الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العفريت على قصة ثمامة، لأنَّ الذي همَّ بربط العفريت هو النَّبي عليه السلام، والذي ربط ثمامة غيره، ولمَّا رآه مربوطًا قال:«أطلقوا ثمامة» ، فهو بأن يكون إنكار الربط أولى من [أن] يكون تقريرًا) انتهى.
وردَّه إمام الشَّارحين، فقال:(هذا قول صادر من غير تأمل؛ لأنَّ ابن إسحاق صرح في «المغازي» أنَّ النَّبي عليه السلام هو الذي أمرهم بربط ثمامة، فإذا كان كذلك؛ كان حديث ثمامة من جنس حديث العفريت، ولكن لما كان بينهما مغايرة ما؛ فصل بينهما بلفظ «باب») انتهى.
وتبعه ابن حجر حيث قال: (وكأنَّ ابن المُنَيِّر لم ينظر سياق هذا الحديث تامًّا لا في «البخاري» ولا في غيره، فقد أخرجه البخاري في «المغازي» من هذا الوجه مطولًا، وفيه أنَّه عليه السلام مرَّ على ثمامة ثلاث مرات، وهو مربوط في المسجد، وإنَّما أمر بإطلاقه في اليوم الثالث، وكذا أخرجه مسلم وغيره، وإني لأتعجب منه كيف جوز أنَّ الصَّحابة يفعلون في المسجد أمرًا لا يرضى به النَّبي عليه السلام؟! فهو كلام فاسد مبني على فاسد) انتهى.
واعترضه العجلوني بأنَّ التَّرجمة وقعت لابن المُنَيِّر كما ذكر، فاحتاج إلى توجيهها، ولم ينظر لما وقع في غيرها، فإن نظر إليه؛ اتجه اعتراض ابن حجر عليه بما ذكره وإن كان فيه تكلف، انتهى.
قلت: وقوع التَّرجمة هكذا غير عذر؛ لأنَّه كان يمكنه تصحيحها بالمقابلة على نسخة صحيحة، على أنَّ توجيهها بما ذكر غير صواب؛ لأنَّه مخالف لصريح الأحاديث مع الجرأة على الصَّحابة الكرام، ولا مانع من نظره لما وقع في غيرها وعدم فهم معناها؛ لأنَّ الذي يقول هذا الكلام لا يفهم المعنى المرام، فصح قول ابن حجر:(فهو كلام فاسد مبني على فاسد)، وصح قول إمام الشَّارحين:(هذا قول صادر من غير تأمل)؛ فافهم.
وقال إمام الشَّارحين: (وأبعد من الكل النُّسخة التي ذكرها ابن المُنَيِّر وهي: «باب ذكر الشراء والبيع» فيه: «أبو هريرة بعث رسول الله عليه السلام خيلًا
…
»؛ الحديث، ثم قال: وجه مطابقة حديث ثمامة للبيع والشراء في المسجد أنَّ الذي تخيل المنع مطلقًا إنَّما أخذه من ظاهر أنَّ هذه المساجدإنَّما بنيت للصلاة ولذكر الله، فبيَّن البخاري تخصيص هذا العموم بإجازة فعل غير الصلاة في المسجد، وهو ربط ثمامة؛ لأنَّه مقصود صحيح، فالبيع كذلك، انتهى، ولا يخفى ما فيه من التكلف والتعسف، وقال صاحب «التلويح» بعد أن نقل هذا الكلام منكرًا عليه ومستبعدًا وقوعه منه:
وذاك لعمري قول من لم يمارس
…
كتاب «الصَّحيح» المنتقى في المدارس
ولم ير ما قد قاله في الوفود من
…
سياق حديث واضح متجانس
وكان الشيخ قطب الدين الحلبي تبع ابن المُنَيِّر في ذلك، وأنكر عليه تلميذه صاحب «التوضيح» ، وهو محل الإنكار؛ لأنَّ التَّرجمة التي ذكرها ليست في شيء من نسخ «البخاري» ) انتهى كلام إمام الشَّارحين، وتبعه الشراح.
وقال ابن حجر: (يحتمل أن يكون البخاري بيَّض للتَّرجمة فسدَّ بعضهم البياض بما ظهر له، ويدل عليه أنَّ الإسماعيلي ترجم عليه بـ «باب دخول المشرك المسجد»، وأيضًا فالبخاري لم تجرِ عادته بإعادة لفظ ترجمة عقب الأخرى، و «الاغتسال إذا أسلم» لا تعلق له بأحكام المساجد إلا على بُعْد بأن يقال: الكافر جنب غالبًا، والجُنب ممنوع من المسجد إلا لضرورة، فلما أسلم؛ لم تبق ضرورة للبثه في المسجد جنبًا فاغتسل؛ لتُسوَّغ له الإقامة في المسجد) انتهى.
