الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والكافر؛ لكونه مخاطبًا بالتوحيد قطعًا، وبباقي الأعمال على الخلاف.
فالمانع من الثاني يقول: إنَّما يُسألون عن التوحيد فقط للاتفاق عليه، وإنَّما التعميم هنا في قوله:{عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ، فتخصيص ذلك بالتوحيد تحكُّمٌ، ولا تنافي بين هذه الآية وبين قوله تعالى:{فَيَوْمَئِذٍ لَاّ يُسْأَلُ عَن ذَنْبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: 39]؛ لأنَّ في القيامة مواقف مختلفة وأزمنة متطاولة، ففي موقف أو زمان يُسألون، وفي آخرَ لا يُسألون، أو لا يُسألون سؤال استخبار، بل سؤال توبيخ وتقريع، اهـ؛ فليحفظ.
(وقال) وفي رواية بدونها ({لمثل هذا})؛ أي: لنيل مثل هذا الفوز ({فليعمل العاملون})[الصافات: 61]؛ أي: فليؤمن المؤمنون، وهذا يشير إلى أنَّ الإيمان هو العمل، لكن اللفظ عام، ودعوى التخصيص بلا دليل لا تُقبل، إلَّا أنَّ إطلاق العمل على الإيمان صحيح؛ من حيث إنَّ الإيمان هو عمل القلب، ولا يلزم أن يكون العمل من نفس الإيمان، وغرض المصنف جواز إطلاق العمل على الإيمان الذي هو عمل القلب؛ وهو التصديق؛ فليحفظ.
[حديث: أنَّ رسولَ الله سُئِل: أيُّ العمل أفضل
؟]
26 -
وبه (حدثنا أحمد ابن يونس) نسبة إلى جده؛ لشهرته به، واسم أبيه: عبد الله اليربوعي، التميمي، الكوفي، المتوفى في ربيع الآخر سنة سبع وعشرين ومئتين.
(و) كذا حدثنا (موسى بن إسماعيل) المِنْقَري؛ بكسر الميم المتقدم (قالا) بالتثنية: (حدثنا إبراهيم بن سعد)؛ بسكون العين: ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف المتقدم، (قال: حدثنا ابن شهاب) محمد بن مسلم الزُّهري، (عن سعيد بن المُسيِّب)؛ بضم الميم، وكسر المثناة التحتية، والفتح فيها أشهر، وكان يكرهه، ابن حَزْن؛ بفتح المهملة وسكون الزاي، التابعي، المتوفى سنة ثلاث وتسعين، وهو زوج بنت أبي هريرة، وأبوه وجده صحابيان، (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر رضي الله تعالى عنه:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل) بالبناء للمفعول في محل رفع خبر (أن)، وأبهم السائل؛ وهو أبو ذر، وحديثه في العتق:(أي العمل أفضل؟)؛ أي: أكثر ثوابًا عند الله تعالى؛ وهو مبتدأ وخبر، (قال) وفي رواية:(فقال) عليه السلام: هو (إيمان بالله ورسوله، قيل) مجهول (قال)، أصله:(قَوِل) نقلت كسرة الواو إلى القاف بعد سلب حركتها، فصار (قِوْل)؛ بكسر القاف وسكون الواو، قلبت الواو ياء؛ لسكونها وانكسار ما قبلها، فصار (قِيل)، والقائل هو السائل الأول:(ثم ماذا؟)؛ أي: أي شيء أفضل بعد الإيمان بالله ورسوله؟ (قال) عليه السلام: هو (الجهاد في سبيل الله)؛ لإعلاء كلمة الله (قيل: ثم ماذا) أفضل؟ (قال) عليه السلام: هو (حج مبرور)؛ أي: مقبول؛ أي: لا يخالطه إثم ولا رياء، وعلامة قبوله: أن يكون حاله بعد الرجوع خيرًا مما كان قبله، وفي حديث أبي ذر ذكر العتق ولم يذكر الحج، وفي حديث ابن مسعود بدأ بالصلاة ثم بالبر ثم الجهاد، وفي الحديث السابق السلامة من اليد واللسان.
