الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التصديق بالقلب، وإنَّما الإقرار شرط لإجراء الأحكام في الدنيا؛ لما أنَّ تصديق القلب أمر باطن لا بدَّ له من علامة، فمن صدق بقلبه ولم يقرَّ بلسانه؛ فهو مؤمن عند الله وإن لم يكن مؤمنًا في أحكام الدنيا، ومن أقرَّ بلسانه ولم يصدق بقلبه كالمنافق؛ فبالعكس، وهذا اختيار الشيخ الإمام أبي منصور رضي الله تعالى عنه، والنصوص معاضدة لذلك؛ منها: قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ} [المجادلة: 22]، وقوله:{وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106]، وقوله:{وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14]، وتمامه في محله، وبهذا علم أن الإنسان إما مؤمن أو كافر، ولا واسطة بينهما عند أهل السنة، وأثبت المعتزلة واسطة، فقالوا: الفاسق لا مؤمن ولا كافر، والصحيح: أن المعتزلة فسقة؛ لأنَّهم على التوحيد، وبدعهم غير مكفرة بل مفسقة؛ فليحفظ.
وإذا وجد من العبد التصديق والإقرار؛ صح أن يقول: أنا مؤمن حقًّا؛ لتحقق الإيمان، ولا ينبغي أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى؛ لأنَّه إن كان للشك؛ فهو كافر لا محالة، وإن كان للتأدب، أو للشك في العاقبة والمآل لا في الحال والآن، أو التبرك بذكره تعالى؛ فلا يضر، لكن الأولى تركه؛ لاحتمال توهم الشك، وهو مذهب كثير من الصحابة والتابعين؛ فليحفظ.
(و) الإيمان (يزيد) بالطاعة (وينقص) بالمعصية، عند المؤلف، وهو مذهب محمد بن إدريس الشافعي وأحمد ابن حنبل وغيرهم، واستدل المؤلف لهذا بثمان آيات؛ وكلها محمولة على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى، وهل هو مخلوق أم لا؟ قيل وقيل، والأحسن ما قاله الإمام أبو الليث السمرقندي الحنفي: إن الإيمان إقرار وهداية، فالإقرار صنع العبد؛ وهو مخلوق، والهداية صنع الرب؛ وهو غير مخلوق؛ فليحفظ.
(قال) وفي رواية: (وقال)(الله تعالى) بالواو في سورة (الفتح)، وفي رواية: عز وجل : ({لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ})[الفتح: 4]، وقال في (الكهف) :({وَزِدْنَاهُمْ هُدًى})[الكهف: 13]؛ بالتوفيق، وهذه الآية ساقطة في رواية، وفي (مريم) :(76) قوله: ({وَيَزِيدُ اللهُ}) وفي روايةبالواو، وفي أخرى:(وقال: {ويزيد الله})({الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى}) بالتوفيق.
(وقال) في القتال، وفي رواية:(وقوله)، وفي أخرى: بإسقاطهما والابتداء بقوله: ({وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى}) بالتوفيق ({وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ})[محمد: 17]؛ أي: بيَّن لهم ما يتقون، وقال في (المدثر) :({وَيَزْدَادَ}) وفي رواية: (وقوله: {ويزداد})({الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا})[المدثر: 31]؛ بتصديقهم أصحاب النار المذكورين بقوله: {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً}
…
الآية [المدثر: 31]، (وقوله) تعالى في (براءة) :({أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ}) أي: السورة ({إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا})[براءة: 124]؛ بالعلم الحاصل بتدبرها (وقوله جل ذكره) في آل عمران: ({فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا})[آل عمران: 173]؛ لعدمِ التفاتِهم إلى من ثبَّطهم عن قتال المشركين، بل ثبت يقينهم بالله تعالى، (وقوله تعالى) في الأحزاب:({وَمَا زَادَهُمْ})؛ أي: لما رأوا البلاء ({إِلَّا إِيمَانًا}) بالله ورسوله ({وَتَسْلِيمًا})[الأحزاب: 22] لأوامره.
