الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وليست في النساء نبية) انتهى.
واعترضه العجلوني تعصبًا لابن حجر، فقال: لا نظر؛ لأنَّ المجيب قال: (في قول)؛ فافهم.
قلت: بل فيه نظر؛ لأنَّ الاعتراض متوجه على هذا القول الذي اعتمده قائله وجزم به؛ لأنَّه لم يذكر غيره؛ فافهم.
وقال إمام الشَّارحين: (ومطابقة هذا الحديث للترجمة التي في باب المترجم، في قوله: «اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»؛ لأنَّهم إذا اتخذوها مساجد يصلون فيها، ويسمون المساجد البيع والكنائس، والباب معقود في الصلاة في البيع) انتهى.
قلت: وهذا يدلُّ على أنَّ الصلاة في البيع والكنائس مكروهة ولو لم يكن فيها تصاوير، فإنَّ هذا الباب تابع للباب السابق، فالظاهر: أنَّ المؤلف ألحقه؛ لبيان ثبوت الكراهة؛ فافهم.
[حديث: قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد]
437 -
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبد الله بن مَسلَمة)؛ بفتح الميم واللام، بينهما مهملة ساكنة، هو القعنبي المدني، (عن مالك) هو ابن أنس الأصبحي المدني، (عن) محمد بن مسلم (ابن شهاب) الزهري المدني التابعي، (عن سعيد بن المسيّب)؛ بفتح التحتية وكسرها، هو المدني التابعي، (عن أبي هريرة) هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي الصحابي رضي الله عنه (أنَّ)؛ بفتح الهمزة وتشديد النون (رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بالنصب: اسمها، وخبرها: جملة قوله (قال: قاتل الله اليهود)؛ أي: قتلهم الله؛ لأنَّ فَاعَل (يجيء) بمعنى فَعل أيضًا، كقولهم سافر وسارع بمعنى: سفر وسرع، ويقال: معناه: لعنهم الله، ويقال: عاداهم الله، ويقال: القتال ههنا: عبارة عن الطرد والإبعاد عن الرحمة، فمؤداه ومؤدى اللعنة واحد، وإنَّما خصص اليهود ههنا بالذكر بخلاف ما تقدم؛ لأنَّهم أسسوا هذا الاتخاذ وابتدؤوا به، واتبعتهم النصارى، فهم أظلم، أو لأنَّهم أشد غلوًّا فيه، كذا قرره إمام الشَّارحين في «عمدة القاري» .
(اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) جملة مستأنفة، جواب سؤال سائل يقول: ما سبب قوله: قاتل الله اليهود؟ فأجاب بقوله: «اتخذوا
…
» إلى آخره.
ومطابقة
(1)
الحديث لترجمة الباب المترجم ظاهرة مما سبق، وفيه: منع البناء على القبر؛ لأنَّ أبا داود أخرج هذا الحديث، وترجم له:(باب البناء على القبر)، وروي أيضًا عن أحمد ابن حنبل: حدثنا عبد الرزاق: حدثنا ابن جريج: أخبرني أبو الزبير: أنَّه سمع جابرًا يقول: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقعد على القبر وأنيقصَّص، وأن يبنى عليه)، وأخرجه مسلم أيضًا والترمذي، وفي روايته (وأن يكتب عليها)، والنسائي أيضًا، وفي روايته (وأن يزاد عليه) انتهى.
قلت: ففيه النهي عن القعود على القبر، ومقتضاه التحريم، ومذهب الإمام الأعظم وأصحابه والجمهور: أنَّ القعود على القبر؛ لقراءة القرآن لا يكره، وكذلك وطؤها؛ لما رواه مالك في «الموطأ» : أنَّ عليًّا رضي الله عنه كان يتوسد القبور ويضطجع عليها، وفي «الصحيح» تعليقًا، قال نافع:(كان ابن عمر يجلس على القبور)، ووصله الحافظ أبو جعفر الطحاوي، ثم أخرج عن زيد بن ثابت مرفوعًا قال:(وإنَّما نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على القبور؛ لحدث، أو بول، أو غائط، وأمَّا الجلوس لغير ذلك؛ فلم يدخل في النهي عن ذلك)، وهذا قول الإمام الأعظم وأصحابه، وبه قال مالك.
