الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المهملة؛ أي: نسبْته إلى العار (بأمه)، وفي (الأدب) :(وكانت أمه أعجمية؛ فنلت منها)، وفي رواية:(فقلت له: يا ابن السوداء)، (فقال لي النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر؛ أعيرته بأمه؟!)؛ بالاستفهام الإنكاري التوبيخي، وهذا كان من أبي ذر قبل أن يعرف تحريم ذلك، فكانت تلك الخصلة من خصال الجاهلية باقية فيه، ولذا قال له عليه السلام:(إنك امرؤٌ)؛ بالرفع خبر (إنَّ)، وحركةُ عينِ كلمتِه تابعةٌ للامها في الأحوال الثلاث؛ كما وضحه الشيخ الإمام بدر الدين العيني؛ فراجعه (فيك جاهلية)؛ بالرفع مبتدأٌ قُدِّم خبرُه؛ وهو (فيك).
وروي: أنه لمَّا شكاه بلال؛ قال له عليه السلام: «شتمت بلالًا وعيرته بسواد أمه؟!» قال: نعم، قال:«حسبت أنه بقي فيك شيء من كبر الجاهلية» ، فألقى أبو ذر خده على التراب، ثم قال: لا أرفع خدي حتى يطأ بلال خدي بقدمه؛ فوطئ خده؛ كذا في «القسطلاني» .
(إخوانكم) في الإسلام (خَوَلكم)؛ بفتح أوله المعجمة والواو؛ أي: خدمكم أو عبيدكم، وقدم الخبر على المبتدأ؛ للاهتمام بشأن الأخوة، ويجوز أن يكونا خبرين؛ أي: هم إخوانكم هم خولكم، وأعربه الزركشي بالنصب؛ أي: احفظوا، قال: وقال الإمام أبو البقاء العكبري
(1)
الحنفي: إنَّه أجود، اهـ.
ورواه المؤلف في (حسن الخلق) : «هم إخوانكم» ، قلت: وهو لا يرجِّح تقدير الرفع كما قيل؛ لأنَّ هذا الحديث هنا لم يصرح بقوله: هم إخوانكم، وهذه الاحتمالات مبنية على هذه الرواية المذكورة هنا، وفيما يأتي يتعيَّن الرفع ويرتفع الاحتمال؛ فافهم.
(جعلهم الله تحت أيديكم)؛ مجاز عن القدرة أو الملك، (فمَن) موصولة مبتدأ (كان أخوه) : اسم (كان)(تحت يده) : منصوب خبر (كان)، والجملة صلة الموصول، وقوله:(فليطعمه)؛ بضم المثناة التحتية: خبر المبتدأ، والفاء لتضمنه معنى الشرط، و (الفاء) في (فمَن)؛ فإنها عاطفة على مقدَّر؛ تقديره: وأنتم مالكون إياهم فمن
…
إلخ، (مما يأكل) يجوز أن تكون (ما) موصولة والعائد محذوف؛ تقديره: مِن الذي تأكله، وأن تكون مصدرية؛ أي: مِن أكله، وإنما لم يقل: مما يطعم؛ رعاية للمطابقة؛ لأنَّ الطعم يجيء بمعنى الذوق، (وليُلبسه)؛ بضم المثناة التحتية (مما) أي: من الذي (يلبس)؛ أي: يلبسه؛ بفتح المثناة التحتية، ويجوز في (الفاء) في (فمَن) أن تكون سببية؛ كما في {فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً} [الحج: 63]، و (مِن) للتبعيض، فإذا أطعمه مما يقتاته؛ كان قد أطعمه مما يأكله، ولا يلزمه أن يطعمه من كل مأكوله
(2)
على العموم، لكن يستحب له ذلك.
(ولا تكلفوهم ما) أي: الذي (يغلبهم)؛ أي: تعجز قدرتهم عنه، والنهي فيه للتحريم، (فإن كلفتموهم)؛ أي: ما يغلبهم؛ (فأعينوهم) عليه، ولا يخفى أنه يلحق بالعبد الدابة، والخادم، والأجير، والضيف، ويستفاد من الحديث: النهي عن سب العبيد وتعييرهم، والحث إلى الإحسان إليهم والرفق بهم، قال القسطلاني: وإن التفاضل الحقيقي بين المسلمين إنَّما هو بالتقوى، فلا يفيد الشريفَ النَّسبِ نسبُه إذا لم يكن من أهل التقوى، ويفيد الوضيعَ النَّسبِ التقوى
(3)
، قال تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، اهـ.