فاستدل المؤلف ومن وافقه بهذه الآيات على أن الإيمان يزيد وينقص، وقال رئيس المجتهدين الإمام الأعظم وإمام الأئمة المعظم أبو حنيفة، وأصحابه؛ الإمام أبو يوسف، والإمام محمد، والإمام زفر، والإمام الحسن، وغيرهم رضي الله تعالى عنهم أجمعين: إنَّ حقيقة الإيمان لا يزيد ولا ينقص؛ لما مر أنَّه التصديق القلبي الذي بلغ حد الجزم والإذعان؛ وهذا لا يتصور فيه زيادة ولا نقصان، حتى إن من حصل له حقيقة التصديق، فسواء أتى بالطاعات أو ارتكب المعاصي؛ فتصديقه باق على حاله لا تغير فيه أصلًا، وهذه الآيات السابقة التي ظاهرها يدل على زيادة الإيمان؛ محمولة على ما قاله إمامنا الإمام الأعظم: إنهم كانوا آمنوا بالجملة، ثم يأتي فرض بعد فرض، فكانوا يؤمنون بكل فرض خاص.
وحاصله: أنه كان يزيد بزيادة ما يجب الإيمان به؛ وهذا لا يتصور في غير عصر النبي الأعظم عليه السلام، وبهذا قال جمهور المتكلمين وكذا المحققون، وقيل: المراد بالزيادة: ثمرته، وإشراق نوره، وضياؤه في القلب؛ فإنَّه يزيد بالأعمال وينقص بالمعاصي باعتبار جهات هي غير ذات التصديق؛ بل بسبب تفاوت الإيمان باعتبار تلك الجهات يتفاوت المؤمنون عندنا.
ولهذا قال إمامنا الإمام الأعظم: (إيماني كإيمان جبريل لا مثل إيمانه)؛ لأنَّ المثليَّة تقتضي المساواة في كل الصفات، والشبيه لا يقتضيه، فلا أحد يسوِّي بين إيمان آحاد الناس وإيمان الملائكة والأنبياء من كل وجه بل يتفاوت، غير أن ذلك التفاوت هل هو بزيادة ونقص في نفس ذات التصديق، أو هو يتفاوت لا بزيادة ونقص في نفس الذات، بل بأمور زائدة عليها؟ فنحن معاشر الحنفية ومن وافقنا نمنع التفاوت في نفس ذات التصديق، ونقول: إنَّ ما يتخايل من أنَّ القطع يتفاوت قوة إنَّما هو راجع إلى ظهوره وانكشافه، فإذا ظهر القطع بحدوث العالم بعد ترتب مقدماته؛ كان الجزم الكائن فيه كالجزم في حكمنا: الواحد نصف الاثنين، وإنما تفاوتهما باعتبار أنه إذا لوحظ هذا خصوصًا مع عزوب النظر؛ فيخيل أن الجزم أولى وليس بقوي في ذاته، إنَّما هو أجلى عند العقل، فنحن معاشر الحنفية ومن وافقنا نمنع ثبوت ماهية المشكك، ونقول: إن الواقع على أشياء متفاوتة فيه، فيكون التفاوت عارضًا لها خارجًا عنها، لا ماهية لها ولا جزء ماهية؛ لامتناع اختلاف الماهية واختلاف جزئها، وحاصله: أن الخلاف باق، وقد قال بذلك جمهور المتكلمين وبعض الأشاعرة منهم؛ إمام الحرمين وغيره من المحققين، والله تعالى أعلم.
ثم استدل أيضًا بقوله: (والحب في الله) مبتدأ (والبغض في الله) عطف عليه وقوله: (من الإيمان) خبر، وهذا لفظ حديث رواه أبو داود من حديث أبي أمامة، فإن الحب والبغض يتفاوتان؛ باعتبار ما يعرض عليهما من الجهات الخارجة.
(وكتب عمر بن عبد العزيز) بن مروان، الأموي، أحد الخلفاء الراشدين، المتوفى في خامس وعشرين رجب، سنة إحدى ومئة، قيل: بدير سمعان بحمص، وقيل: بدمشق في القنوات، (إلى عَدِي بن عَدِي)؛ بفتح العين وكسر الدال المهملتين فيهما: ابن عَمرة بفتح العين، الكندي، التابعي، المتوفى سنة عشرين ومئة:(إن للإيمان)؛ بكسر الهمزة (فرائضَ)؛ بالنصب اسم (إن) مؤخر؛ أي: أعمالًا مفروضة (وشرائع)؛ أي: عقائد (وحدودًا)؛ أي: منهيات، (وسننًا)؛ أي: مندوبات، وفي رواية:(إن الإيمان فرائضُ) بالرفع خبر (إن)، وما بعده معطوف عليه، وفي رواية:(فرائع)؛ بالفاء في أوله والعين المهملة في آخره؛ وهو بمعنى: فرائض؛ فافهم.