وفي الحديث الذي عند أبي داود النهي عن أن يجصص القبر، وأن يبنى عليه، ومقتضى النهي التحريم، وقد صرَّح أئمتنا الأعلام بحرمة البناء عليه، وتجصيصه؛ للزينة، وأمَّا الكتابة؛ فقال صاحب «المحيط» :(إن احتيج إليها حتى لا يذهب الأثر، ولا يمتهن به؛ جازت، أما الكتابة من غير عذر؛ فلا) انتهى والله تعالى أعلم.
(56)
[باب قول النبي: جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا]
هذا (باب) بيان (قول النبيِّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور (جعلت لي) أي: ولأمتي (الأرض) أي: جنسها (مسجدًا وطَهورًا)؛ بفتح الطاء المهملة على المشهور، فتجوز الصلاة في أي مكان كان منها، إلا أن يمنع مانع شرعي، وتقدم ذلك في حديث جابر في أوائل (التيمم)، ولا تفاوت بينهما في المعنى.
وفائدة إيراد هذا الباب عقيب الأبواب المتقدمة: الإشارة إلى أنَّ الكراهة فيها ليست للتحريم؛ لأنَّ عموم قوله عليه السلام: «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» يدلُّ على جواز الصلاة على أي جزء كان من أجزاء الأرض، قاله إمام الشَّارحين.
قلت: وقيل: إنَّ الكراهة فيها للتحريم، وعموم الحديث مخصوص بها، والأول هو الأولى عند المحققين؛ لأنَّ الحديث إنَّما سيق في مقام الاستنان، فلا ينبغي أن يكون مخصوصًا، فدخل في عمومه -كما قال ابن بطال- المقابر والمرابض والكنائس، وغيرها.
قلت: ولا يَرِد المتنجس من الأرض؛ لأنَّه لعارض شرعي؛ فافهم.
[حديث: أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي]
438 -
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا محمد بن سِنان)؛ بكسر المهملة وتخفيف النون، هو أبو بكر البصري الباهلي العَوَقِي؛ بفتح المهملة والواو مع كسر القاف، المتوفى سنة ثلاث وعشرين ومئتين (قال حدثنا هُشَيْم)؛ بضمِّ الهاء وفتح المعجمة وسكون التحتية: هو ابن بَشِير؛ بفتح الموحدة وكسر المعجمة، السلمي، مولاهم الواسطي، المتوفى سنة ثلاث وثمانين ومئة ببغداد، قال القسطلاني:(«بشير» بوزن «عظيم»، الفقيه الثبت، لكنَّه كثير التدليس والإرسال الخفي) انتهى.
قلت: التدليس والإرسال الخفي إذا كان لغرض صحيح؛ غير مذموم، وهو معتبر عند المحدثين، كما عُلم في محله، وقول العجلوني: هشيم بن كثير؛ بالمثلثة، مكبرًَّا خطأٌ ظاهر؛ فليتنبه.
(قال حدثنا سَيَّار)؛ بفتح المهملة أوله وتشديد التحتية، آخره راء، على وزن (فعَّال) بالتشديد: هو ابن أبي سيار، واسمه وردان العنزي الواسطي، المتوفى سنة اثنتين وعشرين ومئة، وقوله (هو أبو الحَكَم)؛ بفتحتين لقب سيار، يحتمل أنَّه من كلام محمد بن سنان، ويحتمل أنَّه من كلام المؤلف؛ للتعريف، وجزم العجلوني بالثاني، قلت: وليس له دليل عليه، وإنَّما هو محتمل، بل الظاهر الأول، يدل عليه أنَّ التعريف يكون من شيخه؛ لأنَّه لم يدركه؛ فافهم.
(قال: حدثنا يَزيد)؛ بفتح أوله من الزيادة؛ هو ابن صُهيب؛ بضمِّ الصاد المهملة (الفقير) الكوفي، الثبت، الفقيه، الحجة، التابعي الجليل، أحد مشايخ الإمام الأعظم رئيس المجتهدين، وإنَّما
(1)
في الأصل: (مطابقته)، وليس بصحيح.
