الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أيضًا بدليل الحديث المتقدم، قاله صاحب «عمدة القاري» ، (ثم إن النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم وهذا مقول عائشة رضي الله عنها (استحى) لأنَّه عليه السلام كامل الأوصاف الحميدة، (فأعرض) ولابن عساكر، وأبي ذر، والأصيلي:(وأعرض)(بوجهه) الشريف عنها؛ لما تكرر منه الجواب وهي تسأله ولا تستحي، فاستحياؤه عليه السلام من تكرار الجواب لسؤالها الخاص بالنساء- (أو قال) شك من عائشة:(توضئي بها) أي: تنظفي بالفرصة-والفرق بين الروايتين زيادة لفظ «بها» ؛ يعني: تطهري بالفرصة، ووقع في رواية ابن عساكر بالواو من غير شك، (فأخذتُها فجذبتُها) بالجيم، والذال المعجمة، ثم موحدة، ثم فوقية، وهذا مقول عائشة، وإنما أخذتها؛ لإعراضه عليه السلام عنها؛ والمعنى: باعدتها عن مجلس النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، (فأخبرتُها) والضمير في الثلاثة للمتكلم، وهي عائشة (بما)؛ أي: بالجواب الذي (يريد) أي: يريده (النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم أي: من تتبع أثر الدم وإزالة الرائحة الكريهة.
قيل: الترجمة لغسل الحيض والحديث لم يدل عليها؛ فلا مطابقة.
وأجاب إمام الشارحين في «عمدة القاري» بأنه إن كان لفظ «الغسل» في الترجمة بفتح الغين المعجمة، والمحيض اسم مكان؛ فالمعنى ظاهر، وإن كان بضمِّ الغين المعجمة، والمحيض مصدر؛ فالإضافة بمعنى «اللام» الاختصاصية؛ فلهذا ذكر خاصة هذا الغسل وما به امتاز
(1)
عن سائر الأغسال، والكلام فيما يتعلق به قد مضى في الباب الذي قبله، والله تعالى أعلم، اللهم؛ فرج عنا ما أهمنا يا أرحم الراحمين.
(15)
[باب امتشاط المرأة عند غسلها من المحيض]
هذا (باب) بيان (امتشاط المرأة) مطلقًا بكرًا كانت أم ثيبًا، حرة كانت أم رقيقة (عند غُسلها)؛ بضمِّ الغين المعجمة وفتحها، والأول أفصح (من المحيض)؛ بالميم، أي: الحيض؛ وكلاهما مصدران، ومثلها النفساء والجنب، كما لا يخفى، والامتشاط «افتعال» من المَشط، بفتح الميم وهو التسريح؛ يعني: تسريح شعر رأسها عند اغتسالها من الحدث الأكبر، ووجه المناسبة بين؛ من حيث إن في كل منهما ما يشعر بزيادة التنظيف والنقاء، كما لا يخفى.
[حديث: انقضي راسك وامتشطي وأمسكي عن عمرتك]
316 -
وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا موسى بن إسماعيل) هو التبوذكي (قال: حدثنا إبراهيم) هو ابن سعد -بسكون العين المهملة- ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف المدني، نزيل بغداد (قال: حدثنا ابن شهاب) هو محمَّد بن مسلم الزُهْرِي (عن عروة) بضمِّ العين المهملة، هو ابن الزبير -بضمِّ الزاي- هو ابن العوام، ومن لطائف هذا الإسناد أن إبراهيم يروي عن الزُهْرِي بلا واسطة، وروى عنه في باب «تفاضل أهل الإيمان» بواسطة؛ روى عن صالح عن الزُهْرِي:(أن عائشة) بفتح الهمزة، وتشديد النون، وهي الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما (قالت: أهللت) أي: أحرمت ورفعت الصوت بالتلبية (مع رسول الله) وللأصيلي: (مع النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم وذلك (في حجة الوداع)؛ بفتح الواو وكسرها، والدال المهملة مخففة مفتوحة، سميت بذلك؛ لأنَّ النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم ودع الناس فيها، (فكنت ممن تمتع) فيه التفات من المتكلم إلى الغائب؛ لأنَّ أصله أن يقال: فتمتعت، ولكن ذكر باعتبار لفظ «من» ، كذا قاله إمام الشارحين، وتبعه القسطلاني وغيره.
