الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتأمل.
(عن فأْرة) بهمزة ساكنة، وقد تبدل ألفًا (سقطت)؛ أي: وقعت (في سمن)؛ أي: جامد فماتت فيه، كما سبق التصريح بهذا في الروايات، (فقال)؛ أي: النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم، وقوله:(خذوها)؛ أي: الفأْرة، يدل على أنَّ السائلين جماعة؛ لأنَّه أتى بصيغة الجمع، وأقله اثنان ميمونة والسائل، كما قدمناه؛ فافهم (وما حولها)؛ بالحاء المهملة؛ أي: وما حول الفأْرة، وهو يدل على أنَّ السمن كان جامدًا؛ لأنَّ المائع لا حول له؛ إذ الكل حوله كما سبق، (فاطرحوه) : الضمير المنصوب فيه يرجع إلى المأخوذ الذي دل عليه قوله: (خذوها)، والمأخوذ هو الفأْرة وما حولها، ويرى المأخوذ ويؤكل الباقي، كما دلت عليه الرواية الأولى.
فإن قلت: من أين يعلم في هذه الرواية جواز أكل الباقي؟
قلت: لأنَّ الطرح لأجل جواز مأكوليته، ويفهم منه جواز مأكولية الباقي؛ بدليل الرواية الأخرى، قاله في «عمدة القاري» ؛ فليحفظ.
(قال معن) أي: ابن عيسى السابق قريبًا: (حدثنا مالك) أي: ابن أنس الأصبحي: (ما لا أُحصيه)؛ بضمِّ الهمزة، بعدها مهملتين؛ معناه: لا أعده ولا أضبطه؛ لكثرته، فإن أصل الإحصاء العد، استعير للبيان والحفظ؛ لأنَّ العد يكون لأجلهما، ومنه قوله تعالى:{وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ} [يس: 12]، (يقول عن ابن عباس) رضي الله عنهما، (عن ميمونة) : خالته أم المؤمنين رضي الله عنها، فأشار المؤلف بهذا إلى أنَّ الصحيح في هذا عن ابن عباس عن ميمونة وإن كانت هذه الطريقة أنزل من الطريقة الأولى؛ لأنَّ في إسناد هذا الحديث اختلافًا كثيرًا بيَّنه الدارقطني حيث روي تارة بإسقاط ميمونة من حديث الزُّهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن النبيِّ الأعظم عليه السلام، وهذه رواية الأوزاعي عن الزُّهري، ومنهم من لم يذكر عن عبد الله بن عباس ولا ميمونة؛ كيحيى بن بكير، وأبي مصعب، وتارة بإسقاط ابن عباس، كما لم يذكر في رواية ابنِ وهب ابن عباس، وكذا في رواية القعنبي عن مالك من غير ذكر ميمونة، ورواه أبو داود من حديث عبد الرزاق عن الزُّهري، عن سَعِيْد بن المسيِّب، عن أبي هريرة، ولفظه:(سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفأْرة تقع في السمن، قال: «إذا كان جامدًا؛ فألقوها، وإن كان مائعًا؛ فلا تقربوه»)، وقال أبو عمرو:(هذا اضطراب شديد من مالك في سند هذا الحديث)، وقال الإسماعيلي: هذا الحديث معلول، وفي رواية:(سئل الزُّهري عن الدابة تموت في الزيت والسمن وهو جامد وغير جامد، فقال: بلغنا أن رسول الله عليه السلام أمر بفأْرة ماتت في سمن، فأمر بما قَرُبَ منها، فطُرِحَ، ثم أكل)، ولما كان الأمر كذلك؛ بيَّن البخاري أن الرواية التي فيها ابن عباس عن ميمونة هي الأصح، ألا ترى أن معن بن عيسى يقول: حدثنا مالك -يعني: هذا الحديث-: (ما لا أُحصيه)؛ يعني: مرارًا كثيرة لا يضبطها؛ لكثرتها، يقول عن ابن عباس عن ميمونة، كذا في «عمدة القاري» ، وتمامه فيه، وقال الكرماني:(قال معن) : هو كلام ابن المديني، فهو داخل تحت الإسناد، ويحتمل وإن كان احتمالًا بعيدًا أن يكون تعليقًا من البخاري.
