الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيه: أنه سيقع بعده فتن وأنه يفتح لأمته الخزائن، وعرف عند الاستيقاظ حقيقته إما بالتعبير أو بالوحي إليه في اليقظة قبل النوم أو بعده، وقد وقع الفتن كما هو مشهور وفتحت الخزائن؛ حيث سلطت الصحابة على فارس والروم وغيرهما، وهذا من المعجزات؛ حيث أخبر بأمر قبل وقوعه؛ فوقع مثل ما أخبر عليه السلام.
(أيقِظوا)؛ بفتح الهمزة أمر من الإيقاظ؛ بكسرها؛ أي: نبهوا، (صواحبَ)؛ بالنصب على المفعولية، وأراد بها زوجاته عليه السلام، وفي رواية:(صواحبات) جمع: صاحبة، (الحُجَر)؛ بضم الحاء المهملة وفتح الجيم، جمع: حجرة، وأراد بها منازل زوجاته، وإنما خصَّهن بالإيقاظ؛ لأنَّهنَّ الحاضرات حينئذٍ، أخبرت بذلك أم سلمة، فإن تلك الليلة كانت ليلتها؛ كما مر، وما زعمه الكرماني رده في «عمدة القاري» .
(فرُبَّ) أصلها للتقليل، وقد تستعمل للتكثير كما هنا، وترد للتكثير كثيرًا وللتقليل قليلًا، وفيها لغات قدمناها، وفعلها التي تتعلق به ينبغي أن يكون ماضيًا ويحذف غالبًا، (كاسية) على وزن (فاعلة)، من كسا، ولكنه؛ بمعنى: مكسوة (في الدنيا) أثوابًا رقيقة لا تمنع من إدراك البشرة أو النفيسة، (عاريَة)؛ بتخفيف الياء؛ أي: معاقبة (في الآخرة) بفضيحة التعري، أو عارية من الحسنات في الآخرة، فندبهنَّ على الصدقة وحضَّهنَّ على ترك الإسراف في الدنيا بأن يأخذن منها أقل الكفاية ويتصدقن بما سوى ذلك، وهذه البلوى عامة في الأزمان قديمًا وحديثًا.
وقال الطيبي: هذا كالبيان لموجب استيقاظ الأرواح؛ أي: لا ينبغي لهنَّ أن يتغافلن ويعتمدن على كونهنَّ أهالي رسول الله عليه السلام، ألَا رب كاسية حلة الزوجية المشرفة بها وهي عارية عنها في الآخرة لا تنفعها؛ إذ لم تضمها مع العمل، قال تعالى:{فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ} [المؤمنون: 101]، كذا في «عمدة القاري» .
وهو دليل واضح على بطلان قول من قال في زماننا ضمن رسالته التي ألَّفها: (إن ذنوب أهل بيت النبوة صوري لا معنوي، وإن ذنوبه مغفورة لهم بلا توبة، وليسوا داخلين تحت المشيئة)؛ فقد ضل وأضل وابتدع وأبدع، وما استند فيه فهو حجة عليه، وسيأتي الكلام عليه في محله.
قال في «عمدة القاري» : وأكثر الروايات بجر (عارية) على النعت وهو الأحسن عند سيبويه؛ لأنَّ (رب) عنده حرف جر يلزم صدر الكلام، ويجوز الرفع على إضمار مبتدأ والجملة في موضع النعت؛ أي: هي عارية والفعل الذي يتعلق (رب) به محذوف، واختار الكسائي أن يكون (رب) اسمًا
(1)
مبتدأ والمرفوع خبرها، وفعلها الذي تتعلق به محذوف غالبًا كما سبق، والتقدير: رب كاسية عارية عرفتها.
وفي الحديث: أن للرجل أن يوقظ أهله بالليل للصلاة والذكر، ولا سيما عند آية تحدث أو رؤيا مخوفة، وجواز قول:(سبحان الله)؛ تعجبًا، واستحباب ذكر بعد الاستيقاظ ليلًا ونهارًا، لكن في الليل أبلغ يدل له قوله عليه السلام:«من تعارى من الليل فقال: لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله، وصلى؛ قبلت صلاته» ، وسيأتي تمامه إن شاء ربي.