اشتهر بالفقير؛ لأنَّه كان يشكو فقار ظهره (قال: حدثنا جابر بن عبد الله) هو الأنصاري، الصحابي الجليل رضي الله عنه (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: عام غزوة تبوك، كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن أحمد:(أعطيت)؛ بضمِّ الهمزة مبنيًّا للمفعول؛ أي: أعطاني الله (خمسًا) أي: خمس خصال، وعند مسلم من حديث أبي هريرة:«فضلت على الأنبياء بست» ، ولعله اطلع أولًا على بعض ما اختص به، ثم اطلع على الباقي، وإلا؛ فخصوصياته كثيرة، والتنصيص على العدد لا يدل على نفي ما عداه، وتمامه في «عمدة القاري» (لم يعطهن أحد)؛ بالبناء للمفعول؛ كالأفعال بعده؛ أي: لم تجتمع لأحد، قاله الداودي وغيره (من الأنبياء قبلي)؛ أي: ولا نبي بعده، وأمته في بعضها تبع له، وزاد في حديث ابن عبَّاس:«لا أقولهن فخرًا» ، وظاهر هذا الحديث أنَّ كلَّ واحد من الخمس لم يكن لأحد قبله، وهو كذلك (نُصِرت)؛ بضمِّ النون، وكسر المهملة (بالرُّعب)؛ بضمِّ الراء أي: الخوف، الخوف يقذف في قلوب أعدائه (مسيرة شهر)؛ بالنصب على الظرفية، وجعل الغاية شهرًا؛ لأنَّه لم يكن بين بلده، وبين أحد من أعدائه أكثر منه (وجُعلت لي)؛ أي: ولأمتي أمة الإجابة؛ لأنَّ أمة الدعوة غير مخاطبين بفروع الإيمان على التحقيق عند الجمهور (الأرض) أي: كلها (مسجِدًا)؛ بكسر الجيم؛ أي: موضع سجود، لا يختص السجود منها بموضع دون آخر، ويحتمل أنَّه مجاز عن المكان المبني للصلاة، وهو من مجاز التشبيه؛ لأنَّ المسجد حقيقة عرفية في المكان المبني للصلاة، فلمَّا جازت الصلاة في الأرض كلها؛ كانت كالمسجد في ذلك، فأطلق عليها اسمه.
فإن قلت: ما الداعي إلى العدول عن حمله على حقيقته اللغوية، وهي موضع السجود؟
قلت: أجاب في «المصابيح» : بأنَّه إن بني على قول سيبويه: أنَّه إذا أريد به موضع السجود قيل: مسجَد بالفتح فقط؛ فواضح، وإن جوز الكسر فيه؛ فالظاهر أنَّ الخصوصية هي كون الأرض محلًّا لإيقاع الصلاة بجملتها، لا لإيقاع السجود فقط، فإنَّه لم ينقل عن الأمم الماضية أنَّها كانت تخص السجود بموضع دون موضع، انتهى.
قلت: وفيه نظر، فقد نقل ذلك في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا «وكان من قبل إنَّما يصلون في كنائسهم» ، وهذا نص في محل النزاع، فتثبت الخصوصية، ويدل عليه ما أخرجه البزار من حديث ابن عبَّاس نحو حديث الباب وفيه:«ولم يكن من الأنبياء أحد يصلي حتى يبلغ محرابه» ؛ فليحفظ.
وعموم ذكر الأرض في حديث الباب مخصوص بما نهى الشَّارع عن الصلاة فيه، ففي حديث ابن عمر عند ابن ماجه والترمذي (نهى النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم أن يصلى في سبعة مواطن، في المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، وفي الحمام، وفي معاطن الإبل، وفوق ظهر بيت الله عز وجل قال الترمذي: إسناده ليس بالقوي، وقد تُكلم في زيد بن جبيرة من قبل حفظه، وفي حديث أبي سعيد الخدري، عند أبي داود والترمذي مرفوعًا:«الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام» قال الترمذي: حديث فيه اضطراب، وقد ضعفه غيره، وفي حديث عليٍّ أنَّه كره الصلاة بخسف بابل، رواه المؤلف تعليقًا، ووصله ابن أبي شيبة بإسناد ضعيف، وفي حديث ابن عمر كما تقدم، جميع ذلك في الأبواب المتقدمة، فهي محمولة على الكراهة في هذه المواضع، كما قدمناه.
