الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حمرة الدم على الماء)، وعنده من حديث عائشة:(أن سهلة بنت سهل استحيضت، فأتت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة، فلما جهدها ذلك؛ أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل، والمغرب والعشاء بغسل، وتغتسل للصبح)، وعنده من حديث عائشة أيضًا قالت:(استحيضت امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرت أن تعجل العصر، وتؤخر الظهر، وتغتسل لهما غسلًا، وأن تؤخر المغرب، وتعجل العشاء، وتغتسل لهما، وتغتسل لصلاة الصبح)، وعنده من حديث عائشة:(المستحاضة تغتسل مرة واحدة، ثم تتوضأ إلى أيام أقرائها)، وفي لفظ:(فاجتنبي الصَّلاة إثر محيضك، ثم اغتسلي وتوضئي لكل صلاة وإن قطر الدم على الحصير)، وعند أبي عوانة الإسفراينيِّ:(فإذا ذهب قدرها؛ فاغسلي عنك الدم)، وعند الترمذي مصححًا:(توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت)، وعند الإسماعيلي:(فإذا أقبلت الحيضة؛ فلتدع الصَّلاة، وإذا أدبرت؛ فلتغتسل ولتتوضأ لكل صلاة)، وعند الحافظ الطحاوي مرفوعًا:(فاغتسلي لطهرك، وتوضئي عند كل صلاة)، وعند الدارمي:(فإذا ذهب قدرها؛ فاغسلي عنك الدم وتوضئي وصلِّي).
قال هشام: (وكان أبي يقول: تغتسل غسل الأول، ثم ما يكون بعد ذلك؛ فإنها تطهر وتصلي)، وعند أحمد:(اغتسلي وتوضئي لكل صلاة وصلي)، وقال الشافعي: ذكر الوضوء عندنا غير محفوظ ولو كان محفوظًا؛ لكان أحب إلينا من القياس.
وفي «التمهيد» رواه أبو حنيفة الإمام الأعظم عن هشام مرفوعًا، كرواية يحيى عن هشام سواء قال فيه:(وتوضئي لكل صلاة)، وكذلك رواه حمَّاد بن سَلَمَة عن هشام مثله، وقال حمَّاد في هشام:(ثقة ثبت).
وروى سبط ابن الجوزي عن الإمام الأعظم أنه عليه السلام قال: «المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة» ، وفي «شرح مختصر الحافظ الطحاوي» : روي عن الإمام الأعظم، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أنَّ النَّبيَّ عليه السلام قال لفاطمة بنت أبي حبيش: «توضئي لوقت كل صلاة» ، فالوضوء محفوظ في الروايات، وهذا محكم لا يحتمل غيره بالنسبة إلى كل صلاة بخلاف:(توضئي لكل صلاة)، فإن لفظ (الصَّلاة) شاع استعمالها في لسان الشرع والعرف في وقتها؛ فمن الأول: قوله عليه السلام: «إن للصلاة أوَّلًا وآخرًا» ؛ أي: لوقتها، فوجب حمل (توضئي لكل صلاة) على المحكم؛ لأنَّ اللام للوقت؛ كما في قوله تعالى:{لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78]؛ أي: زوالها، فكان ما رواه الشافعي نصًّا محتملًا للتأويل، وما رواه الإمام الأعظم مفسر لا يحتمل التأويل، فيترجح عليه كما عرف في موضعه، على أن الحفاظ اتفقوا على ضعف ما رواه الشافعي؛ كذا حكاه النووي في «المهذب» ، وباقي أصحاب الأعذار في حكم المستحاضة، فالدليل يشملهم.
قال في «عمدة القاري» : ووطء المستحاضة جائز في حال جريان الدم عند جمهور العلماء، وهو مذهب الإمام الأعظم وأصحابه، وحكاه ابن المُنْذِر عن ابن عباس، وابن المسيب، والحسن، وعطاء، وسَعِيْد بن جبير، وقتادة، وحمَّاد بن سليمان، والأوزاعيِّ، والثوري، ومالك، وإسحاق، وأبي (
(1)
) ثور، والشافعيِّ، والمزنيِّ، تعلقوا بما في كتاب أبي داود بسند جيد:(أنَّ حمنة كانت مستحاضة وكان زوجها يأتيها).
