الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثوبك طاهر حتى تستيقن، وقال سفيان: اغسله، فإن كان نجسًا؛ فقد طهرته، وإلا؛ فقد زدته طهارة، وقال شريك: بُلْ عليه ثم اغسله، انتهى.
فانظر إلى فقه الإمام الأعظم رأس المجتهدين، وإلى جودة الإمام زفر، وحسن ضرب المثل رضي الله عنهم أجمعين.
(5)
[باب التخفيف في الوضوء]
هذا (باب) جواز (التخفيف في الوضوء) مع إسباغه.
[حديث: أن النبي نام حتى نفخ ثم صلى]
138 -
وبه قال: (حدثنا) بالجمع، وفي رواية: بالإفراد (علي بن عبد الله) المديني (قال: حدثنا سفيان) : هو ابن عيينة، (عن عَمرو) : هو ابن دينار المكي أنَّه (قال: أخبرني) بالإفراد (كُرَيْب)؛ بضم الكاف، وفتح الرَّاء، وسكون التحتية، آخره موحدة: ابن أبي مسلم القرشي، مولى عبد الله بن عباس، المكنى بأبي رِشْدِيْن -بكسر الرَّاء، وسكون الشين المعجمة، وكسر الدَّال المهملة، وسكون التحتية، آخره نون-، المتوفى بالمدينة سنة ثمان وتسعين، وهو من أفراد الكتب الستة؛ فافهم، (عن ابن عباس) رضي الله عنهما:(أنَّ النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم نام) : جملة محلها الرفع خبر (أنَّ)؛ أي: مضجعًا (حتى) للغاية؛ أي: إلى أن (نَفَخ)؛ بفتح النُّون والخاء؛ أي: خيشومه وهو المعبر عنه بالغطيط، (ثم صلى) : وفي رواية: بإسقاط (ثم صلى)(وربما) : أصله للتقليل، وقد تستعمل للتكثير، وهنا تحتمل الأمرين، (قال) أي: سفيان: (اضطجع) عليه السلام (حتى) أي: إلى أن (نفخ، ثم قام فصلى) : والاضطجاع: وضع الجنب بالأرض لغة، والمراد به: النوم، فبين قوله:(نام حتى نفخ) وبين قوله: (اضطجع حتى نفخ) مساواة، والمراد أنَّ سفيان قال:(اضطجع حتى نفخ) بدل قوله: (نام حتى نفخ)، ولفظة (قام) لا بد منها في الروايتين؛ لأنَّ التقدير في الأولى: نام حتى نفخ ثم قام فصلى، وتقدير الثانية: اضطجع حتى نفخ ثم قام فصلى، فما زعمه الكرماني وابن حجر ليس بشيء، كما لا يخفى.
قال ابن المديني: (ثم حدثنا به)؛ أي: بالحديث (سفيان) ابن عيينة تحديثًا (مرةً بعد مرة)؛ فهو بالنصب صفة لمصدر محذوف، وقوله:(بعد مرة) : كلام إضافي صفة لـ (مرة)؛ يعني: أنَّه كان يحدثهم به تارة مختصرًا وتارة مطولًا، (عن عَمرو) أي: ابن دينار، (عن كُريب) : مولى ابن عباس، (عن ابن عباس) رضي الله عنهماأنَّه (قال: بِتُّ)؛ بكسر الباء الموحدة، من بات يبيت بيتوتة (عند خالتي) : أم المؤمنين (ميمونة) : غير منصرفة؛ للعلمية والتأنيث، بنت الحارث الهلالية، وأختها لُبابة -بضم اللام وبالموحدتين- زوجة العباس عم النبي الأعظم عليه السلام أم عبد الله والفضل وغيرهما (ليلةً)؛ بالنصب على الظرفية، (فقام النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم مبتدئًا (من الليل) : فمعنى (من) الابتداء، أو قام من مضيِّ زمن من الليل، وفي رواية:(فنام) من النوم، وصوبها القاضي عياض؛ لقوله:(فلمَّا) : الفاء للعطف المحض، خلافًا لما زعمه ابن حجر (كان)؛ أي: وجد، فهي تامة (في) : وفي رواية: (من)(بعض الليل) : ولفظة (في) زائدة؛ كقوله تعالى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا} [هود: 41]؛ أي: اركبوها، ولفظة:(من) في الرواية الأخرى زائدة أيضًا، وجواب (لمَّا) قوله:(قام النبي) الأعظم، وفي رواية:(رسول الله) صلى الله عليه وسلم : وقيل: إنَّ (كان) ناقصة، واسمها عائد لـ (الرسول).