قلت: وهذا موافق لما قدمته لك، وهو يدل على بطلان قول هذا المتعصِّب الذي قد أحدث في الشريعة أمرًا يوصل إلى هتك الشريعة في حق أهل البيت، والله الموفق، وفيه الحث على التواضع وعدم الترفع على المسلم وإن كان عبدًا، وفيه جواز إطلاق الأخ على الرقيق، والله أعلم.
(22)
[باب: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما}]
هذا (باب) بالتنوين وهو ساقط في رواية ({وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا})؛ أي: تقاتلوا، والجمع باعتبار المعنى، فإن كل طائفة جمع؛ ({فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}) [الحجرات: 9] بالنصح والدعاء إلى حكم الله تعالى، وفي رواية: ({اقتتلوا
…
}؛ الآية)، (فسماهم المؤمنين)، وفي رواية:(مؤمنين مع تقاتلهم)، فعُلِمَ أنَّ صاحب الكبيرة لا يخرج عن الإيمان، ولا يخلد في النار، وفيه: دلالة على وجوب قتال الفئة الباغية على إمام الحق بغير حق؛ وهو مذهب إمامنا الأعظم رئيس المجتهدين رضي الله عنه.
[حديث: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار]
31 -
وبه قال: (حدثنا عبد الرحمن بن المبارك) بن عبد الله العَيْشي؛ بفتح العين المهملة، وسكون المثناة التحتية، وبالشين المعجمة، البصري، المتوفى سنة تسع وعشرين ومئتين (قال: حدثنا حماد بن زيد) بن درهم أبو إسماعيل، الأزرقي، الأزدي، البصري، المتوفى سنة تسع وسبعين ومئة (قال: حدثنا أيوب)؛ هو السختياني، (ويونس) بن عبيد بن دينار، البصري، المتوفى سنة تسع وثلاثين ومئة؛ كلاهما (عن الحسن) أبي سعيد بن أبي الحسن الأنصاري، المتوفى سنة ست عشرة ومئة، (عن الأحنف)، من الحنف-وهو الاعوجاج في الرجل- بالمهملة والنون: أبي بحر الضحاك، (بن قيس) بن معاوية المخضرم، المتوفى بالكوفة سنة سبع وستين في إمارة ابن الزبير، (قال: ذهبت لأنصُر) أي: لأجل أن أنصر (هذا الرجل) : هو علي بن أبي طالب؛ كما في «مسلم» ، وللمؤلف في (الفتن) : أريد نصرة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك يوم وقعة الجمل، (فلقيني أبو بَكْرة) نُفَيع-بضم النون وفتح الفاء- ابن الحارث بن كَلَدة؛ بالكاف واللام المفتوحتين، المتوفى بالبصرة سنة اثنتين وخمسين، (فقال) لي:(أين تريد؟ قلت)، وفي رواية:(فقلت) : أريد مكانًا؛ لأنَّ السؤال عن المكان والجواب بالفعل؛ فيؤوَّل بذلك، (أنصر) أي: لكي أنصر (هذا الرجل، قال: ارجع) وكان منعه اجتهادًا منه، فهو مثاب عليه، (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حال كونه (يقول: إذا التقى المسلمان بسيفيهما)، وفي رواية:(إذا توجه المسلمان بسيفيهما) فضرب كل واحد منهما الآخر؛ (فالقاتل والمقتول في النار)؛ أي: يستحقَّانها، وأمرهما مفوض إليه تعالى؛ كما في حديث عبادة:«فإن شاء؛ عفا عنهما، وإن شاء؛ عاقبهما، ثم أخرجهما من النار، فأدخلهما الجنة» ؛ كما ثبت في حديث أبي سعيد، وفيه إشارة إلى مذهب المعتزلة القائلين بوجوب العقاب، وأجيب بالمنع؛ لما علمت.
وهذا الحديث ليس عامًا، فإن القاتل والمقتول من الصحابة في الجنة؛ لأنَّ قتالهم عن اجتهاد وظنِّ صلاح، فهما مأجوران، من أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد
(4)
، والحق الذي عليه أهل السنة والجماعة: الإمساك عما صدر بين الصحابة وحسن الظن بهم، فإنَّهم مجتهدون، وقد رفع الله الحرج عن المجتهد المخطئ في الفروع، وتوقف الطبري وغيره في تعيين المحق منهم، والجمهور على أن عليًّا رضي الله عنه وأشياعه كانوا مصيبين؛ لأنَّه كان أحقَّ الناس بها وأفضل من على وجه الأرض حينئذٍ؛ فتأمل، وقد رجع الأحنف عن رأي أبي بَكْرة في ذلك، وشهد مع عليٍّ باقي حروبه، والله أعلم.
