الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزاي، مصغَّرًا: هو ابن معاوية الكوفي (قال: حدثنا حُميد)؛ بضمِّ الحاء المهملة: هو الطويل التابعي، (عن أنس) زاد الأصيلي:(ابن مالك) : هو الأنصاري رضي الله عنه: (أنَّ النبيَّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم رأى) أي: أبصر (نُخَامة)؛ بضمِّ النون، وفتح الخاء المعجمة: ما يخرج من الصدر (في القبلة)؛ أي: في الحائط القبلي من المسجد النبوي، وقول القسطلاني:(في جهة حائطها)؛ ممنوع؛ لأنَّ النخامة المرئية ليست في جهة القبلة، بل في حائط القبلة؛ لأنَّ جهة القبلة يطلق على ما بين المشرق والمغرب، بخلاف حائط القبلة، فإنَّه مخصوص بحائط المسجد القبلي؛ فافهم.
(فحكها) بالكاف؛ أي: أزال أثرها (بيده) الكريمة، يحتمل أنه باشر ذلك بنفس يده، ويحتمل أنه باشر ذلك بعرجون كان بيده، كما في حديث أبي داود، ويحتمل تعدد القصة، كما سبق، وفي رواية:(فحكه)؛ أي: أثر النخامة، وقول القسطلاني:(أي: البصاق)؛ ممنوع؛ لأنَّه لم يوجد أنه رأى بصاقًا حتى يدل الضمير على البصاق، وإنما هو رأى نخامة، فضمير المؤنث يرجع إليها، وضمير المذكر يرجع إلى أثرها، كما لا يخفى.
(ورُؤِيَ)؛ بضمِّ الراء، وكسر الهمزة، وفتح التحتية، وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني والأصيلي:(ورِيْءَ)؛ بكسر الراء، وسكون التحتية، وفتح الهمزة (منه) عليه السلام (كراهيةُ)؛ بالرفع نائب فاعل، (أو رُئِيَ) بضمِّ الراء، وكسر الهمزة، وفتح التحتية (كراهيته) عليه السلام (لذلك)؛ أي: لأجل رؤية النخامة في القبلة، وكلمة (أو)
(1)
؛ للشك، وهو من الراوي.
قلت: يحتمل من حميد، ويحتمل من أنس، والظاهر الأول، و (كراهيته) مرفوع بـ (رُؤي) المبني للمفعول.
(وشدتُه عليه)؛ أي: على ذلك الفعل، وهو بالرفع عطفًا على (كراهيته)، أو بالجر عطفًا على قوله:(لذلك)، وفي رواية أنس في باب (حك البزاق) :(فشق ذلك عليه حتى رؤي في وجهه)، وفي رواية النسائي:(فغضب حتى احمر وجهه)، وهذا بيان لقوله:(كراهيته) و (شدته)، والروايات تفسر بعضها بعضًا، (وقال) عليه السلام؛ أي: بعدما رئي منه الكراهية والشدة: (إنَّ أحدكم إذا قام في صلاته) : يحتمل على الحقيقة، ويحتمل أنه أراد القيام إلى صلاته، والثاني أعم، والظاهر: أنه هو المراد؛ لأنَّ استقبال القبلة في غير الصلاة عبادة؛ كما أن النظر إلى الكعبة في غير صلاة عبادة أيضًا؛ فتأمل.
(فإنما يناجي ربه) تعالى؛ أي: من جهة مساررته بالقرآن الذي هو كلامه والأذكار وغير ذلك، فكأنه يناجيه، والله تعالى يناجيه من جهة لازم ذلك؛ وهو إرادة الخير والرحمة، فهو من باب المجاز؛ لأنَّ القرينة صارفة عن إرادة الحقيقة؛ إذ لا كلام محسوسًا إلا من جهة العبد، وزعم النووي أنَّ
(2)
هذا إشارة لإخلاص القلب، وحضوره، وتفريغه لذكر الله تعالى، انتهى.
قلت: وهو ممنوع، فإن المناجاة: المساررة، وهي بكلامه تعالى وذكره، وأمَّا الإخلاص والحضور؛ فخارج عن ذلك، فتارة تكون المناجاة بإخلاص، وتارة بدونه، وكل ذلك جائز؛ لأنَّ المالك من كرمه العفو عن مملوكه، ولعل النووي أشار بهذا إلى قول المتصوفة: إنَّ الخشوع في الصلاة واجب، فإن كان مراده هذا؛ فغير مقبول منه؛ لأنَّ الإجماع منعقد على أنَّه ليس بواجب؛ فافهم.
