الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي: فراش أهله، والجار والمجرور متعلق بقوله:(يصلي)(الَّذِي يَنَامَانِ عَلَيْهِ) وفي رواية أبي داود: (راقدة على الفراش الذي ترقد عليه حتى إذا أراد أن يوتر؛ أيقظها)، قال إمام الشَّارحين: وهذا الحديث مرسل، لكنه محمول على أن عروة سمع ذلك من عائشة، يدل على ذلك الرواية التي قبل هذه، وكذا ذكر
(1)
هذا مرسلًا الإسماعيلي، وأبو نعيم، والحميدي، وأصحاب الأطراف، وفائدة ذكر المؤلف إياه: الإشعار بأن الحديث روي مسندًا ومرسلًا، انتهى.
وزعم ابن حجر أن فائدة ذكره التنبيه على تقييد الفراش بكونه الذي ينامان عليه، بخلاف الرواية السابقة؛ فإن فيها (على فراش أهله)، وهو أعم من أن يكون هو الذي ناما عليه أو على غيره، انتهى.
وردَّه إمام الشَّارحين فقال: ليس فيه زيادة فائدة؛ لأنَّ مقصود البخاري بيان جواز الصلاة على الفراش مطلقًا، وليس المراد: تقييده بكونه الذي ينامان عليه أو غيره، وإنما النكتة في إيراده: الإشعار بأنَّ هذا الحديث روي مسندًا ومرسلًا، انتهى.
قلت: وكلام إمام الشَّارحين واضح وهو الصواب، فإن مراد المؤلف: بيان حكم الصلاة على الفراش، سواء كان ينام عليه أو لا، ويدل عليه الترجمة التي ذكرها أول الباب؛ فإنه قد أطلقها ولم يقيدها بكون الفراش هو الذي ينام عليه أو لا، وكونه أطلقها يدل على أن مراده الإطلاق، ويدل عليه أيضًا: أنه ذكر في هذا الباب تعليق أنس، وهو يدل على جواز الصلاة على الفراش الذي ينام عليه، ثم أعقبه بذكر التعليق الثاني عن أنس، وهو يدل على جواز الصلاة على الفراش الذي لا ينام عليه، ثم أعقبهما بحديث إسماعيل بن عبد الله، وهو يدل للتعليق الأول، وبحديث يحيى ابن بكير وهو يدل للتعليق الثاني، وكلا الحديثين مسندان، ثم ذكر حديث عبد الله بن يوسف؛ لأجل بيان كونه روي مرسلًا، فهنا دليل واضح إلى مراد المؤلف؛ جواز الصلاة على الفراش مطلقًا، فما زعمه ابن حجر غير موجَّه وغير صواب؛ فافهم.
وفي الحديث: دليل على جواز الصلاة على الفراش الذي ينام عليه إذا كان يجد حجم الأرض عند السجود.
وفيه: دليل على جواز الصلاة إلى النائم، سواء كان رجلًا أو امرأة أو غيرهما، وما رواه أبو داود عن عائشة:(كان عليه السلام لا يصلي في لحفنا)؛ فقال الحفاظ: إنَّه لم يثبت؛ فافهم، ولئن ثبت؛ فهو لا يقاوم ما في «الصحيح» ، أو يحمل على أنه رأى فيها منيًا أو غيره من النجاسات، والله تعالى أعلم.
(23)
[باب السجود على الثوب في شدة الحر]
هذا (باب) جواز (السُّجُودِ) أي: سجود المصلي (عَلَى الثَّوْبِ)؛ أي: على طرف ثوبه مثل: كمه أو ذيله ونحوهما (فِي شِدَّةِ الْحَرِّ)؛ أي: لأجل شدة الحر، ولفظ:(الحر) ليس بقيد؛ لأنَّ حكم البرد كذلك، وإنما صرح به مقتصرًا عليه؛ موافقة للفظ الحديث، وإنما جاز السجود على طرف ثوبه؛ لحديث الباب، ولأن شدة الحر من فيح جهنم كما ثبت في الصحيح، فكما أن الإنسان يتقي نار جهنم وعذابها بالطاعات؛ كذلك شدة الحر الذي هو من فيحها يتقيه بالثوب يسجد عليه؛ كما في قوله تعالى {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ} [النحل: 81]؛ وهو البرد، والمناسبة بين البابين ظاهرة.