قال أبو بكرة: (فقلت) وفي رواية: (قلت) : (يا رسول الله؛ هذا القاتل) يستحق النار؛ لكونه ظالمًا (فما بال المقتول)؛ وهو مظلوم؟ (قال) عليه السلام: (إنه كان حريصًا)؛ أي: شجيعًا (على قتل صاحبه)، وإنما أدخل الحرص على القتل وهو صغيرة، في سلك القتل وهو كبيرة؛ لمجرد كونهما في النار فقط، وإن تفاوتا صغرًا وكبرًا، وفيه دلالة على أن من عزم على المعصية بقلبه ووطَّن في نفسه عليها؛ أَثِمَ في اعتقاده وعزمه، ولهذا جاء بلفظ (الحرص).
ويُحمل قوله عليه السلام: «إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلموا أو تعملوا به» ، والحديث الآخر:«إذا هم عبدي بسيئة؛ فلا تكتبوها عليه» على أن ذلك فيما لم يوطِّن نفسه عليها، وإنما مرَّ ذلك من غير استقرار، ويُسمَّى هذا: همًّا، وبه يفرَّق بين الهمِّ والعزم، وإن عزم؛ تكتب سيئة، فإذا عملها؛ كتبت معصية ثانية؛ كذا حققه الشيخ الإمام بدر الدين العيني رضي الله عنه.
(23)
[باب ظلم دون ظلم]
هذا (باب) بالتنوين: (ظلم دون ظلم)؛ أي: بعضه أخف من بعض، وهذه الترجمة لفظ رواية حديث رواه أحمد ابنحنبل من (كتاب الإيمان) من حديث عطاء بن أبي رباح.
[حديث: لما نزلت: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم}]
32 -
وبه قال: (حدثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي، الباهلي، البصري السابق، (قال: حدثنا شعبة) : هو ابن الحجاج.
(ح) مهملة؛ للتحويل، وأكثر الروايات بدونها، وعليه شرح الشيخ الإمام بدر الدين العيني (قال) يعني: المؤلف: (وحدثني) بالإفراد (بِشْر)؛ بكسر الموحدة وسكون المعجمة، وفي رواية:(ابن خالد) أبو محمد العسكري، المتوفى سنة ثلاث وخمسين ومئتين، (قال: حدثنا محمد)، وفي رواية:(محمد بن جعفر)؛ أي: الهذلي البصري المعروف بغُنْدر، المتوفى سنة ثلاث وتسعين ومئة، (عن شعبة)؛ هو ابن الحجاج، (عن سليمان) بن مهران الأعمش، الأسدي الكاهلي، الكوفي، ولد يوم قتل الحسين؛ يوم عاشوراء، سنة إحدى وستين، وعند المؤلف: سنة ستين، المتوفى سنة ثمان ومئة، (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النَّخَعي أبي عمران الكوفي، الفقيه الثقة، المتوفى وهو مختف من الحجاج سنة ست وتسعين، (عن علقمة) بن قيس بن عبد الله، المتوفى سنة اثنتين وستين، وقيل: وسبعين، (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه:(لما نزلت) وفي رواية: قال: لما نزلت هذه الآية: ({الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ})[الأنعام: 82] واللبس: الخلط؛ أي: لا تخلطوا إيمانكم بظلم؛ أي: عظيم؛ وهو الشرك؛ إذ لا أعظم منه، وورد التصريح به عند المؤلف: قلنا: يا رسول الله؛ أيُّنا لم يظلم نفسه؟ قال: ليس كما تقولون، بل {لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} بشرك،
(1)
في الأصل: (العبكري).
(2)
في الأصل: (مالوله).
(3)
في الأصل: (بالتقوى).
(4)
في الأصل: (من أصاب له أجران ومن أخطأ له أجر واحد) والوجه اقتران الجواب بالفاء.
ألم تسمعوا إلى قول لقمان
…
؛ فذكر الآية الآتية.
