الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعرضًا للاطلاع
(1)
على عورته عليه السلام، ويدل لهذا قوله:(قال)؛ أي: النبي الأعظم عليه السلام بعد الخروج من الخلاء، وفي رواية:(فقال) : (مَن) استفهامية مبتدأ خبره قوله: (وضع هذا؟)؛ أي: الوضوء في هذا المكان، (فأُخْبِر) -أي: النبي الأعظم عليه السلام أنَّه ابن عباس-؛ بضم الهمزة على صيغة المجهول، عطف على ما قبله، وقد علم أن في عطف الاسمية على الفعلية أقوالًا، والمفهوم من كلام النحاة جواز ذلك، كذا في «عمدة القاري» ، وتبعه القسطلاني والعجلوني.
وقوله: (على ما قبله)؛ أي: على (قال) أو (فوضعت)، لا على (من وضع هذا؟)؛ لفساد المعنى، والمخبرة: ميمونة بنت الحارث زوج النبي الأعظم عليه السلام وخالة ابن عباس؛ لأنَّ وضع الوضوء كان في بيتها.
(فقال) عليه السلام: (اللهم) أصله: يا الله، فحذف حرف النداء وعوض عنه الميم، (فقِّهْهُ في الدين) من الفقه، وهو لغة: الفهم، تقول: فقِه الرجل؛ بالكسر، ثم خص به علم الشريعة والعالم به فقيه، و (الدين)؛ أي: الإسلام؛ أي: شرائع الإسلام، وإنَّما دعا له لأجل وضعه؛ لكونه عليه السلام تفرَّس فيه الذكاء والفطنة، فالمناسب أن يدعو
(2)
له بالتفقه في الدين؛ ليطلع به على أسرار الفقه في الدين فينتفع وينفع، لأنَّ وضعه عند الخلاء كان أيسر له عليه السلام؛ لأنَّه لو وضعه في مكان بعيد منه؛ كان احتاج إلى طلب الماء، وفيه مشقة ما، ولو دخل به إليه كان تعرضًا للاطلاع على حاله وهو يقضي حاجته، فلما رأى ابن عباس هذه الحالة أوفق وأيسر؛ استشهد به عليه السلام على غاية ذكائه مع صغر سنه، فدعا له بما دعا به، وقد حقق الله دعاءه عليه السلام؛ حيث صار فقيه الأمة، ففيه: دليل قاطع على إجابة دعاء النبي الأعظم عليه السلام.
وفيه: استحباب المكافأة بالدعاء، ويدل له قوله عليه السلام: «من أهدى
(3)
لكم معروفًا؛ فكافئوه وإلا فادعوا له».
وفيه: أن حمل الخادم الماء إلى المغتسل غير مكروه، وأن الأولى عدمه؛ ليقيم الإنسان العبادة بنفسه من غير إعانة غيره عليها.
وفيه: دليل على أن وضع الماء عند الخلاء للاستنجاء.
وفيه: ردٌّ على من ينكر الاستنجاء بالماء، وأجاب: بأن وضع ذلك الوضوء للنساء، وأما الرجال؛ فيتمسحون بالحجارة، وهو ممنوع.
ونقل ابن التين عن مالك: أنَّه عليه السلام لم يستنج عمره بالماء، وهو ممنوع، فقد عقد المؤلف لذلك بابًا مستقلًا سيأتي، وفي «صحيح ابن حبان» من حديث عائشة قالت:(ما رأيت رسول الله عليه السلام خرج من غائط قط إلا مس ماء)، وفي «جامع الترمذي» من حديثها أنها قالت:(مُرْن أزواجكن أن يغتسلوا إثر الغائط والبول فإنَّه عليه السلام كان يفعله)، ثم قال: هذا حديث حسن صحيح، وفي «صحيح ابن حبان» من حديث أبي هريرة:(أنَّه عليه السلام قضى حاجته ثم استنجى من تور)، والجمهور على أنَّ الأفضل الجمع بين الماء والحجر.
واستُدِل بالحديث على أنَّ الوضوء من الأواني أفضل من المشارع والبرك، قال القاضي عياض: هذا لا أصل له، ولم ينقل أنَّه عليه السلام وجدها فعدل عنها إلى الأواني، كذا في «عمدة القاري» ، وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى.