(وَقَالَ الْحَسَنُ) هو البصري التابعي المشهور: (كَانَ الْقَوْمُ) أي: أصحاب النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم (يَسْجُدُونَ)؛ أي: في صلاتهم كلها (عَلَى الْعِمَامَةِ)؛ بكسر العين المهملة؛ هي الشاش ونحوه، يوضع على الرأس ويكوَّر
(2)
عليه عشرة أكوار أو عشرون كورًا، والكَور؛ بفتح الكاف: الدَوْر: بفتح الدال المهملة وسكون الواو (وَالْقَلَنْسُوَةِ)؛ بفتح القاف واللام، وسكون النون، وضم السين المهملة، وفتح الواو: الغشاء المبيَّض يلبس على الرأس، كذا قاله القزاز، وعن ابن خالويه: العرب تسمي القلنسوة برنسًا، وفي «التلخيص» : البرنس: القلنسوة الواسعة التي تغطى بها العمائم، تستر من الشمس والمطر، وفي «المحكم» : هي من ملابس الروس، وقال ابن هشام: هي التي تقول لها العامة الشاشية، كذا في «عمدة القاري» .
قلت: وهي الآن في زماننا من ملابس المتصوفة، يزعمون أن لباسها عين الطريقة والحقيقة؛ وإنما هي رياء وسمعة، ألا ترى أنَّ أصحاب النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم كانوا يلبسونها من أجل شدة الحر والشمس؛ فافهم.
وفي «عمدة القاري» : وذكر ثعلب لغة أخرى وهي (القُلَيْسِيَة)؛ بضم القاف، وفتح اللام، وسكون التحتية، وكسر السين المهملة، وفتح التحتية الثانية، آخرها هاء، وفي «المحكم» : وعندي أنَّ (قليسية) ليست بلغة، وإنما هي مصغرة، وقال ابن سيده: وهي (قلنساة)، وجمعها: قلانس، وقلاسي، وقلنس، وقلونس، ثم يجمع على قلنس؛ وفيه قلب؛ حيث جعل الواو قبل النون، وعن يونس: أهل الحجاز يقولون: قلنسية، وتميم تقول: قلنسوة، وفي «شرح المرزوقي» : قلنست الشيء إذا غطيته، انتهى.
(وَيَدَاهُ فِي كُمِّهِ) هكذا في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني:(ويديه في كمه) :
وجه الأول: أنَّ (يداه) كلام إضافي مبتدأ، وقوله:(في كمه) خبره، والجملة: حال، والتقدير: ويدا كل واحد في كمه؛ فلأجل ذلك قال: (ويداه)، وذلك؛ لأنَّ المقام يقتضي أن يقال: وأيديهم في أكمامهم.
ووجه الثاني: أنَّ (يديه) منصوب بفعل مقدر؛ تقديره: ويجعل كل واحد يديه في كمه، كذا قرره إمام الشَّارحين.
ثم قال: وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة في «مصنفه» عن أبي أسامة، عن هشام، عن الحسن: أنه قال: (إنَّ أصحاب النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم كانوا يسجدون وأيديهم في ثيابهم، ويسجد الرجل منهم على قلنسوته وعمامته)، وأخرجه أيضًا عبد الرزاق في «مصنفه» عن هشام بن حسان عن الحسن نحوه، وأخرج ابن أبي شيبة عن هشيم عن يونس عن الحسن:(أنه كان يسجد في طيلسانه)، وأخرج عن محمد بن أبي عدي عن حميد: رأيت الحسن يلبس أنبجانيا في الشتاء، ويصلي فيه، ولا يخرج يديه، وكان عبد الرحمن بن زيد يسجد على كور عمامته، وكذلك الحسن، وسعيد بن المسيب، وبكر
(1)
في الأصل: (ذكره)، ولعل المثبت هو الصواب.
(2)
في الأصل: (ويوكور)، وليس بصحيح.
بن عبد الله، ومكحول، والزهري، وعبد الله بن أبي أوفى، وعبد الرحمن بن يزيد، كذا في «عمدة القاري» .
قلت: وهذا دليل على جواز السجود على كور العمامة والقلنسوة؛ لأنَّ فعل أصحاب النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم من غير نكير حجة قوية في ذلك؛ لأنَّه في حكم المرفوع؛ لأنَّه لا يقال من قبيل الرأي، بل من السماع أو الفعل من غير إنكار، ويدل لذلك ما رواه محمد بن أسلم الطوسي عن خلاد بن يحيى، عن
(1)
عبد الله بن المحرر، عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة:(أن النبيَّ الأعظم صلى الله عليه وسلم سجد على كور عمامته)، قيل: وفي سنده ضعف، لكنه قد يقوى بتعدد الطرق، ولمَّا كان السجود على كور العمامة يفوِّت الأفضل وهو السجود على الأرض أو على ما تنبته الأرض؛ قال أئمتنا الأعلام: ويكره تنزيهًا السجود على كور عمامته من غير ضرورة حرٍّ أو برد أو خشونة الأرض، ولهذا كان عبادة بن الصامت، وعلي بن أبي طالب، وابن عمر وأبو عبيدة، وإبراهيم النخعي، وابن سيرين، وميمون بن مهران، وعروة بن الزبير، وعمر بن عبد العزيز، وجعدة بن هبيرة يكرهون السجود على العمامة؛ يعني: من غير ضرورة حر أو برد أو نحوهما؛ لثبوت فعله عن النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم وأصحابه من السجود على العمامة تعليمًا للجواز، فلم تكن الكراهة تحريمية، ونبه المحقق ابن أميرحاج على أن صحة السجود على كور العمامة محله إذا كان على الجبهة أو بعضها، أما إذا كان على الرأس فقط، وسجد عليه ولم تصب جبهته الأرض؛ فإن صلاته غير صحيحة؛ لعدم السجود على محله، والناس عنه غافلون، انتهى.
قلت: وما علمته مما قدمناه حجة على الشافعي؛ حيث منع السجود على العمامة؛ قال: لأنَّه لمَّا لم يقم المسح عليها مقام الرأس؛ وجب أن يكون السجود كذلك، ولأن القصد من السجود التذلل، وتمامه بكشف الجبهة، كذا زعمه القسطلاني.
قلت: وهذا غير صحيح؛ فإنه قد ثبت في الكتب الستة: أن النبيَّ الأعظم صلى الله عليه وسلم قد سجد على عمامته، وكذلك فعله أصحابه، والخلفاء الراشدون، وكذلك التابعون، فكان ذلك كالإجماع منهم على جوازه؛ لأنَّه لم ينكر ذلك أحد منهم؛ فدل على جوازه.
وقوله: (لأنه لما لم يقم
…
) إلى آخره: ممنوع؛ لأنَّه قياس مع الفارق ومع مقابلة النص، وهو باطل، ولأنَّ الجبهة ليست من الرأس، وقد علم أن أصحاب اللغة فسَّروا الوجه بما يواجه به الإنسان والجبهة منه، وسبحانه وتعالى أمرنا بغسل الوجه ومسح الرأس بالنص، فكل واحد منهما مأمور به شرعًا، فبالضرورة لم يقم المسح عليها مقام الرأس، وإذا كان كذلك؛ لم يجب أن يكون السجود كذلك؛ لأنَّ الجهة منفكَّة، وقد ثبت ذلك بدليل آخر كما علمت مما قررنا، وقوله: (ولأن القصد
…
) إلى آخره: هذا حجة على المانع؛ لأنَّه إذا كان القصد من السجود التذلل، وقد أتى به؛ لأنَّ السجود يتم بوضع الجبهة على الأرض، سواء كان بينهما حائل أم لا.
فقوله: (وتمامه بكشف الجبهة) : ممنوع؛ لأنَّ كشفها ليس من تمامه، فإن أهل اللغة وغيرهم قالوا: السجود: وضع الجبهة على الأرض مطلقًا، بل يتحقق السجود ويتمكَّن الشخص منه بوضع كور عمامته على جبهته
(2)
أكثر، ولمَّا كان الشافعي لا دليل له في منعه السجود على العمامة لا من حديث ولا من قول صحابي؛ استند إلى هذا الكلام الغير الموافق للصواب، وقد علمت أنَّ هذا غير صحيح، وكلام أهل اللغة صريح بخلاف ما قاله، فثبت بذلك مذهب الإمام الأعظم وأصحابه والجمهور سلفًا وخلفًا من جواز السجود على العمامة، والله أعلم.
