الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فانتبذت)؛ بنون ساكنة، بعدها فوقية مفتوحة، فموحدة، فمعجمة؛ أي: تنحيت (منه)؛ أي: ذهبت ناحية منه، ومادته: نون، وباء موحدة، وذال معجمة، قال الجوهري:(جلس فلان نَُبذة؛ بفتح النون وضمها؛ أي: ناحية، وانتبذ فلان؛ أي: ذهب ناحية)، وقال الخطابي:(فانتبذت منه)؛ أي: تنحيت عنه حتى كنت منه على نبذة)، كذا في «عمدة القاري» ، (فأشار)؛ أي: النبيُّ عليه السلام، (إليَّ)؛ بتشديد الياء، بعد أن بعدت منه بيده أو برأسه، ولكن لم يبعد منه بحيث لا يراه، وفي رواية مسلم:(ادْنُه)، وقال ابن حجر:(رواية البخاري هذه بينت أن رواية مسلم (ادنه) كان بالإشارة لا باللفظ)، ورده في «عمدة القاري» حيث قال: (قلت: يرد عليه رواية الطبراني من حديث عصمة بن مالك قال: خرج علينا رسول الله عليه السلام في بعض سكك المدينة، فانتهى إلى سباطة قوم، فقال: «يا حذيفة؛ استرني
…
»؛ الحديث، فهذا صريح على أن إعلامه كان باللفظ، ويمكن أن يُجمع بين الروايتين بأنه كان عليه السلام أشار أولًا بيده أو برأسه، ثم قال: استرني) انتهى.
واعترضه العجلوني: (بأنه يجوز أن يراد بقوله: فقال: «يا حذيفة؛ استرني» الإشارة؛ لأنَّ القول كالكلام يعبر به لغة عن الإشارة) انتهى.
قلت: فقد زاد في الطنبور نغمة، وهو ممنوع؛ لأنَّه كيف يراد بالقول هنا الإشارة وقد صرح بالقول في قوله:(فقال: يا حذيفة) وهل هذا إلا خروج عن الظاهر؟ ولا يلزم من كون القول يعبر به لغة عن الإشارة أن تكون جميع الأقوال يراد بها الإشارة، فإن الكلام هنا في الحقيقة، وكلامه في المجاز، وإذا وجدت الحقيقة؛ لا يصار إلى المجاز عند المحققين، على أن رواية مسلم (ادنه) تعين أن الإشارة كانت باللفظ فقط على أن المعنى اللغوي هنا غير محتاج إليه أصلًا؛ لأنَّه خروج عن الظاهر فما قاله غير معتدٍّ به؛ فافهم.
وقال ابن حجر: (وليست فيه دلالة على جواز الكلام في حال البول).
ورده في «عمدة القاري» حيث قال: قلت: هذا كلام من غير روية؛ إذ إشارته عليه السلام إلى حذيفة، أو قوله:(استرني) لم يكن إلا قبل شروعه في البول، فكيف يظن من ذلك ما قاله حتى ينفي ذلك) انتهى.
واعترضه العجلوني بأن قوله: (إذ إشارته
…
) إلخ؛ ممنوع لا سيما في الإشارة، إذ قوله: (فبال
…
) إلخ؛ كالتصريح في أنها وقعت في حال الشروع في البول، وحينئذٍ فصحَّ قول ابن حجر: (ليس فيه
…
) إلخ؛ فتأمل.
قلت: تأملته فوجدته قد زاد في الشطرنج جملًا وهو ممنوع، فإن قوله:(فقام كما يقوم أحدكم)؛ أي: تهيَّأ لقضاء الحاجة.
وقوله: (فبال) صريح في أنه شرع في البول، ثم قوله:(فانتبذت) دليل ظاهر على أنه شرع في البول؛ لأنَّه لو لم يشرع به ولم يتهيأ له؛ لما كان انتبذ عنه، فانتباذه دليل على شروعه، والإشارة التي هي دالَّة على أنه قد قال:(ادنه) كما في «مسلم» إنَّما حصلت بعد الشروع بدليل قوله: (فجئته فقمت عند عقبه)، والقيام عند عقبه لا يكون إلا حال قضاء الحاجة، على أن قوله:(استرني) دليل ظاهر على أنه بعد الشروع؛ لأنَّه لو لم يشرع؛ لما أمره بالستر عليه؛ لأنَّ الستر لا يكون إلا بعد الكشف، كما لا يخفى؛ فافهم ذلك ولا تغتر بهذه العصبية الزائدة من العجلوني، فإنه قد أتى بها من عجلون؛ وهي جبال قاسية.
