الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بمصر وهو المختار، كما في «شرح الدرر» .
قال في «البحر» : (وهو الحق)، وقال فخر الدين الزيلعي:(لا فرق بين المسافر والمقيم، ومن هو خارج المصر أو داخله)، قال في «شرح الملتقى» : وهو الصحيح، وذلك لأنَّ الشرط عدم الماء، فأينما تحقق بعد وجود المقتضي؛ جاز؛ كذا في «العناية» عن «الأسرار» ، وعدمه حقيقة أو حكمًا، وذلك بأن كان بينه وبين الماء عدوٌّ سواء كان آدميًّا أو غيره؛ كحية أو نار يخاف منه على نفسه إذا أتاه؛ فإنه يتيمم، وسواء خاف على نفسه أو ماله، كما في «البحر» ولو كان المال أمانة بيده، كما في «المبتغى» ، لكن إن أمكن إخفاؤها؛ لم يجز ومقدار المال درهم، كما في «منهل الطلاب» ، ويجوز التيمم لمريض يجد الماء، وخاف إن استعمله يشتد مرضه أو يمتد، كما في المتون، وكذا لو كان صحيحًا؛ فخاف حدوث مرض، كما في «القهستاني» ، أو خاف الجنب الصحيح في المصر إن اغتسل أن يقتله البرد أو يمرضه؛ فإنه يتيمم عند الإمام الأعظم، وقال الإمام أبو يوسف، والإمام محمد بن الحسن: لا يجوز؛ لأنَّ له أن يسخن الماء أو يدخل الحمام، كذا في «البحر» ، ويجوز التيمم لصلاة الجنازة، وذلك إذا حضرت، والولي غيره؛ فخاف إن اشتغل بالوضوء أن تفوته الصَّلاة عليها ومثلها صلاة العيدين، وأما الجمعة؛ فلا يجوز التيمم لها؛ لأنَّ لها خلفًا وهو فرض الظهر، وإذا ضاق الوقت؛ فخشي إن توضأ فات الوقت؛ لم يتيمم، لكنه يتوضأ ويصلي فائتة؛ لأنَّ الفوائت إلى بدل كلا فوات، كذا في «النهر» ، وهو ظاهر المذهب، وقال الإمام زفر: يتيمم ولا يتوضأ؛ لأنَّ التيمم شرع؛ لتحصيل الصَّلاة بوقتها وهو قول الليث بن سعد، وأبي نصر بن سلام، ورجحه ابن الهمام في «فتح القدير» ، وقال مالك وأصحابه: التيمم في الحضر والسفر سواء إذا عدم الماء، أو تعذر استعماله لمريض، أو خوف شديد، أو خوف خروج الوقت، وقال الشافعي:(لا يجوز للحاضر الصحيح أن يتيمم إلا أن يخاف التلف)، وبه قال الطبري، وقال الشافعي أيضًا:(إذا عدم الماء في الحضر مع خوف فوت الوقت الصحيح والسقيم؛ يتيمم ويصلي ويعيد)، وقال عطاء ابن أبي رباح:(لا يتيمم المريض إن وجد الماء ولا غير المريض)، والله أعلم.
قال إمام الشارحين: (وفي الحديث دليل على جواز السفر بالنساء في الغزوات وغيرها عند الأمن عليهنَّ، فإذا كان لواحد نساء؛ فله أن يسافر مع أيتهنَّ شاء، لكن يستحب له أن يقرع بينهنَّ، فمن خرجت قرعتها؛ أخرجها معه، هذا مذهب الإمام الأعظم، وعند مالك، والشافعي، وأحمد: القرعة واجبة، وفي الحديث جواز وضع الرجل رأسه على فخذ امرأته، وفيه احتمال المشقة لأجل المصلحة؛ لقول عائشة: (فلا يمنعني من التحول إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه دليل على فضيلة عائشة الصديقة، وأبيها الصديق الأكبر رضي الله عنهما، وتكرار البركة منهما) انتهى، والله أعلم.