(فتوضأ) : وضوءه للصلاة (من شَنٍّ)؛ بفتح الشين المعجمة وتشديد النُّون؛ أي: من قربة خلقة (معلقٍ)؛ بالجر صفة لـ (شَنٍّ) على تأويله بالجلد، وفي رواية:(معلقة)؛ بالتأنيث؛ لتأويله بالقربة (وضوءًا خفيفًا)؛ بنصب الأول على المصدرية، ونصب الثاني على أنَّه صفته، (يخففه عَمرو)؛ أي: ابن دينار، وهذا إدراج من سفيان بين كلام ابن عباس، والمراد به أن يكون بين الوضوءين، وليس المراد منه ترك الإسباغ، بل الاكتفاء بالمرة الواحدة مع الإسباغ، (ويقلله)؛ أي: عمرو
(1)
بالاقتصار على مرة مرة، فالتخفيف يقابله التثقيل، فهو من باب الكيف، والتقليل يقابله التكثير، فهو من باب الكمِّ، وليس فيه دليل على وجوب الدلك كما زعمه ابن بطال؛ لأنَّ قوله:(يخففه) ينافي الدلك، فكيف يكون فيه دليل على وجوبه؟ ولا شك أنَّ وجوب الدلك زيادة على النص؛ وهو غير جائز، فلا يعول عليه، والجملتان محلهما النصب صفتان لقوله:(خفيفًا).
(وقام) عليه السلام (يصلي) : وفي رواية: (فصلى)، والجملة محلها النصب على الحال من الضمير الذي في (قام) (فتوضأت)؛ أي: وضوءًا خفيفًا (نحوًا)؛ بالنصب صفة لمصدر محذوف؛ أي: توضأ نحوًا (مما توضأ) عليه السلام، و (ما) يجوز أن تكون موصولة أو أن تكون مصدرية، وفي رواية تأتي:(فقمت فصنعت مثل ما صنع)، وهي ترُدُّ على الكرماني؛ حيث زعم هنا أنَّه لم يقل:(مثلًا)؛ لأنَّ حقيقة مماثلته عليه السلام لا يقدر عليها أحد غيره، انتهى.
ولا يلزم من إطلاق المثلية المساواة من كل وجه؛ فافهم.
قال ابن عباس: (ثم جئت فقمت عن يساره)؛ أي: مجاوزًا، فمعنى (عن) : المجاوزة وتحتمل الظرفية، (وربما قال سفيان) ابن عيينة:(عن شِماله)؛ بكسر الشين المعجمة: الجارحة، خلاف اليمين، وبالفتح: الريح التي تهب من ناحية القطب، وهي خلاف الجنوب، وهذا إدراج من علي ابن المديني، (فحولني)؛ بالحاء المهملة، من التحويل؛ أي: النبي الأعظم عليه السلام (فجعلني عن يمينه، ثم صلى) عليه السلام (ما شاء الله) : وذلك بأن جذبه فأداره من خلفه لا من قدامه؛ لئلا يمر بين يديه فإنَّه مكروه، ولم يذكر كيفية التحويل، ففي رواية:(أخذ برأسه فجعله عن يمينه)، وفي أخرى:(وضع يده اليمنى على رأسي، فأخذ بأذني يفتلها)، وفي أخرى:(فأخذ برأسي من ورائي)، وفي بعضها:(بيدي أو عضدي)، والرواية الثانية جامعة لهذه الروايات، وكلها عند المؤلف، فيستفاد منه أنَّ السُّنة أن يقوم المقتدي الواحد عن يمين الإمام، وهو مذهب الإمام الأعظم كما هو المنصوص عليه في كتب المذهب متونًا وشروحًا وفتاوًى، فإن وقف عن يساره أو خلفه؛ جاز ويكون مسيئًا، فما زعمه ابن بطال من أنَّ مذهب الإمام الأعظم: أن يقوم الواحد خلف الإمام؛ خطأ ظاهر، ووهم عاهر، وافتراء وجرأة، وسوء أدب، وجهل بالأحكام، وهو دليل على قلة علمه وأدبه.