وقال الكرماني: (وإنما بعد منه وعينه تراه؛ لأنَّه كان يحرسه)؛ أي: يحرس النبيَّ عليه السلام، واعترضه في «عمدة القاري» :(بأن هذا إنَّما يتأتَّى قبل نزول قوله تعالى: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67]؛ لأنَّه عليه السلام كان يحرسه جماعةٌ من الصحابة قبل نزول هذه الآية، فلما نزلت؛ ترك عليه السلام الحرس) انتهى.
وتعقبه العجلوني: بأنه لعلَّ حرسه كان من حذيفة من غير أمر منه، أو المعصوم منه المذكور في الآية القتل أو نحوه؛ فلا يرد الاعتراض؛ فتأمل.
قلت: تأملته فوجدته منقوضًا بوجوه؛ لأنَّ قوله: (لعل حرسه
…
) إلخ ممنوع؛ لأنَّ حذيفة صحابي جليل يعلم بنزول الآيات وأسبابها وما يتعلق بها، وحين نزول الآية لا ريب أنه كان حاضرًا، أو سمعه من النبيِّ عليه السلام، أو أخبر الصحابة بنزولها، ولا ريب أنه إذا تكفل الله تعالى بعصمته لا يتجرأ أحد على ذلك بعد إخباره تعالى عن عصمته إياه، ويدل لذلك: أنه عليه السلام لم يأمره بالحراسة، وذلك لنزول الآية، فقد تحقق عند النبيِّ عليه السلام العصمةُ من الناس، فلم يحتج إلى الحراسة، وحذيفة لما علم بنزول الآية؛ ترك الحراسة؛ لأنَّ عصمة الله تعالى أبلغ وأعظم، وحراسته لا فائدة بها بعد إخباره تعالى عن العصمة، فهو ممنوع.
وقوله: (المعصوم منه
…
) إلخ؛ ممنوع أيضًا، فإن العصمة له عليه السلام كانت من الإيذاء، كما أنه عليه السلام كانوا شجُّوه
(1)
بالحجارة في وجهه، وكسرت رباعيته، وأُطْعِمَ شاة مسمومة، أو بوضع شيء على ظهره الشريف حين يصلي، أو بكلام قبيح كما ثبت ذلك في الصحيح، وعصمته من القتل خارج عن ذلك؛ لأنَّه معصوم منه قبل نزول الآية بدليل قصة بحيرة الراهب وأمثالها؛ لأنَّه لو لم يكن معصومًا؛ لتناوله اليهود والجاهلية وغيرهم وأعدموه عليه السلام، وهو محال قطعًا، فعصمته في الآية مما عدا القتل كما ذكرنا؛ لأنَّ الآية في المائدة، وهي آخر ما نزل من القرآن؛ فافهم وهو موضَّح في كتب التفسير؛ فليحفظ.
(فجئته) عليه السلام، فقال:«يا حذيفة؛ استرني» كما عند الطبراني كما قدمناه، (فقمت عند عقبه)؛ بالإفراد، وللأصيلي:(عند عقبيه)؛ بالتثنية، والعَقِب؛ بفتح العين المهملة، وكسر القاف: وهو مؤخر القدم، وهي مؤنثة، وعقب الرجل أيضًا: ولده وولد ولده، وفيها لغتان؛ كسر العين وسكونها، وهي أيضًا مؤنثة، انتهى (حتى فرغ)؛ أي: من بوله، قال ابن بطَّال:(من السنة أن يقرب من البائل إذا كان قائمًا هذا إذا أمن أن يرى منه عورته، وأما إذا كان قاعدًا؛ فالسنة البعد منه، وإنما انتبذ حذيفة منه؛ لئلا يسمع شيئًا مما يجري في الحدث، فلما بال عليه السلام قائمًا وأمن عليه السلام ما خشيه حذيفة؛ أمره بالقرب منه)، وقال الخطابي: المعنى في إدنائه إياه مع استحباب إبعاده في الحاجة إذا أرادها أن يكون سترًا بينه وبين الناس، وذلك أن السباطة إنَّما تكون في أفنية البيوت المسكونة أو قريبة منها، فلا تكاد تخلو من المار.
وقال ابن حجر: (واستدنى حذيفة؛ ليستره من خلفه عن رؤية من لعله يمرُّ به، وكان قدامه مستورًا بالحائط، أو لعله فعله؛ لبيان الجواز، ثم هو في البول وهو أخف من الغائط؛ لاحتياجه إلى زيادة تكشف ولما يقترن به من الرائحة، والغرض من الإبعاد التستر، وهو يحصل بإرخاء الذيل والدنوِّ من الساتر)، ثم قال:(وقدَّم المصلحة في تقريب حذيفة؛ ليستره من المارة على مصلحة تأخُّره عنه؛ إذ لم يمكن جمعهما) انتهى.
