الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه السَّلام على الأولى منهما، فليس في نزوله وصعوده إلا خطوة واحدة؛ فافهم.
وفي الحديث: استحباب اتخاذ المنبر، وكون الخطبة على شيء مرتفع؛ كمنبر ونحوه، وفيه: استحباب التدريس على شيء مرتفع؛ كالكرسي ونحوه؛ كما يفعله الأتراك في وعظهم، وفيه: تعليم الإمام المأمومين أفعال الصلاة، وأنه لا يقدح ذلك في صلاته، وليس هو من باب التشريك في العبادة، بل هو كرافع صوته بالتكبير؛ ليسمعهم، قال تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2]، وفيه: أن العالم إذا انفرد بعلم شيء؛ يقول ذلك ليؤديه إلى حفظه، وفيه جواز الصلاة على الخشب ونحوه، بل هو الأفضل عندنا؛ لأنَّه تستحب
(1)
الصلاة على الأرض أو على ما تنبته الأرض، وكرهه الحسن وابن سيرين، كما رواه ابن أبي شيبة عنهما، والحديث حجة عليهما، كما لا يخفى؛ فافهم.
(قال) وللأصيلي: (وقال)(أبو عبد الله) هو البخاري نفسه: (قال علي بن عبد الله) وفي رواية أبي ذر: (قال علي ابن المديني) : هو الحجة شيخ المؤلف: (سألني أحمد ابن حنبل) : هو الإمام المشهور، قال ابن راهويه: هو حجة بين الله وبين عباده في أرضه، مات ببغداد سنة إحدى وأربعين ومئتين، وزعم الشافعية أن أحمد ابن حنبل متصرِّف في مذهب الشافعي؛ لأنَّه ألف مذهبين؛ قديم وجديد، فأخذ أحمد بأحدهما وجعله مذهبًا له.
قلت: وهذا كلام باطل، بل الإمام أحمد علمه مشهور، وهو حافظ السنة، وفقهه وورعه ظاهر مقبول، فانظر هذه الجرأة على مثل هذا الإمام وما هي إلا من قلة الأدب، ولا عجب؛ فإن دأبهم القدح في الأئمة الأعلام، ولا ريب أن البحر لا يفسده ولوغ الكلاب؛ كما أن النقي لا يغيره مقل الذباب، وما مثلهم إلا كمثل الذباب الذي تحت ذنب جواد في سيره وكرِّه؛ فلا يعتريه نقص عن حاله، والله تعالى أعلم.
(عن هذا الحديث)؛ أي: المذكور في هذا الباب (قال) وفي رواية: (فقال)(فإنما) وفي رواية ابن عساكر والأصيلي: (وإنما)(أردت أن النبيَّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم كان أعلى)؛ أي: أرفع (من الناس) : الذين خلفه في الصلاة؛ (فلا) ولابن عساكر: (ولا)(بأس)؛ أي: لا حرج ولا كراهة (أن يكون الإمام أعلى من الناس) حال الصلاة (بهذا الحديث)؛ أي: بدلالة هذا الحديث، وجوز العلوُّ بقدر درجات المنبر، وزعم بعض الشافعية لو كان الإمام على رأس منارة المسجد والمأموم في قعر بئره؛ صح الاقتداء.
قلت: وهو مذهب الإمام الأعظم رضي الله عنه؛ لأنَّ الشرط تقدُّم الإمام على المأموم، سواء كان أعلى من الناس أو أسفل منهم، بشرط أن يكونوا في المسجد لا في الصحراء، كما هو مقرر في الفروع.
(قال) أي: علي بن عبد الله المديني: (فقلت)؛ أي: لأحمد ابن حنبل، وفي رواية:(قال: قلت)؛ بدون الفاء: (إن سفيان) وفي رواية الأصيلي وأبي الوقت: (فإن سفيان)(بن عُيَيْنة)؛ بضم العين المهملة، وفتح المثناة التحتية الأولى، وسكون الثانية (كان يُسأل)؛ بضم أوله على صيغة المجهول (عن هذا)؛ أي: الحديث المذكور (كثيرًا، فلم) أي: أفلم (تسمعه منه؟ قال: لا) فهو متضمن للاستفهام بدليل الجواب بكلمة (لا)، ثم إن المنفي هو جميع الحديث؛ لأنَّه صريح في ذلك، ولا يلزم من ذلك عدم سماع البعض، والدليل على ذلك: أن أحمد قد أخرج في «مسنده» عن ابن عيينة بهذا الإسناد من هذا الحديث قول سهل: (كان المنبر من أثل الغابة) فقط، كذا في «عمدة القاري» .