قلت: وهذا كلام فاسد الاعتبار؛ لأنَّ احتمال كون البخاري بيَّض للتَّرجمة ممنوع؛ لأنَّه لو كان كذلك لم يذكر تعليقًا وحديثًا، وهذا أبعد البعيد أن يذكر التَّعليق والحديث، ويبيض للتَّرجمة، واحتمال أن بعضهم سد هذا البياض أبعد منه؛ لأنَّ رواة «البخاري» كلهم عدول، ولم يحصل من العدل جرأة على مثل «البخاري» ، فهذا يعد نقصًا في رواة «البخاري» ، وهو غير صحيح، وكون الإسماعيلي ترجم له بما ذكر؛ لعلَّ هذه التَّرجمة مثل ترجمة ابن المُنَيِّر لم توجد في نسخ البخاري، وكون البخاري لم تجر عادته بإعادة ترجمة عقب أخرى؛ ممنوع؛ لأنَّ عادته إعادة الأحاديث مرات في أبواب متعددة وهذا مثله، والعادة تثبت بمرة، وكون الاغتسال لا تعلق له بأحكام المساجد؛ ممنوع؛ لأنَّ تعلقه ظاهر، فإنَّ الكافر جنب في الغالب، وهو ممنوع من دخول المسجد، فلمَّا أسلم؛ احتاج إلى الصلاة في المسجد، فيغتسل ثم يدخل، فهو حكم من أحكام المساجد، والله أعلم.
(وكان شُرَيْح)؛ بِضَمِّ الشين المعجمة، وفتح الرَّاء، وسكون التحتية، آخره حاء مهملة، هو ابن الحارث الكندي، كان من أولاد الفرس الذين كانوا باليمن، وكان في زمن النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، ولم يلقه، قضى بالكوفة من قبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومن بعده ستين سنة، مات سنة ثمانين، كذا قاله إمام الشَّارحين، وفي «التقريب» :(شريح بن الحارث بن قيس الكوفي النخعي القاضي أبو أمية، مخضرم ثقة، وقيل: له صحبة، مات قبل الثمانين أو بعدها، وله مئة وثمان سنين أو أكثر، يقال: حكم سبعين سنة) انتهى، (يأمر الغريم)؛ أي: الذي عليه الدين، وقد يكون الغريم الذي له الدين، والمراد هنا الأول؛ فافهم، (أن يُحبَس)؛ بِضَمِّ أوله مبني للمجهول؛ أي: يأمره بأن يحبس نفسه في المسجد (إلى) أي: مع (سارية) أي: أسطوانة (المسجد)؛ أي: مسجد الكوفة، فاللَّام فيه للعهد، ويحتمل أنَّه ضَمَّن (يحبس) معنى (يضم) فعدي بـ (إلى)، قيل: وفي نسخة (أن يَحبِس) بالبناء للفاعل، قال ابن مالك: (وفي إعراب هذا وجهان؛ أحدهما: أن يكون الأصل «بالغريم» ، و «أن يحبس» بدل اشتمال، ثم حذفت الباء كما في قول الشاعر:
أمرتك الخير
والثاني: أن يريد: كان يأمره أن ينحبس، فجعل المطاوَع موضع المطاوِع لاسلتزامه إياه) انتهى.
وردَّه إمام الشَّارحين، فقال: (هذا تكلف، وحذف الباء في الشعر للضرورة، ولا ضرورة ههنا، وهذا التركيب ظاهر، فلا يحتاج إلى مثل هذا الإعراب، ولا شك أنَّ المأمور هو الغريم، أمر بأن يحبس نفسه
في المسجد، فإن قضى ما عليه من الدينح ذهب في حاله، وإلا أُمِر به في السجن، و «أن يحبس» أصله: بأن يحبس، و «يحبس» على صيغة المجهول؛ يعني: أمره أن يحبس نفسه في المسجد أولًا، وعند المُطل يحبس في السجن) انتهى.
واعترضه العجلوني فزعم: يتأمل دعواه ظهور التركيب مع جريانه على القواعد من غير ما قاله ابن مالك، فإنَّ المراد أنَّ شريحًا يأمر غيره بأن يحبس الغريم، ويربطه بسارية المسجد، على أنَّ الباء في الغريم موجودة في بعض الأصول الصَّحيحة؛ فتأمل.
قلت: تأملته فوجدته فاسد الاعتبار، فإنَّ ظهور التركيب مع جريانه على القواعد غير ما زعمه ابن مالك ظاهر لمن له أدنى ذوق في العلم، كما بيَّنها إمام الشَّارحين، كما رأيت، فيقال:(كان شريح)(كان) واسمها، و (يأمر الغريم) : فعل وفاعل ومفعول، والجملة خبر (كان)، و (أن) حرف مصدري، و (يحبس) : فعل مضارع منصوب بها، وهي في تأويل مصدر؛ تقديره: بحبس نفسه
…
إلخ.