[حديث: أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي]
335 -
وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا محمَّد بن سِنَان) بكسر السين المهملة، وتخفيف النون، زاد الأصيلي:(وهو العَوَقِي)؛ بفتح العين المهملة، والواو، وكسر القاف، البصري الباهلي، (قال: حدثنا) وفي رواية: (أخبرنا)(هُشَيْم) بضمِّ الهاء، وفتح الشين المعجمة، وسكون التحتية، هو ابن بَشِير -بفتح الموحدة، وكسر الشين المعجمة- أبو معاوية الواسطي، المتوفى سنة ثلاث وثمانين ومئة ببغداد، قال ابن عوف:(مكث هشيم يصلي الفجر بوضوء العشاء الآخرة قبل أن يموت بعشر سنين)
(ح) مهملة، إشارة إلى التحويل من إسناد إلى إسناد:(وحدثني) بالإفراد، وللأصيلي:(وحدثنا)(سَعِيْد) بكسر العين المهملة (بن النَّضْر) بفتح النون، وسكون الضاد المعجمة، هو أبو عثمان البغدادي، مات بأصل جيحون، سنة أربع وثلاثين ومئتين (قال: أخبرنا هشيم)؛ بالتصغير، هو المذكور، فالبخاري يروي عن هشيم بواسطة شيخين؛ أحدهما: محمَّد بن سنان، والآخر: سَعِيْد بن النضر (قال: أخبرنا سَيَّار) بفتح السين المهملة، وتشديد المثناة التحتية، آخره راء، هو ابن أبي سيار وردان أبو الحكَم -بفتح الكاف- الواسطي، وهو متفق على توثيقه، وقد أدرك بعض الصحابة، لكن لم يلق أحدًا منهم، فهو من كبار أتباع التابعين روى عنه: الأئمَّة الستة، ولهم شيخ آخر يقال له: سيار، لكنه تابعي شامي، أخرج له الترمذي، وروى معنى الحديث عن أبي أمامة، وتمامه في «عمدة القاري» ، مات بواسط سنة اثنتين
(1)
وعشرين ومئتين (قال: حدثنا يزيد) من الزيادة، زاد في رواية:(هو ابن صهيب)؛ بالتصغير، والتخفيف (الفقير) ضد الغني، أبو عثمان الكوفي أحد مشايخ الإمام الأعظم رئيس المجتهدين رضي الله عنه، وإنَّما قيل له الفقير؛ لأنَّه كان يشكو فقار ظهره، ويقال له: فقِّير؛ بالتشديد أيضًا (قال: أخبرنا) وفي رواية: (حدثنا)(جابر بن عبد الله) هو الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه: (أن النبيَّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم قال) أي: في عام غزوة تبوك، كما رواه أحمد ابن حنبل، وسيأتي:(أُعطيت) بضمِّ الهمزة مبني للمفعول، والمعطي هو الله الواحد القهار، فهو معلوم لكل مخلوق (خمسًا) أي: خمس خصال، وعند مسلم من حديث أبي هريرة: «فُضِّلت على الأنبياء عليهم السلام بستٍّ: أعطيت جوامع الكلم، وختم بي النبوة
…
»؛ الحديث، وعنده أيضًا من حديث حذيفة:«فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا، وتربتها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء» ، ولفظ الدارقطني:«وترابها طهورًا» ، وعند النسائي:«وأوتيت هؤلاء الآيات آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش، لم يعط منه أحد قبلي، ولا يعط منه أحد بعدي» ، وعند أبي محمَّد الجارود في «المنتقى» من حديث أنس رضي الله عنه:«جعلت لي كل أرض طيبة مسجدًا وطهورًا» ، وعن أبي أمامة: أن النبيَّ الأعظم صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى قد فضلني على الأنبياء» ، أو قال: «أمتي على الأمم بأربع: جعل الأرض كلَّها لي ولأمتي طهورًا ومسجدًا؛ فأينما أدركت الرجل الصَّلاة من أمتي؛ فعنده مسجده، وعنده طهوره، ونصرت بالرعب يسير بين يدي مسيرة شهر يقذف في قلوب أعدائي
…
»؛ الحديث، وفي حديث ابن عباس عند أبي داود: «وأوتيت
(2)
الكوثر»، وفي حديث علي رضي الله عنه عند أحمد:«وأعطيت مفاتيح الأرض، وسميت أحمد، وجعل لي التراب طهورًا، وجعلت أمتي خير الأمم» ، وعند أحمد أيضًا من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أنه عليه السلام قال ذلك عام غزوة تبوك»، وفي حديث السائب ابن أخت النمر:«فضلت على الأنبياء عليهم السلام بخمس: أرسلت إلى الناس كافة، وادخرت شفاعتي لأمتي، ونصرت بالرعب شهرًا أمامي، وشهرًا خلفي، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، وأحلت لي الغنائم» .