(و) جعلت لي الأرض (طَهورًا)؛ بفتح الطاء على المشهور، والمراد: جميع أجزائها؛ من حجر، ومدر، وتراب، ورمل، وجص، ونحوها؛ لقوله تعالى:{صَعِيدًا} [النساء: 43] : وهو كل ما كان من أجزاء الأرض؛ ففيه جواز التيمم بجميع أجزائها، وهو مذهب الإمام الأعظم، ومالك، والجمهور، وهو حجة على الشافعي؛ حيث شرط التراب استدلالًا برواية مسلم:«وجعلت تربتها لنا طهورًا» فقال: هو خاص يحمل على العام، ورُدَّ بأنَّه لا خصوصية بلفظ التراب؛ لأنَّ تربة كل مكان ما فيه من تراب وحجر ومدر ونحوها، وأجيب: بأنَّه قد ورد الحديث المذكور بلفظ التراب، رواه ابن خزيمة، ورُدَّ بأنَّه إن صح؛ يحمل على الغالب، فإنَّ الغالب على أجزاء الأرض التراب، فذكره؛ لكونه غالبًا لا للاحتراز، وتمامه فيما قدمناه؛ فافهم.
(وأيما) بالواو، وللأصيلي:(فأيما)(رجلٍ) بالجر على الإضافة كائنٍ (من أمتي) والنساء والخناثى كالرجال (أدركته الصلاة) أي: دخل وقتها، والجملة محلها الجر: صفة لرجل و (أي) : مبتدأ فيه معنى الشرط، زيد عليها (ما)؛ لزيادة التعميم، و (رجل) مضاف إليه، وفي رواية أبي أمامة عند البيهقي:«فأيما رجل من أمتي أتى الصلاة، فلم يجد ماء، وجد الأرض طهورًا ومسجدًا» ؛ (فليصل) أي: حيث أدركته الصلاة في أي مكان كان، وهو خبر المبتدأ، (وأحلت لي الغنائم)؛ جمع غنيمة، وفي رواية مسلم:(المغانم)؛ جمع مغنم، وهي ما حصل من الكفار بعد قتالهم، وفي رواية المؤلف السابقة:«ولم تحل لأحد قبلي» ؛ لأنَّ منهم من لم يؤذن له في الجهاد أصلًا، فلم يكن له مغانم، ومنهم من أذن له فيه، لكن كانت الغنيمة حرامًا عليهم، بل تجيء نار تحرقها (وكان النبي) أي: غيري من الأنبياء (يبعث إلى قومه) المبعوث إليهم (خاصة)؛ بمعنى: خصوصًا، فهو من المصادر التي جاءت على (فاعلة)، كـ (القافية) و (العافية) منصوب على أنَّه مفعول مطلق بمحذوف تقديره: أخص النبي غيري من الأنبياء بالبعثة إلى قومه خصوصًا؛ بناء على المشهور من جواز حذف عامل المؤكِد؛ بكسر الكاف، خلافًا لابن مالك، و (التاء) فيها للتأنيث أو للمبالغة، ويجوز انتصابها أيضًا على الحال بمعنى: مخصوصًا، كما أوضحته في شرحي على «شرح الأزهرية» الذي سميته «تاج الأسطوانية» ؛ فيراجع، (وبعثت إلى الناس كافة) أي: جميعًا، وهو مما يلزمه النصب على الحال، واستهجن إضافتها؛ نحو كافتهم، كذا قاله الشَّارح؛ أي: قومي وغيرهم من العرب، والعجم، والأسود، والأحمر، فـ (الناس) : يشمل الإنس والجن، فمن أجاب منهم؛ يقال له: أمة الإجابة، والذي لم يجب؛ يقال له: أمة الدعوة، وفي رواية أبي هريرة عند مسلم:«وأرسلت إلى الخلق كافة» ؛ وهي أصرح الروايات وأشملها، وهي تؤيد قول من قال: إنه