ونقل القسطلاني عن التميمي: أنَّه منع تصور خلط الإيمان بالشرك، وحمله على عدم حصول الصفتين لهم، كفر متأخر عن إيمان متقدم؛ أي: لم يرتدوا، أو المراد: أنَّهم لم يجمعوا بينهما ظاهرًا وباطنًا؛ أي: لم ينافقوا، قال: وهذا أوجه؛ فتأمل.
(قال أصحاب رسول الله) وفي رواية: (النبي صلى الله عليه وسلم : (أيُّنا لم يظلم؟)؛ أي: نفسه؛ كما في الرواية السابقة مبتدأ وخبره، والجملة مقول القول، (فأنزل الله)، وفي رواية زيادة: عز وجل عقب ذلك: ({إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13])، وإنما حملوه على العموم؛ لأنَّ قوله:{لَظُلْمٌ} نكرة، وهي في سياق النفي فتعُم، لكن عمومها هنا بحسب الظاهر، كما فهمه الصحابة رضي الله عنهم من هذه الآية، فبين لهم النبي عليه السلام: أن ظاهره غير مراد؛ بل هو من العام الذي أريد به الخاص.
والمراد بالظلم: الشرك، ومعنى الظلم في الأصل: وضع الشيء في غير موضعه، وإنما فهموا حصر الأمن والاهتداء فيمن لم يلبس إيمانه حتى ينتفيا عمن لبس؛ مِن تقديم {لَهُمُ} على {الأَمْنُ} في قوله:{لَهُمُ الأَمْنُ} ؛ أي: لهم لا لغيرهم، ومِن تقديم {وَهُم} على {مُهْتَدُونَ} .
وفي الحديث: أنَّ المعاصي لا تسمى شركًا، وأنَّ من لم يشرك بالله شيئًا؛ فله الأمن وهو مهتد، وإن عُذِّبَ؛ فإنَّ مآله إلى الجنة، وأن درجات الظلم تتفاوت، وأن العام يطلق ويراد به الخاص
(1)
، والمفسر يقضي على المجمل، وأن النكرة في سياق النفي تعُم، وأن اللفظ يحمل على خلاف ظاهره.
(24)
[باب علامة المنافق]
هذا (باب علامات المنافق) وسقط لفظ (باب) عند الأصيلي، وإنما لم يعبر بآيات الموافق للحديث؛ إشارة إلى أنه ورد بلفظ علامات؛ كما في «صحيح أبي عوانة» ؛ فافهم، والعلامات: جمع علامة؛ وهي ما يستدل به على الشيء، والنفاق: مخالفة الظاهر للباطن، فإن كان في اعتقاد الإيمان؛ فهو نفاق الكفر، وإلَّا؛ فهو نفاق العمل، ويدخل فيه الفعل والترك، وتتفاوت مراتبه؛ كما أوضحه في «عمدة القاري» ، و (المنافق) من باب المفاعلة للاثنين؛ لكنها هنا من باب (خادع) و (طارق)؛ فليحفظ.
[حديث: آية المنافق ثلاث]
33 -
وبه قال: (حدثنا سليمان أبو الربيع) بن داود الزهراني العتكي، المتوفى بالبصرة سنة أربع وثلاثين ومئتين (قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الأنصاري الزرقي مولاهم، المدني، المتوفى ببغداد سنة ثمانين ومئة (قال: حدثنا نافع بن مالك بن أبي عامر أبو سهيل) الأصبحي التميمي المدني، المتوفى بعد الأربعين، (عن أبيه) مالك جد مالك الإمام، المتوفى سنة ثنتي عشرة ومئة.
ومعنى قولهم في مالك: (إمام الأئمة)؛ أي: أئمة مذهبه والآخذين عنه كالشافعي، وأما إمام الأئمة على الإطلاق الذي إذا قيل: الإمام الأعظم؛ انصرف إليه؛ رئيس المجتهدين بلا نزاع الإمام المقدم التابعي الجليل أبو حنيفة النعمان رضي الله تعالى عنه، وأسكنه في أعلى الجنان، فإنَّ الإمام مالك أخذ عنه الفقه، والإمام الشافعي أخذ عن الإمام محمد بن الحسن الشيباني تلميذ الإمام الأعظم، والإمام أحمد أخذ عن الشافعي، فهو البحر، وكلهم اغترفوا منه، قدس الله روحه ونوَّر ضريحه.
(عن أبي هريرة) رضي الله عنه، (عن النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم أنه (قال: آية المنافق)؛ أي: علامته، واللام للجنس، و (آية) مبتدأ، وقوله:(ثلاث) خبره؛ لأنَّه اسم جمع، ولفظه مفرد، والتقدير: آية المنافق معدودة بالثلاث.