(أو ربه) تعالى؛ بالرفع مبتدأ خبره قوله: (بينه وبين قبلته)؛ بالضمير، ولأبوي ذر والوقت:(وبين القبلة)؛ بحذفه، والجملة معطوفة على (يناجي ربه) عطف الجملة الاسمية على الجملة الفعلية، وظاهر هذا غير مراد؛ لأنَّ الله تعالى منزه عن المكان والجهة، وإنما المراد: إقباله تعالى على عبده بالرحمة، والعفو، والغفران، والكرم، والإحسان، كما سبق في باب (حك البزاق) (فلا يبزقنَّ)؛ بنون التأكيد الثقيلة؛ أي: أحدكم (في قبلته)؛ أي: في جدار القبلة، (ولكن) يبزق (عن يساره)؛ لعدم شرف اليسار، (أو تحت قدمه)؛ بالإفراد؛ أي: اليسرى، كما في الحديث السابق؛ لأنَّ محل وطء القدم ليس له شرف، (ثم أخذ) عليه السلام (طرف رِدائه)؛ بكسر الراء: ما يغطي النصف الأعلى (فبزق فيه) بالزاي (ورد بعضه على بعض) يعني: غيبها فيه، (قال) عليه السلام، وللأصيلي وابن عساكر:(فقال)(أو يفعل هكذا) عطف على المقدر بعد حرف الاستدراك؛ والمعنى: ولكن ليبزق عن يساره، أو يفعل هكذا، ففيه البيان بالفعل، وهو أوقع في النفس، وكلمة (أو)
(3)
ليست للشك، بل هي للتنويع؛ ومعناه: التخيير؛ أي: هو مخير بين هذا وهذا.
فإن قلت: ليس في الحديث مطابقة للترجمة؛ لأنَّه لم يذكر فيه بدر البزاق.
قال إمام الشَّارحين: (الترجمة مشتملة على شيئين؛ أولهما: مبادرة البزاق، والآخر: هو أخذ المصلي بزاقه بطرف ثوبه، وفي الحديث ما يطابق الثاني، وهو قوله: «ثم أخذ طرف ردائه، فبزق فيه»، وليس للجزء الأول ذكر في الحديث، ولهذا اعترض عليه في ذلك، ولكن يمكن أن يقال وإن كان فيه تعسف، كأنه أشار بذلك إلى ما في بعض طرق الحديث، وهو ما رواه مسلم من حديث جابر بلفظ: «وليبصق عن يساره تحت رجله اليسرى، فإن عجلت به بادرة؛ فليقل بثوبه هكذا، ثم طوى بعضه على بعض»، وروى أبو داود: «فإن عجلت به بادرة؛ فليقل بثوبه هكذا، وَضَعَهُ على فيه، ثم دلكه»، وقوله: «بادرة»؛ أي: حِدَّة، وبادرة الأمر: حِدَّتُه؛ والمعنى: إذا غلب عليه البصاق أو النخامة؛ فليقل بثوبه هكذا، وقوله: «وضعه على فيه» تفسير لقوله: «فليقل به»، ولأجل ذلك ترك العاطف؛ أي: وضع ثوبه على فيه حتى يتلاشى البزاق فيه) انتهى.
قلت: ووجه التعسف: أن ذكر الترجمة لشيء لم يذكره تحتها، ويشير إلى بعض طرقه مما لم يذكره، وما ذكره الشَّارح ترميم لعبارة المؤلف، وأنَّ ذكر الترجمة وعدم ذكر ما يدل عليها أو على بعضها معيبٌ في الصناعة، ولعل المؤلف جنح إلى أن قوله: (ثم أخذ طرف ردائه
…
) إلى آخره يطابق الجزء الأول من الترجمة أيضًا؛ لأنَّ مبادرة البزاق لا يكون إلا بسعال وتنحنح غالبًا، فإذا حصل له ذلك، وغلب عليه البزاق أو النخامة؛ لا يسعه أن يبزق عن يساره، أو تحت قدمه؛ لطول المدة، بل يعجل بأخذ طرف ثوبه، وأيضًا إذا حصل له سعال ونحوه؛ يضطر إلى وضع طرف ثوبه على فمه حتى لا يخرج من فيه صغار البزاق، فيصيب بعض من على يمينه أو شماله أو أمامه، وفي هذه الحالة يضطر إلى أن يبزق بطرف ثوبه؛ محافظة على عدم إيذاء الجار، وعلى هذا؛ يكون قوله: «ثم أخذ طرف ردائه
…
) إلى آخره مطابق لجزئي
(4)
الترجمة، والله أعلم.