قلت: وفيه نظر؛ فإن كلامه مأخوذ من كلام الخطابي، وكلامه لا نظر فيه، لكن قد زاد عليه قوله:(ولما يقترن به من الرائحة) وهو ممنوع في حق النبيِّ عليه السلام؛ لأنَّ رائحة فضلاته أطيب من ريح المسك؛ لأنَّها طاهرة، ويدل لذلك أن الصحابة إذا مرُّوا بمكان وشمُّوا رائحة طيبة يعلمون أن النبيَّ عليه السلام تغوَّط في تلك المكان، وكأنه قصد بهذا التعبير الإشارةَ إلى ما قاله الشافعية: من أن فضلاته عليه السلام ليست طاهرة، نعوذ بالله من هذا القول القبيح الذي لا يرضاه ذو
(2)
العقل الصحيح.
وقوله: (أو لعله فعله؛ لبيان الجواز) ممنوع، بل إنَّما فعله لأجل الستر فقط بدليل قوله له:«يا حذيفة؛ استرني» ؛ لأنَّه لو كان لبيان الجواز؛ لقال له: اقرب مني؛ حتى لا أحد يمر بنا فينظر ما نفعله، وفي باقي كلامه نظر، ولو بيَّناه؛ لطال المقام.
وفي الحديث: أنه إذا أراد قضاء حاجته يتوارى عن أعين الناس بما يستره من حائط ونحوه، وفيه: جواز البول قائمًا وقاعدًا، وفيه: جواز قرب الإنسان من البائل، وجواز طلب البائل القرب منه؛ ليستره، واعترض بأنه قد صح في «الصحيح» أنه عليه السلام قال حين أراد قضاء الحاجة:«تنحَّ» ، وتباعده عن الناس حين قضائها هو المعروف من عادته، وأجيب: بأن ما هنا من التقريب، كأنْ كان عند القيام، وما هناك كان من الإبعاد والتنحِّي كان عند القعود، والفرق بينهما خوف سماع الصوت الخارج مع القعود
(1)
في الأصل: (يشجوه)، وليس بصحيح.
(2)
في الأصل: (ذي)، وليس بصحيح.
وعدمه مع القيام، والله تعالى أعلم.
وفي نهار الأربعة الرابع من ربيع الأول شنقوا تسعة أنفار، ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم فرج عناوعن المسلمين بجاه سيد المرسلين، وحبيب رب العالمين صلى الله عليه وسلم، آمين
…
آمين
…
آمين.
(62)
[باب البول عند سباطة قوم]
هذا (باب) جواز (البول عند سُباطة) بضمِّ السين المهملة: الكناسة كما قدمناه (قوم)؛ أي: جماعة من الناس.
[حديث حذيفة: ليته أمسك أتى الرسول سباطة]
226 -
وبالسَّند قال: (حدثنا محمَّد بن عَرْعَرَة)؛ بعينين مهملتين مفتوحتين بينهما راء ساكنة، ثم أخرى بعدها مفتوحة؛ لوقوع هاء التأنيث بعدها (قال: حدثنا شعبة) هو ابن الحجاج، (عن منصور) هو ابن المعتمر، (عن أبي وائل) هو شقيق الكوفي (قال: كان أبو موسى) هو عبد الله بن قَيْس (الأشعري) رضي الله تعالى عنه (يشدد في البول) : جملة محلها النصب خبر (كان)؛ أي: أنه كان يحتاط احتياطًا عظيمًا في الاحتراز عن رشاش البول حتى إنه كان يبول في القارورة؛ خوفًا من أن يصيبه من رشاشه شيء، وأخرج ابن المُنْذِر من طريق عبد الرحمن بن الأسودعن أبيه: أنه سمع أبا موسى ورأى رجلًا يبول قائمًا، فقال: ويحك! أفلا قاعدًا؟ ثم ذكر قصة بني إسرائيل، (ويقول: إن بني إسرائيل)؛ أي: أولاد يعقوب عليه السلام، وإسرائيل لقبه، ووجه تلقيب يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام بإسرائيل ما قاله في «عمدة القاري» : (من أنه كان يعقوب وعيصوا أخوين