وقوله: (فإنَّ المراد
…
) إلخ؛ ممنوع، فإنَّ ظاهر اللَّفظ أنَّ شريحًا يأمر الغريم بحبس نفسه في المسجد، وليس في هذا التَّعليق ذكر غير شريح والغريم كما رأيت، فإنَّ في وقتهم لم يكن حاجب ولا شرطي، بل بمجرد علمه الحق وأنَّه يجب عليه كذا؛ يفعل ذلك الغريم وحده، ولا يقاس زمانهم على زماننا، فإنَّه قياس مع الفارق؛ فافهم.
وقوله: (على أنَّ الباء
…
) إلخ، الله أعلم بصحة هذا الأصل الموجودة فيه، لأنَّ أحدًا من الشراح لم يذكرها أصلًا، لا من نسخة صحيحة ولا غيرها، والظَّاهر أنَّها تحريف من الناسخ، فلا يعول عليها، على أنَّ من القواعد أنَّ حذف الباء في الشعر جائز؛ للضرورة، وأمَّا ههنا؛ فلا يجوز؛ لعدم الضرورة، فقياس النثر على الشعر قياس مع الفارق؛ فافهم.
قال إمام الشَّارحين: ومطابقة هذا الأثر للجزء الثاني من التَّرجمة ظاهرة، وهو تعليق من البخاري، وقد وصله معمر عن أيِّوب عن ابن سيرين قال:(كان شريح إذا قضى على رجل بحق؛ أمر بحبسه في المسجد إلى أن يقوم بما عليه، فإن أعطى الحق، وإلا أمر به في السجن) انتهى.
[حديث: بعث النبي خيلًا قبل نجد فجاءت برجل]
462 -
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف) هو التنيسي المنزل، الدمشقي الأصل، وفي (يوسف)؛ تثليث السين مع الهمز وتركه، ومعناه بالعبرانية: جميل الوجه (قال: حدثنا اللَّيث)؛ بالمثلَّثة: هو ابن سعد الفهمي، المصري، القلقشندي المولد، الحنفي المذهب على التحقيق (قال: حدثني) بالإفراد رواية الأربعة، ولغيرهم:(حدثنا) بالجمع (سعيد بن أبي سعيد) بكسر العين المهملة فيهما، واسم أبي سعيد: كيسان، هو المقبري المدني، المتوفى بعد اختلاطه بأربع سنين سنة خمس وعشرين ومئة، لا يقال: إنَّه مدلس؛ لاحتمال التحديث والسَّماع قبل الاختلاط؛ فافهم: (أنَّه) بفتح الهمزة؛ أي: سعيدًا (سمع أبا هريرة) هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي الصَّحابي الجليل رضي الله عنه، ولأبوي ذر والوقت، والأصيلي، وابن عساكر:(حدثني أبو هريرة)(قال) أي: أبو هريرة: (بعث النَّبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم؛ أي: لعشر ليال خلون من المحرم سنة ست، قاله ابن إسحاق، أو على رأس تسعة وخمسين شهرًا من الهجرة، قاله ابن سعد، إلى القُرَطَاء؛ بِضَمِّ القاف، وفتح الرَّاء والطاء المهملة، وهم نفر من بني أبي بكر بن كلاب، وكانوا ينزلون البَكرات؛ بفتح الموحَّدة في الأصل؛ جمع بكرة، وهي ماء بناحية ضَرِيَّة؛ بفتح الضَّاد المعجمة، وكسر الرَّاء، وتشديد التحتية؛ وهي أرض كثيرة العشب، وإليها ينسب الحمى، وضريَّة في الأصل: بنت ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، وسمي الموضع المذكور باسمها، وبين ضريَّة والمدينة: سبع ليال، كذا قرره إمام الشَّارحين، (خيلًا)؛ أي: فرسانًا، قاله الجوهري، والخيل أيضًا: الخيول، قاله إمامنا الشَّارح.
وزعم ابن حجر (أي: رجالًا على خيل)، وردَّه في «عمدة القاري» :(بأنَّ هذا تفسير من عنده، وهو غير صحيح، بل المراد ههنا من الخيل: هم الفرسان، ومنه قوله تعالى: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} [الإسراء: 64] أي: بفرسانك ورجالتك، والخيَّالة: أصحاب الخيول) انتهى.
واعترضه العجلوني فزعم أنَّ تفسيره (خيلًا) هنا بـ (رجالًا على خيل) صحيح على أنَّ الذي رأيناه في نسخ ابن حجر: خيلًا؛ أي: فرسانًا، والأصل أنَّهم كانوا رجالًا على خيل، انتهى.
