا، (من عبادي) محله النصب صفة عبدًا، (بمجمع البحرين) : الجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره: كائنًا بمجمع البحرين؛ أي: ملتقى بحري فارس والروم مما يلي المشرق، وقال أبي بن كعب: إنه بإفريقية وقيل: بطنجة، كما بسطه في «عمدة القاري» .
(هو)؛ أي: العبد المسمى: بالخضر، (أعلم منك) جملة اسمية محلها رفع خبر (إن)؛ أي: بشيء مخصوص، كما يدل عليه قول الخضر الآتي: إنِّي على علم من علم الله علمنيه، لا تعلمه أنت، وأنت على علم علمك الله لا أعلمه، ولا شك أن موسى أفضل من الخضر بما اختص به من الرسالة، وسماع الكلام، والتوراة، وأن أنبياء بني إسرائيل كلهم داخلون تحت شريعته ومخاطبون بحكم نبوته حتى عيسى عليه السلام، وغاية الخضر أن يكون كواحد من أنبياء بني إسرائيل وموسى أفضلهم، وإن قلنا: إن الخضر ليس بنبي؛ بل ولي، فالنبي أفضل من الولي وهو أمر مقطوع به، والقائل بخلافه كافر بالإجماع؛ لأنَّه معلوم من الشرع بالضرورة.
(قال رب) أصله: يا رب، فحذف حرف النداء، وياء المتكلم للتخفيف اكتفاء بالكسرة، وفي رواية:(يا رب)، (وكيف لي به) بالواو، وفي رواية: بالفاء؛ أي: كيف الالتقاء لي بذلك العبد، و (لي) : في محل رفع خبر مبتدأ محذوف وهو الالتقاء المقدر، و (كيف) وقع حالًا، والتقدير: على أيِّ حالة الالتقاء وبه يتعلق بالمقدر، والفاء على الرواية الثانية زائدة، والفاء في قوله:(فقيل) عاطفة، (له: احمل) أمر وفاعله مستتر.
(حوتًا) : مفعوله والجملة مقول القول، (في مِكَتل)؛ بكسر الميم وفتح الفوقية شبه الزنبيل يسع خمسة عشر صاعًا كما في «العباب» وهو في محل نصب صفة لـ (حوتًا)؛ أي: حوتًا كائنا في مكتل، (فإذا) للشرط، (فَقَدته)؛ بفتح الفاء والقاف؛ أي: الحوت جملة فعل الشرط، (فهو ثَمَّ)؛ بفتح المثلثة ظرف؛ بمعنى: هناك جملة وقعت جواب الشرط فلذا دخلته الفاء؛ أي: العبد الأعلم منك هناك، (فانطلق) : موسى، (وانطلق معه بفتاه) : التصريح بالمعية للتأكيد وإلا فالمصاحبة مستفادة من الباء في (بفتاه)، وفي رواية: بإسقاط لفظ (معه).
(يُوشَع)؛ بضم التحتية وفتح المعجمة، مجرور بالفتحة عطف بيان لـ (فتاه) غير منصرف؛ للعلمية والعجمة، (ابن نون) : مجرور بالإضافة منصرف كنوح ولوط على الأفصح، وهو من أولاد يوسف بن يعقوب عليه السلام وكان يخدمه، وقيل: يأخذ عنه العلم، (وحملا حوتًا في مكتل)، كما وقع الأمر به وقد قيل: كانت السمكة مشوية مملوحة وقيل شق سمكة.
(حتى) للغاية، (كانا عند الصخرة) الحجر الكبير التي دون نهر الزيت بالمغرب الموعود بلقي الخضر عنده، (وضعا رؤوسهما) على الصخرة، (وناما)، وفي رواية:(فناما) بالفاء وكلاهما للعطف على (وضعا)، وفيه غاية التواضع لله تعالى، (فانسلَّ الحوت) المشوي المملوح، (من المكتل)؛ لأنَّه أصاب الحوت من ماء عين الحياة التي في أصل الصخرة لا يصيب مائها لشيء إلا حييى، فتحرك الحوت وانسلَّ من المكتل فدخل البحر، كذا في طريق للمؤلف.
(فاتخذ سبيله)؛ أي: طريقه، (في البحر سربًا)؛ أي: مسلكًا؛ بالنصب على المصدرية أو المفعولية وفي رواية: عند المؤلف: (فأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق)، (وكان) إحياء الحوت المملوح وإمساك جرية الماء حتى صار مسلكًا، (لموسى وفتاه عجبًا)؛ بالنصب خبر كان، وجاء عند المؤلف:(فكان للحوت سربًا ولموسى عجبًا)؛ فيجوز أن يكون من قول يوشع ومن قول موسى ثم قال موسى: (عجبت من هذا عجبًا)، فيحسن على هذا الوقف على البحر ويتبدى عجبًا، كذا قاله الزجاج، وقال غيره: يجوز أن يكون إخبارًا من الله تعالى؛ أي: اتخذ موسى طريق الحوت في البحر عجبًا، كذا في «عمدة القاري» .
