الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيمان محققًا عنده، فلمَّا سأل النبيَّ عليه السلام؛ تحقَّق عنده وجدَّد إيمانه؛ فليحفظ.
(وأنا ضِمام بن ثعلبة)؛ بكسر الضاد المعجمة، وبالثاء المثلثة، والباء الموحدة المفتوحة، (أخو بني سعد بن بكر) بن هوازن، وهم أخوال رسول الله عليه السلام، قدم على النبي الأعظم عليه السلام، بعثه إليه بنو سعد، فسأل عن الإسلام، ثم رجع إليهم فأخبرهم به فأسلموا.
وقال ابن عباس: ما سمعنا بوافد قط أفضل من ضِمام، وكان قدومه سنة تسع، قاله ابن إسحاق والطبري، وقال الواقدي: كان سنة خمس، وفيه نظر لما في «مسلم» : أنَّ قدومه كان بعد نزول النهي عن السؤال في القرآن، وهو في (المائدة)، ونزولها متأخِّرٌ جدًّا، وبما قد عُلِمَ أنَّ إرسال الرسل إلى الدعاء إلى الإسلام إنَّما كان ابتداؤه بعد الحديبية، ومعظمه كان بعد فتح مكة.
وبما في حديث ابن عباس: أنَّ قومه أطاعوه ودخلوا في الإسلام بعد رجوعه إليهم، ولم يدخل بنو سعد في الإسلام إلا بعد وقعة خيبر، وكان في شوال سنة ثمان، فالمعتمد: أنَّ قدوم ضِمام كان في سنة تسع، وبه جزم أبو عبيدة وغيره؛ فافهم.
وفي الحديث دليل لما ذهب إليه العلماء من أنَّ العوام المقلِّدين مؤمنون، وقبول خبر الواحد، وجواز تسمية الأدنى للأعلى دون أنْ يُكنِّيه إلَّا أنَّه نُسخ في حقِّه عليه السلام، وجواز الاتِّكاء بين الناس في المجالس، وجواز تعريف الرجل بصِفته من البياض والحمرة، والطول والقصر، والاستحلاف على الخبر؛ ليُعلم اليقين، وفيه التعريف بالشخص، وفيه النسبة إلى الأجداد.
فائدة: هل النجدي السائل في حديث طلحة بن عبيد الله السابق هو ضِمام بن ثعلبة أو غيره، قال جماعة: إنَّه هو إيَّاه، والنجدي هو ضِمام بن ثعلبة، وإليه مال ابن عبد البر والقاضي عياض، وقيل: غيره، والله أعلم.
(رواه)؛ أي: هذا الحديث، وفي رواية:(ورواه) بالواو (موسى) بن إسماعيل، كما في رواية أبو سلمة المنقري التَّبُوذَكِي، (و) رواه أيضًا (علي بن الحُميد)؛ بضم الحاء المهملة وسكون المثناة التحتية، بن مصعب المَعْنِي؛ بفتح الميم، وسكون العين المهملة، وكسر النون، بعدها ياء؛ نسبة إلى مَعَن بن مالك، المتوفى سنة اثنتين وعشرين ومئتين؛ كلاهما (عن سليمان) زاد في رواية:(ابن المغيرة) أبي سعيد القيسي البصري، المتوفى سنة خمسين أو خمس وستين ومئة، وفي رواية:(أخبرنا سليمان)، (عن ثابت) هو البُنانيُّ؛ بضم الموحدة وبالنونين؛ نسبة إلى (بنانة) بطن من قريش، أو اسم أمه (بنانة)، واسم أبيه: أسلم، العابد البصريُّ، المتوفَّى سنة ثلاث وعشرين ومئة.
(عن أنس) بن مالك رضي الله عنه، (عن النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم بهذا)؛ أي: بمعناه، وفي رواية:(مثله)، وحديث موسى بن إسماعيل موصولٌ في «صحيح أبي عَوانة» ، وحديث علي بن الحُميد موصولٌ عند الترمذي أخرجه عن المؤلف.
(7)
[باب ما يذكر في المناولة وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان]
هذا (باب ما يُذكَر)؛ بضم المثناة التحتية وفتح الكاف، (في المناولة) من النوال وهو العطاء، وهي نوعان:
أحدهما: المقرونة بالإجازة؛ وهي أن يرفع الشيخ إلى الطالب أصل سماعه مثلًا ويقول: هذا سماعي وأجزت لك روايته عني، وهذه حالة محل السماع عند مالك والزهري وغيرهما، فيجوز إطلاق (حدثنا) و (أخبرنا) فيها، والصحيح: أنَّه منحطٌّ عن درجته، وعليه الأكثر.