وزعم ابن حجر أنه متصل وأبعد من قال: إنه معلق.
وردَّه في «عمدة القاري» : بأنَّ احتمال التعليق غير بعيد، ولا يخفى ذلك، انتهى.
فالحاصل: أنه إما متصل أو معلق.
[حديث: كل كلْم يكلمه المسلم في سبيل الله]
237 -
وبه قال: (حدثنا أحمد بن محمَّد) : هو ابن موسى المروزي المعروف بمردويه، هكذا قاله الحاكم أبو عبد الله، والكلاباذي، والإمام أبو نصر حامد بن محمود بن علي الفزاري في كتابه، وذكر الدارقطني: أنَّه أحمد بن محمَّد بن عدي المعروف بشبويه، وقال: أبو أحمد بن عدي بن أحمد بن محمَّد عن عبد الله بن معمر: لا يعرف، ومردويه مات سنة خمس وثلاثين ومئتين، أخرج له الترمذي والنسائي، ولا بأس به، وشبويه مات سنة تسع وعشرين أو ثلاثين ومئتين، روى عنه أبو داود، كذا في «عمدة القاري» ؛ فليحفظ، (قال: أخبرنا) : ولابن عساكر: (حدثنا)(عبد الله) : هو ابن المبارك (قال: أخبرنا مَعْمَر)؛ بفتح الميمين، وسكون العين المهملة بينها، آخره راء: هو ابن راشد، (عن همَّام) : على وزن (فعَّال)؛ بالتشديد (بن مُنَبِّه)؛ بضمِّ الميم، وفتح النُّون، وكسر الموحدة، (عن أبي هريرة) : عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه، (عن النبيِّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم قال: كل كَلْم)؛ بفتح الكاف، وسكون اللام، قال الكرماني: أي: جراحة، وردَّه في «عمدة القاري» ، فقال:(وليس كذلك، بل الجرح من كَلَمه كلمًا؛ إذا جرحه، من باب «ضرَب يضرِب»، والجمع: كلوم وكلام، ورجل كليم ومكلوم؛ أي: مجروح، ومنه اشتقاق الكلام من الاسم والفعل والحرف) انتهى.
قلت: وما قاله الكرماني مأخوذ من كلام «الصحاح» حيث قال: (والكلم: الجراحة، تقول: كلمته كلمًا، وقرأ بعضهم: (دَابَّةً مِنَ الأَرضِ تَكْلِمُهُم)[النمل: 82]؛ أي: تجرحهم وتسمهم، والتكليم: التجريح) انتهى، فالجراحة في كلام «الصحاح» : اسم للجرح، وهو الظاهر، وتُطْلَق على الجرح؛ بالضم، ولا يعبر عن الاسم بالمصدر، فهما غير مترادفين؛ فليحفظ، وقد خبط العجلوني هنا؛ فاجتنبه.
(يُكْلَمه)؛ بضمِّ المثناة التحتية، وسكون الكاف، وفتح اللام؛ أي: يتكلم به، فحذف الجار، ووصل المجرور إلى الفعل، وقوله:(المسلمُ) : ومثله: المسلمة: مرفوع؛ لأنَّه مفعول لفاعله، ويجوز بناؤه للفاعل، وفي رواية:(كل كلمة يكلمها المسلم)(في سبيل الله) : قيد به؛ ليخرج ما إذا كلم الرجل في غير سبيل الله، وعند المؤلف في (الجهاد) :(والله أعلم بمن يكلم في سبيله)، وأخرجه ابن عساكر عن أبي أمامة يرفعه:«والذي نفسي بيده؛ لا يكلم أحد في سبيل الله، والله يعلم بمن يكلم» ، وفي لفظ آخر:«ما وقعت قطرة أحب إلى الله من قطرة دم في سبيل الله، أو قطرة دمع في سواد الليل لا يراها إلا الله عز وجل» ، ففيه: إشارة إلى أنَّ الأجر الموعود به إنَّما يحصل لمن خلصت نيته يوم القيامة؛ أي: في المحشر؛ لأنَّ القلوب صناديق الأعمال، وإخلاص النية لا يعلمه إلا الله تعالى، فمن أخلص؛ فله الثواب، ومن راءى؛ فلا أجر له، وقد يقال: إن الفرائض لا يدخلها الرياء، كما نقله العلماء، فيحصل له الثواب على الفرائض وإن كان مرائيًا؛ لأنَّ الفرائض لا يدخلها الرياء، والله أعلم، (يكون)؛ أي: الكلم، وفي رواية:(تكون)؛ بالفوقية؛ أي: الكلمة (يوم القيامة)؛ أي: المحشر والمنشر (كهيئتها)؛ أي: كهيئة الكلمة، وأنث الضمير باعتبار الكلمة.