وفي الحديث فوائد؛ منها: استحباب إزالة ما يستقذر أو يتنزه عنه من المسجد، ومنها: تفقد الإمام أحوال المساجد وتعظيمها وصيانتها.
قلت: ومثل الإمام نائبه، وهو الناظر أو المتولي على أوقافه ومصارفه، وكذلك الكناس، والشعال، والحسكي، ونحوهم،
(1)
في الأصل: (أول)، وليس بصحيح.
(2)
في الأصل: (أنَّه)، وليس بصحيح.
(3)
في الأصل: (أول)، وليس بصحيح.
(4)
في الأصل: (للجزئي)، وهو تحريف.
فيجب عليهم تعاهد المسجد من وقوع القاذورات فيه، والكناسات، والزبالات، ونحوها.
ومنها: أن البصاق طاهر، وكذلك النخامة والمخاط، ولم يخالف في ذلك إلا إبراهيم النخعي، فإنَّه يقول:(كل ما تستقذره النفس نجس).
ومنها: أن التحسين والتقبيح إنَّما هو بالشرع ككون اليمين مفضلة على اليسار، واليد مفضلة على القدم.
ومنها: أن الرجل إذا رأى ما يُكره شرعًا أن يزيله بيده، ولهذا كان الأمر بالمعروف واجبًا، وهو على التفصيل؛ لقوله عليه السلام:«من رأى منكم منكرًا؛ فليغيره بيده، فإن لم يقدر؛ فبلسانه، فإن لم يقدر؛ فبقلبه، وهو أضعف الإيمان» ، ويشترط أن يكون الأمر بالمعروف بالمعروف لا بالشدة إلا إذا رأى أحدًا كشف عورته؛ فينهاه بشدة، كما بُين في كتب الفروع، وقد انتهت الجهالة إلى قوم، فزعموا أن البصاق والنفخ والتنحنح في الصلاة جائز مطلقًا، غير مفسد؛ استدلالًا بهذا الحديث.
قلت: وهو استدلال فاسد، ودعوى بلا برهان، فإن قوله عليه السلام:«إذا قام في صلاته» ؛ معناه: أن أحدكم إذا أراد القيام إلى صلاته؛ ينبغي له أن يتهيأ لها، ومن جملة ذلك: أنه إذا غلب عليه البلغم والبزاق، وأراد أن يبزق؛ يفعل، كما ذكره في الحديث، وليس المراد أنه يفعل ذلك في حال صلاته؛ لأنَّه عليه السلام قال:«إن صلاتنا هذه لا يَصْلُح فيها شيء من كلام الناس، إنَّما هي التسبيح وقراءة القرآن» ، رواه مسلم وغيره، ولا ريب أن البصاق والنفخ والتنحنح ملحق بكلام الناس؛ لأنَّ الكلام لا يَحْسُن إلا بذلك، ويدل عليه الحصر في الحديث على أنها تسبيح وقراءة قرآن؛ يعني: لا غيرهما من أفعال الناس، ولو سلمنا أنه كان في حال الصلاة؛ فالغالب في البزاق أنه يخرج من الفم بدون حرف ولا صوت، لا سيما إذا أخذه بطرف ردائه؛ فإنَّه لا يسمع لذلك صوت أصلًا، ولهذا قال الإمام الأعظم رئيس المجتهدين:(إن البصاق والنفخ في الصلاة غير مفسد إذا كان بدون صوت ولا حروف، فإن كان يسمع؛ فهو مفسد؛ لأنَّه بمنزلة الكلام، وإن التنحنح في الصلاة إذا كان بعذر كأن وقف في حلقه البلغم، فمنعه عن القراءة ونحوها؛ فإنَّه غير مفسد، وإن كان بدون عذر، كما يفعله ذرية يأجوج ومأجوج؛ فمفسد للصلاة)، وفي رواية عنه:(إن حصل منه ثلاثة حروف؛ تفسد صلاته، وفي الحرفين قولان: الاحتياط المنع، وهو الأصح)، وزعم الشافعية وكذا الحنابلة أن النفخ والتنحنح إن ظهر من كل منهما حرفان أو حرف مفهم؛ كـ (قِ)؛ من الوقاية، أو مدة بعد حرف؛ بطلت صلاته، وإلا؛ فلا، والله تعالى أعلم.