قال ابن المُنْذِر: وروِّينا عن عائشة أنها قالت: (لا يأتيها زوجها)، وبه قال النخعيُّ، والحكم، وسليمان بن يسار، والزُّهْرِيُّ، والشعبيُّ، وابن عُليَّة، وكرهه ابن سيرين، وقال أحمد: لا يأتيها إلا أن يطول ذلك بها، وفي رواية:(لا يجوز وطؤها إلا أن يخاف زوجها العنت)، وقال أئمتنا الأعلام: ودم الاستحاضة كرعاف لا يمنع الصوم، ولا الصَّلاة ولو نفلًا، ولا الوطء وإن لزم منه تلطخ بالدم، ولا قراءة القرآن، ولا مس المصحف، ولا دخول المسجد، ولا الطواف إذا أمنت من اللوث؛ كذا في «شرح النقاية» للقهستانيِّ عن «الخزانة». وقال منصور: تصوم ولا يأتيها زوجها، ولا تمس المصحف، وتصلي ما شاءت من الفرائض والنوافل، وقال الإمام الأعظم: طهارتها مقدرة بالوقت، وتصلي في الوقت بطهارتها الواحدة ما شاءت من الفرائض والنوافل، وهو محكيٌّ عن الثوريِّ، وعروة، وأبي ثور، ورواية عن أحمد.
وقال الشافعيُّ: لا تصلي بطهارة واحدة أكثر من فريضة واحدة مؤداة ومقضية، وفي وجه له: لا يستبيح النافلة أصلًا.
وقال مالك وربيعة وداود: دم الاستحاضة لا ينقض الوضوء، فإذا تطهرت؛ فلها أن تصلي بطهارتها ما شاءت إلا أن تحدث بغير الاستحاضة.
وقال صاحب «عمدة القاري» : ويصح وضوءها لفريضة قبل دخول وقتها خلافًا للشافعيِّ، ولا يجب عليها اغتسال لشيء من الصلوات، ولا في وقت من الأوقات إلا مرة واحدة في وقت انقطاع حيضها، وبه قال جمهور العلماء، وهو مذهب الإمام الأعظم، وهو مروي عن علي، وابن مسعود، وابن عباس، وعائشة رضي الله عنهم، وهو قول عروة، وأبي سَلَمَة، ومالك، وأحمد، وروي عن ابن عمر وعطاء بن أبي رباح وابن الزبير أنهم قالوا: يجب عليها أن تغتسل كل يوم غسلًا واحدًا، وعن ابن المسيب والحسن: تغتسل من صلاة الظهر إلى صلاة الظهر، انتهى.
فائدة: ذكر إمام الشارحين: أنه كان في زمنه عليه السلام جماعة من النساء مستحاضات؛ منهنَّ: أم حبيبة بنت جحش، وسيأتي حديثها، وزينب أم المؤمنين، وأسماء أخت ميمونة لأمها، وفاطمة بنت أبي حبيش، وحمنة بنت جحش ذكرها أبو داود، وسهلة بنت سهل ذكرها أيضًا، وكذا زينب بنت جحش، وسودة بنت زمعة ذكرها العلاء بن المسيب، عن الحكم، عن أبي جعفر محمَّد بن علي بن حسين، وزينب بنت أم سَلَمَة ذكرها الإسماعيلي في جمعه لحديث يحيى بن أبي كثير، وأسماء بنت مرشد الحارثيَّة ذكرها البيهقي، وبادية بنت غيلان ذكرها ابن الأثير قال: (قلت: هي الثقفية (
(2)
) التي قال عنها هيت المخنث: تقبل بأربع وتذهب بثمان، تزوجها عبد الرحمن بن عوف، وأبوها أسلم، وتحته عشرنسوة) انتهى، والله تعالى أعلم.
ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة؛ لأنَّه في حكم الاستحاضة، ومرَّ هذا الحديث في باب (غسل الدم)، وصرَّح به بالاستحاضة، وذلك في رواية أبي معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله؛ إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصَّلاة؟
…
؛ الحديث؛ كذا في «عمدة القاري» ، والله تعالى الهادي، وعليه توكلي واعتمادي.
(9)
[باب غسل دم المحيض]
هذا (باب) بيان (غَسل) بفتح الغين المعجمة (دم الحيض) كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية:(المحيض) بالميم، وفي أخرى:(الحائض)، وقد ذكر في كتاب (الوضوء)، باب (غسل الدم)، وهو أعم من هذه الترجمة، كما لا يخفى.