وزعم الكرماني وتبعه ابن حجر أن تأنيث الضمير باعتبار إرادة الجراحة.
وردَّه في «عمدة القاري» قال: قلت: وليس كذلك، بل باعتبار الكلمة؛ لأنَّ الكلمة والكلم مصدران، والجراحة اسم لا يعبر به عن المصدر مع أنَّ بعضهم قال: يوضحه رواية القابسي عن أبي زيد المروزي، عن الفربري:(كل كلمة يكلمها)، كذا هو في رواية ابن عساكر، قال: قلت: هذا يوضح ما قلت لا ما قاله؛ فافهم.
أقول: والمراد بقوله: (بعضهم) : ابن حجر، فإنَّه لما قال:(إن تأنيث الضمير باعتبار إرادة الجراحة)؛ استند إلى رواية القابسي وابن عساكر مع أنه قد فهم ذلك بالعكس، فإن هذه الرواية صريح في أنها تدل لما قاله صاحب «عمدة القاري» حيث إنَّه صرح أن التأنيث باعتبار الكلمة، وقد جاء التأنيث في الرواية مصرحًا به؛ فليحفظ، ولعل كلام ابن حجر مبني على رواية كل من التذكير والتأنيث؛ فخلط، وأبهم، وقام، وخبط، والظاهر المتبادر من كلامهم: أن في لفظ (كهيئتها) روايتين؛ التذكير: وهو يرجع إلى الكلم، والتأنيث: وهو يرجع إلى الكلمة، فكلام الإمام صاحب «عمدة القاري» صحيح؛ لأنَّه أراد أن الضمير في (كهيئتها) راجع إلى (الكلمة) المتقدمة، وهو ظاهر، وأنه أراد أن الضمير في (كهيئته) على الرواية الثانية راجع إلى (الكلم)، وهو مذكور أيضًا، وهو ظاهر، والمناسب للحديث إرادة المصدر يدل عليه قوله الآتي:(تفجر دمًا)، والمتفجر: إنَّما هو المصدر لا الجراحة، وعلى ما قاله ابن حجر فيه ركاكة وخبط وخلط، وقد تبعه على ذلك العجلوني، وانتصر له، وانتصاره حيث إنَّه قد ركب متن عمياء، وخبط خبط عشواء، وقال: (ولم
يدر ما يقول؛ لأنَّه من شدة التعصب والعناد لم يعلم أنه هل أخطأ أم أجاد؟ بل هو إلى الأول أصوب؛ فافهم ذلك)؛ فافهم.
(إذْ)؛ بسكون الذال، وفي بعض النسخ وجميع نسخ «مسلم» :(إذا)(طُعِنَتْ)؛ بألف بعد الذال، وهي هنا لمجرد الظرفية، أو هي بمعنى (إذ)، فقد يتعاقبان، فلا يرد أن (إذا) للاستقبال، ولا يصح المعنى عليه، أو هو لاستحضار صورة الطعن؛ إذ الاستحضار كما يكون بصريح لفظ المضارع؛ كقوله تعالى:{وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا} [فاطر: 9] يكون أيضًا بما في معناه، كما فيما نحن فيه، قاله الكرماني، ثم قال:(طُعِنَتْ)؛ بالتأنيث، والبناء للمفعول، والمطعون المسلم؛ لأنَّ أصله طعن بها، فحذف الجار، وأوصل الضمير المجرور إلى الفعل، وصار المنفصل متصلًا.