قال إمام الشارحين: (السائب المذكور: هو ابن يزيد بن سعد
(1)
في الأصل: (اثنين)، وليس بصحيح.
(2)
في الأصل: (أتيت)، ولعله تحريف.
المعروف بابن أخت نمر، قيل: إنه ليثي كناني، وقيل: أزدي، وقيل: كندي حليف بني أمية، ولد في السنة الثانية، وخرج في الصبيان إلى ثنية الوداع يتلقى النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم مقدمه من تبوك، وشهد حجة الوداع، وذهبت به خالته، وهو وجيع إلى النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم؛ فدعا له ومسح برأسه، وقال:«نظرت خاتم النبوة» ، وفي «تاريخ نيسابور» للحاكم:«وأحل لي الأخماس» ، وإذا تأملت؛ وجدت هذه الخصال اثنتي عشرة
(1)
خصلة ويمكن أن يوجد أكثر من ذلك عند إمعان التتبُّع، وقد ذكر أبو سَعِيْد النيسابوري في كتابه «شرف المصطفى» أن الذي اختص به نبينا عليه السلام ستون خصلة) انتهى.
قلت: وقد ذكر الشيخ الإمام شهاب الدين أحمد المنيني العثماني في كتابه «الخصائص» : (أن الذي اختص به نبينا الأعظم صلى الله عليه وسلم فوق المئة)، وذكر السيوطي منها نحو السبعين، وذكر القسطلاني في «المواهب» بعضًا منها، ولم أر أجمع من كتاب «الخصائص» للمنيني، فإنَّه مفيد جدًّا، لم يسبق بنظيره رحمه الله تعالى.
قال إمام الشارحين: (فإن قلت: بين هذه الروايات تعارض؛ لأنَّ المذكور فيها الخمس، والست، والثلاث.
قلت: لا تعارض؛ لأنَّ التنصيص على عدد لا يدل على نفي ما عداه، وقد علم في موضعه)، وأجاب القرطبي: بأن ذكر الأعداد لا يدل على الحصر؛ فإن من قال: عندي خمسة دنانير مثلًا؛ لا يدل على أنه ليس عنده غيرها، ويجوز له أن يقول مرة أخرى: عندي عشرون، ومرة أخرى: ثلاثون، فإن من كان عنده ثلاثون؛ صدق عليه أن عنده عشرين وعشرة؛ فلا تعارض ولا تناقض، ويجوز أن يكون الرب سبحانه وتعالى أعلمه بثلاث، ثم بخمس، ثم بستٍّ) انتهى.
(لم يعطهن أحد) أي: من الأنبياء (قبلي) يعني: لم يجمع لأحد قبله هذه الخمسة؛ لأنَّ نوحًا عليه السلام بعث إلى كافة الناس، وأما الأربع؛ فلم يعط واحد منهن قبله أحد، وأما كونها مسجدًا؛ فلم يأت أن غيره منع منها، وقد كان عيسى عليه السلام يسيح في الأرض، ويصلي حيث أدركته الصَّلاة، كذا قاله الداودي.
قلت: وفيه نظر، فإن قوله: (فلم يأت
…
) إلخ ممنوع؛ فقد أخرج البزار من حديث ابن عباس نحو حديث الباب، وفيه:«ولم يكن من الأنبياء أحدٌ يصلي حتى يبلغ محرابه» ، وفي حديث آخر مرفوعًا:«وإنَّما كانوا يصلون في كنائسهم» ، فهذا نص ثابت للخصوصية.
وظاهر حديث الباب أنَّ كل واحد من الخمس لم يكن لأحد قبله، وهو كذلك، وزاد في حديث ابن عباس:(لا أقولهن فخرًا)؛ فليحفظ.
وقوله: (وقد كان عيسى
…
) إلخ لا ينهض دليلًا لمدعاه؛ لأنَّه يحتمل أن عيسى عليه السلام يسيح في الأرض، ويرجع ويصلي في الكنيسة، ويدل لذلك أن الصَّلاة كانت في شريعته ومن قبله صلاتان؛ صلاة عند طلوع الشمس، وصلاة عند غروبها، قال الله تعالى: {
…
}
(2)
، فإذا كان كذلك فعيسى يصلي أول النهار في محرابه، ثم يسيح إلى أن يقرب الغروب فيرجع فيصلي في محرابه، كما لا يخفى.
