الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التطهير بذلك الماء، وبما يفضل منه، كذا قرره إمام الشارحين في «عمدة القاري» ، ثم قال: (ومطابقة هذا الحديث للترجمة من حيث جواز إدخال الجنب يده في الإناء قبل أن يغسلها إذا لم يكن عليها قذر، يدل عليه قول عائشة:«تختلف أيدينا فيه» ، واختلاف الأيدي في الإناء لا يكون إلا بعد الإدخال، فدل ذلك على أنَّه لا يفسد الماء، فإن قلت: الترجمة مقيدة، وهذا الحديث مطلق.
قلت: القيد المذكور في الترجمة مراعًى في الحديث للقرينة الدالة على ذلك؛ لأنَّ شأن النبيِّ صلى الله عليه وسلم وشأن عائشة أجل من أن يدخلا أيديهما في إناء الماء، وعلى أيديهما ما يفسد الماء، وحديث هشام الآتي أقوى القرائن على ذلك، وهذا هو التحقيق في هذا الموضع، وبهذا ظهر فساد ما ذكره الكرماني من أنَّ ذلك ندب، وهذا جائز) انتهى كلام «عمدة القاري» .
وزعم ابن حجر أنَّ في الحديث دلالة على أنَّ النهي عن انغماس الجنب في الماء الدائم إنَّما هو للتنزيه؛ كراهية أن يستقذره لا لكونه يصير نجسًا بانغماس الجنب فيه.
ورده صاحب «عمدة القاري» فقال: قلت: (هذا الكلام على إطلاقه غير صحيح؛ لأنَّ الجنب إذا انغمس في الماء الدائم لا يخلو إمَّا أن يكون ذلك الماء كثيرًا أو قليلًا، فإن كان كثيرًا؛ نحو الغدير العظيم الذي لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الطرف الآخر، فإنَّ الجنب إذا انغمس فيه لا يفسد الماء، وهل يطهر الجنب أم لا؟ فيه خلاف) انتهى.
واعترضه العجلوني فقال: (لا إطلاق في كلامه للقرينة الدالة على التقييد، وهي قوله: «كراهية أن يستقذر»، ولئن سلمنا أنَّه مطلق؛ فالنهي للتنزيه، كما قال، وحينئذٍ فلا يفسد الماء بتنجيسه وإن كان يسلبه الطهورية لو كان قليلًا) انتهى.
قلت: وهو مردود، فإنَّ الإطلاق في كلامه ظاهر.
وقوله: (كراهية أن يستقذر) ليس بقرينة على عدم الإطلاق؛ لأنَّ القرائن لا بد لها من دليل، ولم يوجد، بل القرينة ظاهرة على الإطلاق؛ لأنَّه عليه السلام حين يتوضأ؛ يبتدر الصحابة وضوءه، فهو دليل على أنَّ قوله:(كراهية أن يستقذر) ممنوع؛ لأنَّه لو كان كذلك؛ لما فعل الصحابة ذلك، وصرح أئمتنا بجواز شربه، والعجن به، وغير ذلك.
وقوله: (ولئن سلمنا
…
) إلخ تسليم منه هذا الإطلاق.
وقوله: (فالنهي للتنزيه
…
) إلخ ممنوع؛ فإنَّه عليه السلام قال: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسلن فيه من الجنابة» ، فهذا النهي مطلق، وهو يوجب التحريم، كما هو ظاهر على أنَّ فساد الفعل مشروع عندنا، وهو قول الجمهور خصوصًا على قول إمامه الشافعي إذا تجرد عن التأكيد، فكيف وقد أُكِّد؟ ولأنَّه لو كان كذلك؛ لما قُيِّد بالدائم، فالجاري يشاركه فيه، ولأنَّه نهاه عن الاغتسال مع شدة الاحتياج إليه؛ لأنَّه مأمور به، فلو لم يستأثر المأمور به؛ لم يفد النهي، وكلام الشارع مصون عن عدم الفائدة، ولأنَّ القياس في الكثير أن ينجس؛ لأنَّ الجزء الذي لاقته النجاسة ينجس بملاقاة النجاسة إياه، وإذا تنجس ذلك الجزء؛ تنجس الجزء الذي يليه بالسريان إليه، وهكذا حتى ينجس جميع الماء، لكن تركنا القياس في الكثير؛ للضرورة؛ لأنَّ صون الكثير في الأواني غير ممكن ولا ضرورة في القليل؛ لإمكان صونه في الأواني، فعملنا فيه بالقياس، وتمامه في «منهل الطلاب» ؛ فافهم.