[حديث: إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه]
307 -
وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف)؛ هو التنيسي (قال: أخبرنا مالك)؛ هو ابن أنس الأصبحي، (عن هشام) زاد الأصيلي:(ابن عروة)؛ هو ابن الزبير، (عن فاطمة بنت المُنْذِر)؛ هو ابن الزبير بن العوام زوجة هشام المذكور وابنة عمه، (عن أسماء بنت أبي بكر الصديق) رضي الله عنهما، وفي رواية سقط لفظ (الصديق)، وهي جدة فاطمة وزوجها لأبويهما المعروفة بذات النطاقين أم عبد الله بن الزبير، وهي آخر المهاجرات وفاة، توفيت في جمادى الأول، سنة ثلاث وسبعين بمكة بعد ابنها عبد الله بأيام، بلغت مئة سنة، لم يسقط لها سن، ولم ينكر لها عقل رضي الله عنها (أنها قالت) أي: أسماء: (سألت امرأةٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمرأة السائلة هي أسماء بنت يزيد التي يقال لها: خطيبة النساء، وقيل: هي أسماء بنت مَشكَل؛ بفتحتين، قال جماعة من المحدثين: والأولى هي الصواب، وقواه النووي واعتمده، وما قيل: إنَّها أسماء بنت أبي بكر المذكورة، وأبهمت نفسها لغرض؛ فقد ردَّه النووي، وقدمنا أنَّها لو كانت هي السائلة؛ لم تبهم نفسها؛ لأنَّه لا عذر لها، ولا غرض فيه، بل التصريح أشرف وأحسن لها، لا يقال: إن الحياء منعها من التصريح؛ لأنَّا نقول: هذا حكم شرعي، والنَّبيُّ الأعظم عليه السلام نهى عن الحياء في الأحكام الشرعية والسؤال عنها، ولهذا إنَّ أم سليم لما أتته تسأله قالت: إن الله لا
(1)
في الأصل: (وأبو).
(2)
في الأصل: (الثقيفة)، وهو تحريف.
يستحي من الحق، فالحياء من الحق مذمومٌ شرعًا، وأسماء رضي الله عنها من كبار الصحابة المهاجرات، وهي أشد اتباعًا لسنة النَّبيِّ الأعظم عليه السلام فلا يمنعها ذلك؛ فافهم، والله أعلم.
(فقالت: يا رسول الله؛ أرأيت)؛ أي: أخبرني، وفيه تجوز لإطلاق الرؤية وإرادة الإخبار؛ لأنَّ الرؤية سبب الإخبار، وجعل الاستفهام بمعنى الأمر؛ بجامع الطلب، كذا في «عمدة القاري» ؛ فافهم، (إحدانا) بالنصب مفعول (أرأيت) على معنى: أخبرني عن إحدانا، وجوز في «عمدة القاري» رفعه على الابتداء، والجملة بعده خبره.
قلت: وهو معنًى صحيحٌ؛ لأنَّه على معنى الاستئناف، فكأنها قالت: أخبرني حكم؛ وهو إحدانا
…
إلخ؛ فافهم.
(إذا أصاب ثوبَها الدمُ) بالرفع فاعل (أصاب)، وبنصب (ثوب) على المفعولية، (من الحَيضة)؛ بفتح الحاء المهملة، متعلق بقوله:(أصاب)، وجملة (كيف تصنع؟)؛ أي: في الثوب المذكور محلها نصب على أنها مفعول ثان لـ (رأيت)، أو بدل من الأول، أو لا محل لها، أو محلها الرفع؛ فتأمل.
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لها في الجواب: (إذا أصاب ثوب) بالنصب مفعول (أصاب)(إحداكن الدم) بالرفع فاعله (من الحَيضة) بفتح الحاء المهملة أيضًا؛ (فلتَقْرُصه)؛ أي: الدم الموجود في الثوب المذكور، وهو بفتح الفوقية، وسكون القاف، وضم الراء، وبالصاد المهملة الساكنة؛ أي: تدلكه بأطراف الأصابع حتى تقلع الأثر، قال في «المحكم» : (القرص (
(1)
) : التخميش، والغمز بالإصبع)، وقدمنا تمامه، (ثم لتَنضَحُه) بفتح الفوقية، بعدها نون، وبفتح الضاد المعجمة، وضم الحاء المهملة، من باب (فتح)، وما قيل: إنَّه بكسر الضاد المعجمة؛ فقد غلط، ووفق بعضهم بأن الفتح أفصح، والكسر لغة، ولا ريب أن غير الفصيح شاذ وغلط، فتعين الفتح فقط، وقدمنا تمامه؛ فافهم، والمراد بالنضح: الغسل؛ أي: تغسله، ويدل له قوله في الحديث السابق:(فاغسلي عنك الدم)، فهو يعين أن المراد بالنضح في كلامهم: الغسل لا غير؛ فافهم، والمراد: أنها تفرك مواضع الدم بأطراف أصابعها (بماء)؛ أي: مع صب عليه؛ ليتخلل بذلك، ويخرج ما تشربه الثوب منه، ولا يضر بقاء أثرٍ شقَّ زواله، فلا يتكلف في إزالته لنحو صابون، أو أشنان، أو ماء حار، أو غيرها؛ فإنه غير لازم للحرج، وهو مدفوع بالنص، والحك بالضلع، والماء المملح الواقع في بعض الروايات إن صح؛ فهو محمول على الندب لا الوجوب؛ لأنَّ الأحاديث الصحاح ليس فيها ذكر ذلك، كما أوضحناه فيما سبق، (ثم لتصلي فيه)؛ أي: بذلك الثوب، فقد علمت أن الضمير المنصوب في (فلتقرصه) يرجع إلى الدم الذي أصاب الثوب، والضمير في قوله:(لتنضحه) يرجع إلى الماء، وهذا هو الأصل في إرجاع الضمير.
