الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأول؛ لأنَّه عقد على السويق بابًا، فلا يُذْكَرُ إلا في بابه، وذكره إياه ههنا لا طائل تحته؛ لأنَّه لا يفيد شيئًا زائدًا) انتهى كلامه، وهو ظاهر، كما لا يخفى على أولي الألباب.
(وأكل أبو بكر) : عبد الله بن عثمان الصديق الأكبر، (وعمر) الفاروق، (وعثمان) ذي النُّورين رضي الله تعالى عنهم (لحمًا؛ فلم يتوضؤوا)، وسقط في رواية أبي ذر لفظ:(لحمًا)، وإنما روى:(أكل أبو بكر، وعمر، وعثمان؛ فلم يتوضؤوا)، ووجد ذلك في رواية الكشميهني، والأولى أعم؛ لأنَّ فيه حذف المفعول، وهو يتناول أكل كل ما مسته النار لحمًا أو غيره، كذا وصل هذا التعليق الطبراني في «مسند الشاميين» بإسناد حسن من طريق سليم بن عامر قال:(رأيت أبا بكر وعمر وعثمان أكلوا مما مست النار ولم يتوضؤوا)، ورواه ابن أبي شيبة، عن هشيم، عن علي بن يزيد، عن محمد بن المنكدر قال:(أكلت مع رسول الله عليه السلام ومع أبي بكر وعمر وعثمان خبزًا ولحمًا، فصلُّوا ولم يتوضؤوا)، ورواه الترمذي مطوَّلًا، وكذا ابن حبان، ورواه الحافظ الطحاوي عن جابر قال:(أكلنا مع أبي بكر رضي الله عنه خبزًا ولحمًا، ثم صلَّى فلم يتوضَّأ)، وروي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم نحوه، وقوله:(فلم يتوضؤوا) : غرضه منه بيان الإجماع السكوتي، كذا في «عمدة القاري» .
[حديث: أن رسول الله أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ]
207 -
وبه قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف)؛ أي: التنيسي، (قال: أخبرنا مالك)؛ أي: ابن أنس الأصبحي، (عن زيد بن أَسْلَم)؛ بفتح الهمزة، وسكون السين المهملة، وفتح اللام: العدوي مولى عمر المدني، (عن عطاء) بالمد (بن يسار)؛ بمثناة تحتية فمهملة مخففة، (عن عبد الله بن عباس)، وفي رواية:(عن ابن عباس) رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كَتِف) بفتح الكاف وكسر المثناة الفوقية (شاة)؛ أي: أكل لحم كتف شاة في بيت ضباعة بنت الحارث بن عبد المطلب، وهي بنت عم النبي الأعظم عليه السلام، وعند المؤلف في (الأطعمة) :(تعرَّق)؛ أي: أكل ما على العَرْق -بفتح العين المهملة وسكون الرَّاء- وهو العظم، ويقال له: العُراق -بالضم أيضًا- وفي لفظ: (انتشل عرقًا من قدر)، وعند مسلم:(أنه أكل عرقًا أو لحمًا، ثم صلى، ولم يتوضأ، ولم يمس ماء)، ورواه أبو إسحاق السراج في «مسنده» بزيادة:(ولم يُمَضْمِضْ)، وفي «مسند أحمد» :(انتهش من كتف)، وعند المؤلف:(أكل من عظم أو تعرق من ضلع)، وعند ابن ماجه وأبي داود:(فرأيته يسيل على لحيته أمشاج من دم وماء، ثم قام إلى الصلاة).
(ثم صلى) عليه السلام صلاة الظهر، ثم أكل، وقام إلى صلاة العصر؛ كما سيأتي في قصة المرأة التي صنعت للنبي عليه السلام شاة، (ولم يتوضأ)، وعند مسلم زيادة:(ولم يمس ماء)، وزاد أبو إسحاق:(ولم يمضمض)، كما سبق قريبًا، وهذا مذهب الأستاذ المعظم الإمام الأعظم، والثوري، والأوزاعي، ومالك، والشافعي، والليث، وإسحاق، وأبي ثور رضي الله عنهم، وتبعهم أحمد ابن حنبل إلا أنَّه يرى الوضوء من لحم الجزور فقط، وقال ابن المنذر:(كان أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعامر بن ربيعة، وأبو أمامة، وأبي بن كعب، وأبو الدرداء؛ لا يرون الوضوء مما مست النار).