(ثم اضطجع) عليه السلام (فنام حتى) أي: إلى أن (نفخ ثم أتاه المنادِي)؛ بكسر الدَّال؛ أي: المؤذن بلال أو غيره (فآذنه)؛ بالمد؛ أي: أعلمه، وفي رواية:(يؤذنه)؛ بلفظ المضارع بدون الفاء، وفي أخرى:(فناداه)(بالصلاة)؛ أي: صلاة الفجر، كما لا يخفى، (فقام) أي: المنادِي (معه) عليه السلام (إلى الصلاة) : ويجوز أن يقال: فقام النبي عليه السلام مع المنادي إلى الصلاة، وما زعمه الكرماني؛ فليس بشيء، (فصلى) عليه السلام (ولم يتوضأ) من النوم، قال سفيان بن عيينة:(قلنا لعمرو) أي: ابن دينار: (إن ناسًا)؛ بغير همز في الأول؛ أي: جماعة (يقولون: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنام عينه ولا ينام قلبه)؛ أي: ليعي الوحي إذا أوحي إليه في المنام، وهذا حديث صحيح كما سيأتي من وجه آخر، ففيه: دليل على أنَّ النوم ليس حدثًا، بل مظنته والنبي الأعظم عليه السلام كان لا ينام قلبه، فلو أحدث؛ لعلم بذلك، ولهذا تارة كان يتوضأ إذا قام من النوم، وتارة لا يتوضأ.
(قال عمرو) المذكور: (سمعت عبيد بن عمير)؛ بالتصغير فيهما؛ أي: ابن قتادة الليثي المكي، قاضي مكة، مات قبل ابن عمر، وعبيد هذا من كبار التابعين، وقيل: إنَّه رأى النبي الأعظم عليه السلام، وعمير من الصحابة (يقول: رؤيا الأنبياء وحي) : رواه مسلم مرفوعًا عن أنس في (التوحيد)، والرؤيا: مصدر؛ كـ (الرجعى)، تختص برؤيا المنام، كما اختص الرأي بالقلب والرؤية بالعين، فإذا كانت وحيًا؛ فيترتب عليها ما يترتب على الوحي يقظة؛ لأنَّها حق.
(ثم قرأ) أي: عبيد بن عمير: ({إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي
(1)
في الأصل: (عمر)، وليس بصحيح.
أَذْبَحُكَ}) [الصافات: 102] : وجه الاستدلال بالآية من جهة أنَّ الرؤيا لو لم تكن وحيًا؛ لما جاز لإبراهيم عليه السلام الإقدام على ذبح ولده؛ لأنَّه محرَّم، فلولا أنَّه أبيح له في الرؤيا بالوحي؛ لما ارتكب الحرام؛ لأنَّه معصوم عنه كغيره من الأنبياء.
واختلف في الذبيح؛ فقيل: إنَّه إسحاق، وقيل: إسماعيل وهو الأصح، وقال الداودي: قول ابن عمير لا تعلق له بالباب، ورُدَّ بأنَّه ما زاده إلا لأجل أنَّ فيه من نوم العين دون نوم القلب، ولم يلتزم المؤلف ألَّا يذكر من الحديث إلا ما يتعلق بالترجمة فقط، وهذا لم يشترطه أحد.
وفي الحديث: أنَّ نومه عليه السلام مضطجعًا لا ينقض الوضوء، وكذا سائر الأنبياء عليهم السلام؛ لأنَّ يقظة قلوبهم تمنع عنهم الحدث، وما روي أنَّه عليه السلام توضأ بعد النوم؛ فذلك لعلمه أنَّه استثقل يومًا فاحتاج إلى الوضوء معه، أو أنَّه أحس بالحدث.
وفيه: جواز مبيت من لم يحتلم عند مَحرَمِه.
وفيه: مبيته عند الرجل مع أهله، وقد روي: أنَّها كانت حائضًا.
وفيه: جواز الإمامة في النافلة وصحة الجماعة فيها.
وفيه: جواز ائتمام واحد بواحد، وجواز ائتمام صبي ببالغ.
وفيه: أنَّ أقل الوضوء المجزئ إذا أسبغ مرة مرة مع التقاطر ولو قطرة واحدة.
وفيه: التعليم بالصلاة إذا كان بحركة، لا بحركات، فإنَّه مبطل.
وقال الداودي: فيه: أنَّ النوم الخفيف غير ناقض، ورُدَّ بأنَّه لا دلالة على ما قاله، فإنَّ نومه عليه السلام ليس خفيفًا، بل هو نوم معتاد وهو ناقض في حقِّنا.
وفيه: أنَّ النافلة كالفريضة في تحريم الكلام؛ لأنَّه عليه السلام لم يتكلم.