[حديث: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة غسل يده]
262 -
وبه قال: (حدثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدثنا حمَّاد)؛ بالحاء المهملة، وتشديد الميم: هو ابن زيد؛ لأنَّ البخاري لم يرو عن حمَّاد بن سَلَمَة، كذا قاله في «عمدة القاري» ، (عن هشام) : هو ابن عروة، (عن أبيه) : هو عروة بن الزبير بن العوام رضي الله عنهما، (عن عائشة) : الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما (قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفادت (كان) أنَّ ذلك كان على الدوام والاستمرار (إذا اغتسل من الجنابة)؛ أي: إذا أراد الاغتسال منها؛ (غسل يده)؛ بالإفراد، وفي رواية:(يديه)؛ بالتثنية؛ أي: قبل أن يدخلهما الإناء.
قال صاحب «عمدة القاري» : (هذا الحديث مفسِّر للحديث السابق؛ لأنَّ في الحديث السابق اختلاف الأيدي في الإناء، وظاهره يتناول اليد الطاهرة واليد التي عليها ما يفسد الماء، وبيَّن في هذا أنَّه إذا اغتسل من الجنابة؛ غسل يده؛ يعني: إذا أراد الاغتسال من الجنابة؛ غسل يده، ثم بعد ذلك لا يضر إدخاله اليد في الإناء، لكن هذا عند خشيته من أن يكون بها أذى من الجنابة أو غيرها، أمَّا عند تيقنه بطهارة اليد، فلم يكن يغسلها؛ فبهذا ينتفي التعارض بينهما، أو يكون الحديث السابق محمولًا على تيقنه بعدم طهارة الأخرى، وهذا بظاهره يدل على أنَّه يغسلها قبل إدخالها في الإناء؛ لعدم تيقنه بطهارتها)، ثم قال: والبخاري أخرج هذا الحديث مختصرًا، وأخرجه أبو داود في (الطهارة) عن سليمان بن حرب ومسدد؛ كلاهما عن حمَّاد بن زيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة) قال سليمان: (يبدأ فيفرغ بيمينه)، وقال مسدد:(غسل يده، فصب الإناء على يده اليمنى)، ثم اتفقا:(فيغسل فرجه)، ثم مسدد:(يفرغ على شماله- وربما سكت عن الفرج- ثم يتوضأ كوضوئه للصلاة، ثم يدخل يده في الإناء، فيخلل شعره حتى إذا رأى أنَّه أصاب البشرة أو أنقى البشرة؛ أفرغ على رأسه ثلاثًا، وإذا فضل فضلة؛ صبَّها عليه) انتهى.
[حديث: كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من جنابة]
263 -
وبه قال: (حدثنا أبو الوليد) : هو هشام بن عبد الملك البصري الطيالسي (قال: حدثنا شعبة) : هو ابن الحجاج، (عن أبي بكر بن حفص) : هو ابن غياث، (عن عروة) : هو ابن الزبير بن العوام، (عن عائشة) : الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما (قالت) وفي رواية بحذف (قالت) : (كنت أغتسل أنا والنبيُّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم؛ بالرفع والنصب، وسبق توجيههما قريبًا، (من إناء واحد من جنابة) وفي رواية الكشميهني:(من الجنابة)، وههنا كلمة (من) في موضعين، فالأولى متعلقة بمقدر؛ كقولك: خذ من الماء من إناء واحد، أو الأولى ظرف مستقر، والثانية لغو، ويجوز تعلق الجارين بفعل واحد إذا كان بمعنيين مختلفين، فإنَّ الثانية بمعنى لأجل الجنابة، والأولى بمعنى الابتداء، كذا قرره صاحب «عمدة القاري» ، (وعن عبد الرحمن) هذا معطوف على قول شعبة:(عن أبي بكر حفص)، (بن القاسم) : هو ابن محمَّد الفقيه الرضي بن الرضي، وأمه أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قال ابن عيينة:(لم يكن بالمدينة رجل أرضى من عبد الرحمن، كان ثقة، ورعًا، كثير الحديث، مات سنة ست وعشرين ومئة، قيل: بالمدينة، وقيل: بالقدس)، (عن أبيه) : هو القاسم بن محمَّد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم، (عن عائشة) الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما (مثله)؛ بالنصب والرفع؛ أي: مثل حديث شعبة، عن أبي بكر بن حفص، وللأَصيلي:(بمثله)؛ بزيادة الموحدة.