قلت: واعتراضه مردود عليه؛ لأنَّ المراد بالخيل -كما قاله إمام اللُّغة الجوهري-: الفرسان، وقد جاء ذلك في القرآن، ومثله في «مختصر الصِّحاح»؛ حيث قال:(والخيل: الفرسان، ومنه قوله تعالى: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ}؛ أي: بفرسانك ورجالتك) انتهى، ومثله في «القاموس» حيث قال:(الخيل: جماعة الأفراس، لا واحد له، والفرسان) انتهى، وعلى هذا فتفسير ابن حجر غير صحيح؛ لأنَّه مخالف لأهل اللُّغة، وهو تفسير من عنده، وهو مردود، والذي يفهم من «القاموس» أنَّ الرجل الراكب على فرس يقال له: فارس، وجمعه: فرسان، فالفارس: اسم للرجل والدَّابة معًا؛ فافهم.
وقوله: (على أنَّ الذي
…
) إلخ؛ ممنوع، فإنَّ جميع نسخ ابن حجر هكذا:(خيلًا؛ أي: رجالًا على خيل) فكيف يدعي هذا هربًا من الاعتراض؟
وقوله: (والأصل
…
) إلخ؛ لا عبرة بهذا؛ لأنَّه غير مراد، بل المراد تفسير أئمة اللُّغة، وهو يخالفه، على أنَّه وإن كان الأصل فيه ذلك لا يقال له ذلك؛ لأنَّه خلاف اللُّغة؛ فافهم.
(قِبَل نَجْد)؛ بكسر القاف وفتح الموحَّدة، وهو الجهة، يقال: جلس قُبالته؛ بالضم؛ أي: تجاهه والمقابلة: المواجهة، ونَجْد؛ بفتح النُّون وسكون الجيم؛ وهي الأرض المرتفعة، ضد الغور، وهي تهامة إلى العراق، وهي من جزيرة العرب.
قال المدائني: (جزيرة العرب خمسة أقسام: تهامة، ونجد، وحجاز، وعروض، ويمن، أمَّا التهامة؛ فهي الناحية الجنوبية من الحجاز، وأمَّا نجد؛ فهي الناحية التي بين الحجاز والعراق، وأمَّا الحجاز؛ فهو جبل يقبل من اليمن حتى يتصل بالشام، وفيه المدينة وعمان، وأمَّا العروض؛ فهي اليمامة إلى البحرين).
وقال الواقدي: (الحجاز من المدينة إلى تبوك ومن المدينة إلى طريق الكوفة، ومن وراء ذلك إلى أن يشارف
(1)
أرض البصرة؛ فهو نجد، وما بين العراق وبين وجرة وعمرة الطَّائف؛ نجد، وما كان من وراء وجرة إلى البحر؛ فهو تهامة، وما كان بين تهامة ونجد؛ فهو حجاز، سمي به؛ لأنَّه يحجز بينهما) انتهى.
(فجاءت)؛ أي: الخيل، وهذا المبعث هو سرية كان أميرها محمَّد بن مسلمة، أرسله عليه السلام في ثلاثين راكبًا إلى القُرَطَاء، وكانت غيبته بها تسع عشرة ليلة، وقدم آخر ليلة من المحرم، (برجل من بني حَنيفة)؛ بفتح الحاء المهملة قبيلة مشهورة (يقال له) أي: للرجل: (ثُمَامة بن أُثَال) بالمثلَّثة فيهما مع ضم أولهما، وتخفيف ثانيهما ورابعهما، وهو في الأول ميم، وفي الثاني لام؛ فافهم، (فربطوه)؛ أي: فربط الخيلُ الرجلَ بأمر من النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم كما صرح به ابن إسحاق في «مغازيه» ، وزعم العجلوني أنَّه يحتمل غيرهم، قلت: وهذا الاحتمال بعيد عن النَّظر؛ فافهم، (بسارية) أي: أسطوانة (من سواري) أي: من أساطين (المسجد)؛ أي: النَّبوي، فاللَّام فيه للعهد، وعلى هذا؛ فيكون حديث ثمامة من جنس حديث العفريت غير أنَّ بينهما فرقًا؛ من حيث إنَّ هناك حصل من النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم همٌّ وإرادةٌ لربطه، وإنَّما امتنع لمانع، وههنا أمرهم بربطه، كما رواه ابن إسحاق كما ذكرناه، وزعم العجلوني أنَّ هنا حصل ربطه منهم، فأقره عليه السلام، كما تقدم فيما رواه ابن إسحاق، انتهى، قلت: الذي تقدم عن ابن إسحاق أنَّه عليه السلام هو الذي
(1)
في الأصل: (يشارق)، وهو تحريف.
أمرهم بربطه كما صرح به إمام الشَّارحين، وابن حجر، والقسطلاني، وغيرهم، فما نقله العجلوني غير صحيح؛ فليحفظ.
