الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قول الكرخي والرازي؛ لا يشترط، وهذا لأنَّ إصابة عينها لما كانت فرضًا عند الجرجاني والشافعي، ولا يمكن إصابة عينها حال غيبته عنها إلا من حيث النية؛ عينها، وعند الكرخي والرازي، لما كان الشرط في حق من غاب عنها إصابة جهتها، وإصابة الجهة لا تتوقف على نية العين؛ قالا:(لا حاجة إلى اشتراط نية العين)، وذكر الزندوستي:(أنَّ الكعبة قبلة من يصلي في المسجد الحرام، والحرم قبلة العالم)، وقيل: إنَّ مكة وسط الدنيا، فقبلة أهل المشرق إلى المغرب عندنا، وقبلة أهل المغرب إلى المشرق، وقبلة أهل المدينة إلى عين من توجه إلى المغرب، وقبلة أهل الحجاز إلى بيان من توجه إلى المغرب؛ كذا في «النهاية» و «الذخيرة» .
والحاصل: أنَّ الأئمة الحنفية وكذا الشافعية متفقون على أنَّ القبلة في حق من عاين البيت: هي عين البيت، وفي حق من غاب عن البيت وبعُد: هي سمت البيت وجهته، وخالف الشافعية والجرجاني، فزعموا أنَّ من غاب عنها هي عين الكعبة، وقولهم لا شاهد له؛ فليحفظ، والله تعالى أعلم.
[حديث: صلى النبي الظهر خمسًا فقالوا: أزيد في الصلاة]
404 -
وبالسند إليه قال: (حدثنا مسدد) هو ابن مسرهد البصري (قال: حدثنا يحيى) هو ابن سعيد القطان البصري، (عن شعبة) هو ابن الحجاج، الواسطي، ثم البصري، (عن الحكم)؛ بفتحتين، هو ابن عُتَيْبة؛ بضمِّ العين المهملة، وفتح المثناة الفوقية، وسكون التحتية بعدها موحدة، (عن إبراهيم) هو ابن يزيد النخعي، (عن علقمة) هو ابن قيس النخعي، (عن عبد الله) هو ابن مسعود الصحابي الجليل رضي الله عنه (قال: صلى النبيُّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم بمسجده النبوي (الظهر) وعند الطبراني أنها: (العصر)، فنقص في الرابعة، ولم يجلس حتى صلى الخامسة، وهو يوافق قوله:(خمسًا)؛ أي: خمس ركعات؛ يعني: أنه قعد على رأس الرابعة، ثم قام إلى الخامسة ساهيًا، وقيدها بسجدة، (فقالوا) أي: الصحابة: (أزيد في الصلاة؟)؛ الهمزة فيه للاستفهام، ومعناه: السؤال عن حدوث شيء من الوحي يوجب الزيادة في الصلاة على ما كانت معهودة، (قال) عليه السلام:(وما ذاك؟) سؤال من لم يشعر بما وقع منه، ولا يتبين عنده، ولا غلبه
(1)
ظن، وهو خلاف ما عندهم؛ حيث (قالوا: صليت خمسًا)؛ أي: خمس ركعات زيادة على المعهود، فلما سمع عليه السلام ما قالوه؛ أخذ بقولهم، فبادر، (فثنى)؛ بخفيف النون، مشتق من: الثني؛ أي: عطف، والمعنى: أنَّه جلس على هيئة قعود التشهد (رجليه)؛ بالتثنية، وعند ابن عساكر:(رجله)؛ بالإفراد، (وسجد سجدتين)؛ أي: للسهو، ففي الحديث: جواز وقوع السهو من الأنبياء عليهم السلام، وفيه: جواز النسيان في الأفعال على الأنبياء عليهم السلام، ولا حجة فيه لمن زعم أنَّ كلام الناسي وغيره لا يبطل الصلاة؛ لأنَّ هذا الحديث منسوخ؛ لأنَّ الكلام كان مباحًا في صدر الإسلام، ثم نسخ بقوله تعالى:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]؛ أي: ساكتين، وبقوله عليه السلام:«إنَّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، وإنَّما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي، فهذا نص صريح على تحريم الكلام في الصلاة، سواء كان عامدًا أو ناسيًا، جاهلًا أو مخطئًا، إمامًا أو منفردًا أو مقتديًا، لمصلحة أو غيرها، فإن احتاج إلى تنبيه الإمام أو غيره؛ سبح إن كان رجلًا، وصفقت إن كانت امرأة؛ لقوله عليه السلام:«أيها الناس؛ مالكم حين نابكم شيء في الصلاة أخذتم بالتصفيق، إنَّما التصفيق للنساء، من نابه شيء في صلاته؛ فليقل: سبحان الله، فإنَّه لا يسمعه أحد حين يقول سبحان الله إلا التفت» ، أخرجه الشيخان، والطحاوي، والنسائي، وأبو داود.
وفيه: دليل على أنَّ سجود السهو سجدتان.
وفيه: دليل على أنَّ سجود السهو بعد السلام؛ لأنَّه عليه السلام قد صلى خمسًا، وسلم من الصلاة، ولما قالوا له:(أزيد؟) رجع إلى قولهم، وعاد إلى حرمة الصلاة، وسجد للسهو، ثم سلم، وهذا اختصار من الراوي قد دلَّ عليه الرواية السابقة، والأحاديث تفسر بعضها بعضًا، وهو حجة على من زعم أنَّ سجود السهو قبل السلام.
وفيه: دليل على أنَّ الإمام إذا سها في صلاته في عدد ركعاتها؛ يرجع إلى قول المأمومين خلفه؛ لأنَّه عليه السلام قد رجع إلى قول أصحابه، وبنى عليه، وأتم صلاته؛ بدليل قوله:(فثنى رجليه)، فأتى بالفاء التعقيبية؛ يعني: لمَّا قالوا له؛ عقَّبه بثني رجليه، وعلى كلٍّ؛ لا يخلو عن الرجوع، سواء كان رجوعه للتذكر أو لغيره، كما قدمناه، وهو حجة على من زعم أنَّه لا يجوز رجوع الإمام إلى قول غيره؛ فافهم.
وفيه: دليل على أنَّ سجود السهو في آخر الصلاة.
قال إمام الشَّارحين: ومطابقة الحديث للترجمة التي هي قوله: (ومن لم ير الإعادة على من سها فصلى) ظاهرة؛ لأنَّه عليه السلام سها فصلى، ولم يعد تلك الصلاة، ووجه احتجاج البخاري بهذا الحديث هو أنَّ إقباله على الناس بوجهه بعد انصرافه بعد السلام كان في غير صلاته؛ لأنَّه كان في وقت استدبار القبلة في حكم المصلي؛ لأنَّه لو خرج من الصلاة؛ لم يجز له أن يبني على ما مضى منها، فظهر بهذا أنَّ من أخطأ القبلة لا يعيد) انتهى؛ فافهم.
(33)
[باب حك البزاق باليد من المسجد]
ولما فرغ المؤلف من بيان أحكام القبلة؛ شرع في بيان أحكام المساجد فقال: (باب)؛ أي: هذا باب في بيان (حكِّ البزاق باليد) سواء كان بآلة أو لا (من المسجد) الألف واللام فيه؛ للجنس، فيعم كل مسجد، والبزاق؛ بالزاي لغة مشهورة، وكذلك بالصاد المهملة، ويقال: بالسين المهملة، لكنها لغة ضعيفة؛ وهو ما يتفل من الفم مطلقًا، سواء كان من فم الإنسان أو غيره، والمناسبة بين البابين ظاهرة.
[حديث: إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه]
405 -
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا قُتَيْبَة)؛ بضمِّ القاف، وفتح الفوقية، وسكون التحتية، وفتح الموحدة، هو ابن سعيد الثقفي البلخي (قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر) هو الأنصاري المدني، (عن حُميد)؛ بضمِّ الحاء المهملة، هو ابن أبي حميد تير، الخزاعي، البصري، المشهور بالطويل، (عن أنس)، زاد الأصيلي:(ابن مالك) هو الأنصاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعدد هذا الحديث عن أنس، وأبي هريرة، وعائشة عند مسلم، والمؤلف، والنسائي، وأبي داود تنفي تهمة تدليس حُميد؛ فافهم.
(أنَّ النبيَّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم رأى)؛ أي: أبصر، فهي
(1)
في الأصل: (غلبة).
بصرية تقتضي مفعولين؛ أحدهما: قوله: (نُخَامَة)؛ بضمِّ النون، وفتح الخاء المعجمة والميم، بينهما ألف، وهي النخاعة، يقال: تنخم الرجل: إذا تنخع، وفي «المطالع» :(النخامة: ما يخرج من الصدر، والبصاق: ما يخرج من الفم، والمخاط: ما يسيل من الأنف)؛ كذا في «عمدة القاري» ، فما زعمه القسطلاني من أنَّها:(ما يخرج من الرأس) خطأ ظاهر؛ لأنَّ الذي يخرج من الرأس هو المخاط لا النخامة؛ فافهم، (في القبلة) : هو على حذف تقديره: في حائط المسجد الذي في جهة القبلة، والمفعول الثاني: محذوف تقديره: ملقاة في القبلة؛ فافهم.
(فشق ذلك عليه)؛ يعني: كره عليه السلام هذا الفعل (حتى رُؤِيَ)؛ بضمِّ الراء، وكسر الهمزة، وفتح التحتية، وللأصيلي وأبي ذر:(حتى رِيْء)؛ بكسر الراء وسكون التحتية آخره همزة؛ أي: شوهد أثر المشقة (في وجهه) المنير، وفي رواية المؤلف في «الأدب» من حديث ابن عمر:(فتغيظ على أهل المسجد)، وعند النسائي عن أنس قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة في قبلة المسجد، فغضب حتى احمر وجهه، فقامت امرأة من الأنصار، فحكتها، وجعلت مكانها خلوفًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما أحسن هذا!» ، وفي كتاب أبي نعيم:«من ابتلع ريقه؛ إعظامًا للمسجد، ولم يمح اسمًا من أسماء الله ببزاق؛ كان من خيار عباد الله» ، وذكر ابن خالويه عن أنس: أنَّ النبيَّ الأعظم صلى الله عليه وسلم لما رأى نخامة في المحراب؛ قال: «من إمام هذا المسجد؟» ، قالوا: فلان، قال:«قد عزلته» ، فقالت امرأته: لم عزل النبيُّ زوجي عن الإمامة؟ فقال: رأى نخامة في المسجد، فعمدت إلى خلوف طيب، فخلَّقت به المحراب، فاجتاز عليه السلام بالمسجد، فقال:«من فعل هذا؟» قال: امرأة الإمام، قال:«قد وهبت ذنبه لامرأته، ورددته إلى الإمامة» ، فكان هذا أول خلوق كان في الإسلام؛ كذا في «عمدة القاري» ، (فقام) عليه السلام، (فحكه) أي: أثر النخامة (بيده) الشريفة.
فإن قلت: في الحديث الحك باليد من غير ذكر آلة، وكذلك الترجمة.
قلت: وقوله في الحديث: «بيده» وفي الترجمة باليد أعم من أن يكون فيها آلة أو لا، على أنَّ أبا داود روى عن جابر قال: (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجدنا، وفي يده عرجون ابن طاب، فنظر، فرأى في قبلة المسجد نخامة، فأقبل عليها، فحتها بالعرجون
…
)؛ الحديث، فهذا يدل على أنَّه باشر بيده بعرجون فيها، والعُرجون-بضمِّ العين المهملة-: وهو العود الأصفر الذي فيه الشماريخ إذا يبس واعوج، وهو من الانعراج، وهو الانعطاف، وجمعه: عراجين، والواو والنون فيه زائدتان، وقوله:(ابن طاب) : هو رجل من أهل المدينة ينسب إليه نوع من تمر المدينة، ومن عادتهم أنَّهم ينسبون ألوان التمر كل لون إلى أحد، ومع هذا يحتمل تعدد القصة، كذا قاله إمام الشَّارحين.
قلت: والظاهر أنَّ القصة متعددة، والأصل في اليد أن تكون بغير آلة، وقد يقال: يحتمل اتحاد القصة، ويكون الحديث المطلق هنا هو المقيد عند أبي داود، فهو من باب حمل المطلق على المقيد؛ فتأمل.
(فقال) عليه السلام، ولابن عساكر:(وقال) : (إن أحدكم إذا قام في صلاته) الفرق بين قام في الصلاة، وقام إلى الصلاة: أن الأول: يكون بعد الشروع، والثاني: عند الشروع، قاله في «عمدة القاري» ، (فإنَّه يناجي ربه) عز وجل، والمناجاة والنجوى؛ هو السر بين الاثنين، يقال: ناجيته؛ أي: ساررته، وكذلك: نجوته نجوًا، ومناجاة الرب مجاز؛ لأنَّ القرينة صارفة عن إرادة الحقيقية؛ إذ لا كلام محسوسًا بينهما إلا من طرف العبد، فيكون المراد لازم المناجاة، وهو إرادة الخير، ويجوز أن يكون من باب التشبيه؛ أي: كأنه يناجي ربه، والتحقيق فيه: أنَّه شبه العبد وتوجهه إلى ربه تعالى في الصلاة وما فيها من القراءة، والأذكار، وكشف الأسرار، واستنزال رحمته، ورأفته، مع الخضوع والخشوع بمن يناجي مولاه ومالكه، فمن شرائط حسن الأدب: أن يقف محاذيه، ويطرق رأسه، ولا يمد بصره إليه، ويراعي جهة إمامه حتى لا يصدر من تلك الهيئات شيء وإن كان الله منزهًا عن الجهات؛ لأنَّ الآداب الظاهرة والباطنة مرتبط بعضها ببعض، قاله إمام الشَّارحين.
قلت: فيكون المعنى على الأول: أنَّ العبد في صلاته يطلب الرحمة، والبركة، والعفو، والغفران، ودخول الجنان من خالقه بفضله تعالى.
(أو أن)؛ بفتح الهمزة وكسرها؛ كما في «اليونينية» ، ولأبي ذر عن الحمُّوي والمستملي:(وأن)؛ بواو العطف، ورواية الأكثرين بالشك (ربه)؛ أي: اطلاع أو رحمة ربه على ما (بينه وبين القبلة) فإنَّ هذا الكلام لا يصح على ظاهره؛ لأنَّ الله تعالى منزه عن الحلول في المكان، فالمعنى على التشبيه؛ أي: فإنَّه بينه وبين القبلة، قاله الشَّارح، وقال الخطابي:(معناه: أنَّ توجهه إلى القبلة مفضٍ بالقصد منه إلى ربه، فصار في التقدير: كأنَّه مقصوده بينه وبين قبلته، فأمر أن تصان تلك الجهة عن البزاق ونحوه من أثقال البدن)، وقال ابن بطال:(وظاهر هذا محال؛ لأنَّ الرب منزَّه عن المكان، فيجب على المصلي إكرام قبلته بما يكرم به من يناجيه من المخلوقين عند استقبالهم بوجهه، ومن أعظم الجفاء وسوء الأدب أن تتنخم في توجهك إلى رب الأرباب، وقد أعلمنا الله بإقباله على من توجه إليه) انتهى.
(فلا يبزقنَّ)؛ بنون التوكيد الثقيلة، وللأصيلي:(فلا يبزق)؛ بإسقاطها (أحدكم)؛ أي: المخاطبون، وهم الصحابة رضي الله عنهم، وليس المراد التخصيص، بل المراد عموم جميع الأمة، كما لا يخفى (قِبَل) بكسر القاف، وفتح الموحدة؛ أي: جهة (قبلته) : التي عظمها الله تعالى، فلا تقابل بشيء يقتضي الاحتقار والاستخفاف بها؛ كالبزاق وغيره، فإنَّ الله تعالى جعله مرجعًا للزائرين من حيث إنَّهم لا يقضون منه وطرًا بزيارته مرة أو مرتين، بل كلما أتوه وانصرفوا عنه؛ اشتاقوا إلى الرجعة إليه؛ لما اعتقدوا في زيارته من الفوائد المتعلقة بمحو الخطيئات ورفع الدرجات ما لم يعتقدوا مثله في سائر الأعمال، ويدل عليه قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ
…
} إلى أن قال