وقد أجيب: بأن اختلاف الأجوبة في ذلك؛ لاختلاف أحوال الأشخاص، وإنَّما قدم الجهاد على الحج؛ للاحتياج إليه أول الإسلام، وإنَّما عرَّفه دون أخويه؛ لأنَّ المعرَّف بلام الجنس كالنكرة في المعنى، أو لأنَّ الإيمان والحج لا يتكرر وجوبهما فنُوِّنا للإفراد، والجهاد قد يتكرر فعُرِّف، والتعريف للكمال هنا.
(19)
[باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة]
(باب) بالتنوين يجوز فيه وجهان؛ الإضافة إلى الجملة بعده، وتكون (إذا) ظرفية محضة والتقدير: (باب حين عدم كون الإسلام
…
إلى آخره)، وأن ينقطع عن الإضافة، وتكون (إذا) متضمنة معنى الشرط، والجزاء محذوف، والتقدير: باب (إذا لم يكن)؛ أي: إن لم يكن (الإسلام على الحقيقة) الشرعية (وكان على الاستسلام)؛ أي: الانقياد الظاهر فقط والدخول في السلام، (أو) كان على (الخوف من القتل) لا ينتفع به ولا ينجيه في الآخرة، وعلى كلٍّ: فارتفاع (باب) على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هذا باب إلى آخره، (لقوله تعالى) وفي رواية: عز وجل : ({قَالَتِ الأَعْرَابُ})؛ بفتح الهمزة: أهل البدو، ولا واحد له من لفظه، وسمِّيت العرب؛ لأنَّه نشأ أولاد إسماعيل عليه السلام بعربة؛ وهي من تهامة، فنسبوا إلى بلدهم، ومقول قولهم:({آمَنَّا}) نزلت في نفر من أسد بن خزيمة قدموا المدينة في سنة جدبة، وأظهروا الشهادتين، وكانوا يقولون لرسول الله عليه السلام: أتيناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان، يريدون الصدقة ويمنون، فقال الله لرسوله:({قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا})؛ لأنَّ الإيمان تصديق مع طمأنينة قلب ({وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا})؛ لأنَّ الإسلام انقياد ودخول في السلم والخروج عن أن يكون حربًا للمؤمنين بإظهار الشهادتين، ألا ترى إلى قوله:{وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14]؟ فإنَّ كل ما يكون من الإقرار باللسان من غير مواطأة القلب؛ فهو إسلام، وما واطأ القلب فيه اللسان؛ فهو إيمان.
والمعنى: لا تقولوا: آمنا، ولكن قولوا: أسلمنا؛ لأنَّكم لم تؤمنوا، وفيه حجة على الكرَّامية المرجئة في قولهم: الإيمان إقرار باللسان فقط ويدل عليه أيضًا قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ} [المجادلة: 22]، ولم يقل: كتب في ألسنتهم؛ وكذا الإجماع على كفر المنافقين مع كونهم أظهروا الشهادتين.
(فإذا كان) الإسلام (على الحقيقة) الشرعية المرادف للإيمان النافع عند الله؛ (فهو على قوله جل ذكره: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلامُ})[آل عمران: 19]؛ أي: لا دين مرضي عنده سواه، وفتح الكِسائي همزة {إن} على أنه بدل من {أنه} بدل كل من كل؛ إِنْ فُسِّر الإسلام بالإيمان، وبدل اشتمال؛ إِنْ فُسِّر بالشريعة، واستدل المؤلف بهذا على أن الإسلام الحقيقي هو الدين، وعلى أن الإسلام والإيمان مترادفان، وهو قول جماعة من المحدثين، وجمهور المتكلمين، والمعتزلة، واستدلوا بقوله:{فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ المُؤْمِنِينَ*فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ المُسْلِمِينَ} [الذاريات: 35 - 36]، والأصل في الاستثناء: كون المستثنى من جنس المستثنى منه، فيكون الإسلام هو الإيمان.
واعتُرض بقوله تعالى: {قلْ لم تؤْمُنوا ولكِنْ قُولوا أَسْلَمنا} ، وأجيب: بأنَّ الإسلام المعتبر في الشرع لا يوجد بدون الإيمان، وهو في الآية؛ بمعنى الانقياد في الظاهر دون الباطن، وبالجملة: لا يصح في الشرع أن يحكم على أنه مؤمن وليس بمسلم، أو مسلم وليس بمؤمن، ولا نعني بوحدتهما سوى هذا.