اللهم إنِّي أسألك علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وعملًا متقبلًا، وعمرًا طويلًا، وأولادًا كثيرة، وجاهًا عريضًا، ودخول الجنة، وتمام هذا الشرح بجاه نبيك محمد، ويحيى، وجميع الأنبياء، وأصحابهم، والأولياء وأحزابهم صلى الله تعالى عليهم وسلم.
(41)
[باب السَّمَر بالعلم]
هذا (بابٌ)؛ بالتنوين مقطوعًا على الإضافة، (السَّمَر)؛ بفتح السين المهملة والميم: المسامرة وهي الحديث في الليل، فـ (السمر) : مبتدأ، وقوله:(في العلم) : في محل الصفة، والخبر محذوف؛ تقديره: هذا باب فيه السمر في العلم، وفي رواية: بإضافة الباب إلى السمر؛ أي: هذا باب في بيان السمر بالعلم، وقد كان التحدث بعد العشاء منهيًّا عنه، والمذكور في الباب هو (السمر في العلم)، ونبَّه المؤلف على أن السمر المنهي عنه إنما: هو فيما لا خير فيه كما في زماننا؛ لاشتماله على الغيبة التي صارت فاكهة المجالس وغيرها من المنهيات كسماع الآلات واللعب بالمقامرة، وأما السمر بالخير؛ فليس بمنهي عنه؛ بل هو مرغوب فيه؛ فافهم.
[حديث: أرأيتكم ليلتكم هذه فإن رأس مائة سنة منها]
116 -
وبه قال: (حدثنا سعيد بن عُفَير)؛ بضم العين المهملة وفتح الفاء، (قال: حدثني)؛ بالإفراد، وفي رواية: بالجمع، (الليث) : هو ابن سعد، (قال: حدثني)؛ بالإفراد، (عبد الرحمن بن خالد)، زاد في رواية:(ابن مسافر)؛ أي: أبو خالد الفهمي مولى الليث بن سعد أمير مصر لهشام بن عبد الملك، كانت ولايته على مصر سنة ثمان عشرة ومئة، وشهد جده فتح بيت المقدس مع عمر بن الخطاب المتوفى سنة سبع وعشرين ومئة، وجده مسافر قد دفن في ديارنا الشريفة الشامية في قهوة الجنينة الكبرى عند جامع يلبغا، والجاري على لسان الأعوام ابن مسافر، ولعلَّه خالد أو عبد الرحمن المذكور فنسب لجده؛ لشهرته به، والظاهر: الأول فيحرر.
(عن ابن شهاب) : محمد بن مسلم الزهري، (عن سالم)؛ أي: ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب، (وأبي بكر بن سليمان بن أبي حَثْمة)؛ بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة، واسمه عبد الله بن حذيفة أو عدي بن كعب ابن حذيفة القرشي العدوي، (أن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما.
(قال: صلى بنا النبي) الأعظم، وفي رواية:(لنا رسول الله)؛ باللام بدل الموحدة يعني: صلى إمامًا لنا، وإلا؛ فالصلاة لله لا لهم، صلى الله عليه وسلم العِشاء)؛ بكسر العين المهملة وبالمد؛ أي: صلاة العشاء التي وقتها بعد غروب الشفق، وبفتح العين والمد: الطعام.
(في آخر حياته)، وفي رواية جابر:(إن ذلك كان قبل موته عليه السلام بشهر)، (فلما سلم) من الصلاة، (قام) جواب لما، (فقال: أرَأيتكم)؛ بهمزة الاستفهام وفتح الراء؛ أي: أخبروني، فهو من إطلاق السبب على المسبب؛ لأنَّ مشاهدة هذه الأشياء طريق إلى الإخبار عنها، والهمزة فيه مقررة؛ أي: قد رأيتم ذلك فأخبروني، وما زعمه ابن حجر ردَّه في «عمدة القاري» بما يطول.