قال صاحب «عمدة القاري» : (فبيَّن بهذا أنَّ لشعبة إسنادين إلى عائشة؛ أحدهما: عن عروة، والآخر: عن القاسم، وكلاهما عن عائشة، لا يقال: إنَّ رواية عبد الرحمن معلقة؛ لأنَّا نقول: قد بيَّن اتصالها أبو نُعيم والبيهقي من طريق أبي الوليد بالإسنادين، وقالا: أخرجه البخاري عن أبي الوليد بالإسنادين جميعًا، وكذا قال أبو سَعِيْد وغيره في «الأطراف»، وكذا أخرجه النسائي في «الطهارة» عن ابن عبد الأعلى، عن ابن الحارث، عن شعبة به) انتهى.
قلت: فهو موصول، ومن زعم أنَّه معلق؛ فقد أخطأ ووهم؛ فليحفظ.
[حديث: كان النبي صلى الله عليه وسلم والمرأة من نسائه يغتسلان من إناء واحد]
264 -
وبالسَّند قال: (حدثنا أبو الوليد) : هو هشام الطيالسي المتقدم، (قال: حدثنا شعبة) : هو ابن الحجاج، (عن عبد الله بن عبد الله)؛ بتكرار (عبد) مع التكبير في الاسمين (بن جَبْر)؛ بفتح الجيم، وسكون الباء الموحدة:(سمعت أنس بن مالك رضي الله عنهما يقول) والجملة محلها نصب على الحال لا مفعول ثاني لـ (سمعت)، كما تقدم مرارًا:(كان النبيُّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم والمرأةَُ)؛ بالرفع على العطف، والنصب على المعية، واللام للجنس، فيشمل كل امرأة (من نسائه) رضي الله تعالى عنهن الطاهرات (يغتسلان من إناء واحد) وهذا الإسناد بعينه ذكر في باب (علامة الإيمان) لكن بمتن آخر، وهو ثالث الإسناد لشعبة في هذا المتن، لكن من طريق صحابي آخر، كذا قاله صاحب «عمدة القاري» ، ثم قال: (ومطابقة هذا الحديث والذي قبله وإن لم يذكر فيهما غسل
اليد، ولكنهما محمولان على معنى الحديث الثاني، وهو القذر، وهو كاف للتطابق، ولا معنى لتطويل الكلام بلا فائدة نافعة، كما ذكره ابن بطال، وابن المُنيِّر، وغيرهما) انتهى؛ فليحفظ، ثم قال:(وهذا الحديث من أفراد البخاري) انتهى.
قلت: ولا ينافيه قول المؤلف: (زاد مسلم)؛ لأنَّه ليس هذا مسلم بن الحجاج صاحب «الصحيح» المشهور، فإنَّه قد أخذ عن المؤلف، بل هذا هو مسلم بن إبراهيم الأزدي الحافظ الثقة من مشايخ المؤلف، فالمؤلف وقع بين مسلمين (ووهب) : هو ابن جرير بن حازم، وفي رواية الأَصيلي وأبي الوقت:(ابن جرير)؛ أي: ابن حازم، وبذلك جزم أبو نُعيم وغيره، ووقع في رواية أبي ذر:(وُهَيب)؛ بالتصغير، والظاهر أنَّه من الكاتب، كذا قاله إمام الشارحين في «عمدة القاري» .
وزعم ابن حجر (أنَّ وهيبًا
(1)
؛ بالتصغير في ظني أنَّه وهم، ومن جملة إثبات الوهم أنَّ وهب بن جرير من الرواة عن شعبة، ووهيب من أقرانه).
ورده صاحب «عمدة القاري» بأنَّ كونه من أقرانه لا يقتضي منع الرواية عنه، انتهى.
واعترضه العجلوني فزاد في الطنبور نغمة على ابن حجر، فزعم أنَّه لما كان الغالب في الأقران عدم رواية أحدهما عن الآخر؛ صح ما قاله.
قلت: وهو مردود، فإنَّ المفهوم من كلامه أنَّه قد يأخذ الأقران من الأقران وتروي الأقران عن الأقران؛ فصح ما قاله إمام الشارحين، وبطل ما قاله ابن حجر، على أنَّ دعوى كون الغالب في الأقران
…
إلخ فيما إذا كانوا بصفة الكبر والعجب؛ فإنَّ أحدهم لا ينزل نفسه منزلة التلميذ، كما في زماننا، أمَّا في الأزمان الماضية؛ فالغالب عليهم التواضع والأدب، فالغالب في أقرانهم رواية أحدهما عن الآخر، وهو ظاهر؛ فليحفظ.