وفيه: دليل على منع الكلام في الصلاة مطلقًا ولو حرفًا واحدًا مفهمًا، وهو مذهب الإمام الأعظم، وهو حجة على الشافعي في إباحته الكلمة؛ لأنَّه لا دليل عليه.
وفيه: أنَّ الأدب أن يمشي الصغير عن يمين الكبير، والمفضول عن يمين الفاضل، وتمامه في «عمدة القاري» .
(6)
[باب إسباغ الوضوء]
هذا (بابُ إسباغِ الوضوء)؛ أي: إتمامه، وإبلاغه مواضعه، وإيفاء كل عضو حقه من غسل ومسح.
(وقال) عبد الله (ابن عمر) بن الخطاب فيما أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» موصولًا بسند صحيح: (إسباغ الوضوء: الإنقاء) : من تفسير الشيء بلازمه؛ لأنَّ الإسباغ لغةً: الإتمام والاتساع، والإتمام يستلزم الإنقاء عادة، ويدل له ما رواه ابن المنذر بإسناد صحيح: أنَّ ابن عمر كان يغسل رجليه في الوضوء سبع مرات؛ لأنَّه كان يقصد بذلك الإنقاء، واقتصاره في ذلك على الرجلين؛ لأنَّهما محل الأوساخ غالبًا لاعتيادهم المشي حفاة، بخلاف بقية الأعضاء، وقد سبق أنَّ الزيادة على الثلاث ظلم وتعد، وأجيب: بأنَّ ذلك فيمن لم ير الثلاث سنة، وأمَّا إذا رآها وزاد على أنَّه من باب الوضوء على الوضوء؛ يكون ذلك نورًا على نور، كذا قرره في «عمدة القاري» .
[حديث: دفع رسول الله من عرفة حتى إذا كان بالشعب نزل فبال]
139 -
وبه قال: (حدثنا عبد الله بن مَسْلمَة)؛ بفتح الميمين وسكون السين المهملة: القعنبي، (عن مالك) : هو ابن أنس، (عن موسى بن عُقبة)؛ بضم العين: ابن أبي عَيَّاش -بفتح العين وتشديد التحتية- أبو محمد المدني، مولى الزبير بن العوام، أو مولى أم خالد زوجة الزبير، القرشي، المتوفى سنة إحدى وأربعين ومئة، (عن كُريب)؛ بضم الكاف: ابن أبي مسلم القرشي (مولى ابن عباس) رضي الله عنهما، (عن أُسَامة)؛ بضم الهمزة وفتح السين المهملة (بن زيد) بن حارثة بن شراحيل الكلبي المدني، الحبِّ بن الحبِّ، مولى النبي الأعظم عليه السلام، وابن حاضنته ومولاته أم أيمن -واسمها بركة-، المتوفى بوادي القرى سنة أربع وخمسين على الأصح عن خمس وخمسين سنة، وقد ذكر اسم أبيه في القرآن العظيم:(أنَّه سمعه) جملة محلها الرفع خبر (أنَّ)(يقول) جملة في محل نصب على الحال، ومقول القول قوله:(دفع) أي: أفاض ورجع (رسول الله صلى الله عليه وسلم من) وقوف (عرفة) بعرفات؛ لأنَّ (عرفة) اسم الزمان، وهو اليوم التاسع من ذي الحجة على الصحيح، فالمضاف فيه يكون محذوفًا، وقيل: عرفة وعرفات كلاهما اسمان للمكان المخصوص، يقال: هذا يوم عرفةَ، غير منون، وعليه فلا حاجة إلى التقدير، ولا تدخلهما الألف واللام، وعرفات: الموضع الذي يقف فيه الحاج يوم عرفة، قال تعالى:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ} [البقرة: 198]، وهي اسم في لفظ الجمع فلا يجمع، لا واحد لها، وليس بعربي محض، وقول الناس: نزلنا عرفة، شبيه بمولَّد، وإنَّما سميت به؛ لأنَّ آدم عليه السلام عرف حواء بها، فإنَّ الله أهبط آدم بالهند، وحواء بجدة، فتعارفا في الموقف، أو لأنَّ جبريل عرَّف إبراهيم عليهما السلام المناسك هناك، أو للجبال التي فيها، والجبال التي هي الأعراف، وكل باب: عرف، ومنه: عرف الديك، أو لأنَّ الناس يعترفون فيها بذنوبهم ويسألون غفرانها، أو لأنَّها مكان مقدس معظم قد عُرِّف؛ أي: طُيِّب، كذا في «عمدة القاري» .