وردَّه في «عمدة القاري» : بأنَّ هذا تعسف، بل التأنيث فيها باعتبار الكلمة كما في هيئتها؛ لأنَّها هي المطعونة في الحقيقة، والذي يكلم إنَّما يسمى مطعونًا باعتبار الكلمة والطعنة) انتهى.
قلت: فعلى هذا: لا مجاز في إيقاع الطعن على الكلمة، وعلى ما ذكره الكرماني هو من المجاز، ولا يخفى أنَّ الأول هو الأولى؛ لأنَّ الحقيقة لا ريب أنها أولى، ومقدمة على المجاز.
واعترض البرماوي على الكرماني فقال: (إن التاء علامة لا ضمير، فإن أراد الضمير المستتر؛ فتسميته متصلًا طريقة، والأجود أن الاتصال والانفصال وصفان للبارز) انتهى؛ يعني: أن في طعن ضمير المسلم المتقدم وهو نائب عن الفاعل، فإذا حذفنا الجار ووصلنا الضمير؛ صار التقدير: طعنها، فكيف يكون تأنيث الفعل لما ذكر؟! وكأنه اعتبر أن النائب عن الفاعل الجار والمجرور، وهو بعيد؛ فتأمل، والله أعلم.
(تفجَّر دمًا) منصوب على التمييز، و (تفجَّر) : بتشديد الجيم؛ لأنَّ أصله: يتفجر، فحذفت إحدى التاءين؛ كما في قوله تعالى:{نَارَا تَلَظَّى} [الليل: 14]، أصله: تتلظى، قاله في «عمدة القاري» ، وقال الكرماني:(تفجُر)؛ بضمِّ الجيم، من الثلاثي، وبفتح الجيم المشددة، وحذفت التاء الأولى منه من (التفعيل)، قال صاحب «عمدة القاري» :(أشار بهذا إلى جواز الوجهين فيه، ولكنه مبني على مجيء الرواية بهما) انتهى (اللون) : ولأبي ذر: (واللون) بالواو (لون الدم) : الجملة إما حالية أو استئنافية، و (اللون) في المبصرات، وهو أظهر الممسوسات حقيقة ووجودًا، فلهذا استغنى عن تعريفه وإثباته بالدليل، ومن القدماء من زعم أنه لا حقيقة للألوان أصلًا، ومنهم من ظن أن اللون الحقيقي ليس إلا السواد والبياض، وما عداهما إنَّما يحصل من تركيبهما، ومنهم من زعم أن الألوان الحقيقية
(1)
خمسة: السواد، والبياض، والحمرة، والخضرة، والصفرة، وجعل البواقي مركبة منها، والدم أصله: دَمَو؛ بالتحريك، وإنما قالوا: دما يدمي؛ لأجل الكسرة التي قبل الياء، كما قالوا: رضا يرضي، من الرضوان، وقال سيبويه: أصله: دَمي؛ بالتحريك وإن جاء جمعه مخالفًا لنظائره، والذاهبة منه الياء، والدليل عليها قولهم في تثنيته: دميان، وبعض العرب تقول في تثنيته: دموان، كذا قرره صاحب «عمدة القاري» رحمه الله، ورضي عنه، (والعَرْف عَرْف)؛ بفتح العين المهملة، وسكون الرَّاء، آخره فاء: وهو الرائحة الطيبة، وأصحاب الأعراف: الذين يجدون عَرْف الجنة؛ أي: ريحها، وكذا يقال: هو الرائحة المنتنة أيضًا، لكن الأكثر في الطيبة؛ فافهم (المِسك)؛ بكسر الميم، وهو معرَّب: مُشك؛ بالشين المعجمة، وضم الميم، ويروى:(عرف مسك)؛ منكرًا، وكذا الدم يروى، وهذا لا يستلزم أن يكون مسكًا حقيقة، بل يجعل الله شيئًا يشبه هذا، ولا كونه دمًا يستلزم أن يكون دمًا نجسًا حقيقة، ويجوز أن يحوله الله تعالى إلى مسك حقيقة؛ لقدرته على كل شيء، كما أنه يحول أعمال بني آدم من الحسنات والسيئات إلى جسده؛ ليوزن في الميزان الذي ينصبه يوم القيامة.