(1)
كانا في بطن
(2)
أمهما معًا، فلما جاء وقت وضعهما؛ اقتتلا في بطنها لأجل الخروج أولًا، فقال عيصو: والله لئن خرجت قبلي؛ لأعترض في بطن أمي لأقتلها، فتأخَّر يعقوب وخرج عيصو قبله فسمِّي عيصوا، وسُمِّي يعقوب؛ لأنَّه خرج آخرًا عقب عيصو، وكان يعقوب أكبرهما في البطن، وكان أحبهما إلى أمه، وكان عيصو أحبهما إلى أبيه، وكان صاحب صيد، فلما كبر أبوهما إسحاق وغشي على عينيه؛ قال لعيصو: يا بني؛ أطعمني لحم صيد أدعو لك بدعاء كان أبي دعا لي به، وكان أشعر، وكان يعقوب أجرد، فخرج عيصو إلى الصيد، فقالت أمه ليعقوب: خذ شاة واشوها، والبس جلدها، وقدمها إلى أبيك، وقل: أنا ابنك عيصو، ففعل فمسَّه إسحاق، فقال: المسُّ مسُّ عيصو، والريح ريح يعقوب، فقالت أمه: ابنك عيصو فادع له، فأكل منها، ودعا له بأن يجعل الله في ذريته الأنبياء والملوك، ثم جاء عيصو بالصيد فقال إسحاق: يا بني؛ لقد سبقك أخوك فغضب، وقال: والله لأقتلنه، فقال إسحاق: يا بني؛ قد بقيت دعوة، فدعا له بأن يكون ذريته عدد التراب ولا يملكهم أحد غيرهم، وقالت أمُّ يعقوب له: الحق بخالك، فكن عنده خشية أن يقتلك عيصو، فانطلق يعقوب إلى خاله لابان، فكان ببابل، وقيل: بحران، فكان يسري بالليل ويمكن بالنهار؛ فلذلك سمي إسرائيل، فأخذ من السرى والليل، وقيل: معناه: عبد الله؛ لأنَّ إيل اسم من أسماء الله تعالى بالسريانية، كما يقال: جبرائيل، وميكائيل
(3)
) انتهى.
قلت: قيل: إن ذرية عيصو الإفرنج المشهورين بالروسية الموسكوف، وقال البغوي:(قال ابن عباس، ومُجَاهِد، وغيرهما: أقبل يعقوب من حران يريد بيت المقدس حين هرب من أخيه عيصو، وكان رجلًا قويًّا، فلقيه مَلَك، فظن يعقوب أنه لصٌّ فعالجه أن يصرعه، فغمز الملك فخذ يعقوب، ثم صعد إلى السماء ويعقوب ينظر إليه فهاج به عرق النسا، ولقي من ذلك شدة فكان لا ينام الليل من الوجع، ويبيت وله زقاء؛ أي: صياح، فحلف يعقوب لئن شفاه الله؛ لا يأكل عرقًا ولا طعامًا فيه عرق، فحرَّمه على نفسه، فكان بنوه بعد ذلك يتبعون العروق يخرجونها من اللحم) انتهى.
قلت: وهذا مشاهد معلوم من اليهود، فإن لهم جماعة عند الجزارين ينقُّون العروق، قيل: إن يعقوب لما استوطن في بيت المقدس وجاءه أولاده المذكورون
(4)
في القرآن العظيم وكبروا؛ ذهب عيصو يدِّور على أخيه إلى أن قرب إلى بيت المقدس، فأُخبِر يعقوب بمجيئه، فقال لأولاده: اذهبوا إلى باب البلد وقفوا عنده، فإذا جاء عيصو ومرَّ عليكم؛ فقبِّلوا يديه، وقولوا له: نحن عبيد عيصو، فإن سأل عني وعنكم؛ فأخبروه ففعلوا، فلما رآهم عيصو؛ سألهم، فأجابوه، فسألهم عن أبيهم يعقوب، فقالوا
(5)
: في محل كذا، فذهب إليه وقبَّلوا بعضهم بعضًا، وعفا عنه، ورضي، وتمامه في «عقود الجمان في أخبار الزمان» للشيخ بدر الدين العيني صاحب «عمدة القاري» قُدِّس سرُّه، فإنه كتاب لم أجد [من] سبقه إليه، جمع فيه فأوعى، وأودع فأغنى، وهو يبلغ نحوًا من عشرة مجلدات، وكان عندي منه مجلد واحد رضي الله عن هذا المؤلف ما أغزر علمه واطلاعه!