(ليلتكم)؛ أي: شأن ليلتكم أو خبر (ليلتكم)، (هذه) هل تدرون ما يحدث بعدها من الأمور العجيبة، وتاء (أرأيتكم) : فاعل، والكاف: حرف خطاب لا محل لها من الإعراب، و (ليلتَكم)؛ بالنصب مفعول ثان لـ (أخبروني)، والاستفهام ليس بحقيقي؛ فلا يحتاج إلى جواب، خلافًا لمن زعمه، و (أرأيتُكم) لا تستعمل إلَّا في الاستخبار عن الأمر العجيب؛ بفتح التاء للمذكر، والمؤنث، والمفرد، والجمع، فإن أردت معنى الرؤية؛ أنثت وجمعت، والفرق بين الخطاب واسم الخطاب الثاني يدلُّ على عين ومعنى الخطاب وصرفه لا يدل إلا على الخطاب كالتنوين وياء النسبة، وتوضيحه في «عمدة القاري» .
(فإن رأس)، وللأصيلي:(فإن على رأس)، (مئة سنة منهما)؛ أي: من تلك الليلة، (لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد) ممن ترونه أو تعرفونه عند مجيئه، أو المراد بالأرض: البلدة التي هو فيها، قال تعالى:{أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً} [النساء: 97] يريد المدينة المنورة، وقوله:(ممن هو على ظهر الأرض) احتراز عن الملائكة، والمراد أن كل من كان تلك الليلة على الأرض لا يعيش بعدها أكثر من مئة سنة سواء قلَّ عمره قبل ذلك أم لا، وليس فيه نفي عيش أحد بعد تلك الليلة فوق مئة، فوعظهم عليه السلام بقصر أعمارهم، وأعلمهم أن أعمارهم ليست كأعمار من تقدم من الأمم؛ ليجتهدوا في العبادة.
واستدل
(2)
به المؤلف وغيره على موت الخضر والجمهور على خلافه، ومن قال به؛ أجاب عن الحديث بأنه من ساكني البحر فلا يدخل في الحديث، ومن قال: إن معنى الحديث لا يبقى ممن ترونه وتعرفونه؛ فالحديث عام أريد به الخصوص، ولا يرد عيسى عليه السلام وإبليس لعنه الله؛ لأنَّ المراد ممن على ظهر الأرض أمة محمد النبي الأعظم عليه السلام، وكل من على ظهرها من المسلمين والكفار أمته؛ أمَّا الأول: فإنَّهم أمة إجابة، وأما الثاني؛ فإنَّهم أمة دعوة، وعيسى والخضر ليسا داخلين في الأمة، وأما الشيطان فإنه ليس من بني آدم، كذا قرره الشيخ الإمام بدر الدين العيني، وأجاب القسطلاني: بأن المراد أرضه التي نشأ بها ومنها بعث كجزيرة العرب المشتملة على الحجاز، وتهامة، ونجد، فليست (أل) للاستغراق، فالخضر في غير هذه الأرض المعهودة فلا يدخل تحت الحديث.
قلت: وهو مأخوذ من كلام الكرماني وأجاب عن عيسى: بأنه في السماء، وعن إبليس بأنه في الهواء أو النار وهو تعسُّفٌ، والتحقيق ما ذكره في «عمدة القاري» ؛ فليحفظ.
واستدل من الحديث: جواز السمر في الليل ويعارضه ما عند المؤلف عن أبي برزة: (أن رسول الله عليه السلام كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها)؛ فهذا يدل على المنع مطلقًا فالحديث المتقدم
(1)
في الأصل: (أسماء).
(2)
في الأصل: (وستدل).
يدل على الجواز فيخص العموم فيما عدا العلم والخبر وما عداهما؛ فذهب الأكثر إلى كراهته منهم أبو هريرة وابن عباس، وكتب عمر رضي الله عنه: أن لا ينام قبل أن يصليها فمن نام؛ فلا نامت عينه، وهو قول أئمتنا الأعلام، وعطاء، وطاووس، ومجاهد، ومالك، والشافعي، ورخص طائفة فيه روي ذلك عن علي: أنه كان ربما غفي قبل العشاء.