وقال الحسن البصري والزهري وعمر بن عبد العزيز: (يجب الوضوء مما غيرت النار)، وهو قول زيد بن ثابت، وأبي طلحة، وأبي موسى، وأبي هريرة، وأنس، وعائشة، وأم حبيبة، وأبي أيوب، واحتجُّوا بأحاديث؛ منها: حديث أبي طلحة صاحب النبي عليه السلام: (أنه أكل ثور أقط؛ فتوضأ منه)، قال عمرو:(الثور: القطعة)، رواه الحافظ الطحاوي بإسناد صحيح، والطبراني في «الكبير» ، ومنها: حديث زيد بن ثابت عن النبي عليه السلام قال: «توضؤوا مما غيرت النار» ، رواه الحافظ الطحاوي، والنسائي، والطبراني، ومنها: حديث أم حبيبة قالت: إن رسول الله عليه السلام قال: «توضؤا مما مست النار» ، رواه الحافظ الطحاوي بإسناد صحيح، وأحمد في «مسنده» ، وأبو داود، والنسائي، ومنها: حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام: «توضؤوا مما غيرت النار ولو من ثور أقط» ، رواه الحافظ الطحاوي بإسناد صحيح، والترمذي، والسراج، ومنها: حديث سهل ابن الحنظلية قال: قال رسول الله: «من أكل لحمًا؛ فليتوضأ» ، رواه الحافظ الطحاوي بإسناد حسن.
وأجيب: بأن هذه الأحاديث منسوخة بأحاديث كثيرة منها: حديث ابن عباس، وحديث عمرو بن أمية، وغيرهما، وبما روي عن جابر رضي الله عنه قال:(كان آخر الأمرين من رسول الله عليه السلام هو ترك الوضوء مما مست النار)، أخرجه الحافظ الطحاوي، وأبو داود، والنسائي، وابن حبان في «صحيحه» .
وروى مسلم من حديث جابر بن سمرة أن رجلًا سأل رسول لله عليه السلام: أتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: «إن شئت؛ فتوضأ، وإن شئت؛ فلا تتوضأ» ، قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: «نعم، توضأ من لحوم الإبل» ، وبه استدل أحمد على وجوب الوضوء من لحم الجَزور، وأجيب عنه وعن ما سبق: أن المراد بالوضوء في الأحاديث: غسل اليدين لا الوضوء الشرعي.
فإن قلت: روي: (توضأ)، وروي:(لم يتوضأ).
قلت: هو دائر بين الأمرين، وحديث جابر بيَّن أن المراد الوضوء اللغوي الذي هو غسل اليد والمضمضة؛ لزيادة دسومة وزهومة لحم الإبل، وقد ورد النهي أن يبيت وفي يده أو فمه دسم؛ خوفًا من عقرب ونحوهما، وبأنه منسوخ بحديث جابر.
وضعَّف في «المجموع» الجوابين بأن الحمل على الوضوء الشرعي مقدم على اللغوي، وترك الوضوء مما مست النار عام، وخبر الوضوء من لحم الإبل خاص، والخاص مقدم على العامسواء كان قبله أو بعده.
وأجيب: بأن الحمل على الوضوء اللغوي صحيح؛ لأنَّه قد ورد الوضوء بمعناه اللغوي؛ كقوله عليه السلام: «الوضوء قبل الطعام بركة، وبعده ينفي اللمم» ، وبأن المعنى اللغوي أعم من المعنى الشرعي، فهو مقدَّم على الشرعي؛ للقرينة الدَّالة على ذلك، وهي الأكل، والإجماع قائم على أنه يسن غسل اليدين قبل الطعام وبعده، وقد حكى البيهقي عن عثمان الدارمي أنه قال: لما اختلفت أحاديث الباب، ولم يتبين الراجح منها؛ نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم أجمعين بعد النبي عليه السلام، فرجحنا به أحد الجانبين، وعدم لزوم الوضوء من ذلك، ولهذا صدَّر المؤلف حديث الباب بالأثر المنقول عن الخلفاء الثلاثة، وقد صحَّ أن النبي الأعظم عليه السلام قال:«إن يطع الناسَ أبا بكر وعمر يرشدوا» ، وقال النووي:(واستقر الإجماع على أنه لا وضوء مما مست النار)، وسيأتي تمامه؛ فافهم.