(فخرج النَّبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم؛ أي: من حجرته بعدما أمرهم بربطه، ودخل حجرته (فقال)؛ أي: النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم لأصحابه، أو للذين ربطوه، وذلك في اليوم الثالث لما تقدم أنَّ الحديث أخرجه المؤلف في «المغازي» ، وفيه أنَّه عليه السلام مرَّ على ثمامة ثلاث مرات، وهو مربوط في المسجد، ففي المرة الثالثة قال لهم:(أطلقوا) بفتح الهمزة، وهي همزة قطع (ثمامة)؛ أي: من القيد، إنَّما أمرهم بإطلاقه؛ منًّا عليه؛ إما للتآلف، وإما لأنَّه أسلم لمَّا مر عليه النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، كما رواه ابني خزيمة وحبان من حديث أبي هريرة.
وقال الكرماني: (يحتمل أنَّه عليه السلام أطلقه لما علم أنَّه آمن بقلبه وسيظهره بكلمة الشهادة، وقال ابن الجوزي: لم يسلم تحت الأسر؛ لعزة نفسه، وكان عليه السلام أحس بذلك منه، فقال: «أطلقوه»، فلما أُطلق؛ أسلم) انتهى.
وردَّهما إمام الشَّارحين، فقال:(يرد هذا حديث أبي هريرة الذي رواه ابن خزيمة وابن حبان، وفيه: «فمرَّ صلى الله عليه وسلم عليه يومًا فأسلم فحلَّه»، فهذا يصرح بأنَّ إسلامه كان قبل إطلاقه، فيُعذر الكرماني في هذا؛ لأنَّه قال بالاحتمال، ولم يقف على حديث أبي هريرة، وأمَّا ابن الجوزي؛ فكيف غفل عن ذلك مع كثرة اطلاعه في الحديث؟!) انتهى.
قلت: أي: في الموضوع لا الصَّحيح حتى أفرط في أحاديث صحاح، وحكم عليها بالوضع، وقد قال الحفاظ: لا عبرة بوضع ابن الجوزي ورفع الحاكم، فيحتمل أنَّه لم يطلع على حديث أبي هريرة، لا يقال: يمكن حمل كلامهما -كما زعمه العجلوني- على أنْ يريد بقوله سيظهره بعد إطلاقه بين جمع الصَّحابة؛ لأنَّا نقول: صريح حديث أبي هريرة: أنَّه أسلم حين مرَّ عليه النَّبي عليه السلام، وكان بين جمع الصَّحابة، فأمرهم عليه السلام بإطلاقه؛ لإسلامه صريحًا بين الصَّحابة، فإسلامه كان بعد إطلاقه؛ فليحفظ.
(فانطلق) وفي رواية: (فذهب)؛ أي: ثمامة، وهذا تفريع على قوله:(فأطلقوه) يعني: فأطلقوه، فانطلق (إلى نَجْلٍ) بفتح النُّون، وسكون الجيم، آخره لام، وهو الماء النابع من الأرض، وقال الجوهري:(استنجل الموضع؛ أي: كثر به النجل، وهو الماء يظهر من الأرض)، وهكذا وقع في النُّسخة المقروءة على أبي الوقت، وكذا زعم ابن دريد.
وفي أكثر الروايات: (إلى نخل)؛ بالخاء المعجمة، وكذا في رواية مسلم، ويؤيد هذا ما رواه ابن خزيمة في «صحيحه» من حديث أبي هريرة:(أنَّ ثمامة أُسِر، فكان النَّبي صلى الله عليه وسلم يغدو إليه فيقول: «ما عندك يا ثمامة؟» فيقول: إن تقتل؛ تقتل ذا دم، وإن تمنَّ؛ تمنَّ على شاكر، وإن تُرِد المال؛ نعطك منه ما شئت، وكان أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم يحبون الفداء، ويقولون: ما نصنع بقتل هذا؟ فمرَّ عليه النَّبي صلى الله عليه وسلم يومًا، فأسلم، فحله، وبعث به إلى حائط أبي طلحة، فأمره أن يغتسل، فاغتسل وصلى ركعتين، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: «لقد حسن إسلام أخيكم»)، وبهذا اللَّفظ أيضًا خرَّجه ابن حبان في «صحيحه» .
وأخرجه البزار أيضًا بهذا الطريق وفيه: (فأمره النَّبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر)، وفي بعض الروايات:(أنَّ ثمامة ذهب إلى المصانع، فغسل ثيابه واغتسل)، وفي «تاريخ البرقي» : (فأمره أن يقوم بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، قاله إمام الشَّارحين.
قلت: وهذا كله يؤيد الرواية بالخاء المعجمة؛ لأنَّ (الحائط) البستان، والغالب فيه الماء.
وذكر ابن حجر حديث أبي هريرة وأيد به رواية الخاء المعجمة.