وكان ابن عمر ينام ويوكِّل من يوقظه، وعن عروة وابن سيرين: أنهما كانا ينامان نومة قبل العشاء، واحتجَّ لهم بأن الكراهة لمن خشي تفويتها وتفويت الجماعة فيها.
[حديث: بِتُّ في بيت خالتي ميمونة بنت الحارث]
117 -
وبه قال: (حدثنا آدم) : هو ابن أبي إياس، (قال: حدثنا شعبة) : هو ابن الحجاج، (قال: حدثنا الحَكَم)؛ بالحاء المهملة والكاف المفتوحتين، ابن عُتَيْبَة؛ بضم العين المهملة، وفتح الفوقية، وسكون التحتية، بعدها موحدة مفتوحة، تصغير عتبة ابن النهاس الكندي الفقيه الكوفي، المتوفى سنة أربع عشرة أو خمس عشر ومئة.
(قال: سمعت سعيد بن جُبير)؛ بضم الجيم، (عن ابن عباس) رضي الله عنهماأنه (قال: بِتُّ)؛ بكسر الموحدة وتشديد المثناة، من البيتوتة، أصله: من بَيَتت
(1)
؛ بفتح الموحدة والتحتية، قلبت الياء ألفًا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصار: باتت؛ فالتقى ساكنان فحذفت الألف فصار: بتت، فأدغمت التاء في التاء، ثم أبدلت كسرة من فتحة الموحدة؛ لتدل على الموحدة المحذوفة فصار:(بت) على وزن (فلت)، والجملة من الفعل والفاعل وقعت مقول القول.
(في بيت خالتي ميمونة) عطف بيان، (بنتِ الحارثِ)؛ بالجر، صفة لميمونة الممنوعة من الصرف؛ للعلمية والتأنيث، (زوجِ النبيِّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم؛ بالجرِّ صفة بعد صفة أم المؤمنين الهلالية تزوجها عليه السلام سنة ست أو سبع من الهجرة، وتوفيت سنة إحدى وخمسين أو ست وستين بسرف، وصلى عليها ابن عباس، وهي آخر أزواجه؛ لأنَّه لم يتزوج بعدها، وهي أخت لُبَابة؛ بضم اللام، وتخفيف الموحدة، وبعد الألف موحدة أخرى، بنت الحارث زوجة العباس وأم أولاده، وهي أول امرأة أسلمت بعد خديجة، وكان عليه السلام يزورها وهي لبابة الكبرى وأختها لبابة الصغرى أم خالد بن الوليد رضي الله عنه.
(وكان النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم : الواو للحال، وقوله:(عندها) : خبر (كان)، (في ليلتها)؛ أي: المختصة بها بحسب قسم النبي الأعظم عليه السلام بين الأزواج، (فصلى النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم العِشاءَ)؛ بالنصب، بكسر العين والمد؛ أي: صلاة العشاء في المسجد، (ثم جاء) من المسجد، (إلى منزله) في تلك الليلة، المراد به: بيت ميمونة بنت الحارث الهلالية، و (الفاء) في (فصلى) : هي التي تدخل بين المجمل والمفصل؛ لأنَّ التفصيل إنَّما هو عقيب الإجمال؛ لأنَّ صلاة النبي عليه السلام العشاء ومجيئه إلى منزله كان قبل كونه عند ميمونة، ولم يكونا بعد الكون عندها، أفاده في «عمدة القاري» .
(فصلى) عليه السلام عقب دخوله، (أربع ركعات)؛ فـ (الفاء) للتعقيب، ثم عطف عليه قوله:(ثم نام)؛ ليدل على أن نومه لم يكن عقيب الصلاة على الفور؛ بل على التراخي، (ثم قام)؛ أي: انتبه من النوم، (ثم قال) لميمونة:(نام الغُلَيِّم)؛ بضم الغين المعجمة، وفتح اللام، وتشديد التحتية، تصغير غلام من باب الشفقة، وأراد به: عبد الله بن عباس، وفي رواية:(نام الغلام)، وهذا يحتمل الإخبار لميمونة، ويحتمل الاستفهام من ميمونة، وحذف حرف الاستفهام بقرينة المقام وهذا الأظهر، كما في «عمدة القاري» .