(40)
[باب عِظَة الإمام الناس في إتمام الصلاة وذكر القبلة]
هذا (باب) حكم (عِظَة الإمام) أي: وعظه (الناسَ)؛ بالنصب على المفعولية (في) أي: بسبب ترك (إتمام الصلاة)؛ أي: بأن يتموا صلاتهم ولا يتركوا منها شيئًا، (وذكر القبلة)؛ بالجر عطف على (عظة)؛ أي: وفي بيان القبلة، والعظة على وزن (علَة
(1)
) مصدر من وَعَظ يعظ وَعظًا، وعظة
(2)
، ومَوعظَة، وأصل (عظة) : وعظ، فلما حذفت الواو؛ عوضت منها التاء في آخره، أمَّا الحذف؛ فلوجوده في فعله، وأما كسر العين؛ فمن الواو؛ فافهم، والوعظ: النصح والتذكير بالعواقب، وإذا قلت: وعظته فاتعظ؛ أي: قبل الموعظة، ووجه المناسبة في ذكر هذا الباب عقيب الأبواب المذكورة من حيث إنَّه كان فيها أمر ونهي وتشديد فيهما، وهي كلها وعظ ونصح، وهذا الباب أيضًا في الوعظ والنصح، انتهى.
[حديث: هل تَرون قِبلتي هاهنا؟! فوالله ما يخفى عليَّ
خشوعكم ولا ركوعكم]
418 -
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف) : هو التنيسي الكلاعي الدمشقيُّ الأصل (قال: أخبرنا مالك) : هو ابن أنس الأصبحي المدني، (عن أبي الزِّناد)؛ بكسر الزاي، وتخفيف النون: هو عبد الله بن ذكوان القُرشي المدني، (عن الأعرج) : هو عبد الرحمن بن هرمز المدني، (عن أبي هريرة) هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني:(أنَّ رسول الله)
ولأبي الوقت: (عن النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم أنَّه (قال: هل تَرون)؛ بفتح المثناة الفوقية، استفهام على سبيل إنكار ما يلزم منه؛ المعنى: أنتم تحسبون (قِبلتي ههنا) وأنني لا أرى إلا ما في هذه الجهة؟! (فوالله) : قَسَم منه عليه السلام، وجوابه قوله:(ما يخفى عليَّ)؛ بفتح التحتية، (خشوعُكم) بالرفع فاعل (يخفى)؛ المراد به: السجود؛ لأنَّه غاية الخشوع، وقد صرح في رواية مسلم:(بالسجود)، ويجوز أن يُراد به أعم من ذلك، فيتناول جميع أفعالهم في صلاتهم، وقوله:(ولا) يخفى عليَّ (ركوعُكم) بالرفع عطفًا على (خشوعكم)؛ يعني: إذا كنت في الصلاة مستدبرًا لكم.
فإن قلت: إذا كان الخشوع بمعنى الأعم يتناول الركوع أيضًا، فما فائدة ذكره؟
قلت: لكونه أكبر من عمد الصلاة؛ لأنَّ الرجل ما دام في القيام؛ لا يتحقق أنه في الصلاة؛ فإذا ركع؛ يتحقق أنه في الصلاة، ويكون فيه عطف العام على الخاص؛ والمعنى: أن رؤيتي لا تختص بجهة قبلتي هذه، فإني أرى من خلفي كما أرى من جهة قبلتي.
(أَني)؛ بفتح الهمزة (لأراكم) اللام فيه للتأكيد، وهو إما بيان لجواب القسم، أو بدل منه (من وراء ظهري) : واختلف في ذلك؛ فقيل: كانت له عليه السلام عين خلف ظهره يرى بها من ورائه دائمًا، وقيل: كانت بين كتفيه عينان مثل سم الخياط؛ يعني: خرق
(3)
الإبرة يبصر بهما، لا يحجبهما ثوب ولا غيره، وقيل: بل كانت صورهم تتطبع في حائط قبلته كما تتطبع في المرآة مُثلَتُهُم فيها، فيشاهد بذلك أفعالهم، واختلف أيضًا في معنى هذه الرؤية؛ فقال قوم: المراد بها: العلم إمَّا بطريق أنه كان يوحى إليه بيان كيفية فعلهم، وإمَّا بطريق الإلهام، وهذا ليس بشيء؛ لأنَّه لو كان ذلك بطريق العلم؛ ما كانت فائدة في التقييد بقوله:«من وراء ظهري» ، وقال قوم: المراد بها: أنه يرى مَن عن يمينه، ومن عن يساره ممن تدركه عينه مع التفات يسير في بعض الأحوال، وهذا أيضًا ليس بشيء، وقال الجمهور: إنها من خصائصه عليه السلام، وإن إبصاره إدراك حقيقي انخرقت له فيه العادة، ولهذا
(1)
في الأصل: (فعلة)، وليس بصحيح.
(2)
في الأصل: (ووعظة)، وليس بصحيح.
(3)
في الأصل: (خرءة).