قلت: فهذا صريح في أن أحمد لم يسمع هذا الحديث من ابن عيينة، والله أعلم.
[حديث: إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا]
378 -
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا محمد بن عبد الرحيم) : هو الحافظ البغدادي المعروف بصاعقة (قال: حدثنا يزيد بن هارون) : هو الواسطي (قال: أخبرنا حميد) بضم الحاء المهملة (الطويل) : هو البصري، (عن أنس بن مالك) هو الأنصاري رضي الله عنه:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط عن فرس)؛ بدون الضمير، وفي رواية:(عن فرسه)؛ بالضمير، فعلى الأولى؛ يحتمل أن الفرس عارية، وعلى الثانية؛ أن الفرس ملك النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم، وفي رواية أبي داود:(فصرع عنه)؛ ومعناه: سقط أيضًا، وكان ذلك في ذي الحجة سنة خمس من الهجرة، (فجُحِشَت ساقه)؛ بضم الجيم، وكسر الحاء المهملة، وفتح الشين المعجمة، من الجحش، وهو جحش الجلد؛ وهو الخدش، يقال: جحشه يجحشه جحشًا: خدشه، وقيل: أن يصيبه شيء يجحش؛ كالخدش أو أكثر من ذلك، وقيل: الجحش فوق الخدش، وقد يكون ما أصابه عليه السلام من ذلك السقوط مع الخدش رضٌّ في الأعضاء وتوجع، فلذلك منعه القيام للصلاة، كذا قاله إمام الشَّارحين، (أو كتفه)؛ يعني: أو جحشت كتفه بالشك من الراوي، وفي رواية: بـ (الواو) الواصلة، وفي رواية الزهري عن أنس عند المؤلف:(فجحش شقه الأيمن)، وعند أحمد عن حميد عن أنس بسند صحيح:(انفكت قدمه)، كذا في «عمدة القاري» .
قلت: وعند الإسماعيلي من رواية بشر بن المفضل عن حميد: (انفكت قدمه)، كما عند أحمد، والفرق بين هذه الروايات ظاهر، وليس لأحدها شمول للأخرى، وزعم القسطلاني أن رواية المؤلف (فجحش شقه الأيمن) أشمل.
قلت: وهو غير ظاهر، فإن معناه: الجنب؛ وهو الخاصرة، فلا يشمل الكتف ولا الساق، كما لا يخفى.
(وآلى من نسائه شهرًا)؛ أي: حلف ألَّا يدخل عليهنَّ شهرًا، والإيلاء على وزن (إفعال)؛ هو الحلف، يقال: آلى يُولي، وتألَّى بالياء، والألية: اليمين، والجمع ألايا؛ كعطية وعطايا، وإنما عُدِّي آلى بكلمة (من) وهو لا يعدى إلا بكلمة (على)؛ لأنَّه ضمن فيه معنى البعد، ويجوز أن تكون (من) للتعليل مع أن الأصل فيه أن تكون للابتداء؛ أي: آلى من نسائه؛ أي: بسبب نسائه ومن أجلهنَّ، كذا قاله إمام الشَّارحين.
ثم قال: (وليس المراد منه الإيلاء المتعارف بين الفقهاء؛ وهو الحلف على ترك قربان امرأته أربعة أشهر وأكثر منها عند الإمام الأعظم، وعند مالك، والشافعي، وأحمد: لا بد من أكثر، والمولي: من لا يمكنه قربان امرأته إلا بشيء يلزمه، فإن وطئها في المدة؛ كفَّر؛ لأنَّه حنث في يمينه، وسقط الإيلاء، وإلا؛ بانت بتطليقة واحدة، وكان الإيلاء طلاقًا في الجاهلية، فغير الشرع حكمه، ويأتي بيان حكمه في بابه إن شاء الله تعالى) انتهى كلامه
(فجلس) عليه السلام (في مَشْرَبة)؛ بفتح الميم، وسكون الشين المعجمة، وفتح الراء وضمها؛ وهي الغرفة، ويقال: هي
(1)
في الأصل: (يستحب).