(فمن استكملها)؛ أي: الفرائض وما معها؛ فقد (استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها؛ لم يستكمل الإيمان)؛ وهذا لا يدل على ما استدل له؛ بل فيه دلالة على عدم قبول الإيمان الزيادة والنقصان؛ لأنَّه جعل الإيمان غير الفرائض وما بعدها، فإن قوله: (إن للإيمان فرائض
…
) إلخ؛ مثل قولك: (إن لزيد عمامة وجبة وإنبازًا)، وجعل أيضًا الكمالَ كمالَ الإيمان لا للإيمان، والمعنى: من استكملها بأن أتى بها على وجهها؛ فقد استكمل الإيمان، بأن وجد حلاوته وأشرق نوره عليه، ومن لم يستكملها؛ لم يجد ذلك فصار كالشجرة بلا ثمر، وهذا آخر كلامه مشعر بذلك؛ فليحفظ.
(فإن أعش) لم أذق الموت؛ (فسأبينها)؛ أي: أوضحها (لكم)، والمراد: تفاريعها لا أصولها؛ لأنَّها معلومة لهم إجمالًا، وأراد بيانها تفصيلًا (حتى تعملوا بها، وإن أمت؛ فما أنا على صحبتكم بحريص) وليس في هذا تأخير البيان عن وقت الحاجة؛ لأنَّ الحاجة لم تتحقق، أو أنه علم أنهم يعلمون مقاصدها، ولكنه استظهر في نصحهم، وعرفهم أقسام الإيمان مجملًا، وأنه سيذكرها لهم مفصلًا إذا تفرغ لهم، فقد كان مشغولًا بالأهم، وهذا من تعاليق المؤلف المجزومة؛ وهي محكوم بصحتها، ووصله أحمد وابن أبي شيبة في كتاب «الإيمان» لهما من طريق عيسى بن عاصم.
(وقال إبراهيم) الخليل، وفي رواية: صلى الله عليه وسلم وقد عاش مئة وخمسًا وسبعين سنة، أو مئتين، ودفن بحبرون؛ بالحاء المهملة؛ كذا قيل:({وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي})[البقرة: 260]؛ أي: يسكن قلبه عن المنازعة إلى رؤية الكيفية المطلوب رؤيتها، أو المطلوب سكونه بحصول متمناه من المشاهدة المحصلة للعلم البديهي بعد العلم النظري، وهذا قطع منه بالقدرة على إحياء الموتى كمن قطع بوجود دمشق وما فيها من أجنة ذات ثمار وانهار جارية، فنازعته نفسه في رؤيتيها، فإنَّها لا تسكن وتطمئن، حتى يحصل مناها، وكذا شأنها في كل مطلوب لها مع العلم بوجوده، فليس تلك المنازعة والتطلب ليحصل القطع بوجود دمشق؛ إذ الغرض ثبوته، فهذا لا يدل على أن الإيمان يزيد وينقص، ولهذا أَخَّرَ هذه الآية عن الآيات السابقة؛ فليحفظ.
(وقال مُعاذُ)؛ بضم الميم والذال المعجمة، وفي رواية:(وقال معاذ بن جبل)؛ هو ابن عمرو الخزرجي الأنصاري، المتوفى سنة ثمانية عشر للأسود بن هلال:(اجلس بنا) بهمزة وصل (نؤمنْ) بالجزم (ساعة)؛ أي: حصة من الزمان؛ أي: نتذاكر الخير، وأحكام الآخرة، وأمور الدين؛ فإن ذلك من الإيمان؛ أي: من فروعه ولا دلالة فيه على قبول الزيادة، كما لا يخفى؛ فليحفظ، وهذا التعليق وصله أحمد وابن أبي شيبة كالأول للأسود بن هلال.
(وقال ابن مسعود) عبد الله، وجده غافل؛ بالمعجمة والفاء: الهذلي؛ نسبة إلى جده هذيل بن مدركة، المتوفى بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين:(اليقين الإيمان كله)؛ أي: التصديق القلبي هو نفس ذات الإيمان، وإنما أكده بـ (كل) الدالة على التبعيض؛ باعتبار فروع الإيمان، وهذا التعليق طرف من أثر رواه الطبراني، وتتمته:(والصبر نصف الإيمان)؛ أي: ثواب الصبر على المشقة يعدل ثواب نصف الثواب الحاصل من الإيمان، فلا دلالة فيه أيضًا على التجزئة؛ كما قيل؛ فليحفظ؛ فافهم.