(فانطلقا بقيةً)؛ بالنصب على الظرفية، (ليلتِهما)؛ بالجر على الإضافة، (ويومِهما)؛ بالجر عطفًا على ليلتهما والنصب على إرادة سير جميع اليوم، وعند المؤلف في «التفسير» و «مسلم» :(فانطلقا بقية يومهما وليلتهما)، قال القاضي: وهو الصواب لقوله: (فلما أصبح) ولا يقال: أصبح إلا عن ليل، وفي رواية:(حتى إذا كان من الغد)، وما زعمه ابن حجر رده في «عمدة القاري» .
(قال موسى) : جواب (لما)، (لفتاه آتنا غدَائَنا)؛ بفتح الغين مع المد، الطعام يؤكل أول النهار؛ بالنصب على المفعولية، واللام في (لقد) للتأكيد وقد للتحقيق، (لقينا من سفرنا هذا نصَبًا)؛ بفتح النون والصاد، بالنصب مفعول (لقينا)؛ أي: تعبًا، والإشارة لسير البقية والذي يليها ويدل عليه قوله:(ولم يجد موسى) عليه السلام، (مسًّا)، وفي رواية:(شيئًا) بالنصب مفعول (تجد)(من النصب) : في محل نصب صفة (مسًّا)؛ أي: مساء حاصلًا أو واقعًا من النصب؛ أي: التعب.
(حتى) : للغاية؛ أي: إلى أن، (جاوز المكان الذي أمر به)؛ أي: أمره الله بلقي الخضر فألقى عليه الجوع والنصب، (فقال)، وفي رواية:(قال)، (له فتاهُ)؛ بالرفع فاعل (قال) :(أرأيت)؛ أي: أخبرني ما دهاني، (إذ) : ظرف بمعنى: حين، (أوينا)؛ أي: رقدنا، (إلى الصخرة) عندها، (فإني نسيت الحوت)؛ أي: فقدته أو نسيت ذكره بما رأيت و (الفاء) : تفسيرية زاد في رواية: (وما أنسانيه)؛ أي: وما أنساني ذكره إلا الشيطان، وإنما نسبه للشيطان هضمًا لنفسه.
(قال موسى ذلك) : مبتدأ؛ أي: فقدان الحوت، (ما) : موصولة (كنا نبغي) : خبر المبتدأ والعائد محذوف؛ أي: نبغيه؛ أي: نطلب؛ لأنَّه علاه وجدان المقصود ويجوز حذف الياء من (نبغي) للتخفيف وبها قرئ، (فارتدَّا) : رجعا (على آثارهما) : في الطريق الذي جاءا فيه يقصَّان، (قصصًا) فهو منصوب على المصدرية؛ أي: يتبعان آثارهما اتباعًا، (فلما أتيا إلى الصخرة)، وفي نسخة:(انتهيا) زاد مسلم: (فأراه مكان الحوت، فقال: ههنا وصف لي) وإلى هنا انتهى كلام يوشع؛ فافهم.
(إذا) : للمفاجأة، (رجل) : مبتدأ تخصص بالصفة وهي قوله: (مسجًّى)؛ أي: مغطًّى، (بثوب) والخبر محذوف؛ أي: نائم، (أو قال: تسجى بثوبه) شكٌّ من الراوي، ويروى أنهما اتبعا أثر الحوت وقد يبس الماء في ممرِّه فصار طريقًا فأتيا جزيرة فوجدا
(1)
الخضر قائمًا يصلي على طنفسة خضراء على كبد البحر؛ أي: وسطه.
(فسلم موسى) عليه السلام، (فقال الخضر: وأنَّى)؛ بفتح الهمزة وتشديد النون المفتوحة؛ أي: كيف، (بأرضك السلام)؛ أي: السلام بهذه الأرض عجيب، ويؤيده ما في التفسير: هل بأرض من سلام، وكأنها كانت داركفر وكانت تحيتهم بغير السلام، وقد تكون (أنى)؛ بمعنى: أين، فهي ظرف مكان و (بأرضك) محله النصب على الحال من السلام.
(فقال)، وفي رواية:(قال) : (أنا موسى فقال) له الخضر: أنت (موسى بني إسرائيل) : فهو خبر لمبتدأ محذوف، (قال: نعم) أنا موسى بني إسرائيل، فهو مقول القول ناب عن الجملة، وهذا يدل على أن الأنبياء ومن دونهم لا يعلمون من الغيب إلا ما علَّمهم الله تعالى؛ لأنَّ الخضر لو كان يعلم كل غيب؛ لعرف موسى قبل أن يسأله.
(قال: هل) : للاستفهام، (أتبِعُك على أن) : مصدرية؛ أي: على اتباعي إياك، (تعلمني مما علمت)؛ أي: من الذي علمك الله علمًا، (رشدًا) فهو منصوب صفة لمصدر
(1)
في الأصل: (فوجد).