أعلى البيت شبه الغرفة، وقيل: الخزانة، وهي بمنزلة السطح لما تحتها، كذا في «عمدة القاري» ، (له) أي: ملكه عليه السلام (درجتها) أي: سلمها الذي يتوصل إليها (من جُذُوع النخل)؛ بضم الجيم والذال المعجمة، جمع جِذْع -بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة- وجمعه: جذوع وأجذاع، قاله ابن دريد، وقال الأزهري:(ولا يتبين للنخل جذع حتى يتبين ساقها)، وفي «المحكم» :(الجذع: ساق النخلة)، كذا قاله الشَّارح، وفي رواية:(من جُذوعٍ) فقط بضم الجيم والتنوين؛ بغير إضافة؛ والمعنى: أن هذه الغرفة مصنوعة من جذوع النخل.
(فأتاه أصحابه يعودونه)؛ بالدال المهملة، من العيادة للمريض، (فصلى) عليه السلام (بهم) أي: بأصحابه (جالسًا)؛ بالنصب على الحال، صلاة الظهر يوم السبت أو الأحد، كذا قاله البيهقي في «المعرفة» (وهم قيام) : جملة اسمية حالية، والقيام: جمع قائم، أو مصدر بمعنى اسم الفاعل، ففيه جواز الصلاة على السطح وعلى الخشب؛ لأنَّ المشربة بمنزلة السطح لما تحتها، والصلاة فيها كالصلاة على السطح، وبذلك قال الإمام الأعظم، وأصحابه، والجمهور، وكره الحسن وابن سيرين الصلاة على الألواح والأخشاب، وكذلك روي عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما، وكذلك روي عن مسروق: أنه كان يحمل لبنة في السفينة يسجد عليها، كذا رواه عنهم ابن أبي شيبة بسند صحيح، كذا قاله إمام الشَّارحين، وقال ابن بطال: ومطابقة الحديث للترجمة في صلاته عليه السلام بأصحابه على ألواح المشربة وخشبها، والخشب مذكور في الترجمة، واعترضه الكرماني فقال: ليس في الحديث ما يدل على أنه صلى على الخشب؛ إذ المعلوم منه أن درجها من الجذوع لا نفسها، ويحتمل أنه ذكره لغرض بيان الصلاة على السطح؛ إذ يطلق السطح على أرض الغرفة.
ورده إمام الشَّارحين فقال: (قلت: الظاهر: أن الغرفة كانت من خشب، فذكر كون درجها من النخل لا يستلزم أن تكون البقية من البناء، فالاحتمال الذي ذكره ليس بأقوى من الاحتمال الذي ذكرناه) انتهى.
قلت: ولا يخفى أن معنى جذوع النخل: ساقها، والساق: خشب يوضع على الجدران، يعمل منه الأسقف، والدرجة مصنوعة من تلك الجذوع، فهي مبنية من الجذوع؛ لأنَّ سقفها وجدرانها وسطحها كلها من الجذوع، فيطلق عليه أنه صلى على الخشب، وما زعمه الكرماني من أنه ليس في الحديث
…
إلخ؛ ممنوع، فإن الحديث دال على ذلك، كما لا يخفى.
وقوله: (إذ المعلوم
…
) إلى آخره: ممنوع أيضًا، فإن نفس الغرفة مبنية من الجذوع؛ سقفها، وسطحها، وجدرانها، وبابها، كما لا يخفى.
وقوله: (ويحتمل
…
) إلى آخره: هذا قاصر؛ لأنَّه لا يشمل الصلاة على الخشب؛ فافهم.