واستدل الإمام محمَّد بن الحسن والشافعي بهذا الحديث على أنَّ النجاسات إنَّما تزال بالماء دون غيره من المائعات الطاهرة؛ لأنَّ جميع النجاسات بمثابة الدم إجماعًا.
قلت: وهو مردود؛ فإن ذكر الماء في الحديث خرج مخرج الغالب لا مخرج الشرط، والمعنى في ذلك: أن الماء أكثر وجودًا من غيره، فصرح به باعتبار الكثرة والغالب، ورد أيضًا بأن تخصيص الشيء بالذكر لا ينفي الحكم عما عداه، ورد أيضًا بأن هذا مفهوم اللقب، وهو غير حجة عند الشافعي، ويدل لهذا حديث عائشة:(ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإذا أصابه شيء من دم الحيض؛ قالت بريقها، فمصعته بظفرها)، وعند أبي داود:(بلته بريقها)، فلولا أن الريق مطهِّر؛ لزادت النجاسة، فعلم أن الرِّيق وغيره من المائعات الطاهرة مطهر للنجاسة كالماء، فلا خصوصية للماء في ذلك، هذا مذهب الإمام الأعظم وأصحابه والجمهور.
واعترض باحتمال أن تكون قصدت بذلك تحليل أثره، ثم غسلته بعد ذلك.
قلت: وهذا احتمال بعيد بارد؛ لأنَّه لا دليل يدل على أنها غسلته بعد ذلك، بل ظاهره صريح في أنها اقتصرت على الريق، ولئن سلمنا أنها غسلته؛ فبالغسل يحصل تحليل أثره من غير احتياج إلى مضغه أو بله بريقها، فعلم بذلك أنها لم تغسله، ومضغه أو بله بريقها دليل على أنها لم تغسله، وهو كذلك؛ لأنَّه لم يثبت عنها ذلك ولا أحد نقله عنها، فاحتمال الغسل بعد ذلك دعوى باطلة لا يعتد بها، على أن المقصود من تطهير النجاسات إزالة عينها وأثرها، والمائعات الطاهرات وكذا الريق لا ريب أنها تزيل العين والأثر، وبها يحصل المقصود، فلا خصوصية للماء، كما لا يخفى على أولي الألباب.
وفي الحديث دليل على أن الدم نجس، وهو بالإجماع، وفيه دلالة على أن العدد ليس بشرط في إزالة النجاسة، بل المراد الإنقاء، وفيه دليل على أنها لم تر في ثوبها شيئًا من الدم ترش عليه، وتصلي فيه لأجل دفع الوسوسة، وتمامه فيما قدمناه؛ فافهم.
[حديث: كانت إحدانا تحيض ثم تقترص الدم من ثوبها]
308 -
وبالسَّند قال: (حدثنا أصبغ) بالصاد المهملة، بعدها موحدة، آخره غين معجمة، هو ابن الفرج الفقيه المصري (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن وهب) هو عبد الله بن وهب المصري (قال: حدثني) وفي رواية: (أخبرني) بالإفراد فيهما (عَمرو) بفتح العين المهملة (بن الحارث) بالحاء المهملة، هو المصري، (عن عبد الرحمن بن القاسم) هو ابن محمَّد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: أنه (حدثه) أي: حدث عمرو بن الحارث، (عن أبيه) هو القاسم بن محمَّد، (عن عائشة) : الصديقة بنت الصديق رضي الله عنه أنها (قالت: كانت إحدانا)؛ أي: غير زوجات النَّبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم، ومعناه: أنهنَّ لم يصبن ذلك في زمنه عليه السلام، وهذا المعنى منتفٍ، وحكم هذا الحديث الرفع، ويؤيده حديث أسماء الذي قبله، وقال ابن بطال: حديث عائشة يفسر حديث أسماء، والمراد بالنضح في حديث أسماء: الغسل، وأما قول عائشة:(وتنضح على سائره)؛ فإنما فعلت ذلك؛ دفعًا للوسوسة، كذا في «عمدة القاري» .