(وقال ابن عمر) عبد الله
وجدُّه الخطاب، أحد العبادلة السابقة للإسلام مع أبيه، المتوفى سنة ثلاث وسبعين (لا يبلغ العبد)؛ بالتعريف، وفي رواية: بالتنكير (حقيقة التقوى) التي أعلاها امتثال الأوامر واجتناب النواهي كلها، وأدناها وقاية الشرك (حتى يدع ما حاك) بالمهملة والكاف المخففة؛ أي: اضطرب (في الصدر) ولم ينشرح له، وفي رواية: بتشديد الكاف بدون ألف (ما حك)، وفي نسخة بالألف والتشديد من المحاكاة، وقد روى مسلم معناه من حديث النواس بن سمعان مرفوعًا:«البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع الناس عليه» ؛ أي: من الأذى لإخوانك المؤمنين؛ والمعنى: لا يبلغ العبد التقوى الحقيقية العليا حتى يترك جميع المنهيات، حتى ما أضمره واضطرب في صدره من الأذى لإخوانه المؤمنين، فلا دالة فيه على الزيادة والنقصان، كما لا يخفى.
(وقال مجاهد) بن جَبْر بفتح الجيم وسكون الموحدة، غيرُ مصغَّر على المشهور، المخزومي مولى عبد الله بن السائب المخزومي، المتوفى سنة مئة وهو ساجد، في تفسير قوله تعالى:({شَرَعَ لَكُم}) وفي رواية: ({مِّنَ الدِّينِ} [الشورى: 13])؛ أي: (أوصيناك يا محمد وإياه)؛ أي: نوحًا (دينًا واحدًا).
إنما خص نوحًا عليه السلام؛ لما قيل: إنه الذي جاء بتحريم الحرام وتحليل الحلال، وأول من جاء بتحريم الأمهات، والبنات، والأخوات، لا يقال: إن (إياه) تصحيف، وإن الصواب: وأنبياءه، وكيف يفرد الضمير لنوح وحده مع أن في السياق ذكر جماعة؟ لأنا نقول: إن نوحًا أفرد في الآية، وبقية الأنبياء عطف عليه، وهم داخلون فيما وصى به نوحًا وكلهم مشتركون في ذلك، فذكر واحد يغني عن الكل، على أن نوحًا أقرب مذكور في الآية، فليس بتصحيف، وهذا التعليق أخرجه عبد بن حميد في «تفسيره» عن شبابة.
(وقال ابن عباس) عبد الله رضي الله عنهمافي تفسير قوله تعالى: ({شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} [المائدة: 48] : سبيلًا)؛ أي: طريقًا واضحًا (وسنةٌ)، لفٌّ ونشر مشوَّش، يعني: أن معنى {شرعة} : سنة، ومعنى {منهاجًا} : سبيلًا، وهذا التعليق وصله عبد الرزاق في «تفسيره» .
(2)
[بابٌ: دُعَاؤُكُمْ إِيمَانُكُمْ]
وفي رواية: (باب) بالتنوين: (دعاؤكم إيمانكم)، وفي رواية:(لقوله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: 77])، ومعنى الدعاء في اللغة: الأمان؛ من الأمن، ضد الخوف، والمعنى: لا يعتد الله بكم لولا دعاؤكم معه آلهة؛ وهو خطاب لكفار قريش، وجواب لولا محذوف تقديره: لولا دعاؤكم لما خلقكم ولما اعتنى بشأنكم، فلا دلالة فيه على أن الإيمان عمل، وقيل: معناه الغوث، وقد دعا؛ أي: استغاث، قال تعالى:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]؛ فتأمل.
وهذا التعليق وصله ابن جرير من قول ابن عباس.
[حديث: بني الإسلام على خمس]
8 -
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبيد الله) بالتصغير، وفي رواية:(وحدثنا) محمد بن إسماعيل؛ يعني: البخاري، حدثنا عبيد الله (بن موسى) بن باذام بالموحدة، وبالذال المعجمة، آخره ميم، العَبْسي بفتح العين وتسكين الموحدة، وكان شيعيًّا؛ وهو مقبول الرواية في غير الداعي إلى بدعتهم، المتوفى سنة ثلاث عشرة ومئتين بالإسكندرية.