[حديث: رأى رسول الله يحتز من كتف شاة]
208 -
وبه قال: (حدثني) بالإفراد، وفي رواية:(حدثنا)(يحيى بن بُكير)؛ بضم الموحدة وبالتصغير، نسبه لجده؛ لشهرته به، وإلا؛ فهو يحيى بن عبد الله بن بكير المصري (قال: حدثنا الليث)؛ بالمثلثة: ابن سعد المصري، (عن عُقيل)؛ بضم العين المهملة بالتصغير: هو ابن خالد الأيلي المصري، (عن ابن شهاب) : محمد بن مسلم الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (جعفر بن عَمرو) بفتح العين (بن أمية: أنَّ أباه عَمرًا)؛ أي: ابن أمية المذكور (أخبره) وليس لعمرو بن أمية رواية في البخاري إلا هذا والذي مضى في المسح فقط، قاله في «عمدة القاري» :(أنَّه رأى)؛ أي: أبصر، فلا تقتضي إلا مفعولًا واحدًا (النبي) الأعظم، وفي رواية:(رسول الله) صلى الله عليه وسلم يحْتزُّ)؛ بالحاء المهملة الساكنة، وبالزاي المشددة؛ أي: يقطع، يقال: احتزه؛ أي: قطعه، (من كتف شاة)؛ أي: من لحمه، زاد المؤلف في (الأطعمة) :(يأكل منه)، وعنده في (الصلاة) :(يأكل ذراعًا يحتز)، وفي أخرى:(يحتز من كتف يأكل منها)، قال ابن سيده: الكَتِف العَظْم بما فيه، وهي أُنْثى، والجمع: أكْتاف، يقال: كَتِف؛ بفتح الكاف، وكسر التاء، وكِتْف؛ بكسر الكاف وسكون التاء، وقيل: هو عظم عريض خلف المنكب، وهي تكون للناس وغيرهم، والكتف من الخيل والإبل والبغال والحمير وغيرها: ما فوق العضد، وقيل: الكتفان: أعلى اليدين، والجمع: أكتاف، قال سيبويه: لم يجاوزوا به هذا البناء، وحكى اللحياني في «جمعه» : كتفه، انتهى.
(فدُعي)؛ بضم الدَّال على البناء للمجهول (إلى الصلاة)؛ أي: صلاة العصر، وكان الداعي له إلى الصلاة بلال رضي الله عنه، كما في «النسائي» عن أم سلمة، (فألقى) أي: النبي الأعظم عليه السلام (السِّكِّين) : زاد المؤلف في (الأطعمة)، عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري:(وألقاها والسكين)، قال في «عمدة القاري» :(والسِّكِّين على وزن «فعيل»؛ كشِرِّيب، يذكر ويؤنث)، وحكى اللحياني: سكينة، ولعلَّه سمِّى به؛ لأنَّه يسكن حركة المذبوح، (فصلى) : وفي رواية: (وصلى)؛ بالواو (ولم يتوضأ)، زاد البيهقي من طريق عبد الكريم بن الهيثم عن أبي اليمان في آخر هذا الحديث:(قال الزهري: فذهبت تلك؛ أي: القصة في الناس، ثم أخبر رجال من أصحابه عليه السلام ونساء من أزواجه عليه السلام: أنه عليه السلام قال: «توضؤوا مما مست النار»)، ثم قال: (فكان الزهري يرى أن الأمر بالوضوء مما مست النار ناسخ لأحاديث الإباحة؛ لأنَّ الإباحة سابقة، واعترض عليه بحديث جابر السابق قريبًا قال: كان آخر الأمرين من رسول الله عليه السلام ترك الوضوء مما مست النار، لكن قال أبو داود وغيره: إن المراد بالأمر هنا: الشأن والقصة، لا ما قابل النهي، وإن هذا اللفظ مختصر من حديث جابر المشهور في قصة المرأة التي صنعت للنبي الأعظم عليه السلام شاة مسمومة، فأكل منها، ثم توضأ وصلى الظهر، ثم أكل منها وصلى العصر، ولم يتوضأ، فيحتمل أن تكون هذه القصة وقعت
بعد الأمر بالوضوء مما مست النار، وهو الظاهر، وأن وضوءه لصلاة الظهر يحتمل أنه كان عن حدث لا بسبب الأكل من الشاة، ويحتمل أنه من أكل الشاة؛ لكونها مسمومة، فوجد حرارة السم في جسده الشريف، فتوضأ لأجل إطفاء الحرارة لا بسبب الأكل من الشاة، قال الشيخ النووي: والخلاف فيه معروف بين الصحابة والتابعين، ثم استقر الإجماع على أنه لا وضوء مما مست النار إلا ما تقدم استثناؤه من لحوم الإبل، وجمع الخطابي بوجه آخر؛ وهو أن الأمر بالوضوء منه الوارد في الأحاديث محمول على الاستحباب لا على الوجوب، وقال المهلب: كانوا في الجاهلية قد ألفوا قلة التنظيف، فأُمِروا بالوضوء مما مست النار، فلما تقررت النظافة في الإسلام وشاعت؛ نسخ لزوم الوضوء مما مست النار؛ تيسيرًا على المسلمين، وحديث مسلم عن جابر يفيد التخيير بين الوضوء وعدمه، فدلَّ على أنه غير واجب، وعلى كلٍّ أحاديث الإباحة أقوى من أحاديث المنع؛ فهي لا تقاوم أحاديث الإباحة.
قال في «عمدة القاري» : (وفي الحديث دلالة على أنَّ أكل ما مسته النار لا يوجب الوضوء، وقد ذكرناه.
وفيه: جواز قطع اللحم بالسكين، فإن قلت: ورد النهي عن ذلك في «سنن أبي داود» ؛ قلت: هو حديث ضعيف، فإذا ثبت؛ خُصَّ بعدم الحاجة الداعية إلى ذلك؛ لما فيه من التشبيه بالأعاجم وأهل الرفاهية.
وفيه: قبول الشهادة على النفي إذا كان محصورًا مثل هذا؛ أعني قوله: «ولم يتوضأ» ) انتهى.
قلت: ولا بد للشهادة على النفي من جمع عظيم، ومقداره مفوض إلى رأي قاضي القضاة، وقيل: مقدر بثلاثين رجلًا، وقيل: بعشرين، وقيل: بعشرة، والأول المعتمد، وعليه الفتوى، والله تعالى الموفق للتقوى.
(51)
[باب من مضمض من السويق ولم يتوضأ]
هذا (باب: من مضمض)؛ أي: تمضمض، أو المفعول محذوف، (من) أَكْلِ (السويق) بعد أكله (ولم يتوضأ) : فاعله عائد إلى (من)، يجوز فيه وجهان: إثبات الهمزة ساكنة علامة للجزم، وحذفها تقول: لم يتوضَ، كما تقول: لم يخش؛ بحذف الألف، والأول هو الأشهر، كما في «عمدة القاري» .