وظاهر كلام أئمتنا: أنهم أرادوا عدم تغايرهما؛ بمعنى: أنه لا ينفك أحدهما عن الآخر، لا الاتحاد بحسب المفهوم لما ذكر في «الكفاية شرح الهداية» من أن الإيمان: هو تصديق الله فيما أخبر به من أوامره ونواهيه، والإسلام: هو الانقياد والخضوع لألوهيته، وذلك لا يتحقق إلَّا بقبول الأمر والنهي، فالإيمان لا ينفك عن الإسلام حكمًا فلا يتغايران، ومن أثبت التغاير؛ يقال له: ما حُكم من آمن ولم يسلم أو أسلم ولم يؤمن؟ فإن أثبت لأحدهما حكمًا ليس بثابت للآخر؛ والأظهر بطلان قوله، وقدمنا ما يتعلق بهذا؛ فافهم.
واستُدِلَّ أيضًا بقوله تعالى: ({وَمَن يَبْتَغِ})؛ أي: من يطلب ({غَيْرَ الإِسْلامِ})؛ أي: غير التوحيد والانقياد لله تعالى ({دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ})[آل عمران: 85] جواب الشرط، فلو كان الإيمان غير الإسلام؛ لم يقبل قط، فتعيَّن أن يكون عينه؛ لأنَّ الإيمان هو الدين، والدين هو الإسلام لقوله:{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلامُ} ، فينتج أن الإيمان هو الإسلام، وسقط في رواية قوله: ({وَمَن يَبْتَغِ}
…
إلى آخره).
[حديث: أن رسول الله أعطى رهطًا وسعد جالس]
27 -
وبه قال: (حدثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع الحمصي (قال: أخبرنا) وللأصيلي: (حدثنا)(شعيب)؛ هو ابن أبي حمزة الأموي، (عن الزهري) محمد بن مسلم (قال: أخبرني) بالإفراد (عامر بن سعد)؛ بسكون العين (بن أبي وقَّاص)؛ بتشديد القاف مالك القرشي، المتوفى بالمدينة سنة ثلاث ومئة، (عن) أبيه (سعد) المذكور، أحد العشرة المبشرين بالجنة، المتوفى آخرهم بقصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة سنة سبع وخمسين، وحُمِل إلى المدينة، ودفن بالبقيع، رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى) شيئًا من الدنيا (رهطًا) من المؤلَّفة لما سألوه؛ ليتألَّفهم لضعف إيمانهم، و (الرهط) : العدد من الرجال لا امرأة فيهم من ثلاثة إلى عشرة، لا واحد له من لفظه، وجمعه: أرهط، وأراهط، وأرهاط، وأراهيط، (وسعد جالس) جملة اسمية وقعت حالًا، ولم يقل: وأنا جالس؛ تواضعًا أو من باب الالتفات من التكلم إلى الغَيبة، قال سعد:(فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا) من الرهط؛ وهو جعيل بن سراقة الضمري المهاجري (هو أعجبهم إليَّ)؛ أي: أفضلهم أو أحبهم إليّ، والجملة نصب صفة لـ (رجلًا)، وإنما قال:(إليَّ)؛ على طريق الالتفات، (فقلت: يا رسول الله؛ مالك عن فلان؟)؛ أي: أيُّ سبب لعدولك عنه إلى غيره، و (فلان)؛ كناية عن اسمٍ أُبْهِمَ بعد أن ذكر، (فوالله؛ إنِّي لأَراه مؤمنًا) بفتح الهمزة؛ أي: أعلمه، وفي رواية: بضمها؛ بمعنى أظنه، (فقال) وفي رواية:(قال)؛ أي: عليه السلام: (أوْ مسلمًا)؛ بسكون الواو، إضرابٌ عن قول سعد، ومعناه: النهي عن القطع بإيمانه، لا إنكاره مؤمنًا، قال سعد:(فسكتُّ) سكوتًا (قليلًا ثم غلبني ما)؛ أي: الذي (أعلم منه) من المحبة (فعدت)؛ أي: فرجعت (لمقالتي) مصدر ميمي بمعنى القول؛ أي: لقولي، وفي رواية: بسقوط (لمقالتي)، (فقلت) : يا رسول الله؛ (ما لك) عدلت (عن فلان؟ فوالله؛ إنِّي لَأراه)؛ أي: أعلمه وأظنه (مؤمنًا، فقال) عليه السلام: (أو مسلمًا، فسكت) سكوتًا (قليلًا)، وفي رواية: سقط لفظ (فسكت قليلًا)(ثم غلبني ما)؛ أي: الذي (أعلم منه) من الصحبة (فعدت لمقالتي، وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: لمقالته، وإنما لم يقبل قولَه؛ لأنَّه لم يخرج مخرج الشهادة؛ بل هو مدح له، وفي رواية: سقط السؤال والجواب الثاني.