(11)
[باب لا تستقبل القبلة بغائط أو بول إلَّا عند البناء جدار أو نحوه]
هذا (بابٌ) بالتنوين: (لا تُسْتَقبلُِ القبلةُ) روي: بضم التاء المثناة من فوق على صيغة المجهول، وبرفع (القبلة) مفعول ناب عن الفاعل، وروي:(يَسْتَقبل)؛ بفتح المثناة التحتية على صيغة المعلوم وبنصب (القبلةَ) على المفعولية، ولام (يستقبل) يجوز فيها الضم على أن (لا) نافية، والكسر على أن تكون ناهية.
وإنما اقتصر على الاستقبال مع أنَّ الحديث فيه كلا الأمرين؛ توقف فيه العجلوني، قلت: لأنَّ الاستقبال لا خلاف فيه، وأما الاستدبار؛ ففيه خلاف سيأتي، فاقتصر على المتفق عليه وترك المختلف فيه؛ تأمَّل.
(بغائط) الباء: فيه ظرفية أو للإلصاق، وهو: اسم للعذرة نفسها؛ لأنَّهم يلقونها بالغيطان، (أو بول) فـ (أو) للتنويع، يدل عليه رواية ابن عساكر:(لا يستقبل بغائط ولا بول)، والغائط: أصله: المطمئن من الأرض الواسع يأتونه لقضاء الحاجة، فكنوا به عن نفس الحدث؛ كراهة لذكره؛ لأنَّ عادة العرب استعمال الكناية، ثم استعمل للخارج وغلب على الحقيقة الوضعية فصار حقيقة عرفية، لكن لا يقصد به إلا الخارج من الدبر فقط؛ لتفرقته في الحديث بينهما، وقد يقصد به ما يخرج من القبل أيضًا، فإنَّ الحكم عام، (إلا عند البِناء)؛ بكسر الباء الموحدة، استثناء من قوله:(لا يستقبل القبلة)(جدارٍ)؛ بالجرِّ بدل من (البناء)(أو نحوه)؛ أي: نحو الجدار كالأحجار الكبار، والسواري، والأساطين، وفي رواية:(أو غيره) بدل (أو نحوه)، وهما متقاربان في المعنى.
وقال الإسماعيلي ليس في حديث الباب دلالة على الاستثناء المذكور، وأجاب: بأنَّه أراد بالغائط معناه اللغوي لا العرفي، فصح الاستثناء، ورُدَّ بأنَّهم استعملوه للخارج، وغلب المعنى العرفي على المعنى الأصلي، فصار حقيقة عرفية غلبت على الحقيقة اللغوية، فهجرت حقيقته اللغوية.
وقال ابن بطال: الاستثناء مستفاد من حديث ابن عمر الآتي؛ لأنَّ الحديث كله واحد، ورُدَّ بأنَّ على هذا كان ينبغي أن يذكر حديث ابن عمر في هذا الباب، وعدم ذكره دليل على أنَّ الحديث مخصوص ببابه، وبعيدٌ أن يترجم لشيء في باب ويحيل المطابقة له في حديث مذكور في باب آخر، فإنَّه معيب عند المؤلفين، لا يقال: إنَّ الغائط مشعر بأنَّ الحديث ورد في الصحارى لأنَّا نقول: العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، وكلُّ من توجه إلى نحو الكعبة يطلق عليه أنَّه مستقبل الكعبة سواء كان في الصحراء أو في الأبنية، فإن كان في الأبنية فالحائل بينه وبين القبلة الأبنية، وإن كان في الصحارى؛ فهو الجبال والتلال، والصواب أن يقال: إنَّ الحديث عنده عام مخصوص وعليه يوجه الاستثناء، كذا قاله في «عمدة القاري» ، وما قاله العجلوني في شرحه؛ فليس بشيء؛ لأنَّه محاولة وخروج عن الظاهر ومنشؤه التعصب؛ فليحفظ.