(كان)؛ للشأن، وليس ضميرها يعود على (بني إسرائيل) حتى يرد أنهم جمع، وهو مفرد، بل هو ضمير الشأن، والجملة الشرطية من (كان) وخبرها خبر (إنَّ)، ويحتمل عوده على (بني)؛ لأنَّه بمعنى ولد أو سبط مثلًا، والأظهر الأول؛ فتأمل، (إذا أصاب) أي: البول (ثوبَ أحدهم)؛ بنصب (ثوب) على المفعولية، ووقع في رواية مسلم:(إذا أصاب جلد أحدهم)، قال القرطبيُّ:(مراده بالجلد واحد الجلود التي كانوا يلبسونها)، وحمله بعضهم على ظاهره، وزعم أنه من الأمر الذي حملوه، ويؤيده رواية أبي داود، عن عبد الرحمن بن حسنة، قال: انطلقت أنا وعمرو بن العاص إلى النبيِّ عليه السلام فخرج ومعه درقة، ثم استتر بها، ثم قال: فقلنا: انظروا إليه يبول كما تبول المرأة، فسمع ذلك فقال: ألم تعلموا ما لقي صاحب بني إسرائيل؟ كانوا إذا أصابهم البول؛ قطعوا ما أصابه البول منهم، فنهاهم فعُذِّبَ في قبره، قال منصور، عن أبي وائل، عن أبي موسى: جلد أحدهم، وقال عاصم، عن أبي وائل، عن أبي موسى: جسد أحدهم).
وقوله: (انظروا يبول كما تبول المرأة)، وهذا القول منهما وقع من غير قصد، أو وقع بطريق التعجب، أو بطريق الاستفسار عن هذا الفعل؛ فلذلك قال عليه السلام: «ألم تعلموا
…
إلخ»، ولم يقولا هذا بطريق الاستهزاء والاستخفاف؛ لأنَّ الصحابة براء
(6)
من هذا الكلام، وأراد بـ (صاحب بني إسرائيل) : موسى الكليم عليه السلام.
فإن قلت: كيف يترتب قوله على قوله: فنهاهم؟
قلت: فيه حذف؛ تقديره: فنهاهم عن إصابة البول ولم ينتهوا، فعذبهم الله، والفاء في (فعذب) فاء السببية؛ نحو قوله تعالى:{فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص: 15]، كذا في «عمدة القاري» .
(قَرَضَه)؛ بفتح القاف والراء، والضاد المعجمة؛ أي: قطعه، وفي رواية الأصيلي، والإسماعيلي:(قرضه) بالمقراض، وهذه الرواية ترد قول من يقول: بالقرض الغسل بالماء، وهذا من الأمر المدفوع عن هذه الأمة، ورواية المؤلف هنا صريحة في أنَّ المراد: الجلد الملبوس؛ لتصريحه بالثياب، فلعل ما في «أبي داود» تصرُّف من بعض الرواة؛ لظنه أن المراد بالجلد الواقع في بعض الروايات: الجسد، وليس كذلك، كما علمت؛ فافهم وتأمل، (فقال حذيفة) أي: ابن اليمان، عن أبي موسى الأشعري:(ليته أمسك)؛ أي: ليت أبا موسى أمسك نفسه عن هذا التشديد في أمر البول أو لسانه عن هذا القول، أو كليهما عن كليهما، ومقصوده: أن هذا التشديد خلاف السنة، فالإمساك عنه خير، (فقد أتى) بفتح الهمزة (النبيُّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم سُباطة) بضمِّ السين المهملة: كناسة (قوم)؛ أي: جماعة من الأنصار، (فبال قائمًا) وفي رواية الإسماعيلي:(لوددت أن صاحبكم لا يشدِّد هذا التشديد)؛ أي: ولا شك في كون القائم معرَّضًا للرشاش، ولم يلتفت عليه السلام إلى هذا الاحتمال ولم يتكلَّف البول في القارورة، قال ابن بطال:(وهذا الحديث حجة لمن رخَّص في يسير البول؛ لأنَّ المعهود ممن بال قائمًا أن يتطاير إليه مثل رؤوس الإبر، وفيه يسر وسماحة على هذه الأمة حيث لم يوجب القرض كما أوجب على بني إسرائيل)، وقال سفيان الثوري: كانوا يرخِّصون في
(1)
في الأصل: (أخوان)، وليس بصحيح.
(2)
زيد في الأصل: (واحد)، ولعل المثبت هو الصواب.
(3)
في الأصل: (فجبرائل ومكائل)، ولعل المثبت هو الصواب.
(4)
في الأصل: (المذكورين)، وليس بصحيح.
(5)
في الأصل: (فقال)، ولعل المثبت هو الصواب.
(6)
في الأصل: (بريئات).