ففي الحديث: أن الحكم في دم الشهيد أنه يأتي يوم القيامة على هيئته حتى يشهد لصاحبه بفضله، وعلى ظالمه بفعله، وكون رائحته على رائحة المسك إظهار الفضيلة لأهل المحشر، ولهذا لا يغسل دمه خلافًا لابن المسيب والحسن.
فإن قلت: ما وجه مناسبة الحديث للترجمة؟
قلت: أجاب صاحب «عمدة القاري» : (بأنه لما كان مبنى الأمر في الماء التغيير بوقوع النَّجاسة، وأنه يخرج عن كونه صالحًا للاستعمال لتغير صفته التي خلق عليها؛ أورد له نظيرًا بتغير دم الشهيد، فإن مطلق الدم نجس، ولكنه تغير بواسطة الشهادة في سبيل الله تعالى، ولهذا لا يُغْسَلُ عنه دمُه؛ ليظهر شرفه يوم القيامة لأهل الموقف، فانتقال صفته المذمومة إلى الصفة المحمودة حيث صار انتشاره كرائحة المسك؛ فافهم) انتهى.
وأجاب الكرماني: (بأن المسك أصله دم انعقد، وفضلة نجسة من الغزال، فيقتضي أن يكون نجسًا كسائر الدماء، وكسائر الفضلات، فأراد البخاري أن يبين طهارته بمدح الرسول عليه السلام كما بين طهارة عظم الفيل بالأثر، فظهرت المناسبة غاية الظهور وإن استشكله القوم غاية الاستشكال) انتهى.
وردَّه في «عمدة القاري» بقوله: (لم تظهر المناسبة بهذا الوجه أصلًا، وظهورها غاية الظهور بعيد جدًّا، واستشكال القوم باق، ولهذا قال الإسماعيلي: إيراد المصنف لهذا الحديث في هذا الباب لا وجه له أصلًا؛ لأنَّه لا يدخل في طهارة ولا نجاسة، وإنما ورد في «فضل المطعون في سبيل الله») انتهى.
وأجاب ابن حجر: (بأن مقصود المصنف إيراد هذا الحديث تأكيدًا لمذهبه في أن الماء لا يتنجس بمجرد الملاقاة ما لم يتغير؛ لأنَّ تبدل الصفة يؤثر في الموصوف، فكما أن تغير صفة الدم بالرائحة إلى طيب المسك أخرجه من النَّجاسة إلى الطهارة؛ فكذلك
(2)
تغير صفة الماء بالنَّجاسة؛ لخروجه من صفة الطهارة إلى صفة النَّجاسة، فإذا لم يوجد التغير؛ لم توجد النَّجاسة) انتهى.
وردَّه في «عمدة القاري» بقوله: هذا القائل أخذها من كلام الكرماني، فإنه نقله في «شرحه» عن بعضهم، ثم قال: هذا القائل وتعقب بأنَّ الغرض إثبات انحصار التنجيس بالتغيير، وما ذكر يدل على أنَّ التنجيس يحصل بالتغير، وهو باقٍ إلا أنه لا يحصل إلا به، وهو موضع النزاع.
قلت: وهذا أيضًا كلام الكرماني، ولكنه سبكه في صورة غير ظاهرة، وقول الكرماني هكذا، فنقول للبخاري: لا يلزم من وجود الشيء عند الشيء ألَّا يوجد عند عدمه؛ لجواز مقتضًى آخر، ولا يلزم من كونه خرج بالتغير إلى النَّجاسة ألَّا يخرج إلا به؛ لاحتمال وصف آخر يخرج به عن الطهارة بمجرد الملاقاة، انتهى.
وحاصل هذا: أنه وارد على قولهم: إن مقصود البخاري من إيراده هذا الحديث تأكيد مذهبه في أن الماء لا يتنجس بمجرد الملاقاة، انتهى كلام «عمدة القاري» .
قلت: وهذا كله
(1)
في الأصل: (الحقيقة)، وليس بصحيح.
(2)
في الأصل: (فلذلك)، وهو تحريف.