[حديث: إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره]
144 -
وبه قال: (حدثنا آدم) -بالمد- هو ابن أبي إياس (قال حدثني) بالإفراد، وفي رواية:(حدثنا)(ابن أبي ذئب)؛ بالهمز، نسبه لجده؛ لشهرته به، وإلا فهو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب هشام، المدني العامري (قال: حدثني) بالإفراد، وفي رواية: بالجمع (الزهري) محمد بن مسلم، (عن عطاء بن يزيد) من الزيادة (الليثي) ثم الجُنْدُعي؛ بضم الجيم، وسكون النُّون، وضم الدَّال المهملة، آخره عين مهملة، المدني الشامي التابعي، المتوفى سنة سبع أو خمس ومئة عن اثنين وثمانين سنة، (عن أبي أيوب) خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عوف (الأنصاري) النجاري الخزرجي، شهد بدرًا والعقبة الثانية، وعليه نزل النبي الأعظم عليه السلام حين قدم المدينة شهرًا، وهو من كبار الصحابة ونجبائهم، المتوفَّى غازيًا بالروم في دار الخلافة القسطنطينية، سنة خمسين، أو إحدى وخمسين، أو اثنتين وخمسين، وعليه الأكثر، وقبره هناك مشهور يزار ويُتَبرك به، معظَّم وعليه من المهابة ما يليق به، يستسقون به فيسقون، وقد بنى عليه قبة عظيمة السلطان سليم خان رضي الله عنه، وهو جدي وإليه أنسب، ولله الحمد والمنة.
(قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا) للشرط ولذا دخلت الفاء في جوابها (أتى) من الإتيان، وهو المجيء؛ أي: جاء (أحدُكم الغائطَ)؛ بالنصب مفعول (أتى)؛ أي: المكان المطمئن لقضاء الحاجة أو الحاجة نفسها؛ أي: قارب ظهورها، والغائط يشمل البول؛ كما قدمناه، وجواب (إذا) قوله:(فلا يَسْتَقبلُِ)؛ بالتحتية والبناء للفاعل لا غير، واللام مكسورة على أن (لا) ناهية، ومضمومة على أنها نافية؛ روايتان (القبلةَ)؛ بالنصب على المفعولية والمراد بها الكعبة، (ولا يُولِّها)؛ أي: القبلة؛ بضم التحتية وتشديد اللام، مجزوم بحذف الياء على النهي، وقد يرفع على أنَّه نفي بمعنى النهي (ظهرَه)؛ بالنصب مفعول ثان؛ أي: لا يجعلها
(1)
في الأصل: (للاضطلاع).
(2)
في الأصل: (يدعي)، وليس بصحيح.
(3)
في الأصل: (أردى)، ولعل المثبت هو الصواب.
مقابل ظهره، وفي رواية مسلم:(ولا يستدبرها ببول أو غائط) وهو عام فيشمل الصحارى والبنيان، فلذا قال إمامنا الإمام الأعظم: يكره تحريمًا استقبال القبلة واستدبارها بالبول والغائط مطلقًا؛ أخذًا بعموم الحديث، وهو مذهب مجاهد، وإبراهيم النخعي، وسفيان الثوري، وأبي ثور، وهو رواية عن أحمد، وهو مذهب الراوي أبي أيوب، وهو حجة على الشافعي في إباحته بالبنيان؛ لأنَّ المنع لأجل تعظيم القبلة، وهو موجود في الصحارى والبنيان، فالجواز في البنيان إن كان لوجود الحائل؛ فالحائل موجود أيضًا في الصحارى كالجبال والأودية لا سيما عند من يقول بكروية الأرض، فإنَّه لا موازاة إذ ذاك بالكلية، ولأنَّ المصلي في البيت يعتبر مستقبل القبلة ولا تجعل الحائط حائلًا، فكيف إذا كشف العورة في البيت لا تجعل الحائط حائلًا؟! وما ذاك إلا مخالفة للنص، ويستثنى من المنع ما لو كانت الريح تهب عن يمين القبلة أو شمالها، فإنَّهما لا يكرهان للضرورة، وإذا اضطر إلى أحدهما ينبغي أن يختار الاستدبار، لأنَّ الاستقبال أقبح فتركه أدل على التعظيم، كذا في «شرح النقاية» وبه قال الشافعي.
وكذا يكره إمساك صبي نحو القبلة للبول؛ لأنَّ كل ما كره فعله لبالغ كره أن يفعله بصغير، والنهي مخصوص بخروج الغائط والبول لا بكشف العورة، فلو استقبلها لأجل التطهير، أو حال الجماع، أو حال خروج الدم، أو الريح أو غيرها؛ فلا يكره تحريمًا؛ بل يندب تركه؛ لأجل التعظيم، كما نصَّ عليه ابن أمير حاج في «الحلية» ، والتمرتاشي في «شرح الجامع الصغير» ؛ فليحفظ.