قال ابن حجر العسقلاني: (وإنما أفرد إما على إرادة الجنس أو أن العلامة إنَّما تحصل باجتماع الثلاث، والأول أليق) انتهى، واعترضه الشيخ الإمام بدر الدين العيني فقال: (كيف يراد الجنس والتاء فيها تمنع ذلك؟ لأنَّ التاء فيها كالتاء في «تمرة» ، والآية والآي؛ كالتمرة والتمر، قال: وقوله: «إنما تحصل
…
» إلى آخره؛ يُشعر بأنه إذا وجد واحد فيه من الثلاث لا يطلق عليه منافق، وليس كذلك؛ بل يطلق عليه اسم المنافق، غير أنه إذا وجد فيه الثلاث كلها؛ يكون منافقًا كاملًا) انتهى.
أحدها: (إذا حدَّث) غيرَه في كلِّ شيء؛ (كذب) -بتخفيف الذال الممعجمة- عليه وأخبره بخلاف الواقع.
الثانية منها: (وإذا أوعد) غيرَه بشيء في المستقبل؛ (أخلف) في وعده فلم يف به، وهو من عطف الخاص على العام؛ لأنَّ الوعد نوع من التحديث؛ لكنه أفرده؛ لزيادة قبحه، وخلف الوعد لا يقدح إلا إذا كان العزم عليه مقارنًا للوعد، أما لو كان عازمًا ثم عَرَض له مانع أو بدا له رأي؛ فهذا لم يوجد منه صورة النفاق، ويدل لذلك ما في «أبي داود» :«إذا أوعد الرجل أخاه ومِن نيَّته أن يفي له، فلم يف؛ فلا إثم عليه» ، ولا يخفى أنَّ هذا في الوعد بالخير، أما في الشر أو الإيذاء؛ فيجب؛ أي: يفترض إخلافه؛ فليحفظ.
(و) الثالثة منها: (إذا اؤتمن) -بصيغة المجهول، من الائتمان- أمانة؛ (خان) بأن تصرف فيها من غير إذنه.
وإنما اقتصر على هذه الثلاث؛ أنَّ الديانة ثلاثة: قول، وفعل، ونية، ففساد القول بالكذب، وفساد الفعل بالخيانة، وعلى فساد النية بالخلف، وحينئذ لا تعارض بين ما يأتي بلفظ: «أربع من كن فيه
…
»، والرابعة: إذا عاهد غدر؛ لأنَّ معنى الغدر: الخيانة، فإذا وجدت هذه الخصال في مسلم؛ فهل يكون منافقًا؟ أجيب: بأنها خصالُ نفاقٍ لا نفاقٌ، إما على المجاز، أو أنَّ المراد: نفاق العمل لا نفاق الكفر، أو المراد: مَن اتصف بها وصارت عادة له، يدل له التعبير بـ (إذا) المفيدة لتكرار الفعل، أو المراد: الإنذار والتحذير عن ارتكابها، أو أنه ورد في رجل معين وكان منافقًا، أو المراد: المنافقون في زمنه عليه السلام.
[حديث: أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا]
34 -
(تابعه)؛ أي: تابع سفيانَ الثوري (شعبةُ) بن الحجاج في روايته (عن الأعمش)، وقد وصله في (المظالم)، وفائدة هذه المتابعة؛ كون الحديث مرويًّا من طريق آخر.
(25)
[بابٌ قيامُ ليلة القدرِ من الإيمان]
هذا (باب) بالتنوين، وهو ساقط في رواية (قيام ليلة القدر من الإيمان)؛ أي: شعبه.