فذكر مسلم ووهب في روايتهما لهذا الحديث، (عن شعبة) بهذا الإسناد الذي رواه عنه أبو الوليد، فزاد في آخره:(من الجنابة) وروى الإسماعيلي هذا الحديث عن وهب حدثنا شعبة، وقال: لم يذكر (من الجنابة)، وذلك بعد أن أخرجه بغير هذه الزيادة أيضًا من طريق ابن مهديٍّ.
فإن قلت: هل يعد هذا الحديث الذي رواه مسلم ووهب متصلًا أو معلَّقًا؟
قلت: الظاهر: أنَّه تعليق من البخاري بالنسبة إليه؛ لأنَّه حين وفاة وهب كان ابن ثنتي عشرة سنة، ويحتمل أنَّه كان قد سمع منه، وإدخاله في مسلك مسلم يرد ذلك أيضًا.
فإن قلت: لم يذكر شيخ شعبة؟
قلت: يحمل على الشيخ المذكور في الإسناد المتقدم، وهو عبد الله، فكأنَّه عن شعبة، عن عبد الله قال: سمعت أنسًا رضي الله عنه، كذا في «عمدة القاري» ، والله تعالى أعلم؛ اللهم؛ فرج عنا وعن المسلمين يا أرحم الراحمين.
وفي يوم السبت التاسع من جماد الثاني سنة سبع وسبعين ومئتين وألف احترق سوق القطن، وأخذ دارًا من زقاق البرغل حتى وصلت الحريقة إلى باب الحديد باب السيدة جابية؛ بسبب أنَّ الحاكم نبه أنَّه لا يطلع أحد ليلًا من أهل البلد من الساعة الثالثة
(2)
ليلًا إلى الساعة الثانية عشرة
(3)
نهارًا؛ اللهم؛ اكشف عنا العذاب إنَّا مؤمنون يا أرحم الراحمين، آمين.
(10)
[باب تفريق الغُسل والوضوء]
هذا (باب) حكم (تفريق الغُسل) بضمِّ الغين المعجمة (والوضوء) هل هو جائز أم لا؟ كذا قدره إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري» ، وتبعه القسطلاني، قال في «عمدة القاري» :(وذهب البخاري إلى أنَّه جائز، وأيده بفعل ابن عمر رضي الله عنهما على ما نذكره، وهذا الباب وقع في بعض النسخ بعد الباب الذي يليه، وفي أكثرها قبله، كما ترى ههنا، والمناسبة بين البابين من حيث اشتمال كل منهما على فعل جائز، أمَّا في الباب قبله؛ فجائز إدخال اليد في إناء الماء إذا كانت طاهرة، وأمَّا في هذا الباب؛ فجواز التفريق في الغسل والوضوء) انتهى كلامه.
وزعم العجلوني فقدر (جواز) فقط تبعًا للتقدير الذي زعمه ابن حجر، قال العجلوني:(وهو أولى؛ لأنَّ ما ذكره المؤلف في الباب لا يدل إلا على الجواز) انتهى.
قلت: وهو ممنوع، فإنَّه لا يلزم مما ذكره في الباب أنَّه يدل على الجواز أن يكون جائزًا بالإجماع، فإنَّ المؤلف وإن كان مذهبه الجواز، لكن ليس مراده بيان مذهبه، بل مراده بيان الأحكام وبيان مذاهب الناس من الجواز وعدمه، على أنَّ تفريق الغسل والوضوء فيه خلاف كما يأتي، فكيف قال العجلوني تعصبًا وتعنتًا ما قال؟ فافهم.
(ويُذكر) بضمِّ التحتية أوله على صيغة المجهول (عن ابن عمر) : هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وهذا تعليق بصيغة التمريض، ولو قال: وذكر ابن عمر، على صيغة المعلوم لأجل التصحيح؛ لكان أولى؛ لأنَّه جزم بذلك.
ومطابقة هذا الأثر للترجمة ظاهرة في الوضوء، كذا قاله إمام الشارحين؛ فليحفظ.
وزعم العجلوني أنَّه لم يجزم به؛ لكونه ذكره بالمعنى.
قلت: لا يلزم من روايته بالمعنى ذكره بصيغة التمريض، ولعله عند صيغة المجهول والمعلوم واحدة، أو أنَّ في سنده الموصول عند البيهقي رجلًا متهمًا غير معتمد عليه؛ فتأمل.