والآخر: المناولة المجرَّدة عن الإجازة، وهي بأنْ يُناوله أصل السماع كما علمت، ولا يقول له: أجزت لك الرواية عني، وهذه لا تجوز الرواية بها على الصحيح، ومراد المؤلف القسم الأول، وهو غير العرض السابق؛ فافهم.
(وكتابِ أهل العلم بالعلم) بجرِّ (كتاب) عطفًا على قوله: (في المناولة)، (إلى) أهل (البُلْدان)؛ بضمِّ الموحدة وسكون اللام، جمع بلد، وأهل القرى وغيرهما، وهي أن يكتب الشيخ إلى الطالب شيئًا من حديثه، وهي نوعان؛ أحدهما: المقرونة بالإجازة، وثانيهما: الخالية عنها، والصحيح في الثانية: أنَّه يجوز الرواية بها؛ بأن يقول: كتب إليَّ فلان قال: حدثنا بكذا.
وقد سوَّى المؤلف الكتابة المقرونة بالإجازة بالمناولة، ورجَّح قوم المناولة عليها؛ لحصول المشافهة بها بالإذن دون المكاتبة، وجوَّز جماعة الإخبار فيهما، والأَولى ما عليه المحقِّقون من اشتراط بيان ذلك.
(وقال أنس) وفي رواية: (أنس بن مالك)، كما وصله المؤلف في (فضائل القرآن) :(نسخ عثمان) وفي رواية: (عثمان بن عفان) أحد الخلفاء والعشرة، المتوفى شهيد الدار يوم الجمعة لثمان عشرة خلت من ذي الحجة، سنة خمس وثلاثين، عن تسعين سنة، ومدَّةُ خلافته ثنتي عشرة سنة رضي الله عنه (المصاحف)؛ بفتح الميم جمع مصحف، ويجوز في ميمه الحركات الثلاث، مأخوذة من أصحف؛ أي: جمعت فيه الصُّحُف؛ بضمتين جمع صحيفة؛ وهي الكتابة، قال المؤلف في (فضائل القرآن) : إنَّ حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية، وفيه: ففزع
(1)
حذيفةُ من اختلافهم في القراءة، فقال لعثمان: أدركْ هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلافَ اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة بنت عمر رضي الله عنهماأنْ أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردُّها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وفيه: حتى إذا نسخوها ردَّ عثمان الصحف إلى حفصة (فبعث بها)؛ أي: أرسل عثمان بالمصاحف (إلى الآفاق)؛ بمدِّ الهمزة، جمع أفق؛ أي: أرسل إلى كلِّ أُفق بمصحف ممَّا نسخوا، وفي غير «البخاري» : أنَّ عثمان أرسل مصحفًا إلى الشام، ومصحفًا إلى الحجاز، ومصحفًا إلى اليمن، ومصحفًا إلى البحرين، وأبقى عنده مصحفًا؛ لتجتمع الناس على قراءة ما يُعلم ويُتقن.
وقيل: هي أربعة، بعث واحدًا إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وآخر إلى الشام، وحبس عنده آخر، وعليه الأكثر، وقيل: إنها سبعة، ودلالة هذا على تجويز الرواية بالمكاتبة ظاهرة، فإنَّ عثمان أمرهم بالاعتماد على ما في تلك المصاحف ومخالفة ما عداها، والمستفاد من بعثه المصاحف إنَّما هو قبول إسنادِ صورة المكتوب بها، لا أصل ثبوت القرآن؛ فإنَّه متواتر عندهم؛ فافهم.
(ورأى عبد الله بن عمر) هو ابن عاصم بن عمر بن الخطاب، أبو عبد الرحمن القرشي العدوي المدني، المتوفى سنة إحدى وسبعين ومئة، وقال ابن حجر العسقلاني: عبد الله هذا هو ابن عَمرو ابن العاص، مستدلًا بكلامٍ أوهنَ من العنكبوت، ولا يقوله من سكن البيوت، فلا يعول عليه، وقد ردَّه الشيخ الإمام بدر الدين العيني بما يطول، ونقله عنه القسطلاني وأقرَّه، والصواب: ما قلناه، وبه جزم الكرماني وقطب الدين وغيرهما؛ فليحفظ.
(و) كذا رأى (يحيى بن سعيد) الأنصاري المدني (ومالك)، وللأصيلي:(مالك بن أنس) الإمام، (ذلك جائزًا) إشارة إلى كل واحد من المناولة والكتابة باعتبار ووردت الإشارة بذلك إلى المثنى كما في قوله تعالى:{عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68]؛ أي: ما ذكر من الفارض والبكر، فأشار بذلك إلى المثنى، أفاده في «عمدة القاري» ، وفيه كلام يتعلَّق بالمناولة، وأنَّها ثمانية أقسام؛ فراجِعْها فإنَّها مفيدة، ولولا الإطالة لذكرتها؛ فافهم.
(واحتج بعض أهل الحجاز) هو الحُميدي شيخ المؤلف، وإنَّما سُمِّيتْ بذلك؛ لأنَّها حجزت بين نجد والغور، وقيل: هي مكة والمدينة ويمامة وقراها (في) صحة (المناولة بحديث النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم؛ حيث كتب)؛ أي: أمر بالكتابة (لأمير) وفي رواية: (إلى أمير)، (السَّرِيَّة)؛ بفتح السين المهملة وتشديد المثناة التحتية؛ قطعة من الجيش، وهو عبد الله بن جحش المجدع، أخ زينب أم المؤمنين (كتابًا وقال: لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا وكذا) وفي رواية عروة: أنه قال: (إذا سرت يومين فافتح الكتاب)، وفي أخرى:(لا نقرأ) بنون الجمع مع حذف الضمير، ويلزم منه كون (نبلغ) بالنون أيضًا؛ كذا قيل.
(فلما بلغ ذلك المكان) وهو نخلة بين مكة والطائف، (قرأه على الناس وأخبرهم بأمر النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم، ولم يذكره المؤلف موصولًا في كتابه هذا، لكن وصله الطبراني بإسنادٍ حسن، وذكره ابن إسحاق في «المغازي» مرسلًا، وساقه إمامنا بدر الدين العيني في «شرحه» ؛ فيراجع، والدلالة منه ظاهرة، فإنه جاز له الإخبار بما في الكتاب بمجرد المناولة، ففيه المناولة ومعنى الكتابة.
[حديث: أن رسول الله بعث بكتابه رجلًا
وأمره أن يدفعه إلى]
64 -
وبه قال: (حدثنا إسماعيل بن عبد الله) هو ابن أبي أويس المدني، (قال: حدثني) بالإفراد (إبراهيم بن سعْد)؛ بإسكان العين؛ سبط عبد الرحمن بن عوف، (عن صالح) هو ابن كَيسان الغِفاري المدني، (عن ابن شهاب) محمد ابن مسلم الزُّهري، (عن عُبيد الله)؛ بالتصغير، (ابن عبد الله)؛ بالتكبير، (ابن عُتْبَة)؛ بضم المهملة، وإسكان المثناة الفوقية، وفتح الموحدة، (ابن مسعود: أنَّ عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما (أخبره: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه رجلًا)؛ أي: بعث رجلًا متلبِّسًا بكتابه مصاحبًا له، و (رجلًا) منصوب على المفعولية؛ وهو عبد الله بن حُذافة السَّهْميِّ، كما صرح به المؤلف في (المغازي)؛ بضم الحاء المهملة وبالذال المعجمة، وبعدَ الألف فاء، ابن قيس القرشي، أخ خنيس بن حذافة، زوج حفصة، المتوفى في خلافة عثمان، رضي الله عنهما.
(وأمره) عليه السلام (أن يدفعه)؛ أي: بأن يدفعه، و (أنْ) مصدريَّة؛ أي: يدفعه، (إلى عظيم البحرين) هو المنذر بن ساوَى؛ بالسين المهملة وفتح الواو، والبحرين؛ بلد بين البصرة وعمان، وهي بلفظ التثنية، وإنَّما ثنَّوها؛ لأنَّ في ناحية قراها بحيرة على باب الإحياء وقرى هجر، بينهما وبين البحر الأخضر
(1)
في الأصل: (ففرغ).
عشرة فراسخ، وقدر البحيرة ثلاثة أميال في مثلها.
وقد صالح النبي عليه السلام أهل البحرين، وأمَّر عليهم العلاء بن الحضرمي، وبعث العلاء إلى المنذر بن ساوَى، فصدَّق وأسلم، وإنَّما قال:(عظيم البحرين) ولم يقل: ملك البحرين؛ لأنَّه لا ملك ولا سلطنة للكفار، فإنَّ الكل لرسول الله عليه السلام ولمن ولَّاه.
(فدفعه) معطوف على مقدر؛ أي: فذهب به إلى عظيم البحرين فدفعه إليه ثم دفعه (عظيم البحرين إلى كسرى)؛ بفتح الكاف وكسرها، والكسر أفصح، فارسي معرب (خسرو)، جمعه أكاسرة على غير قياس، وهو لقب لكلِّ مَن مَلَك الفرس، كما أنَّ (قيصر) لقب لكلِّ مَن مَلَك الروم؛ وهو أبرويز بن هرمز بن أنوشروان، وليس هو أنوشروان.
(فلمَّا قرأه) وفي رواية: بحذف الهاء؛ أي: قرأ كسرى الكتاب، (مزَّقَه) جواب (لمَّا)؛ أي: قطعه شقفًا، قال ابن شهاب الزُّهري:(فحسبتُ)؛ أي: ظننت، (أنَّ ابن المسيب)؛ بفتح المثناة التحتية وكسرها، قيل: الرواية بالفتح، (قال:) ولما مزقه وبلغ النبي عليه السلام ذلك غضب، (فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ)؛ أي: بأن (يُمزَّقوا)؛ أي: بالتمزيق، فـ (أنْ) مصدريَّة، (كلَّ مُمَزَّق)؛ بفتح الزاي في الكلمتين؛ أي: يُمزَّقوا غايةَ التمزيق، فسلَّطَ الله على كسرى ابنه شيرويه، فقتله بأنْ مزَّقَ بطنه سنة سبع، فتمزق ملكه كلَّ ممزق، وزال من جميع الأرض، واضمحل بدعوته عليه السلام، وقال عليه السلام:«إذا مات كسرى فلا كسرى بعدَه» ، وكان ملكه سبعًا وأربعين سنة وسبعة أشهر، وكتب كسرى إلى باذان عامله في اليمن: إنَّه بلغني أنَّ رجلًا من قريش يزعم أنَّه نبيٌّ، فسِرْ إليه فاستتبه، فإن تاب، وإلَّا فابعث إليَّ برأسه، فبعث باذان بكتابه إلى النبي عليه السلام، فكتب إليه عليه السلام: إنَّ الله وعدني بقتل كسرى في هذه الليلة لسبع ساعات مضت منها، وهي ليلة الثلاثاء لعشر خلون من جمادى الأولى سنة سبع، فلمَّا أتى باذان الكتاب قال: إنْ كان نبيًّا سيكون كما قال، فسلَّط الله عليه ابنه شيرويه، فقتله في اليوم الذي قال رسول الله عليه السلام، فلمَّا بلغ باذان بعث بإسلامه وإسلام مَن معه من الفرس، وتمامه في «عمدة القاري» .
وفي الحديث جواز الكتابة بالعلم إلى البلدان، وجواز الدعاء على الكفار، ووجه الدلالة من الحديث: أنَّه عليه السلام لم يقرأ الكتاب على رسوله، ولكن ناوله إيَّاه، وأجاز له أنْ يُسند ما فيه عنه.
[حديث: كتب النبي كتابًا فقيل له: إنهم لا يقرؤون كتابًا
إلا]
65 -
وبه قال: (حدثنا محمد بن مُقاتل) بصيغة الفاعل من المقاتلة بالقاف والمثناة الفوقية، المتوفى سنة ست وعشرين ومئتين، وفي رواية:(أبو الحسن المروزي)، (قال: أخبرنا)، وفي رواية:(حدثنا)، (عبد الله)؛ أي: ابن المبارك؛ لأنَّه إذا أُطلق (عبد الله) فيمَن بعدَ الصحابة؛ فالمراد هو، كما أنَّه إذا أُطلق الإمام الأعظم؛ فالمراد به أبو حنيفة، التابعي الجليل، رئيس المجتهدين رضي الله عنه.
(قال: أخبرنا شُعبة)؛ هو ابن الحَجَّاج، (عن قَتادة) بن دِعامة السدوسي، (عن أنس بن مالك)، وسقط (ابن مالك) في رواية، رضي الله عنه، (قال: كتب النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم؛ أي: كتب الكاتب بأمره، وقيل: إنَّه عليه السلام كتب بيده الشريفة، وسيأتي تحقيقه، (كتابًا) مفعول (كتب)؛ لأنَّه اسم لا مصدر؛ أي: إلى العجم أو إلى الروم، كما صرح بهما المؤلف في (كتاب اللباس)، (أو أراد أن يكتب) شكٌّ من الراوي أنس؛ أي: أراد الكتابة، فـ (أنْ) مصدريَّة، (فقيل له) عليه السلام (إنَّهم)؛ أي: الروم أو العجم (لا يقرؤون كتابًا إلَّا مختومًا)؛ خوفًا من كشف أسرارهم، و (مختومًا) نُصب على الاستثناء؛ لأنَّه من كلام غير موجب، (فاتخذ) عليه السلام (خاتمًا مِن فِضَّة) مفعول (اتخذ)، و (مِن)؛ بكسر الميم؛ بيانيَّة، و (الفاء) مكسورة، (نقْشُه)؛ بسكون القاف: مبتدأ، (محمَّدٌ رسولُ الله) جملة اسمية من المبتدأ والخبر؛ خبر المبتدأ الأول، والرابط كون الخبر عين المبتدأ، كأنَّه قيل: نقْشُه هذا المذكور.
ونقل الشيخ الإمام علاء الدين في «شرحي التنوير والملتقى» : أنَّ نقش خاتمه عليه السلام كان ثلاثة أسطر، لفظ الجلالة أعلاه، وتحتها (محمد)، وتحته (رسول)، اهـ؛ فليحفظ، وانظر الهامش.
الله
محمد
رسول
(كأني أنظر إلى بياضه) وأصل (كأنَّ) للتشبيه، ولكنها هنا للتحقيق، ذكره الكوفيون والزجاج، ومع هذا لا تخلو عن معنى التشبيه، والجملة محلها رفع خبر (كأنَّ)، حال كونه (في يده) الشريفة، وهو من إطلاق الكل وإرادة الجزء، فإنَّ الخاتم ليس في اليد؛ بل في إصبعها، وفيه القلب؛ لأنَّ الإصبع في الخاتم، لا الخاتم في الإصبع، كذا قرره في «عمدة القاري» .
قال شعبة (فقلت لقَتادة) بن دِعامة: (مَن قال) جملة اسمية، و (من) استفهامية، (نقشه محمد رسول الله) مقول القول، (قال: أنسٌ) قاله.
وفي الحديث جواز كتابة العلم إلى البلدان، وجواز الكتاب إلى الكفار، وختم الكتاب للسلطان، والقضاة، والحكام، والنُّظَّار، وفيه جواز استعمال خاتم الفِضَّة للرجال، قال القاضي عياض: وهو بالإجماع، وأجمعوا على تحريم لبس خاتم الذهب للرجال، وشَذَّ قول ابن حزم؛ حيث أباحه، وبعضهم كرهه، قال النووي: هذان القولان باطلان.
وفيه جواز نقش الخاتم، ونقش اسم صاحبه، ونقش اسم الله فيه؛ بل فيه كونه مندوبًا، وهو قول أئمتنا الأعلام ومالك وغيرهم، ولكن يجعله في كمه أو بيمينه إذا دخل الخلاء أو استنجى.
وكان نقشُ خاتم الصديق الأكبر: نعم القادر الله، وعمر: كفى بالموت واعظًا، وعثمان: ليصبرن أو لتندم، والصديق الأصغر: الملك لله، وخاتم إمامنا الإمام الأعظم: قل الخير وإلَّا فاسكت، مقتبس من قوله عليه السلام:«مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليقل خيرًا وإلَّا فيسكت» ، وخاتم الإمام أبي يوسف: مَن عمل برأيه؛ فقد ندم، والإمام محمد: من صبر ظَفِر؛ بفتح الظاء المعجمة وكسر الفاء، كذا في «شرح الملتقى» للإمام الشيخ علاء الدين المفتي بدمشق الشام، والإمام والخطيب بجامعها جامع بني أمية، جعله عمارًا إلى قيام الساعة.
(8)
[باب من قعد حيث ينتهي به المجلس]
هذا (باب) حكم (مَن) موصولة، وجملة (قعد) صلتها، (حيث) بالبناء على الضم منصوب على الظرفية المكانية، (ينتهي به المجلس) فاعل، (ومَن رأى فرجة) عطف على (مَن قعد)؛ بضم الفاء وفتحها لغتان، وهي الخلل بين الشيئين، وفُرِّق بينهما: فالضم: اسم للخلل بين الشيئين، والفتح: للتفصي من الهمِّ.
(في الحلقة)؛ بسكون اللام وفتحها، والأول أشهر، والثاني استعمال العوام، وهي كلُّ مستدير خالي الوسط، والجمع حَلَق؛ بفتح الحاء واللام، (فجلس فيها)؛ أي: في الفرجة، وفي رواية:(إليها)، وإنَّما قال:(في الحلقة) ولم يقل: في المجلس؛ ليطابق لفظ الحديث، وقال في الأول:(به المجلس)؛ لأنَّ الحكم فيهما واحد.
[حديث: ألا أخبركم عن النفر الثلاثة]
66 -
وبه قال: (حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس المدني، (قال: حدثني) بالإفراد، (مالك) الإمام، (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري البخاري، ابن أخ أنس لأمه، التابعي المتوفى سنة اثنتين وثلاثين ومئة.
(أن أبا مُرَّة)؛ بضم الميم وتشديد الراء، اسمه: يزيد، (مولى عقيل)؛ بفتح العين، (بن أبي طالب)، وقيل: مولى أخيه علي، وقيل: مولى أختهما أم هانئ، (أخبره عن أبي واقد)؛ بالقاف المكسورة والدال المهملة، اسمه: الحارث بن عوف أو الحارث بن مالك، أو عوف بن الحارث والأول أصح، الصحابي (الليثي)؛ بالمثلثة، البدري في قول، المتوفى بمكة سنة ثمان وستين، وصرَّح أبو مُرَّة عند النسائي فقال:(عن أبي مُرَّة: أنَّ أبا العالية واقد حدَّثه)(أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما) أصله: (بين) زيدت فيه لفظة (ما)، وهو من الظروف التي لزمت إضافتها إلى الجملة، وفي رواية:(بينا) بدون (ما) وأصلها: (بين)، فأشبعت فتحة النون بالألف، والعامل فيه معنى المفاجأة (هو) مبتدأ، خبره (جالس) حال كونه (في المسجد) النبوي، (والناس معه) جملة حالية، (إذ أقبل) جواب (بينما)، وقدَّمنا: أنَّ الأصمعيَّ لا يستفصح مجيء (إذ) و (إذا) في جواب (بين)، (ثلاثة) فاعل (أقبل)، (نفر) بالتحريك؛ عدة رجال، من الثلاثة إلى العشرة، والمراد: ثلاثة رجال من الطريق، فدخلوا المسجد كما في حديث أنس:(فإذا ثلاثةُ نفرٍ مارين)، ولم يتعرف أسماؤهم ولا واحدًا.
(فأقبل اثنان) منهم (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد) منهم، (قال: فوقفا على) مجلس (رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: اشترفا عليه، وقال ابن حجر: (على) بمعنى (عند)، وردَّه في «عمدة القاري» : بأنَّها لم تجئ بمعناها؛ فليحفظ، وفي رواية:(فلما وقفا سلما).
(فأمَّا)؛ بفتح الهمزة وتشديد الميم: تفصيليَّة، (أحدهما) بالرفع مبتدأ، خبره قوله:(فرأى فُرجة)؛ بضم الفاء، (في الحلقة فجلس فيها) وأتى بالفاء في (فرأى)؛ لتضمُّن (أمَّا) معنى الشرط، وفي رواية:(فَرجة)؛ بفتح الفاء، كما مرَّ.
(وأمَّا الآخَر)؛ بفتح الخاء؛ أي: الثاني، (فجلس خلفَهم) بالنصب على الظرفية، لعلَّه لم يجد فرجة؛ فتأمَّل، (وأمَّا الثالث؛ فأدبر) من الإدبار؛ أي: التولِّي، حال كونه (ذاهبًا)؛ أي: أدبر مستمرًا في ذهابه ولم يرجع.
(فلمَّا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن حديثه، (قال: ألَا)؛ بالتخفيف حرف تنبيه، ويَحتمل أنْ تكون (الهمزة) للاستفهام و (لا) للنفي، (أُخبِرُكم عنِ النفر الثلاثة)، فقالوا: أخبرنا عنهم يا رسول الله، فقال:(أمَّا)؛ بالتشديد للتفصيل، (أحدُهم فآوى) بهمزة مقصورة؛ أي: لجأ، (إلى الله تعالى)، أو دخل مجلس رسول الله عليه السلام (فآواه)؛ بالمد، (الله إليه)؛ أي: جازاه بنظير فِعْله، بأنْ جعله في رحمته ورضوانه، أو يؤويه يوم القيامة إلى ظِلِّ عرشه، فنسبة الإيواء إلى الله