واعترضه العجلوني بأنّه لا تأييد فيه؛ لأنَّه يجوز أن يكون انطلاقه إلى حائط أبي طلحة إلى حاجة، فرأى فيه النجل الذي هو الماء، انتهى.
قلت: واعتراضه مردود عليه، بل فيه تأييد ظاهر؛ لأنَّ (الحائط) البستان الذي فيه الماء، والنجل؛ بالجيم: موضع الماء النابع.
وكون ثمامة انطلق لحاجة في حائط أبي طلحة فرأى فيه الماء؛ يحتاج إلى دليل، بل إنَّما ذهب لحائطه؛ لأنَّ النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم بعث به إليه، وأمره أن يغتسل فيه، كما تقدم في حديث أبي هريرة قريبًا.
وعند البزار: (فأمره عليه السلام أن يغتسل بماء وسدر)، فهذا دليل على أنَّ ثمامة إنَّما ذهب لأجل الاغتسال، كما هو صريح الحديث، وإنَّما أمره عليه السلام وبعث به إلى الحائط؛ لأجل الاغتسال، ولا حاجة لثمامة غير الاغتسال وغسل الثياب، ولا يمكن من ثمامة قضاء حاجة غير الاغتسال؛ لأنَّ النَّبيَّ الأعظم صلى الله عليه وسلم بعث به إلى حائط أبي طلحة، فأمره أن يغتسل، كما في حديث أبي هريرة، وهو ظاهر في أنَّه عليه السلام بعث [معه] بعضًا من الصَّحابة حتى لا يهرب إلى أهله، ومعلوم أنَّ الأسير يكون بيد الناظر عليه كالطير في القفص، وأصحابه عليه السلام لا يخالفون أمره عليه السلام، فلا يمكن منهم ذلك كما لا يخفى؛ فافهم.
(فاغتسل)؛ أي: ثمامة، وفي رواية البزار:(أنَّه عليه السلام أمره أن يغتسل بماء وسدر)، وفي بعض الروايات:(فغسل ثيابه واغتسل)، وفي «تاريخ البرقي» : (فأمره أن يقوم بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والظَّاهر أنَّه لأجل أن يعلِّموه كيفية الاغتسال، وغسل الثياب، والطهارة وغير ذلك من فروع الإيمان، وفي رواية أبي هريرة في «صحيحي ابني
(1)
خزيمة وحبان» : (أنه اغتسل وصلى ركعتين)(ثم دخل المسجد)؛ أي: النَّبويَّ، فاللَّام فيه للعهد، وفيه النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، (فقال)؛ أي: ثمامة (أشهد)؛ أي: أقر وأذعن بقلبي، وأصدق بلساني:(أن لا إله إلا الله) وإنَّما قدَّم النَّفي على الإثبات، ولم يقل: الله لا إله إلا هو؛ بتقديم الإثبات على النَّفي؛ لأنَّه إذا نفى أن يكون هناك إله غير الله؛ فقد فرغ قلبه مما سوى الله بلسانه ليواطئ القلب وليس مشغولًا بشيء سوى الله تعالى، فيكون نفي الشريك عن الله بالجوارح الظَّاهرة والباطنة؛ فافهم.
(وأنَّ محمَّدًا رسول الله)؛ أي: وأشهد أنَّه رسول الله؛ لأنَّ المراد بالشهادة: تصديق الرسول فيما جاء به، فيستلزم جميع ما ذكره من الاعتقادات، ولهذا قال في «الأشباه» : الإيمان: تصديق محمَّد صلى الله عليه وسلم في جميع ما جاء به من الدين ضرورة، والكفر: تكذيبه عليه السلام فيما جاء به من الدين ضرورة، انتهى.
قلت: وعلى هذا فلا بدَّ من إعادة (أشهد) في صحة الإسلام عند الحنفية، وهو المرجح عند الشَّافعية؛ فيراجع.
قال العجلوني: (ولم نرَ من ذكر من الشراح أنَّ هذا الحديث من مراسيل أبي هريرة مع أنَّ إسلامه سنة سبع، وهذه القضية وقعت قبل، كما تقدم، لكنَّ مرسل الصَّحابي حكمه الوصل على الصَّواب؛ فليعرف) انتهى.
قلت: ولكون حكم مرسل الصَّحابة الوصل؛ لم يتعرض أحد من الشراح لذلك؛ لكونه معلومًا ضرورة؛ فليحفظ.
قال إمام الشَّارحين: (ومطابقة هذا الحديث للجزء الثاني من التَّرجمة ظاهرة، كما في الأثر المذكور) انتهى.
قلت: بقي على المؤلف أنَّه لم يذكر حديثًا يطابق الجزء الأول من التَّرجمة؛ لأنَّ من المعيب على كلِّ مصنف أن يترجم لشيء ولم يتعرض له
(1)
في الأصل: (ابن)، ولعل المثبت هو الصواب.