(قال: أخبرنا) وفي رواية: (حدثنا)(حنظلة بن أبي سفيان) بن عبد الرحمن الجمحي المكي، المتوفى سنة إحدى وخمسين ومئة، (عن عكرمة بن خالد) بن العاص، المخزومي، القرشي، المتوفى بمكة بعد عطاء؛ وهو توفي سنة أربع عشرة ومئة، (عن ابن عمر) عبد الله بن الخطابرضي الله عنهم، وكان واسع العلم، توفي سنة ثلاث وسبعين، (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بني الإسلام) الذي تقدم أنَّه الانقياد (على خمس)؛ أي: خمس دعائم، وقيل:(على) بمعنى (من)؛ أي: بني الإسلام من خمس؛ فتأمل.
(شهادة أن لا إله إلا الله) بخفض (شهادة) بدل من (خمس)، وكذا ما بعدها، ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف؛ أي: وهي، والنصب بتقدير: أعني، و (لا) هي النافية للجنس، و (إله) اسمها مركب معها تركيب مزج كـ (أحد عشر)، وفتحته فتحة بناء، وعند الزجاج: فتحة إعراب؛ لأنَّه عنده منصوب بها لفظًا وخبرها محذوف اتفاقًا تقديره: موجود، و (إلا) حرف استثناء، والاسم الكريم مرفوع على البدلية من الضمير المستكن في الخبر، وقيل: مرفوع على الخبرية لقوله: (لا)، وعليه جماعة، وهذا التركيب عند علماء المعاني يفيد القصر، وهو في هذه الكلمة من باب قصر الصفة على الموصوف، لا العكس؛ لأنَّ (إله) في معنى الوصف.
وإنما قدم النفي على الإثبات فقيل: لا إله، ولم يقل: الله لا إله إلا هو، بتقديم الإثبات على النفي؛ لأنَّه إذا نفى أن يكون ثَمَّ إله غيره؛ فقد فرَّغ قلبه مما سوى الله بلسانه ليواطئ القلب، وليس مشغولًا بشيء سوى الله تعالى، فيكون نفي الشريك عن الله بالجوارح الظاهرة والباطنة.
(و) شهادة (أن محمدًا رسول الله) وإنما لم يذكر الإيمان بالأنبياء والملائكة؛ لأنَّ المراد بـ (الشهادة) : تصديق الرسول فيما جاء به، فيستلزم جميع ما ذكر من الاعتقادات، (وإقام الصلاة)؛ أي: الإتيان بها على وجهها المعلوم عند الفقهاء، (وإيتاء الزكاة)؛ أي: إعطائها مستحقيها بإخراج جزء من المال على الوجه المخصوص؛ كما يأتي، (والحج) إلى بيت الله الحرام، (وصوم) شهر (رمضان).
وإنما لم يذكر الجهاد؛ لأنَّه فرض كفاية، ولا يتعيَّن إلَّا في بعض الأحوال، ووجه الحصر في الخمسة؛ أن العبادة: إما قوليَّة أو غيرها، الأولى الشهادتان، والثانية: إما تَركيَّة أو فعليَّة، الأولى الصوم، والثانية إما بدنيَّة أو ماليَّة، الأولى الصلاة، والثانية الزكاة، أو مركَّبة منهما؛ وهي الحج، وفي رواية تأخير الحج عن صوم رمضان، وفي قوله: (بني
…
إلى آخره)؛ استعارة تبعية وبالكناية وتمثيلية، كما لا يخفى.