(تحيض، ثم تقرص) بالقاف، والصاد المهملة على وزن (تفعِل)؛ أي: تغسله بأطراف أصابعها، وفي رواية:(تقترص) بزيادة مثناة فوقية، وبالصاد المهملة على وزن (تفتعل) (الدم من ثوبها)؛ أي: دم الحيض، وقال ابن الجوزي: معنى (تقرص) : تقطع كأنها تحوزه دون باقي المواضع، والأول أشبه بحديث أسماء؛ لأنَّ فيه:(فلتقرُصه)؛ بالقاف، وضم الراء، والصاد المهملة، وإنما أمر النَّبيُّ عليه السلام بالقرص؛ لأنَّ الدم وغيره مما يصيب الثوب إذا قرص؛ كان أحرى بأن يذهب أثره، وينقى الثوب منه؛ لأنَّ القرص يكون بالإصبعين، وهو قلعه وإزالته بهما، (عند طهرها) كذا في أكثر الروايات، وفي رواية:(عند طهره) أي: الثوب؛ أي: عند إرادة تطهيره، (فتغسله)؛ أي: الثوب بالماء وبكل مائع طاهر بأطراف أصابعها، (وتنضح) بالضاد المعجمة، والحاء المهملة؛ أي: الماء؛ أي: ترشه (على سائره) أي: سائر الثوب؛ لأجل دفع الوسوسة، (ثم تصلي فيه)؛ لأنَّه طاهر، وفي الحديث دليل على أن النجاسة في الثوب إذا خفي مكانها وتحرى وغسلها؛ طهر الثوب، ويرش على باقيه الماء؛ دفعًا للوسوسة، وفيه دليل على استحباب رش الماء على السراويل بعد الاستنجاء، وفيه دليل على أن العدد ليس بشرط في تطهير النجاسة، بل المقصود إنقاء المحل من العين والأثر، والله تعالى أعلم.
وفي يوم الثامن من رمضان سنة سبع وسبعين ومئتين وألف جاءت البوسطة من بيروت من أبرص من الماغوصه بنعي شيخنا وسيدنا العلامة الكبير والنحرير الشهير السيد محمَّد عمر نور الدين الغزيِّ العامري، مفتي الشافعية بدمشق، ودفن هناك، قدس سره، ورحمه الله رحمة واسعة، ألا وهو رأس تاج أهل دمشق، وفريد الأعصار، ونور الأمصار، ولبيب المعاني، وفصيح المباني، درة المحدثين، وخاتمة المحققين، ولا غرو؛ فإنه الشافعي الصغير، والهمام النحرير، نفعنا به في الدارين آمين.
(10)
[باب الاعتكاف للمستحاضة]
هذا (باب) حكم (اعتكاف) المرأة (المستحاضة) في المسجد؛ يعني: يجوز اعتكاف المستحاضة إذا أمنت التلوث منها للمسجد، والاعتكاف في اللغة: هو اللبث، والعكف: هو الحسن، وفي الشريعة: هو اللبث في المسجد مع الصوم ونية الاعتكاف، وفي رواية:(باب الاعتكاف للمستحاضة)، وأكثر الروايات على ما ذكرنا؛ فافهم.
[حديث: أن النبي اعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضة ترى الدم]
309 -
وبالسَّند قال: (حدثنا إسحاق بن شاهِين)؛ بكسر الهاء، أبو بِشْر؛ بكسر الموحدة، وسكون الشين المعجمة، الواسطي، جاوز المئة، وفي رواية: سقط: (بن شاهين)، وبدله:(الواسطي)(قال: حدثنا) وفي رواية: (أخبرنا)(خالد بن عبد الله) هو أبو الهيثم؛ بالمثلثة، الطحان، المتصدق بوزن نفسه فضة ثلاث مرات، (عن خالد) هو ابن مهران الذي يقال له: الحذَّاءبالحاء المهملة، والذال المعجمة المشددة، وبالمد، (عن عِكرمة) بكسر العين المهملة، هو ابن عبد الله،
(1)
في الأصل: (القرض)، وهو تصحيف، وكذا في بعض المواضع اللاحقة.