بذكر حديث يطابقه.
وقد يقال: إنَّ هذا الحديث مصرح به بالاغتسال، لكنَّه خارج، وظاهره أنَّه كان قبل إسلامه، لكن المراد أنَّه بعد إسلامه؛ لحديث أبي هريرة عند ابني حبان وخزيمة من التصريح بأنَّه بعد إسلامه، فيحتمل أنَّ المؤلف أراد حمل حديث الباب على هذا، ويحتمل أنَّه أراد أنَّ ثمامة أظهر إسلامه بين الصَّحابة، وإن كان أسلم قبلُ عند خروجه عليه السلام إليه في المرة الثالثة لكنه بعيد؛ لأنَّه عليه لا يكون الاغتسال وقع في المسجد، والتَّرجمة أنَّه كان في المسجد، فالصَّواب من القول: أنَّ لفظ (باب) مجردًا من غير ترجمة أحسن، ولا احتياج إلى التكلفات والتعسفات؛ فافهم.
قال إمام الشَّارحين: (وفي الحديث فوائد؛ الأولى: جواز دخول الكافر المسجد، وقال ابن التين: وعن مجاهد وابن محيريز: جواز دخول أهل الكتاب فيه، وقال عمر بن عبد العزيز وقتادة ومالك والمزني: لا يجوز، وقال الإمام الأعظم أبو حنيفة: يجوز للكتابي دخول المسجد دون غيره، واحتج بما رواه أحمد ابن حنبل في «مسنده» بسند جيد عن جابر رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل مسجدنا هذا بعد عامنا هذا مشرك إلا أهل العهد») انتهى.
قلت: وحديث الباب يدل لما قاله؛ فافهم.
واعترضه العجلوني بأنَّ المحفوظ عن الحنفية الجواز مطلقًا، ولعله قول للإمام، انتهى.
قلت: ما آن لهذا أن يحفظ مذهب الأئمة الحنفية فضلًا عن مذهبه، بل هذا الذي قاله إمام الشَّارحين هو مذهب الإمام الأعظم؛ لما في «الأشباه والنظائر» من أحكام الذمي:(ولا يمنع من دخول المسجد جنبًا بخلاف المسلم، ولا يتوقف جواز دخوله على إذن مسلم عندنا، ولو كان المسجد الحرام) انتهى.
فهذا هو المحفوظ، لا ما زعمه هذا القائل؛ فافهم.
وقال إمام الشَّارحين: (واحتج مالك بقوله تعالى: {إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ} [التوبة: 28]، وبقوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36]، ودخول الكفار فيها مناقض لرفعها، وبقوله عليه السلام: «إنَّ هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من البول والقذر»، والكافر لا يخلو عن ذلك، وبقوله عليه السلام: «لا أحلُّ المسجد لحائض ولا جنب» والكافر جنب) انتهى.
قلت: ولا حجة له في ذلك؛ لأنَّ قوله تعالى: {إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ} معناه كما قاله المفسرون: أنجاس في اعتقادهم، وأفعالهم، وأقوالهم؛ لأنَّهم يشركون بالله غيره، ويريدون بأعمالهم سواه، فالآية في دخولهم للحج؛ لأنَّهم كانوا يعملون في الحج أعمال المشركين، فأمر الله بتنزيه المسجد الحرام والحرم عن ذلك، فأمَّا نفس الدخول للمسجد ولو المسجد الحرام؛ فغير ممنوع؛ لأنَّ الجمهور اتفقوا على أنَّ الكفر لا يؤثر في نجاسة بدن الكافر نجاسة حقيقية، وإنَّما يؤثر في نجاسة باطنه، فكأنَّ صفة الكفر القائم بهم بمنزلة النَّجاسة الملتصقة بالشيء في باطنه، والنَّجاسة إذا كانت في معدنها لا تؤثر في الظَّاهر، ألا ترى أنَّ المسلم حاملٌ للنجاسة في باطنه، وهي غير مؤثرة في ظاهره، كما لا يخفى.
ولأنَّ قوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ} معناه كما قاله المفسرون: ترفع بالصلوات وتلاوة القرآن، {وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} أي: الأذكار من تسبيح، وتهليل، وذكره تعالى وغير ذلك، هذا هو المراد برفعها، فلا تناقض بدخول الكفار المساجد لرفعها؛ لأنَّهم لا يؤثرون في الظَّاهر، ولا يلزم من دخولهم إبطال الصلوات والأذكار، فدخولهم ليس بممنوع، كما لا يخفى.
وقال مجاهد: {أَن تُرْفَعَ} معناه: تبنى، وعليه أيضًا فلا تناقض في ذلك، لأنَّ دخول الكافر لا ينافي عمارتها وبناءها، كما لا يخفى.