ولو اشتبهت عليه القبلة؛ استظهر في «منهل الطلاب» تبعًا لشيخ شيخه أنَّه يلزمه.
وإذا جلس مستقبلًا أو مستدبرًا للقبلة غافلًا فتذكر؛ فإنَّه ينحرف عنها ندبًا إجلالًا لها إن أمكن، وإلا فلا بأس به؛ لحديث الطبري:«من جلس يبول قبالة القبلة فذكرها فانحرف عنها إجلالًا لها؛ لم يقم من مجلسه حتى يغفر له» ، كذا في «إمداد الفتاح» و «الدر المختار» ، والمراد: أنَّه ينحرف بجملته أو بقلبه حتى يخرج عن جهتها، والكلام في الإمكان فليس في الحديث دلالة على أنَّ المنهي عنه استقبال العين، كما لا يخفى.
لكن قال بعضهم: ورأيت في «التبيين» ما يفيد أنه يكفي في ذلك الانحراف اليسير؛ فتأمل، وقيد الإجلال لا بد منه في المغفرة، وبحث في «النهر» وجوبه، وقال في «النهاية» : فإن لم يفعل؛ لم يكن به بأس، انتهى.
قال الحلبي: وكأنَّه لم يجب؛ لأنَّه وقع معفوًا عنه للسهو وهو فعل واحد، انتهى، والمراد غفران ما شاء الله من ذنوبه الصغائر، وقول «النهاية» : لا بأس به؛ المراد: نفي الكراهة أصلًا، ويحتمل أنَّ المعنى: وإن لم ينحرف مع الإمكان فلا بأس به، وحينئذٍ فالمراد به خلاف الأولى كما هو الشائع في استعماله، ولعلَّه جرى على الرواية الأخرى؛ لأنَّه روي عن الإمام الأعظم روايات؛ أحدها: المنع مطلقًا، وهو ظاهر الرواية عنه وعليه الفتوى، والثانية: الإباحة مطلقًا، والثالثة: كراهة الاستقبال فقط، والرابعة: كراهة الاستدبار أيضًا إلَّا إذا كان ذيله مرخيًّا، كذا في «منهل الطلاب» .
(شَرِّقوا أو غَرِّبوا)؛ بفتح أولهما المعجم، وتشديد ثانيهما المكسور؛ أي: لكن خذوا إلى جهة المشرق أو المغرب، وهو جواب سؤال نشأ عن النهي المذكور، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب، قيل: الخطاب لأهل المدينة ولمن كانت قبلته على ذلك السمت، فأما من قبلته إلى جهة المشرق أو المغرب؛ فإنه لا يشرِّق ولا يغرِّب.
وقيل: إنَّما ذلك في المدينة وما أشبهها كأهل الشام واليمن، وأما من كانت قبلته إلى جهة المشرق أو المغرب؛ فإنَّه يتيامن أو يتشاءم، وقيل: البيت قبلة لمن في المسجد، والمسجد قبلة لأهل مكة، ومكة قبلة لأهل الحرم، والحرم قبلة لسائر أهل الأرض، وقالوا: ما بين المشرق والمغرب قبلة فيما يحازي الكعبة أنَّه يصلي إليه من الجهتين ولا يشرق ولا يغرب يحازي كل طائفة الأخرى في هذا، وأخرج ابن ماجه وأبو داود عن معقل بن أبي معقل: أنَّه نهى النبيُّ عليه السلام أن يستقبل القبلتين ببول أو غائط، وأراد بالقبلتين الكعبة وبيت المقدس، فالنهي إمَّا لاحترام بيت المقدس؛ حيث كان قبلة لنا مرة، أو يكون ذلك من أجل استدبار الكعبة؛ لأنَّ من استقبله فقد استدبر الكعبة، وصرح في «منهل الصلاح» : بكراهة استقبال بيت المقدس، وبه قال إبراهيم، وابن سيرين، وبعض الشافعية، فما قاله الخطابي من دعوى الإجماع على عدم الكراهة؛ خطأ.