(ثم قال) عليه السلام: (يا سعد؛ إنِّي لأعطي الرجل) الضعيف الإيمان العطاء أتألَّف به قلبه (وغيرُه أحب إليَّ منه) جملة حالية، وفي رواية:(أعجب إلي منه)، وفيه إشارة إلى إيمان جعيل، وقبول قول سعد فيه؛ (خشية أن يَكُبَّه الله)؛ بفتح المثناة التحتية، وضم الكاف، ونصب الموحدة بـ (أنْ)؛ أي: لأجل خشية كب الله إياه؛ أي: إلقائه منكوسًا (في النار) لكفره؛ إما بارتداده إن لم يُعْطَ أو لكونه ينسب النبي إلى البخل، وأما من قوي إيمانه؛ فهو أحب إلي، فأَكِلُه إلى الإيمان ولا أخشى عليه الكفر.
وفيه دلالة على جواز الحلف على الظن، وجواز الشفاعة إلى الولاة،
ومراجعة الشفيع، وأن المشفوع إليه لا عتب عليه إذا رد الشفاعة، وأن الإمام يصرف الأموال في مصالح المسلمين الأهم فالأهم، وأنه لا يقطع لأحد على التعيين بالجنة إلَّا ما نص عليه، وأن الإقرار باللسان لا ينفع إلا مع الاعتقاد بالقلب، وعليه الإجماع؛ كما قدمناه.
(ورواه)؛ أي: الحديث بالواو العاطفة، وفي رواية: بدونها (يونس) بن يزيد الأيلي (وصالح) هو ابن كيسان المدني (ومَعْمَر)؛ بفتح الميمين؛ ابن راشد البصري (وابن أخي الزهري) محمد بن عبد الله بن مسلم، المتوفى سنة اثنين وخمسين ومئة، والأربعة (عن الزهري) محمد بن مسلم بإسناده هذا.
(20)
[بابٌ إفشاءُ السلامِ من الإسلام]
(باب) بالتنوين: (السلام من الإسلام)؛ أي: هذا باب بيان أن السلام من شعب الإسلام، وفي رواية:(إفشاء السلام من الإسلام)؛ وهو بكسر الهمزة؛ أي: إذاعة السلام ونشره، (وقال عمار) أبو اليقظان بالمعجمة؛ ابن ياسر بن عامر، المقتول بصفين مع علي في صفر سنة سبع وثلاثين، ومقول قوله:(ثلاث)؛ أي: ثلاث خصال (من جمعهن؛ فقد جمع الإيمان)؛ أي: حلاوته، وأشرق نوره عليه؛ أحدها:(الإنصاف)؛ وهو العدل (من نفسك)؛ باجتنابها النواهي
(1)
وامتثالها الأوامر، وفي رواية بسقوط لفظ:(فقد)، (و) الثاني:(بذل السلام) بالمعجمة (للعالَم)؛ بفتح اللام؛ أي: لكل مؤمن عرفتَه أو لا، وخرج الكافر بدليل آخر، وفيه الحض على التواضع ومكارم الأخلاق، (و) الثالث:(الإنفاق من الإقتار)؛ بكسر الهمزة؛ أي: في حالة الشدة؛ الفقر، وفيه غاية الكرم؛ وهو شامل للإنفاق على العيال والأجانب.
[حديث: أن رجلًا سأل رسول الله: أيُّ الإسلام خير
؟]
28 -
وبه قال: (حدثنا قتيبة) تصغير قِتبة؛ بكسر القاف، واحدة الأقتاب؛ وهي الأمعاء، وبها سُمِّي الرجل قتيبة، وكنيته: أبو رجاء، واسمه: علي بن سعيد بن جميل البغلاني؛ نسبة إلى بغلان؛ بفتح الموحدة وسكون المعجمة؛ قرية من قرى بلخ، المتوفى سنة أربعين ومئتين (قال: حدثنا الليث) بن سعد، (عن يزيد بن أبي حبيب) بالمهملة أوله، البصري، (عن أبي الخير) مَرثد بالمثلثة وفتح الميم، (عن عبد الله بن عمرو) : هو ابن العاصي رضي الله عنه: (أن رجلًا) : هو أبو ذر (سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي) خصال (الإسلام خير؟ قال) عليه السلام: (تطعم) الخلق (الطعام، وتَقرأُ)؛ بفتح التاء وضم الهمزة، (السلام على من عرفتَه)؛ أي: على الذي عرفته، (و) على (مَن لم تعرفه) من المسلمين، فلا تخص به أحدًا؛ تكبرًا وتجبرًا؛ لأنَّ المؤمنين إخوة، وإنَّما لم يقل: وتؤكل الطعام؛ حتى يشمل الإعطاء والشرب وغيرهما؛ وقد تقدم.
وإنما أعاده؛ لِمَا اشتمل عليه مع المغايرة بين المشايخ المغايرة الإسنادية.
(21)
[باب كفران العشير وكفر دون كفر]
هذا (باب) بدون تنوين؛ لإضافته لقوله: (كفران العشير)؛ وهو الزوج، وإنَّما سمي عشيرًا؛ لأنَّه معاشر؛ أي: مخالط، و (أل) فيه للجنس، والكفران من الكَفر؛ بالفتح؛ وهو الستر، ولهذا سُمي ضِدُّ الإيمان كفرًا؛ لأنَّه يستر الحق؛ أي: التوحيد، ولما كان الكفر يتفاوتمعناه؛ قال:(وكفر دون كفر)؛ أي: أقرب من كفر، فأخذُ أموال الناس بالباطل دونَ قتل النفس بغير حق، وفي رواية:(وكفر بعد كفر) والمعنى واحد، والجمهور على جر (وكفر) عطفًا على (كفران)، وفي رواية:(وكفر) بالرفع على القطع، وإنما خص كفران العشير من أنواع الذنوب؛ لقوله عليه السلام:«لو أمرت أحدًا أن يسجد لأحد؛ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» ، فَقَرَنَ حق الزوج على الزوجة بحق الله تعالى، فَكُفْرُ نعمة الزوج هو كفر نعمة الله تعالى.
(فيه)؛ أي: في الباب حديث (أبو سعيد) سعد بن مالك (عن النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم؛ كما أخرجه المؤلف في (الحيض).
[حديث: أريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن]
29 -
وبه قال: (حدثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي المدني، (عن مالك) : هو ابن أنس، (عن زيد بن أسلم) مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، المكنى بأبي أسامة، المتوفى سنة ثلاث وثلاثين ومئة، (عن عطاء بن يسار)؛ بمثناة تحتية ومهملة مخففة، القاص المدني الهلالي، مولى أم المؤمنين ميمونة، المتوفى سنة ثلاث ومئة، وقيل: أربع وتسعين، (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: قال النبي) الأعظم، وفي رواية:(عن النبي) صلى الله عليه وسلم: أُريت النار)؛ بضم الهمزة مبنيًا للمفعول من الرؤية؛ بمعنى أُبصرت، وتاء المتكلم هو المفعول الأول أقيم مقام الفاعل، (والنار
(2)
) مفعول ثان؛ أي: أراني الله النار، وفي رواية:(فرأيت)، وفي أخرى:(ورأيت)، والظاهر أنها في ليلة الإسراء (فإذا أكثر أهلها)؛ أي: أهل النار (النساء)؛ برفع (أكثر) و (النساء)؛ مبتدأ وخبر، وفي رواية: بنصب (أكثر) و (النساء) مفعولي (رأيت)، وفي رواية:(رأيت النار فرأيت أكثر) بالرفع، وفي رواية:(أُريت النار أكثر أهلها النساء) فـ (رأيت)؛ بمعنى أُعلمت، و (التاء) و (النار) و (النساء)؛ مفاعيله، و (أكثر) بدل من (النار).