(حتى إذا كان) أي: النبي الأعظم عليه السلام (بالشِّعْب)؛ بكسر الشين المعجمة وسكون العين المهملة: الطريق في الجبل المعهود للحاج، و (حتى) : ابتدائية أو حرف جر، والباء في (بالشِّعب) : ظرفية، و (إذا) : ظرفية محلها الجر بـ (حتى) الجارة، وعلى الأول فموضعها النصب، والعامل فيه قوله:(نزل)؛ أي: النبي الأعظم عليه السلام عن دابته، (فبال ثم توضأ)؛ أي: بماء زمزم، كما أخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل في «زوائد مسند أبيه» بسند حسن من حديث علي، وفيه رَدٌّ على من منع استعمال ماء زمزم لغير الشرب؛ فافهم.
(ولم يسبغ الوضوء)؛ أي: خففه؛ لما في «مسلم» : (فتوضأ وضوءًا خفيفًا)، أو معناه: توضأ مرة مرة بالإسباغ، أو خفف استعمال الماء بالنسبة إلى غالب عاداته، وما قيل: إنَّ معناه: الوضوء اللغوي؛ فبعيد، وأبعد منه ما قيل: إنَّه الاستنجاء؛ لما يأتي عند المؤلف في باب (الرجل يوضئ صاحبه) من قوله: (فجعلت أصب الماء عليه ويتوضأ)؛ لأنَّه لا يجوز أن يصب عليه أسامة إلَّا وضوء الصلاة، وفي آخره قال أسامة:(الصلاة يا رسول الله)، وإنَّما لم يسبغ الوضوء؛ إما ليذكر الله؛ لأنَّهم يكثرون منه عشية الدفع من عرفة، أو لإعجاله الدفع إلى المزدلفة، أو لاستصحابه الطهارة في طريقه، وتمامه في «عمدة القاري» .
(فقلت: الصلاةَ)؛ بالنصب على الإغراء، أو على تقدير: أتريد الصلاة؟ ويؤيده رواية تأتي: (فقلت: أتصلي يا رسول الله؟)؛ يعني: أتريد الصلاة؟ والأَولى أن يقدر: تصلي الصلاة (يا رسول الله) : ويجوز فيه الرفع على تقدير: حانت الصلاة أو حضرت.
(فقال) وفي رواية: (قال) : (الصلاةَ)؛ بالرفع على الابتداء، وخبره قوله:(أَمامَك)؛ بفتح الهمزة؛ أي: قدامك؛ لأنَّه منصوب على الظرفية؛ والمعنى: وقت الصلاة أمامك أو مكان الصلاة، فيكون من قبيل ذكر الحال وإرادة المحل، وهو أعم من كونه في المكان أو الزمان، ومراده أنَّ سنة الصلاة لمن دفع من عرفة أن يصلي العشاءين بالمزدلفة، ولم يعلم أسامة ذلك؛ إذ كان في حجة الوداع، وهي أول سُنَّة سَنَّها عليه السلام في الجمع بين الصلاتين في المزدلفة.
ففيه: مشروعية الوضوء للدوام على الطهارة؛ لأنَّه عليه السلام لم يقيد بذلك الوضوء، وقيل: المراد أنَّ موضع هذه الصلاة المزدلفة وهي أمامك، وهذا تخصيص لعموم الأوقات المؤقتة للصلوات الخمس ببيان فعله عليه السلام.
وفيه: دليل على أنَّه لا يصليها الحاج إذا أفاض من عرفة حتى يبلغها، وأنَّ عليه أن يجمع بينها وبين العشاء بجمع على ما سنه عليه السلام بفعله وبيَّنه بقوله، ولو أجزأته في غير المكان؛ لما أخَّرها عن وقتها الموقَّت لها في سائر الأيام، وما زعمه الكرماني رده في «عمدة القاري» ؛ فليحفظ.
(فركب) أي: النبي الأعظم عليه السلام دابته من الشِّعب وسار (فلمَّا جاء المُزدلفةَ)؛ بضم الميم، من الإزدلاف؛ وهو التقرب والاجتماع، وهي بالنصب على المفعولية، وهي موضع مخصوص بين عرفات ومنًى، سمِّيت بها؛ لأنَّ الحجاج يزدلفون فيها إلى الله تعالى؛ أي: يتقربون بالوقوف فيها إليه، وتسمى أيضًا: جمعًا؛ لأنَّ آدم اجتمع فيها على حواء عليهما السلام وازدلف إليها؛ أي: دنا منها، وتمامه في