وقال مالك والشافعي: إنَّه يحرم الاستقبال والاستدبار في الصحراء دون البنيان؛ لحديث ابن عمر الآتي وحديث جابر: (نهانا رسول الله عليه السلام أن نستقبل القبلة أو نستدبرها ببول، ثم رأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها) أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، فدل حديث ابن عمر على جواز الاستدبار في الأبنية، وحديث جابر على جواز الاستقبال، ورُدَّ بأن حديث ابن عمر محمول على الخصوصية بالنبي الأعظم عليه السلام، ولأنَّه يحتمل أنَّه رآه حال الاستنجاء، والدليل إذا كان محتملًا يسقط الاستدلال به، كما سيأتي.
وأمَّا حديث جابر؛ فقال ابن حزم: إنَّه ضعيف؛ لأنَّه رواه أبان بن صالح، وهو ليس بمشهور، وقال أحمد ابن حنبل وأبو عمرو: إن حديث جابر ليس بصحيح؛ لأنَّ أبان ضعيف، وقول الحاكم: إنَّه صحيح على شرط مسلم؛ مردود؛ لأنَّ أبان -راويه عن مجاهد عن جابر- لم يخرج له مسلم شيئًا، والحديث حديثه وعليه يدور، وزعمهم بأن حديث جابر ناسخ لحديث الباب خطأ مردود؛ لأنَّ حديث أبي أيوب صحيح، وحديث جابر ضعيف، فكيف ينسخ الضعيف الصحيح؟! هذا لا يقوله عاقل على أنَّه لا يصار إلى الحديث الضعيف إلَّا عند تعذُّر الجمع بينهما، وهو ممكن هنا كما سيأتي، على أنَّه محمول على أنَّه رآه في بناء أو نحوه؛ لأنَّ ذلك هو المعهود من حاله عليه السلام لمبالغته في التستر، ولعلَّه رآه حال الاستنجاء وهو محتمل فيسقط الاستدلال به.
واستنبط ابن التين من الحديث منع استقبال النَّيِّرين في حالة الغائط والبول، وكأنَّه قاسه على الاستقبال، وليس القياس بظاهر، وإن كان الحكم كذلك فقد نص أئمتنا على كراهة استقبالهما؛ أي: عين الشمس والقمر احترامًا لهما؛ لأنَّهما آيتان عظيمتان من آيات الله كما في «الإمداد» ؛ أي: لأجل بول أو غائط، كما في «الدر» ، ومفاده: أنَّه لو كان الاستقبال لأجل التطهير؛ لا يكره، كما قدمناه، وإطلاق الكراهة يقتضي التحريم واقتصارهم على الاستقبال يفيد أنَّه لا يكره الاستدبار، كذا قاله بعضهم، واستظهر شيخ شيخنا أنَّ الكراهة هنا للتنزيه؛ لأنَّه لم يرد فيه نهي، لكن سيدي العارف الشيخ عبد الغني النابلسي نقل أنَّه لا يقعد مستقبلًا ولا مستدبرًا لهما؛ للتعظيم، انتهى.
فهذا يفيد كراهة استدبارهما حال قضاء الحاجة وهو الظاهر، والمراد أنَّه يكره استقبال عينهما مطلقًا سواء كان في الصحراء أو في البنيان لا جهتهما ولا ضوئهما، وأنَّه لو كان ساتر يمنع عن العين ولو سحابًا فلا كراهة كما في «شرح مقدمة أبي الليث» ، والظاهر: أنَّ الكراهة إذا لم يكونا في كبد السماء، وإلا فلا استقبال للعين، وهذا كله مستفاد من قوله: (عين
…
) إلخ، مع صريح النقل في ذلك كذا في «منهل الطلاب» .
(12)
[باب من تبرز على لبنتين]
هذا (باب) حكم (من) موصولة وصلتها قوله: (تبرَّز)؛ بتشديد الرَّاء وبالزاي، من التبرز وهو التغوط، وأصل التبرز: الخروج إلى البَراز للحاجة، والبراز؛ بفتح الموحدة: اسم للفضاء الواسع من الأرض، فكنوا به عن حاجة الإنسان، (على لَبِنتين) تثنية لَبِنة؛ بفتح اللام وكسر الموحدة، ويجوز تسكينها مع فتح اللام وكسرها، ويجوز فيه الأوجه الثلاثة كـ (كتف)، وقال الجوهري: