الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثامن عشر: قالوا: فيه دليل على ثبوت الولاء في سائر وجوه
(1)
العتق؛ كالكتابة والتَّعليق بالصِّفة وغيرها.
التاسع عشر: فيه دليل على قبول خبر العبد والأمة؛ لأنَّ بريرة أخبرت أنَّها مكاتبة، فأجابتها عائشة بما أجابت، انتهى.
(قال علي) هو ابن عبد الله المديني شيخ البخاري: (قال يحيى) هو ابن سعيد القطان (وعبد الوهاب) هو ابن عبد المجيد الثقفي وهو معطوف على يحيى، وفي رواية ابن عساكر:(قال أبو عبد الله -يعني: البخاري- قال: يحيى وعبد الوهاب)، وعليها فيكون معلقًا، وقد وصله الإسماعيلي من طريق محمَّد بن بشار عنهما، (عن يحيى) هو ابن سعيد الأنصاري، (عن عمرة)؛ أي: المذكورة في السند السَّابق زاد الأصيلي: (نحوه)؛ يعني: نحو رواية مالك من صورة الإرسال، وعدم ذكر (المنبر) و (عائشة)، (وقال جعفر بن عَون) بالنُّون آخره قبلها واو ساكنة، وعين مفتوحة مهملة، مما وصله النسائي والإسماعيلي، (عن يحيى) هو ابن سعيد الأنصاري (قال: سمعت عمرة قالت: سمعت عائشة)، ففي هذا الطريق التصريح بسماع كل من يحيى وعمرة، فأُمِنَ بذلك الإرسال بخلاف السَّابق، فإنَّه بالعنعنة مع إسقاط عائشة، وإنما أفرد المؤلف رواية سفيان؛ لمطابقتها للتَّرجمة بذكر المنبر فيها، ويؤيده أنَّ التَّعليق عن مالك متأخر في رواية كريمة عن طريق جعفر بن عون؛ فافهم، وتمامه في «عمدة القاري» .
(رواه) ولأبي ذر، والأصيلي:(ورواه) بالواو؛ أي: حديث الباب، وهذه رواية (الفرع) وفي رواية تقديمه عن قوله:(قال علي)(مالك) : هو ابن أنس الأصبحي، فيما وصله المؤلف في باب المكاتب، (عن يحيى) هو ابن سعيد، (عن عمرة) هي بنت عبد الرحمن المذكورة:(أن بريرة)؛ يعني: فذكر الحديث، لكنه لم يسنده إلى عائشة، (ولم يذكر) مالك فيه قوله:(فصعد المنبر)، وفي رواية:(ولم يذكر صعد على المنبر)، فصورة سياقه الإرسال، وقد وصله النسائي والإسماعيلي من رواية جعفر بن عون، وفيه عن عائشة قالت: (أتتني بريرة
…
)؛ فذكر الحديث، وليس فيه ذكر المنبر أيضًا، والله تعالى أعلم.
(71)
[باب التقاضي والملازمة في المسجد]
هذا (باب) بيان حكم (التقاضي) بالضَّاد المعجمة؛ أي: مطالبة الغريم بقضاء الدَّين (و) حكم (الملازمة)؛ أي: ملازمة الغريم في طلب الدَّين، وقوله:(في المسجد) متعلق بـ (التقاضي)، وبـ (الملازمة) أيضًا بالتقدير؛ لأنَّه معطوف عليه، قاله إمام الشَّارحين، قلت: فهو على سبيل التنازع أو حذف من الأول بناء على ما اختاره البصريون، والألف واللَّام في (المسجد) للجنس، فيشمل كل مسجد من مساجد المسلمين، وجوَّز العجلوني أن يكون (في المسجد) حال من التقاضي ومن الملازمة، قلت: الأول أظهر كما لا يخفى؛ فافهم.
[حديث: ضع من دينك هذا]
457 -
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا) بالجمع، ولابن عساكر:(حدثني) بالإفراد (عبد الله بن محمَّد) هو ابن عبد الله بن جعفر بن اليمان الجعفي البخاري، المعروف بالمسندي، المتوفى يوم الخميس لست ليال بقين من ذي القعدة سنة تسع وعشرين ومئتين (قال: حدثنا عثمان بن عُمر)؛ بِضَمِّ العين المهملة: هو ابن فارس البصري العبدي (قال: أخبرنا يونس) هو ابن يزيد الأيلي، (عن الزهري) هو محمَّد بن مسلم ابن شهاب المدني، (عن عبد الله بن كعب بن مالك) هو الأنصاري السلمي المدني (عن كعب)؛ أي: أبيه ابن مالك الأنصاري الشاعر، أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم حين تخلفوا عن غزوة تبوك، وأنزل فيهم: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا
…
} الآية [التوبة: 118]، المتوفى بالمدينة سنة خمسين، وكان ابنه عبد الله قائده حين عمي رضي الله عنهم:(أنه) بفتح الهمزة؛ أي: كعبًا (تقاضى)؛ بالضَّاد المعجمة؛ أي: طالب، وهو على وزن (تفاعل)، وأصل هذا الباب لمشاركة أمرين فصاعدًا؛ نحو: تشاركا، قاله الشَّارح، وقوله:(ابنَ أبي حدرد) بنصب (الابن) مفعول لـ (تقاضى)؛ لأنَّه متعد إلى مفعول واحد وهو الابن، قاله الكرماني، واعترضه إمام الشَّارحين فقال: إذا كان (تفاعل) من (فاعل) المتعدي إلى مفعول واحد كضارب؛ لم يتعد، وإن كان من المتعدي إلى مفعولين كجاذبته الثوب؛ يتعدى إلى واحد، انتهى، قلت: فقد أطلق الكرماني في محل التقييد، والمراد: الثاني، كما لا يخفى.
وقوله: (دينًا) : منصوب بنزع الخافض؛ أي: بدين؛ قاله الكرماني.
قال الشَّارح: إنَّما وُجِّه بهذا؛ لأنَّا قلنا أن (تفاعل) إذا كان من المتعدي إلى مفعولين؛ لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد، انتهى.
قلت: وعلى هذا فليس (دينًا) منصوب بـ (تقاضى)؛ لأنَّ (تقاضى) مطاوع (قاضى) المتعدي إلى اثنينن فيتعدى لواحد، وقول «القاموس» : من تقاضاه الدين؛ بمعنى: أقبضه لا طالبه، كما ذكره المؤلف في باب (الصلح).
وقول العجلوني: (ويجوز أن يكون بمعنى: سأله الدين، فيصح أن ينصب مفعولين)؛ ممنوع؛ لأنَّ اللَّفظ يرده، فإن المقاضاة غير السؤال، كما لا يخفى.
واسم أبي حدرد: عبد الله بن سلامة، كما صرح به البخاري في إحدى رواياته، وهو صحابي على الأصح، شهد الحديبية وما بعدها، توفي سنة إحدى أو اثنتين وسبعين عن إحدى وثمانين سنة، وقال الذهبي: عبد الله بن سلامة بن عُمَيْر؛ هو عبد الله ابن أبي حدرد الأسلمي، أُمِّر على غير سرية، وحروف (حَدْرَد) كلها مهملات، والحاء والرَّاء مفتوحتان، والدَّال ساكنة، وقال الجوهري: حدرد: اسم رجل، ولم يأت من الأسماء على «فعلع» ؛ بتكرار العين غيره، كذا في «عمدة القاري» ، قلت: وهو في الأصل: القصير، ثم جعل عَلمًا؛ فافهم.
وقوله: (كان له عليه) : جملة محلها النصب صفة لقوله: (دينًا)؛ أي: كان لكعب على ابن أبي حدرد، وكان الدين أوقيتين، كما أخرجه الطَّبراني من طريق الزهري عن كعب: أنَّه عليه السلام مر به وهو ملازم رجلًا في أوقيتين، فقال له عليه السلام:«هكذا» ؛ أي: ضع الشطر، فقال الرجل: نعم يا رسول الله، فقال:«أد إليه ما بقي من حقه» ، (في المسجد)؛ أي: الشريف النَّبوي، والجار والمجرور متعلق بـ (تقاضى)، قاله الشَّارح، قلت: فالألف واللَّام فيه للعهد.
وجوز العجلوني أن يكون الجار والمجرور حال من فاعله أو مفعوله أو منهما، انتهى.
قلت: الأول أظهر؛ لأنَّ ذلك صفة لازمة سيق به؛ لأجل مطابقته للتَّرجمة، أما الحال؛ فصفة غير لازمة، فكونه حالًا هنا غير ظاهر، والأظهر الأول كما لا يخفى؛ فافهم.
(فارتفعت)؛ أي: عَلَتْ عن الأصل (أصواتهما) بالجمع، وهو فيه من قبيل قوله تعالى:{فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]، ويجوز اعتبار الجمع في صوتيهما باعتبار أنواع الصوت، قاله إمامنا الشَّارح (حتى سمعهما)؛ أي: الرجلين باعتبار الأصوات
(1)
في الأصل: (الوجوه).
أو باعتبار الصوتين نظرًا إلى أنَّه المراد، ويدل عليه أنَّه عند أبي ذر والأصيلي في روايتهما:(حتى سمعها)؛ أي: الأصوات (رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: (وهو) أي: النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم (في بيته) جملة اسمية في محل نصب على الحال من رسول الله عليه السلام، (فخرج) أي: النَّبي الأعظم عليه السلام من بيته (إليهما)؛ أي: إلى الرجلين؛ ليفصل بينهما، والفاء للتعقيب، وفي رواية الأعرج: (فمر بهما النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم.
قال إمام الشَّارحين: (فإن قلت: كيف التوفيق بين الروايتين؛ لأنَّ الخروج غير المرور؟ قلت: وفَّق قوم بينهما بأنَّه يحتمل أن يكون مرَّ بهما أولًا، ثم إنَّ كعبًا لما أشخص خصمه للمحاكمة فتخاصما، وارتفعت أصواتهما، فسمعها عليه السلام، وهو في بيته فخرج إليهما).
واعترضه ابن حجر فزعم أن فيه بعدًا؛ لأنَّ في الطريقين أنَّه عليه السلام أشار إلى كعب بالوضيعة، وأمر غريمه بالقضاء، فلو كان أمره بذلك تقدم؛ لما احتاج إلى الإعادة، والأولى فيما يظهر لي أن يحمل المرور على أمر معنوي لا حسي.
وردَّه إمام الشَّارحين، فقال: وقوله: «وفيه بعد» الذي استبعد هذا فقد أبعد؛ لأنَّ إعادة ذلك قد تكون للتأكيد؛ لأنَّ الوضيعة أمر مندوب، والتأكيد بها مطلوب.
وقوله: «والأولى
…
» إلخ؛ إن أراد بالأمر المعنوي: الخروج؛ ففيه إخراج اللَّفظ عن معناه الأصلي بلا ضرورة، والأولى أن يكون اللَّفظ على معناه الحقيقي، ويكون المعنى أنَّه عليه السلام لما سمع أصواتهما؛ خرج من البيت لأجلهما، ومر بهما، والأحاديث يُفسر بعضها بعضًا، ولا سيما في حديث واحد روي بوجوه مختلفة، وفي رواية الطَّبراني من حديث زمعة بن صالح، عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه: (أنه عليه السلام مر به، وهو ملازم رجلًا
(1)
في أوقيتين، فقال له عليه السلام:«هكذا» ؛ أي: ضع الشطر، فقال الرجل: نعم يا رسول الله، فقال:«أدِّ إليه ما بقي من حقه» ) انتهى.
قلت: وهذا هو الصَّواب، وما زعمه ابن حجر باطل ممنوع.
وقوله: (فيه بُعد)؛ ممنوع؛ لأنَّه لا يلزم من ذكر الإشارة إلى كعب بالوضعية في الطريقين ألا يكون عليه السلام مر بهما، مع أنَّه قد ثبت في رواية الطَّبراني:(أنه عليه السلام مر بهما) كما ساقها إمام الشَّارحين، والعناد بعد ذلك مكابرة، وإعادته عليه السلام الأمر له بالوضيعة ظنًّا منه عليه السلام باحتمال عدم الوضع؛ لأنَّ الأمر فيه للندب، فأعاده؛ للتأكيد ولخوف الغفلة والنِّسيان.
وقوله: (والأولى
…
) إلخ؛ ممنوع؛ لأنَّه لم يبين ما معنى هذا الأمر المعنوي؟ وكيف يحمل عليه واللَّفظ في الأحاديث صريح في المعنى الحقيقي؟! فالحمل عليه متعين؛ لأنَّه لا يعدل عن المعنى الحقيقي إلا لضرورة، وههنا يتعين الحمل على الحقيقي، والحمل على المعنوي هنا مخالف لصريح لفظ الأحاديث، فلا يعول عليه مع أن معناه غير ظاهر؛ فافهم.
وزاد في الطنبور نغمة العجلوني فزعم معترضًا على إمام الشَّارحين فقال: (أقول: لا شك في استبعاده، واحتمال التأكيد خلاف الأصل، ومراده «والأولى
…
» إلى آخره؛ أي: من هذا الوجه المستبعد، وإن كان الأولى منهما بقاء اللَّفظ على حقيقته) انتهى.