قال إمام الشَّارحين: ومطابقة هذا الأثر للترجمة غير ظاهرة إلا بالتعسُّف؛ لأنَّ الترجمة في السجود على الثوب، وهو لا يطلق على العمامة ولا على القلنسوة، ولكن لمَّا كان هذا الباب والأبواب الثلاثة التي قبله في السجود على غير وجه الأرض، بل كان على شيء هو على الأرض، وهو أعم من أن يكون حصيرًا أو خمرة أو فراشًا أو عمامة أو قلنسوة أو نحو ذلك؛ فبهذه الحيثية تدخل العمامة والقلنسوة في هذا الباب، انتهى.
قلت: ونفس الشاش الذي اتخذ منه عمامة أو قلنسوة يقال له: ثوب، لغة وعرفًا، ومع انضمامه لما يوضع على الرأس من الطاقية والطربوش يقال له: عمامة أو قلنسوة، فيحتمل أن المؤلف نظر إلى الأصل من غير انضمام، فهو ثوب؛ فصح السجود على الثوب، ودخل تحت الترجمة، والله تعالى أعلم.
[حديث: كنا نصلي مع النبي فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر]
385 -
وبالسند إلى المؤلف قال: (حَدَّثنَا أَبُو الوَليدِ هِشامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ) هو الطيالسي البصري (قَالَ: حَدَّثنا بِشْرُ) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (بنُ المُفَضَّل)؛ بضم الميم، وفتح الفاء، وتشديد الضاد المعجمة المفتوحة؛ هو الرَّقاشي -بفتح الراء- العثماني البصري الذي كان يصلي كل يوم أربع مئة ركعة (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (غَالِبٌ)؛ بالغين المعجمة وكسر اللام: ابن خَُطَّاف؛ بضم الخاء المعجمة وفتحها، وتشديد الطاء المهملة (القَطَّانُ)؛ بالقاف البصري، (عَن بَكر بن عَبْدِ اللهِ)؛ بفتح الموحدة في (بَكْر) وسكون الكاف: هو المزني البصري، (عَن أَنس بن مَالك) هو الأنصاري، خادم النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم أنَّه (قَالَ: كُنَّا) أي: معشر الصحابة رضي الله عنهم (نُصَلِّي)؛ بضم النون: ضمير جماعة الذكور (مَعَ النَبِيِّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم أي: في مسجده النبوي، (فَيَضَعُ أَحَدُنَا) جملة معطوفة على قوله:(كنا نصلي)؛ يمعنى: يضع كل واحد من الصحابة (طَرَفَ الثَّوْبِ)؛ أي: ثوبه المتصل به المتحرك بحركته ضرورة، وهذا كلام إضافي منصوب؛ لأنَّه مفعول (يضع)، وتقييد القسطلاني الثوب بالمنفصل أو المتصل الذي لا يتحرك بحركته تفسيرٌ وتقييد من عنده، ذكره؛ ترويجًا لما ذهب إليه إمامه، وهو باطل؛ فإنَّ الأصل في الثوب أن يكون متصلًا به ومتحركًا بحركته لغة وعرفًا عند أهل التحقيق، ودعوى القسطلاني باطلة، والمثبت مقدَّم على النافي، وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى.
قال إمام الشَّارحين: وفيه: حكاية قول الصحابي عما يفعله والنبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم يشاهده ولا ينكره؛ فيكون تقريرًا منه عليه السلام.
فإن قلت: كان أنس خلف النبي عليه السلام؟
قلت: نعم؛ وما كان يخفى على النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم شيء من أحوال من كان خلفه في الصلاة؛ لأنَّه عليه السلام قد كان يرى من خلفه كما يرى من قدامه، كما ثبت في «الصحيح»؛ فيكون قول الصحابي:(كنَّا نفعل كذا) من قبل المرفوع، ولا سيَّما قد اتفق الشيخان على تخريج هذا الحديث في «صحيحيهما» ، وكذلك أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، انتهى؛ فافهم.
(1)
في الأصل: (بن)، وهو تحريف.
(2)
في الأصل: (جبهة)، وهو تحريف.