(فلما سلَّم)؛ بتشديد اللام؛ أي: فرغ من صلاته واستقبال القبلة؛ استقبل الناس، ثم (قال) لهم مبينًا حكم الإمام:(إنما جُعِل) بضم الجيم مبني للمجهول (الإمام)؛ أي: إمامًا، وأتى بكلمة (إنما) للحصر؛ لأجل الاهتمام والمبالغة، والمفعول الثاني لقوله:(جعل) محذوف؛ تقديره: إنَّما جعل الإمام إمامًا؛ (ليؤتم) أي: لأجل أن يقتدى (به) وتتبع أفعاله، والمفعول الأول وهو قوله:(الإمامُ) قائم مقام الفاعل، ففيه دليل على وجوب المتابعة للإمام في جميع الأفعال حتى في الموقف والنية، فقال الإمام الأعظم ومالك: يضر اختلاف النية، وجعلا اختلافها داخلًا تحت الحصر في الحديث، وقال مالك: لا يضر الاختلاف بالهيئة بالتقدم في الموقف، وجعل الحديث عامًّا في ما عدا ذلك، وقال محمد بن إدريس: لا يضر اختلاف النية، وجعل الحديث مخصوصًا بالأفعال الظاهرة.
قلت: والحديث حجة على الشافعي؛ لأنَّ صلاة النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم بأصحابه إنَّما كانت واحدة، وهي فرض الظهر، فاختلاف النية يضر الصلاة، وهو الظاهر من الحديث، وكذلك اختلاف الموقف، كما علم من الفروع.
(فإذا كبر) أي: الإمام للتحريمة؛ (فكبروا)؛ أي: ليكبر من خلفه للتحريمة، وهم المقتدون به، ففيه حجة قوية، ومحجة مستقيمة لما ذهب إليه الإمام الأعظم رئيس المجتهدين: أن المقتدي يكبر مقارنًا لتكبير الإمام، لا يتقدم الإمام ولا يتأخر عنه؛ لأنَّ (الفاء) معناها الحال، وهذا هو الأفضل، وقال الإمامان أبو يوسف ومحمد بن الحسن: الأفضل أن يكون تكبير المقتدي بعد فراغ تكبير الإمام؛ لأنَّ (الفاء) معناها التعقيب، فإن كبر مع الإمام؛ أجزأه عند الإمام محمد رواية واحدة ويكون مسيئًا، وكذلك في أصح الروايتين عن الإمام أبي يوسف، وفي رواية عنه: لا يصير شارعًا، ثم ينبغي أن يكون اقترانهما في التكبير على قوله كاقتران حركة الخاتم والإصبع، والبعدية على قولهما أن يوصل ألف (الله) براء (أكبر)، وقال شيخ الإسلام: قول الإمام الأعظم أدق وأجود، وقولهما أرفق وأحوط، وبقولهما قال محمد بن إدريس، وزعم الماوردي إن شرع في تكبيرة الإحرام قبل فراغ الإمام منها؛ لم تنعقد صلاته، ويركع بعد شروع الإمام في الركوع، فإن قارنه أو سابقه؛ فقد أساء، ولا تبطل صلاته، فإن سلم قبل إمامه؛ بطلت صلاته، إلا أن ينوي الإمام المفارقة، ففيه خلاف.
(وإذا ركع) أي: الإمام؛ (فاركعوا) أي: ليركع من خلفه من المقتدين، (وإذا سجد) أي: الإمام؛ (فاسجدوا)؛ أي: ليسجد من خلفه من المقتدين، و (الفاء) في (فاركعوا) و (فاسجدوا) للتعقيب، وهو يدل على أن المقتدي لا يجوز له أن يسبق الإمام بالركوع والسجود، حتى إذا سبقه فيهما أو أحدهما ولم يلحقه الإمام فيه؛ فسدت صلاته، فلا بد من اشتراكهما في أداء الركن، فلو انفرد المقتدي بركن لم يشاركه فيه إمامه؛ فسدت صلاته.
(وإن صلى) وللأصيلي: (وإذا صلى) أي: الإمام (قائمًا؛ فصلوا قيامًا)؛ مفهومه: إن صلى قاعدًا؛ يصلي المأموم أيضًا قاعدًا، وهو غير جائز، ولا يعمل به؛ لأنَّه منسوخ لما ثبت أنه عليه السلام صلى في آخر عمره قاعدًا، وصلى القوم خلفه قائمين.
فإن قلت: جاء في بعض الروايات: (فإن صلى قاعدًا؛ فصلوا قعودًا).
قلت: معناه: فصلوا قعودًا إذا كنتم عاجزين عن القيام مثل الإمام، فهو من باب التخصيص، أو هو منسوخ كما ذكرنا، كذا قاله