(أو) قال: (كلمة) : فهي منصوبة بفعل محذوف، (تشبهها)؛ أي: تشبه كلمة (نام الغليم)، والشكُّ من الراوي ابن عباس وغيره، وعبَّر بـ (كلمة) ومقول القول يجب أن يكون كلامًا؛ لأنَّ الكلمة قد تطلق على الكلام مجازًا نحو: كلمة الشهادة والتأنيث باعتبار الكلمة أو باعتبار كونها جملة.
(ثم قام) عليه السلام في الصلاة، والمراد: أنه شرع في الصلاة، (فقمت عن يَساره)؛ بفتح التحتية وكسرها؛ أي: شماله، وحكي التشديد للسين لغة فيه عن ابن عباد، كما أوضحه في «عمدة القاري» ، (فجعلني عن يمينه)؛ أي: فحوَّلني إلى اليمين، (فصلى)، وفي رواية:(وصلى)، (خمس ركعات)، وفي رواية:(عشرة ركعة).
(ثم صلى ركعتين) : فالجملة إحدى عشر ركعة؛ لأنَّه صلى أربعًا، ثم خمسًا، ثم ركعتين، وجاء عند المؤلف:(فكانت صلاته ثلاث عشرة ركعة)، وجاء (أنها كانت ثلاث عشرة ركعة غير ركعتي الفجر، ثم اضطجع حتى أتاه المؤذن؛ فقام فصلى ركعتين)، وهي أكثر الروايات، ويجمع بينهما بأن من روى:(أحد عشرة)؛ أسقط الأوليين وركعتي الفجر، ومن أثبت الأوليين؛ عدها ثلاث عشرة، ووقع هذا الاختلاف في «مسلم» ، وقيل: إنَّ أكثر الروايات على أنه لم يصل قبل النوم وأنه صلى بعده ثلاث عشرة ركعة، فيحتمل أن نوم ابن عباس عنده عليه السلام كان وقوعًا
(2)
فذكر ذلك بعض من سمعه، قال في «عمدة القاري» : والمشهور أنها كانت واقعة واحدة.
(ثم نام) عليه السلام (حتى سمعت)(حتى) للغاية هنا تقديره: (إلى أن سمعت)، (غَطِيطه)؛ بفتح المعجمة وكسر الطاء: صوت يخرجه النائم مع نفسه عند استثقاله، وما قاله ابن حجر ردَّه في «عمدة القاري» .
(أو خَطِيطه)؛ بفتح المعجمة وكسر الطاء، بمعنى: الغطيط، وما قاله ابن بطال وتبعه عياض رده في «عمدة القاري» ، والشكُّ من الراوي، ثم استيقظ عليه السلام، (ثم خرج) من المنزل، (إلى الصلاة) ولم يتوضأ.
فهذا من خصائصه عليه السلام؛ لأنَّ نومه مضطجعًا لا ينقض الوضوء؛ لأنَّ عينيه تنامان ولا ينام قلبه، فلو خرج حدث؛ لأحس به بخلاف غيره من الناس، وفي رواية:(ثم اضطجع فنام حتى نفخ فخرج فصلى الصبح ولم يتوضأ)، وما قاله الكرماني رده في «عمدة القاري» ، وكذا سائر الأنبياء عليهم السلام كذلك، كما أخرجه المؤلف في (الإسراء).
وأما نومه عليه السلام في الوادي إلى أن طلعت الشمس؛ فلا ينافي هذا؛ لأنَّ الفجر والشمس إنَّما يدركان بالعين لا بالقلب، وقلبه كان مشغولًا بمراقبة ربه تعالى، ومن زعم أنه كان في وقت ينام قلبه فصادف ذلك؛ فهو بعيد.