[حديث: من يقم ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا]
35 -
وبه قال: (حدثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع البَهراني؛ بفتح الموحدة، الحمصي، المتوفى سنة اثنتين وعشرين ومئتين (قال: أخبرنا شعيب)؛ هو ابن أبي حمزة (قال: حدثنا أبو الزناد)؛ بالنون عبد الله بن ذكوان القرشي، (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني، (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن يَقم ليلة القدر) للطاعة، و (يَقم)؛ بفتح المثناة تحت: من (قام يقوم)، وقع هنا متعديًا، ويدل له حديث الشيخين: «من قامه
…
» إلى آخره، (إيمانًا) أي: تصديقًا (واحتسابًا) لوجهه تعالى لا للرياء، منصوبان على المفعول له، والأوجه أن يكونا على الحال، مصدرًا؛ بمعنى الوصف؛ أي: مؤمنًا محتسبًا؛ (غفر له ما تقدم من ذنبه) إلا حقوق العباد؛ فإنَّها لا تسقط إلَّا بالأداء أو الرضا بالإجماع، وفيه دلالة على جعل الأعمال إيمانًا؛ أي: من ثمراته، و (ليلة) منصوب مفعول به لا فيه؛ كذا قيل، وجملة (غفر له) جواب الشرط، وقد وقع ماضيًا وفعل الشرط مضارعًا؛ وهو جائز على قول البعض، على حدِّ قوله تعالى:{إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم [مِّنَ السَّمَاءِ] آيَةً فَظَلَّتْ} [الشعراء: 4]، وإنما عبر بالمضارع هنا وفي قيام رمضان بالماضي؛ لأنَّ قيام رمضان وصيامه محقَّقَا الوقوع، بخلاف ليلة القدر؛ لعدم تعيُّنها، وقيل: استعمل لفظ الماضي في الجزاء مع أن المغفرة في زمن الاستقبال؛ إشارة إلى تحقق وقوعه على حدِّ قوله: {أَتَى أَمْرُ اللهِ} [النحل: 1].
(26)
[باب الجهاد من الإيمان]
هذا (باب) بالتنوين: (الجهاد) قتال الكفار؛ لإعلاء كلمته تعالى، شعبة (من) شعب (الإيمان)؛ أي: ثمرة من ثمراته، ولفظ (باب) ساقط عند الأصيلي كعادته.
[حديث: انتدب الله لمن خرج في سبيله]
36 -
وبه قال: (حدثنا حرمي بن حفص) بن عمر العَتَكي؛ بفتح المهملة والمثناة الفوقية؛ نسبة إلى العتيك بن الأسد، القَسْمَلي؛ بفتح القاف، وسكون المهملة، وفتح الميم؛ نسبة إلى قَسْمَلة؛ قبيلة من الأزد، البصري، المتوفى سنة ثلاث وعشرين ومئتين (قال: حدثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي؛ نسبة إلى عبد القيس، البصري، الثقفي؛ نسبة إلى ثقيف، المتوفى سنة سبع وسبعين ومئة
(2)
(قال: حدثنا عُمارة)؛ بضم العين المهملة: ابن القعقاع بن شبرمة، الكوفي الضبي؛ نسبة إلى ضبة بن أد بنِ طابخة (قال: حدثنا أبو زرعة) هرم أو عبد الرحمن أو عمرو أو عبد الله (بن عمرو) وفي رواية زيادة: (ابن جرير) البَجَلي؛ بفتح الموحدة والجيم؛ نسبة [إلى] بجيلة بنت صعب (قال: سمعت أبا هريرة) رضي الله عنه (عن النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم أنه (قال: انْتَدب الله)؛ بنون ساكنة، ومثناة فوقية مفتوحة، ودال مهملة، من ندبت فلانًا؛ فانتدب؛ أي: أجاب إليه، وفي «القاموس» : ندبه إلى الأمر؛ دعاه وحثَّه، أو معناه: تكفَّل؛ كما رواه المؤلف، وفي رواية زيادة: عز وجل (لمن خرج في سبيله) حال كونه (لا يُخرجه إلا إيمانٌ) وفي رواية: (إلا الإيمان)، وفي رواية:(إلا إيمانًا)، (بي وتصديقٌ برسلي) بالرفع فيهما؛ فاعل (لا يخرجه)، وبالنصب فيهما مفعول له؛ أي: لا يخرجه المخرجُ، فالاستثناءُ مفرَّغٌ، وإنما قال:(بي) ولم يقل: به؛ للالتفات من الغَيبة إلى التكلم، وذكر ركن الدين الكرماني أن في رواية:(أو تصديق) بدل الواو، فهي بمعناها، وأن الإيمان بالله مستلزم لتصديق رسله، وهو مستلزم للإيمان بالله، واعترضه ابن حجر: بأنه لم يثبت في شيء من الروايات بلفظ (أو)، انتهى.
قلت: بل هو ثابت في «أصل فرع اليونينية» كهي (أو) بالألف قبل الواو، وعلى الألف (لا س) علامة سقوط الألف عند من رقم له
(1)
في الأصل: (العام)، وليس بصحيح.
(2)
في الأصل: (سبع وسبعين ومئتين وألف)، وليس بصحيح.