قال ابن حجر: يجوز في (لم يتوضأ) روايتان، ورده في «عمدة القاري» : بأنه لا يقال في مثل هذا روايتان، بل يقال: وجهان، أو لغتان، أو طريقان، أو نحو ذلك؛ فافهم، والله أعلم
[حديث سويد بن النعمان: أنه خرج مع رسول الله عام خيبر]
209 -
وبه قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف)؛ أي: التِّنِّيسي (قال: أخبرنا مالك)؛ أي: ابن أنس الأصبحي، (عن يحيى بن سعِيد)؛ بكسر العين؛ أي: الأنصاري، (عن بُشَير) بضم الموحدة، وفتح المعجمة، والتصغير (بن يَسَار)؛ بفتح التحتية والمهملة: الخازن (مولى بني حارثة) : كان شيخًا فقيهًا، أدرك عامَّة أصحاب النبي الأعظم عليه السلام:(أنَّ سُوَيْد) بضم المهملة، وفتح الواو
(1)
وسكون التحتية (بن النُّعمان)؛ بضم النُّون: الأنصاري الأوسي المدني، من أصحاب بيعة الرضوان (أخبره أنَّه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عامَ خيبر)؛ بالنصب على الظرفية؛ أي: سنة غزوة رسول الله عليه السلام لها، وكانت سنة سبع، و (خيبر) : بلدة معروفة، بينها وبين المدينة نحو أربع مراحل، وقال أبو عبيد: ثمانية برد، وسميت باسم رجل من العماليق نزلها، واسمه خيبر بن فانية بن مهلائيل، وكان عثمان رضي الله عنه مصَّرها، وهي غير منصرفة؛ للعلمية والتأنيث، فتحها رسول الله عليه السلام، واختلف في فتحها؛ قيل: فتحت عنوة، وقيل: صلحًا، وقيل: بعضها صلحًا وبعضها عنوة، وتمامه في «عمدة القاري» ، (حتى إذا كانوا)؛ أي: النبي الأعظم عليه السلام وأصحابه الكرام، (بالصَّهْباء)؛ بفتح الصَّاد المهملة، وسكون الهاء والموحدة الممدودة (وهي)؛ أي: الصَّهباء (أدنى خيبر)؛ أي: أسفلها وطرفها من جهة المدينة، وعند المؤلف في (الأطعمة) :(وهي على روحة من خيبر)، وهذه الزيادة مدرجة من قول يحيى بن سعيد، كما عند المؤلف في موضع آخر من (الأطعمة)، وقال البكري في «معجم البلدان» :(هي على بريد) انتهى (فصلى) : الفاء فيه لمحض العطف وليست للجزاء؛ لأنَّ قوله: (إذا كانوا) ليست جزائية، بل هي ظرفية؛ أي: النبي الأعظم عليه السلام، (العصر)؛ أي: صلاة العصر، وفي رواية:(نزل فصلى العصر)، فظهر بروايتهما أن الفاء لعطف (فصلى) على (نزل) المقدر لا على (كانوا)، كما تقدم، أفاده في «عمدة القاري» .
(ثم دَعا)؛ بفتح الدَّال؛ أي: النبي الأعظم عليه السلام (بالأزواد)؛ جمع زاد؛ بالزاي: وهو طعام يتخذه المسافر في سفره، (فلم يُؤت) بضم التحتية (إلا بالسويق) : المعلوم مما سبق، (فأمر به) عليه السلام بالسويق أن يثرى؛ (فثُرِّي)؛ بضم المثلثة وتشديد الرَّاء المكسورة ويجوز تخفيفها على صيغة المجهول؛ أي: بُلَّ بالماء لما لحقه من اليبس، يقال: ثرَّيته تثرية؛ إذا رششته بالماء، (فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: من السويق، (وأكلنا)؛ أي: منه، زاد المؤلف في رواية سليمان الآتية:(وشربنا)، وعنده في (الجهاد) من رواية عبد الوهاب:(فلكَّينا وأكلنا وشربنا)؛ أي: من الماء أو من مائع السويق، (ثم قام) عليه السلام (إلى) صلاة (المغرب)؛ أي: أراد أن يصلي صلاة المغرب، فطلب ماء، (فمضمض) فاه به قبل أن يشرع في الصلاة، (ومضمضنا) كذلك، (ثم صلى)؛ أي: صلاة المغرب، وصلينا خلفه (ولم يتوضأ)؛ أي: بسبب أكل السويق، ولم يأمرنا بالوضوء.
ففيه المطابقة لجزئي الترجمة، وفائدة المضمضة منه وإن كان لا دسم له: أنه لا بد أن تحتبس بقاياه بين الأسنان ونواحي الفم فيشتغل بتتبعه باللسان عن الصلاة.
وفي الحديث: حمل الأزواد في الأسفار، وأن ذلك لا ينافي التوكل، قال المهلب: وفي الحديث: أن الإمام يأخذ المحتكرين بإخراج الطعام عند قلته؛ ليبيعوه لأهل الحاجة، وأن الإمام ينظر لأهل العسكر ليجمع الزاد؛ ليصيب منه من لا زاد معه.