وفي الحديث: جواز نوم الرجل مع امرأته في غير مواقعة بحضرة بعض محارمها وإن كان مميزًا، وجاء في رواية: (أنها كانت حائض
(3)
).
وفيه: أن صلاة الليل تسع ركعات؛ فإنَّ الأخيرتين سنة الصبح، والستة منها نافلة، وختمها بالوتر ثلاث ركعات.
وفيه: أن صلاة الصبي صحيحة.
وفيه: أن موقف المأموم الواحد عن يمين الإمام وهو مذهبنا.
وفيه: جواز الصلاة خلف من لم ينو الإمامة وهو مذهبنا.
وفيه: جواز الجماعة في النافلة بواحد، ويكره إن كان على سبيل التداعي عند إمامنا الإمام الأعظم رضي الله عنه.
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: (نام الغليم)، أو ارتقاب ابن عباس لأحواله عليه السلام؛ إذ لا فرق بين التعلم من القول والتعلم من الفعل، فقد سمر ابن عباس ليلته في طلب العلم، وما زعمه ابن حجر وأتعب نفسه فيه فقد رده في «عمدة القاري» بما يطول، وهو موافق مقبول لأهل الأصول، فرحم الله هذا الإمام ما أغزر علمه وأوفر فهمه، ولا شك أنه علَّامة الأمصار
(4)
والأقطار المستمدُّ من فيض ربه المدرار عليه رحمة ربنا الكريم الغفار.
(42)
[باب حفظ العلم]
هذا (باب حفظ العلم)، ولفظ (باب) ساقط عند الأصيلي.
[حديث: إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة ولولا آيتان في كتاب الله]
118 -
وبه قال: (حدثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأوسي المدني، (قال: حدثني)؛ بالإفراد (مالك) : ابن أنس الإمام، (عن ابن شهاب) : محمد بن مسلم الزهري، (عن الأعرج) : عبد الرحمن بن هرمز، (عن أبي هريرة) : عبد الرحمن بن صخر، (قال: إن الناس) : مقول قال، (يقولون) : جملة محلها رفع خبر (إن)، (أكثر أبو هريرة) : جملة من الفعل والفاعل مقول (يقولون)؛ أي: من رواية الحديث، وهو حكاية كلام الناس، أو وضع المظهر موضع المضمر؛ لأنَّ الظاهر أن يقول: أكثرت، وزاد المؤلف في (البيوع) :(ويقولون ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثل أحاديثه)، وهذه الزيادة تدلك على النكتة في ذكر أبي هريرة المهاجرين والأنصار.
(ولولا آيتان)؛ أي: موجودتان، (في كتاب الله) عز وجل، (ما) جواب (لولا) حذف منه اللام وهو جائز، (حدثت حديثًا)؛ بالنصب على المفعولية، قال الأعرج:(ثم يتلو)؛ أي: أبو هريرة، ({إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} إلى قوله) تعالى:({الرَّحِيم} [البقرة: 159 - 160]).
وإنما ذكر يتلو بلفظ المضارع؛ استحضارًا لصورة التلاوة كأنه فيها، والمعنى: لولا أن الله تعالى ذمَّ الكاتمين للعلم؛ لما حدثتكم أصلًا، لكن لما كان الكتمان حرامًا؛ وجب الإظهار والتبليغ؛ فلهذا حصل مني الإكثار؛ لكثرة ما عندي من الحديث، ثم ذكر سبب الكثرة بقوله:(إن إخواننا)؛ جمع: أخ، ولم يقل: إخوانه؛ ليرجع الضمير على أبي هريرة؛ لغرض الالتفات، ولم يقل: إخواني؛ لأنَّه قصد نفسه وأمثاله من أهل الصفة، والمراد الإخوان في الإسلام لا في النسب،
(1)
في الأصل: (يبتت).
(2)
في الأصل: (دفوعا).
(3)
في الأصل (حائضة) وهذا خطأ.
(4)
في الأصل (الإعصار) والسياق يقتضي ما أُثبت.