(يكفرن)؛ بمثناة تحتية مفتوحة أوله؛ جملة مستأنفة، وفي رواية:(بكفرهن)؛ أي: بسبب كفرهن، (قيل) : يا رسول الله؛ (أيكفرن بالله؟) الهمزة للاستفهام (قال) عليه السلام: لا؛ بل (يكفرن العشير)؛ أي: الزوج، فـ (أل) للعهد، أو المعاشر مطلقًا فتكون للجنس، (ويكفرن الإحسان).
قال الشيخ الإمام بدر الدين العيني: كفران العشير ليس لذاته؛ بل الكفران له؛ هو الكفران لإحسانه، فالجملة الثانية في الحقيقة بيان للجملة الأولى، وكفران العشير والإحسان قيل: من الكبائر.
(لو) وفي رواية: (إن)(أحسنت) يا مَن يتأتى منه العلم (إلى إحداهن الدهرَ) منصوب على الظرفية، و (الدهر)؛ الزمان؛ أي: مدة عمرك، وإفادة (لو) امتناع الشيء لامتناع غيره، فلِمَ
(3)
صحَّ (إنْ) في الرواية الثانية؟ وأجيب: بأنَّ (لو) هنا؛ بمعنى (إنْ) في مجرد الشرطية فقط، لا بمعناها الأصلي؛ فافهم، (ثم رأت منك شيئًا) منصوب مفعول (رأت)؛ أي: شيئًا قليلًا لا يوافق مزاجها أو شيئًا حقيرًا لا يعجبها، فالتنوين فيه للتعليل أو للتحقير (قالت: ما رأيت منك خيرًا) مفعول (رأيت)(قطُّ)؛ بفتح القاف وتشديد الطاء مضمومة على الأشهر ظرف زمان؛ لاستغراق ما مضى.
وفيه: وعظ الرئيس المرؤوس وتحريضه على الطاعة، ومراجعة المتعلم العالم والتابع المتبوع، وجواز إطلاق الكفر على كفر النعمة وجحد الحق.
(22)[باب المعاصي من أمر الجاهلية ولا يكفر صاحبها بارتكابها]
هذا (باب) بالتنوين، وهو ساقط في رواية:(المعاصي) مصدر ميمي؛ وهي مخالفة الشرع، ويجوز في (باب) الإضافة إلى ما بعده (من أمر الجاهلية)؛ وهي زمان الفترة قبل الإسلام، سُمِّيت بذلك؛ لكثرة جهالتهم، (ولا يُكْفَر)؛ بفتح المثناة تحت وسكون الكاف، وفي رواية: بضم المثناة التحتية، وفتح الكاف، وتشديد الفاء مفتوحة (صاحبها بارتكابها)؛ أي: باكتسابها والإتيان بها، فلا ينسب إلى الكفر (إلا بالشرك)؛ أي: بارتكاب الشرك بالله تعالى، خلافًا للمعتزلة القائلين: بأن مرتكب الكبيرة لا مؤمن ولا كافر؛ بل هو فاسق، وللخوارج القائلين: بتكفيره، والذي حققه العلماء في كتب التوحيد أن المعتزلة فسقة؛ لأنَّهم من أهل التوحيد، وقيد بـ (الارتكاب)؛ للاحتراز عن الاعتقاد، فلو اعتقد حِلّ حرام معلوم من الدين بالضرورة يكفر؛ (لقول النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم لأبي ذر:(إنك امرؤ فيك جاهلية)؛ أي: فعلت فعلًا من أفعال الجاهلية بأن عيرته بأمه (وقول الله تعالى) وفي رواية: عز وجل وفي أخرى: (وقال الله) : ({إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ}) نزلت في قضية وحشي قاتل حمزة، إلى أن قال للنبي عليه السلام: إنِّي أشركت بالله، وقتلت النفس، وزنيت، فهل يقبل الله مني توبة؟ فأنزل:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ} الآية [الفرقان: 68]، فتلاها عليه، فقال: أرى شرطًا فلعلي لا أعمل صالحًا أنا في جوارك
(4)
حتى أسمع كلام الله، فنزلت هذه الآية، والمراد بـ (الشرك) : الكفر؛ لأنَّ من جحد نبوة نبينا عليه السلام كان كافرًا ولو لم يجعل مع الله إلهًا آخر، والمغفرة منتفية عنه بالإجماع، ({وَيَغْفِرُ}) الله ({مَا دُونَ ذَلِكَ}) أي: الشرك ({لِمَن يَشَاءُ})[النساء: 48] الغفران له، فكل من مات على التوحيد؛ غير مخلد في النار، وإن ارتكب جميع المعاصي غير الشرك.