وقال الخطابي: فيه دليل على أن الوضوء مما مست النار منسوخ؛ لأنَّه متقدم، وخيبر سنة سبع، واعترضه ابن حجر: بأنه لا دلالة فيه؛ لأنَّ أبا هريرة حضر بعد فتح خيبر وروى الأمر بالوضوء، كما في «مسلم» ، وأنه كان يفتي به بعد النبي عليه السلام، ورده في «عمدة القاري» : بأنه لا يستبعد ذلك؛ لأنَّ أبا هريرة ربما أنه يرويه عن صحابي كان أسلم قبله، فيسنده إلى النبي عليه السلام؛ لأنَّ الصحابة كلهم عدول، واعترض: بأنه لا يستقيم في الذي يقول فيه أبو هريرة: سمعته من النبي عليه السلام.
قلت: وفيه نظر؛ لأنَّه ربما أنه يكون قد سمعه قَبْلُ منه عليه السلام، وسمع صحابيُّ غيره النسخ، ولم يبلغ أبا هريرة، وإن ثبت عند غيره، ويقول: إنِّي سمعته من النبي عليه السلام، والحال أنه منسوخ ولم يبلغه النسخ؛ فليتأمل.
وفي الحديث: جواز أداء صلاتين فأكثر بوضوء واحد، قال ابن حجر:(وفيه: استحباب المضمضة بعد الطعام)، واعترضه في «عمدة القاري» : بأن المؤلف لم يضع هذا الباب لذلك هنا، وإن كان يفهم منه ذلك، انتهىوتمامه في «عمدة القاري» ، والله تعالى الهادي.
[حديث ميمونة: أن النبي أكل عندها كتفًا ثم صلى ولم يتوضأ]
210 -
وبه قال: (حدثنا) : وفي رواية: (وحدثنا)؛ بالواو (أصبغ)؛ بالغين المعجمة: هو ابن الفرج (قال: أخبرنا ابن وهَب)؛ بفتح الهاء: هو عبد الله (قال: أخبرني) بالإفراد (عَمرو)؛ بفتح العين المهملة؛ أي: ابن الحارث، كما في رواية، (عن بُكير)؛ بضم الموحدة مصغرًا: وهو ابن عبد الله بن الأشج، (عن كُريب)؛ بضم الكاف مصغرًا أيضًا: هو ابن أبي مسلم الهاشمي مولاهم، المدني، أبي رشدين مولى ابن عباس رضي الله عنهما، (عن) أم المؤمنين (ميمونة) رضي الله عنها زوج النبي الأعظم عليه السلام، ممنوعة من الصرف؛ للعلمية والتأنيث:(أنَّ النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم أكل عندها)؛ أي: في البيت الذي خصها به (كَتِفًا)؛ بفتح الكاف وكسر المثناة الفوقية؛ أي: لحم كتف، (ثم) قام و (صلى) : والظاهر أنها صلاة نافلة؛ لأنَّ الفريضة لا يصليها وحده عليه السلام، (ولم يتوضأ)؛ لأنَّه غير ناقض للوضوء، وهذا مذهب الأستاذ المعظم الإمام الأعظم، وأصحابه، ومالك، والشافعي، وأحمد، وغيرهم، وقد انعقد الإجماع على ذلك، كما سبق.
وليس بين هذا الحديث وبين الترجمة مطابقة؛ لأنَّه لم يذكر فيه السويق، ولهذا قالوا: إن وضع الحديث هنا من قلم الناسخين، وإن نسخة الفربري التي بخطه تقديمه إلى الباب السابق، ولم يذكر المضمضة فيه المترجَم بها، فقيل: أشار بذلك إلى أنَّها غير واجبة؛ بدليل تركها في هذا الحديث مع أن المأكول دسم يحتاج إلى المضمضة منه، فتركها؛ لبيان الجواز، وبقية المباحث تقدمت في الباب قبله، وتمامه في «عمدة القاري» ؛ فليحفظ.
(52)
[باب: هل يمضمض من اللبن]
هذا (باب) بالتنوين: (هل يُمَضمِض)؛ بضم المثناة التحتية، وفتح الميم الأولى، وكسر الثانية وفتحها على
(1)
في الأصل: (الرَّاء)، ولعله تحريف عن المثبت.