(أنَّه غسل قدميه) أي: رجليه (بعد ما جف وَضوءه)؛ بفتح الواو؛ أي: الماء الذي توضأ به، وفي رواية بضمِّها، وقد وصله البيهقي عن ابن عمر:(أنَّه توضأ بالسوق، فغسل وجهه، ويديه، ومسح برأسه، ثم دعي لجنازة، فدخل المسجد ليصلي عليها، فمسح على خفيه، ثم صلى عليها)، فهذا نص صريح في عدم وجوب الموالاة بين الأعضاء في التطهير، وهو مذهب الإمام الأعظم، وأصحابه، وابن عمر، وابن المسيب، وعطاء، وطاووس، والنخعي، والحسن، وسفيان بن سَعِيْد، ومحمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم، وقال الإمام الأعظم: إنَّ الموالاة سنة لهذا الحديث، ولأنَّ الله تعالى إنَّما أوجب غسل هذه الأعضاء، فالواجب على الإنسان أن يأتي به سواء كان مفرقًا أو مواصلًا، وهذا قول الشافعي في الجديد وهو الأصح، ورُوِيَ عن عمر، وقتادة، وربيعة، والأوزاعي، والليث، وابن وهب أنَّ الموالاة واجبة، فلو تركها ناسيًا أو عامدًا؛ لا يجزئه، وهو قول الشافعي في القديم، وهو المشهور عن مالك.
وقال ابن القاسم: (إنَّ فرقه يسيرًا أو ناسيًا؛ يجزئه، وعن مالك يجزئه في الممسوح دون المغسول، لكن صرح ابن الحاجب في «مختصره» : أنَّ الأصح أنَّ الموالاة واجبة في الوضوء والغسل مطلقًا) انتهى.
ومذهب أحمد أنها فرض في الوضوء، سنة في الغُسل على الصحيح، وفي رواية عن أحمد: أنها سنة في الوضوء أيضًا، كما في «المنتهى» ، قال: فقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ..} ؛ الآية [المائدة: 6]، الأول: شرط، والثاني: جواب، فإذا وجد الشرط؛ وجب ألَّا يتأخر جوابه، وهذا في (الوضوء) يدل على الموالاة أنَّها واجبة.
قلت: وهو لا يدل على الوجوب؛ لأنَّه لا يلزم من وجود الشرط والجواب ألَّا يكون الجواب متأخرًا عن الشرط؛ لأنَّ المأمور به إنَّما هو غسل هذه الأعضاء، وهو يشمل الوصل والتفريق في غسلها، ويدل لهذا فعل ابن عمر رضي الله عنهما، واستدلوا أيضًا بما رواه أحمد، وأبو داود:(أنَّ النبيَّ عليه السلام رأى رجلًا يصلي، وفي ظهر قدميه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره أن يعيد الوضوء).
قلت: وهو لا يدل على وجوب الموالاة؛ لاحتمال أنَّ الرجل غسل قدميه، وجف هذا الموضع؛ لأنَّ الحر حر الحجاز، فأمره بإعادة الوضوء؛ لوجود ناقض للوضوء من إخراج دم ولم يشعر الرجل، أو غيره، أو أنَّه أمره بإعادة الوضوء زجرًا له حيث إنَّه لم يسبغ الوضوء، أو غير ذلك، والدليل: إذا طرأه الاحتمال؛ بطل الاستدلال به؛ فليحفظ، والعجب من العجلوني مع تعصبه لمذهب إمامه لم يتعرَّض لهذا الاستدلال، بل نقله ومضى عليه؛ فافهم.
أمَّا الغُسل؛ فالموالاة فيه غير واجبة إجماعًا؛ لأنَّ المغسول منه بمنزلة العضو الواحد، كما قدمناه، فلو اغتسل، ثم تمضمض أو استنشق؛ صح غسله؛ لأنَّ البدن عضو واحد؛ فليحفظ.
وقال الإمام الحافظ أبو جعفر الطحاوي: (جفوف الوضوء ليس بحدث؛ فلا ينقض، كما أنَّ جفوف سائر الأعضاء لا تبطل الطهارة) انتهى.
[حديث: وضعت لرسول الله صلى الله عليه سلم ماءً يغتسل به فأفرغ على يديه فغسلهما]
265 -
وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا محمَّد بن مَحبوْب)؛ بموحدتين
(1)
في الأصل: (وهيب)، ولعل المثبت هو الصواب.
(2)
في الأصل: (هو ثلاثة)، ولعل المثبت هو الصواب.
(3)
في الأصل: (اثني عشر)، ولعل المثبت هو الصواب.