(3)
[باب أمور الإيمان]
هذا (باب أمور الإيمان) الإضافة بمعنى اللام؛ أي: باب الأمور الثابتة للإيمان في تحقيق ثمراته وضيائه، وقيل: إن الإضافة بيانية بناء على أن الأعمال هي الإيمان، وفي رواية:(أمر الإيمان) بالإفراد على إرادة الجنس، (وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على (أمور)، وفي رواية: عز وجل : ({لَيْسَ البِرَّ}) الفعل الخير ({أَن تُوَلُّوا}) الخطاب لليهود والنصارى في دعوى القبلة، ({وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ}) قبلة النصارى ({وَالْمَغْرِبِ}) قبلة اليهود؛ أي: ليس البر مقصورًا على أمر القبلة، أو ليس البر ما أنتم عليه؛ فإنه منسوخ ({وَلَكِنَّ البِرَّ}) الذي يهتم به ({مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ}) القرآن أو أعم ({وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ}) تعالى أو حب المال ({ذَوِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى}) المحاويج منهم، ولم يقيده؛ لعدم الإلباس، ({وَالْمَسَاكِينَ}) جمع: مسكين؛ مَن لا شيء له، لقوله:{أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16]؛ أي: صاحب تراب، ({وَابْنَ السَّبِيلِ}) المسافر، وقيل: الضيف، ({وَالسَّائِلِينَ})؛ أي: الذين ألجأتهم الحاجة إلى السؤال ({وَفِي الرِّقَابِ})؛ أي: تخليصها بمعاونة المكاتبين، أو فك الأسارى، أو ابتياع الرقاق لعتقها، ({وَأَقَامَ [الصَّلاةَ] وَآتَى الزَّكَاةَ}) المفروضتين؛ أي: أداها في مصارفها، ({وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا}) عطف على {مَنْ آمَنَ} ، ({وَالصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاء}) الفقر ({وَالضَّرَّاءِ}) نصب على المدح ولم يعطف؛ لفضل الصبر: المرض، هذا هو المشهور؛ فليحفظ، ({وَحِينَ البَأْسِ}) وقت الجهاد ({أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا}) في الدين وطلب البر ({وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ} [البقرة: 177]) عن الكفر وسائر الرذائل، وفي رواية بإسقاط قوله {ولكن البر
…
} إلى آخر الآية، وفي رواية بإسقاط:{وَالْيَوْمِ الآخِرِ} .
وهذه الآية جامعة للكمالات الإنسانية بأسرها، فمن عمل بها؛ فقد تحققت ثمرات الإيمان عنده، وأشرق نوره وضياؤه، وفي حديث أبي ذر عند عبد الرزاق: أنَّه عليه السلام سئل عن الإيمان فتلا عليه هذه الآيات، ولم يذكره المؤلف؛ لأنَّه ليس على شرطه.
وقال الله عز وجل: ({قَدْ أَفْلَحَ})؛ أي: فاز ({المُؤْمِنُونَ}
…
الآية) [المؤمنون: 1] بإسقاط واو العطف؛ لعدم الإلباس، قال ابن حجر: ويحتمل أن يكون ساقه تفسيرًا لقوله: ({هم المتقون} [البقرة: 177]) تقديره: هم الموصوفون بقوله: ({قد أفلح})، وفي رواية الأصيلي:(وقد أفلح) بإثبات الواو، وفي رواية ابن عساكر:(وقوله: {قد أفلح})، قلت: وهذا يرد ما قاله ابن حجر في «فتحه» : من احتمال التفسير مع ما فيه من البعد، أفاده القسطلاني، ويجوز في قوله:(الآية)؛ النصب بتقدير: اقرأ، والرفع مبتدأ خبره محذوف.
[حديث: الإيمان بِضعٌ وستونَ شعبة]
9 -
وبالسند قال: (حدثنا عبد الله بن محمد) بن جعفر المُسْنَدي؛ بضم الميم، وسكون المهملة، وفتح النون، سمي به؛ لأنَّه كان يطلب المسندات، أو لأنَّه؛ أول من جمع مسند الصحابة على التراجم بما وراء النهر، وفي رواية:(الجعفي) المتوفى سنة تسع وعشرين ومئة، (قال: حدثنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو بن قيس العقدي؛ بفتح العين المهملة والقاف: نسبة إلى العقد؛ قوم من قيس؛ قبيلة من اليمن، أو بطن من الأزد، المتوفى سنة خمس ومئتين، (قال: حدثنا سليمان بن بلال) القرشي المدني، المتوفى سنة اثنين وسبعين ومئة، (عن عبد الله بن دينار) القرشي العدوي المدني، مولى ابن عمر، المتوفى سنة سبع وعشرين ومئة، (عن أبي صالح) ذكوان السمان الزيات المدني، المتوفى سنة إحدى ومئة، (عن أبي هريرة) رضي الله عنه تصغير (هرة) : عبد الرحمن بن صخر الدوسي، المختلف في اسمه على أكثر من ثلاثين قولًا، المتوفى بالمدينة سنة تسع وخمسين، (عن النبي) الأعظم (صلى الله) تعالى (عليه وسلم) : أنه (قال: الإيمان) بالرفع مبتدأ، وخبره (بضع)؛ بكسر الموحدة وقد تفتح.
قال الفراء: هو خاص