وقال الحسن: معناه: تعظَّم، وعليه فدخوله لا ينافي تعظيمها، والجمهور على الأول؛ فافهم.
ولأنَّ قوله عليه السلام: «إنَّ هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من البول والقذر» ؛ المراد به: حقيقة النَّجاسة، ولا شكَّ أنَّ المسجد يجب تنزيهه عنها، وأمَّا الكافر؛ فليس بنجس حقيقة ولا حكمًا.
وقوله: (والكافر لا يخلو عن ذلك) ممنوعٌ؛ لأنَّ هذا من الأمور الوهمية، والأحكام لا تبنى على الوهم؛ لأنَّه يجوز أن يكون الكافر نظيفًا ومغتسلًا من النَّجاسات ليس عليه شيء منها.
ولأنَّ قوله عليه السلام: «لا أحل المسجد لحائض ولا جنب» أي: حقيقة، وكون الكافر جنبًا أمر موهوم، والأحكام لا تبنى عليه، على أنَّ حديث الباب يدل صريحًا على جواز دخول الكافر المسجد؛ لأنَّ الصَّحابة لما جاؤوا بثمامة؛ أمرهم النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم أن يربطوه في المسجد، كما صرح به ابن إسحاق، وثمامة كان وقتئذٍ كافرًا، فلو كان الكافر نجسًا أو يناقض لرفع المسجد؛ لما أمرهم بربطه، وكون الكافر لا يخلو عن الأقذار والجنابة أمر موهوم فلم يلتفت إليه النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، وأمر به فربط في المسجد، وبقي على ذلك أيامًا.
والحاصل: أنَّ ما استدل به مالك من المنع غير ظاهر، ولا ينهض دليلًا لما قاله؛ فليحفظ.
وقال الشَّافعي وأحمد ابن حنبل: يجوز دخول الكافر سواء كان كتابيًا أو غيره المسجد لحاجة وإذن مسلم ولو حكمًا، إلا المسجد الحرام فلا يمكَّن الكافر منه؛ لحديث الباب، ولأنَّ ذات الكافر ليست بنجسة.
قلت: وحديث الباب يدل على جواز دخول الكافر المُعاهِد؛ لأنَّ ثمامة كان من خدمة أهل العهد، واشتراط الإذن من المسلم زائد على النص؛ لأنَّه غير مذكور في الحديث؛ لأنَّ ثمامة كان بأيديهم مغلولًا، وجاؤوا به وربطوه في المسجد، أمَّا لو جاء وحده ودخل بإذن منهم؛ ينبغي أن يكون دليلًا مع أنَّه غير مصرح به في الأحاديث، فهو شرط زائد على النص؛ فلا يقبل.
واستثناء المسجد الحرام ممنوع، ويرده قوله تعالى:{فَلَا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] والخطاب إنَّما كان للمشركين كما هو صدر الآية، فالمعاهد خارج عن الآية، فيجوز له الدخول في الحرم كما هو صريح الآية؛ فافهم.
وفي الحديث: طلب الاغتسال إذا أسلم الكافر، فإن أسلم طاهرًا؛ يندب له الاغتسال، وإن أسلم جنبًا؛ فُرض عليه الاغتسال، هذا مذهب الإمام الأعظم وأصحابه والجمهور؛ لأنَّ ثمامة يحتمل أن يكون طاهرًا أو جنبًا، فإن كان طاهرًا؛ فأمره عليه السلام له بالاغتسال محمولٌ على الندب؛ لأنَّه للتنظيف، يدل عليه ما رواه البزار وغيره من حديث أبي هريرة، وفيه:(فأمره عليه السلام أن يغتسل بماء وسدر)، فإنَّما كان السدر؛ لأجل النظافة، والاغتسال؛ لأجل أن يألف العبادات ويتعلمها، ويدل عليه أنَّ في بعض الروايات:(أمره أن يقوم بين أبي بكر وعمر)، وما ذاك إلا لأجل أن يتعلم ثمامة منهما كيفية الاغتسال، وإن كان جنبًا؛ فيحتمل أنَّه عليه السلام علم حاله فأمره بالاغتسال على سبيل الوجوب، ويدل عليه ما في «صحيح ابن حبان» أنَّه أمره أن يغتسل ويصلِّي ركعتين.
وقال ابن بطال: (أوجب أحمد الغسل على من أسلم مطلقًا).
قلت: الأمر عند الجمهور للندب، بل هو على التفصيل، فإن أسلم طاهرًا؛ يندب في حقه الاغتسال، وإن جنبًا؛ افترض عليه، فلو أسلم طاهرًا متوضئًا أو مغتسلًا حال الكفر وأراد الصلاة بعد الإسلام؛ جازت صلاته بذلك الوضوء أو الغسل؛ لأنَّ وضوء الكافر واغتساله صحيح، هذا مذهب