قلت: وهذا كلام فاسد الاعتبار، بل الصَّواب أنَّه غير بعيد عن الأفهام، والمعنى الصَّحيح الموافق للأحاديث هو ما ذكره إمام الشَّارحين؛ لأنَّه لم يُخلَّ بمعنًى من المعاني ويلزم على ما ذكره الزاعم فوت بعض معاني الأحاديث بدون فائدة، وكلامه عليه السلام مصان ومنزه عن عدم الفائدة.
وقوله: (واحتمال التأكيد
…
) إلخ؛ ممنوع؛ لأنَّ التأكيد ههنا لازم؛ حيث إنَّ الأمر المذكور للندب لا للفرضية، فلو كان الأمر فرضًا؛ لا يلزم التأكيد، لكن لما كان الأمر فيه للندب؛ كان التأكيد فيه لازمًا، لاسيما أنَّه عليه السلام قد ظنَّ أنَّه نسي أو غفل بسبب المخاصمة، فأعاده؛ لأجل التأكيد والتذكير وغير ذلك مما يفيد إتيانه بالوضيعة.
وقوله: (ومراده
…
) إلخ؛ هذا تَنزُّلٌ منه، والمحققون قالوا: لا يجوز العدول عن المعنى الحقيقي إلا لضرورة، ولا ضرورة ههنا، فالحمل على المعنى الحقيقي ههنا متعين؛ لأنَّه الأصل في الكلام، والمعنى عليه في الروايات، وعلى ما زعمه الزاعم؛ يلزم منه الخلل في المعاني والألفاظ، وخلو الأحاديث عن المعنى، وهو غير جائز؛ فاجتنب ذلك ولا تكن من الغافلين، والله أعلم؛ فافهم.
(حتى كَشَفَ)؛ بفتحات؛ أي: رفع (سِجْف)؛ بكسر السين المهملة وفتحها، بعدها جيم ساكنة وفاء، قاله إمام الشَّارحين، قلت: وظاهره أن الكسر والفتح سواء، وزعم ابن حجر أنَّه بكسر السين، وقد تفتح فجعل الفتح أقل من الكسر، وهو مخالف لما في «القاموس»؛ لأنَّه قال: السَّجفويكسر، وككِتَاب، وهو صريح في أن الكسر مساوي للفتح أو أقل من الفتح، وهو يَرد ما زعمه ابن حجر، ويدل لما قاله إمامنا الشَّارح؛ فافهم، ولا تكن من الغافلين، أي: ستر (حُجرته)؛ بِضَمِّ الحاء المهملة: حظيرة الإبل، ومنه: حجرة الدار، تقول: احتجر حجرة؛ أي: اتخذها، والجمع: حُجَر -كغُرْفَة وغُرَف- وحُجُرات؛ بِضَمِّ الجيم، وهو غاية لقوله:(فارتفعت أصواتهما)، ووجه جعله غاية أنَّه عليه السلام لما سمع صوتهما؛ إما أنَّه رفع صوته حتى أسمعهما أنَّه سيخرج إليهما؛ لأجل الفصل بينهما، وأنه علم بحالهما، وإما أنَّه قام من مجلسه ومشى حتى انتهى إلى باب حجرته حتى كشف سجفها، فقوله:(فخرج إليهما) يحتمل المعنيين المذكورين، فهذا وجه جعله غاية لقوله:(فخرج إليهما).
وقد خفي هذا على العجلوني فزعم: (وانظر وجه جعله غاية لقوله: «فخرج إليهما» ولو قال: حين كشف؛ لكان أظهر، فكأنَّه أوَّل «فخرج إليهما» بـ «أراد»؛ فتأمل) انتهى.
قلت: أما قوله: (وانظر
…
) إلى آخره؛ قد علمت وجهه مما ذكرناه، وقوله: (ولو قال
…
) إلى آخره؛ ممنوع، ولا حاجة إليه مع ظهور وجهه؛ لأنَّه إذا أمكن العمل بالحقيقة؛ لا يصار إلى المجاز عند المحققين، وعدم التأويل أولى من التأويل، ولا ريب أن كلام الراوي أظهر وأولى؛ لأنَّه متضمن لمعانٍ قد خفيت على كثير؛ فافهم.
وقال إمام الشَّارحين: (قال ابن سيده: السجف: الستر، وقيل: هو الستران المقرونان بينهما فرجة، وكل باب ستر بسترين مقرونين؛ فكل شق منه سجف، والجمع: أسجاف وسجوف، وربما قالوا: السجاف والسجف والتسجيف: إرخاء السجف، زاد في «المخصص» و «الجامع» : وبيت مسجف، وفي «الصِّحاح» : أسجفت الستر؛ أي: أرسلته، وقال:
(1)
في الأصل: (رجل)، وليس بصحيح.