وهذا أعظم دليل على بطلان قول مَن قال: إنَّ المغفرة لأهل بيت النبوة محقَّقةٌ لهم وإنَّ ذنوبهم صورية لا معنوية، وإنَّ ذنوبهم مغفورة لهم بدون توبة، وإنَّه لا أحد منهم يدخل النار، وألَّف في ذلك رسالة، واستدل على ذلك بقوله تعالى:{لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} [الأحزاب: 33]، والمراد بـ {الرِّجْسَ} : الزكاة؛ كما بُيِّن في محلِّه، ولم يلتفت إلى قوله تعالى:{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا [العَذَابُ] ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب: 30]، قال القرطبي: فتُحَدُّ حدَّين، وقال تعالى لنوح:{يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود: 46] فأخرجه من نسبه؛ لأنَّه أشرك بالله تعالى، وقد ردَّيتُ عليه بكلام آخر أوضحته في «شرحي على مختصر القدوري» ، والله تعالى أعلم.
[حديث: يا أبا ذر أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية]
30 -
وبه قال: (حدثنا سليمان بن حرب)؛ بالموحدة الأزدي البصري (قال: حدثنا شعبة) : هو ابن الحجاج (عن واصل) بن حَيَّان بالمهملة المفتوحة والمثناة التحتية المشددة، وفي رواية:(عن واصل الأحدب)، وفي رواية:(هو الأحدب)؛ أي: الأسدي الكوفي، المتوفى سنة سبع وعشرين ومئة، (عن المعرور)؛ بعين مهملة ورائين مهملتين بينهما واو، وفي رواية زيادة:(ابن سويد) بضم السين؛ أبو أمية الأسدي الكوفي (قال) وفي رواية: (وقال) : (لقيت أبا ذر) بالذال المعجمة المفتوحة وتشديد الراء؛ جندب- بضم الجيم والدال المهملة وقد تفتح- ابن جُنادة- بضم الجيم- الغفاري؛ نسبة إلى قبيلة من كنانة، القائل: يحرم على الإنسان ما زاد على حاجته من المال، المتوفى (بالرَّبَذَة) سنة اثنتين وثلاثين؛ وهي بفتح الموحدة والراء المشددة، والذال المعجمة؛ موضع بينه وبين المدينة ثلاث مراحل، قريبة من ذات عرق، (وعليه)؛ أي: لقيته حال كونه عليه (حُلَّة)؛ بضم المهملة واللام المشددة؛ وهي إزار ورداء، ولا يسمى حُلَّة حتى يكون ثوبين، وسميت بذلك؛ لحلول أحد الثوبين على الآخر، (وعلى غلامه) قال الشيخ الإمام بدر الدين العيني: واسم هذا الغلام لم يبين في الروايات، ويحتمل أن يكون أبا مرواح مولى أبي ذر (حُلَّة)؛ أي: وحال كون غلامه عليه حُلَّة؛ فهي ثلاثة أحوال، (فسألته عن ذلك)؛ أي: عن تساويهما في لبس الحُلَّة، وإنما سأله عن ذلك؛ لأنَّ عادة العرب وغيرهم أن يكون ثياب المملوك دون ثياب سيده، والذي فعله أبو ذر؛ كان خلاف المألوف، (فقال) أبو ذر:(إني ساببت)؛ بموحدتين؛ أي: شاتمت (رجلًا)؛ هو بلال المؤذن مولى أبي بكر رضي الله عنهما (فعيرته) بالعين
(1)
في الأصل: (النواهم).
(2)
في الأصل: (والناس).
(3)
في الأصل: (فلما).
(4)
في الأصل: (جورك).