وزعم ابن حجر أن نوحًا عليه السلام بعد خروجه من السفينة كان مبعوثًا إلى كل من في الأرض؛ لأنَّه لم يبق إلا من كان مؤمنًا، وقد كان مرسلًا.
وردَّه إمام الشارحين: (بأن هذا العموم الذي في رسالته لم يكن في أصل البعثة، وإنَّما وقع لأجل الحادث الذي حدث؛ وهو انحصار الخلق في الموجودين معه بهلاك سائر الناس وعموم رسالة نبينا الأعظم صلى الله عليه وسلم في أصل البعثة) انتهى.
ثم قال: (وزعم ابن الجوزي أنه كان في الزمان الأول إذا بعث إلى قوم؛ بعث غيره إلى آخرين، وكان يجتمع في الزمان الواحد جماعة من الرسل، فأمَّا نبينا الأعظم صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّه انفرد بالبعثة، فصار بذلك الكل من غير أن يزاحمه أحد) انتهى.
ثم قال إمام الشارحين: (فإن قلت: يقول أهل الموقف لنوح، كما صح في حديث الشفاعة: (أنت رسول إلى أهل الأرض)؛ فدل على أنه كان مبعوثًا إلى كل من في الأرض.
قلت: ليس المراد به عموم بعثته، بل إثبات أولية إرساله، ولئن سلمنا أنه كان مرادًا؛ فهو مخصوص بتنصيص القرآن؛ حيث أخبر سبحانه وتعالى في عدة آيات أنَّ إرسال نوح إلى قومه، ولم يذكر أنَّه أرسل إلى غيرهم) انتهى.
قلت: أمَّا النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّه سبحانه وتعالى قال في حقه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ} [سبأ: 28] والفرق بينهما بيِّن؛ فافهم، ثم قال إمام الشارحين: فإن قلت: لو لم يكن نوح مبعوثًا إلى أهل الأرض كلهم؛ لما أهلك كلهم بالغرق إلا أهل السفينة؛ لقوله عز وجل: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15].
قلت: قد يجوز أن يكون غيره أرسل إليهم في ابتداء مدة نوح، وعلم نوح بأنَّهم لم يؤمنوا فدعا على من لم يؤمن من قومه وغيرهم، قيل: هذا جواب حسن، ولكن لم ينقل أنَّه نبئ في زمن [نوح] غيره.
قلت: يحتمل أنَّه قد بلغ جميع الناس دعاؤه قومه إلى التوحيد؛ فتمادوا على الشرك فاستحقوا العذاب، وإلى هذا نحا ابن عطية في تفسيره سورة هود، قال:(وغير ممكن أنَّ نبوته لم تبلغ القريب؛ لطول مدته)، وقال القشيري:(توحيد الله تعالى يجوز أن يكون عامًّا في حق بعض الأنبياء وإن كان إلزام فروع شريعته ليس عامًا؛ لأنَّ منهم من قاتل غير قومه على الشرك، ولو لم يكن التوحيد لازمًا لهم؛ لم يقاتلهم).
قلت: وفيه نظر لا يخفى، وأجاب ابن حجر: بأنَّه لم يكن في الأرض عند إرسال نوح إلا قوم نوح؛ فبعثته خاصة؛ لكونها إلى قومه فقط؛ لعدم وجود غيرهم، لكن لو اتفق وجود غيرهم؛ لم يكن مبعوثًا إليهم.
قلت: وفيه نظر أيضًا؛ لأنَّه يكون بعثته عامة لقومه؛ لكونهم الموجودين، وعندي جواب آخر: وهو أن الطوفان لم يرسل إلا إلى قومه الذين هو فيهم ولم يكن عامًّا، وهو جيد إن شاء الله تعالى، انتهى كلام إمامنا إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري» رحمه الحليم الباري.
(نُصِرت) بضمِّ النون، وكسر الصاد المهملة (بالرُّعْب)؛ بضمِّ الراء، وسكون العين المهملتين؛ الخوف، زاد أبو أمامة:(يقذف في قلوب أعدائي)، كما ذكرناه، وقرأ ابن عامر، والكسائي:(الرعُب)؛ بضمِّ العين، والباقون
(1)
في الأصل: (اثني عشر).
(2)
بياض في الأصل