واعترض بعضهم بأنه لا التفات هنا، والأولى أن يقال: وفيه مراعات لفظ «من» ، ولو روعي معناها؛ لقيل: ممن تمتعوا؛ تأمل.
قلت: وهو مردود، بل فيه التفات نوعي، كما لا يخفى على من له أدنى ذوق في العلم، وقوله: (والأولى
…
) إلخ هذا عين ما قاله إمام الشارحين؛ فقد زاد هذا القائل في الطنبور نغمة؛ فافهم.
(ولم يسق الهدي)؛ بفتح الهاء، وسكون الدال المهملة، وبكسرها مع تشديد المثناة التحتية، وهو اسم لما يهدى إلى مكة من الأنعام.
وزعم الكرماني أن هذا كالتأكيد؛ لبيان التمتع؛ لأنَّ المتمتع لا يكون معه الهدي.
ورده إمام الشارحين فقال: (قلت: المتمتع على نوعين؛ أحدهما: أنه يسوق معه الهدي، والآخر: لا يسوق، وحكمهما يختلف كما ذكر في فروع الفقه) انتهى.
(فزعمت أنها حاضت) أي: تلبست بالحيض، وإنما لم يقل: فقالت؛ لأنَّها لم تتكلم به صريحًا إذ هو مما يستحى في تصريحه (ولم تطهر) أي: من حيضها (حتى دخلت ليلة عرفة) هي ليلة التاسع من ذي الحجة، فيحتمل أنها حاضت بعد دخول النبي الأعظم عليه السلام مكة، ويحتمل قبله.
وزعم القسطلاني معزيًا للدماميني أن فيه دلالة على أن حيضها كان ثلاثة أيام خاصة؛ لأنَّ دخوله عليه السلام مكة كان في الخامس من الحجة، فحاضت يومئذٍ فطهرت يوم عرفة، ويدل على أنها حاضت يومئذٍ: قوله عليه السلام في باب (كيف تهل الحائض بالحج والعمرة) : «من أحرم بعمرة
…
»؛ الحديث، قالت: فحضت، ففيه دليل على أن حيضها كان يوم القدوم إلى مكة، قالت: فلم أزل حائضًا حتى كان يوم عرفة، انتهى.
قلت: وهذا فاسد؛ لأنَّ خصوصية كون حيضها ثلاثة أيام يحتاج إلى دليل، ولم يوجد، بل الصواب الاحتمال، وهو أنه قد حاضت أربعة أيام أو خمسة أو أكثر، ولا يلزم أن تكون حاضت في مكة، بل يحتمل أنها حاضت قبل دخولها مكة كما هو الظاهر، وما استدل به من أن دخوله عليه السلام كان في الخامس من الحجة لا ينهض؛ لاحتمال دخوله عليه السلام مكة يوم الرابع أو الثالث من الحجة، وهو الصواب؛ لأنَّ عادته عليه السلام التعجيل في أمر العبادة، ولأجل التأهب لأفعال الحج، وما استدل به من أنها حاضت يومئذٍ لا ينهض دليلًا له، بل الظاهر المتبادر من قوله عليه السلام في باب (كيف تهل الحائض) أنها حاضت قبل القدوم إلى مكة، ولا مانع من استمرار الحيض حتى قدمت مكة، ولم يشعر به عليه السلام حتى قدم مكة؛ لأنَّ إظهار ذلك مما يستحى منه، فلم يعلم عليه السلام ذلك منها حتى دخلت مكة، على أن الحديث مطلق، فليس فيه دليل على ما قاله هذا القائل؛ فافهم.
(وقالت) أي: عائشة، وفي رواية:(فقالت)، وكلاهما عطف على (حاضت)، وفي رواية:(قالت) بغير عطف: (يا رسول الله؛ هذه ليلة يوم عرفة) كذا في أكثر الروايات، وفي رواية:(هذه ليلة عرفة) يعني: هذا الوقت، وفي رواية:(هذه يوم عرفة) يعني: ليلة يوم عرفة، (وإنما كنت تمتعت بعمرة) أي: وأنا حائض، وهذا تصريح بما علم ضمنًا؛ لأنَّ التمتع هو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج مَن على مسافة القصر من الحرم، ثم يحرم بالحج في سنة تلك العمرة بلا عود إلى ميقات، وبعد هذا الكلام مقدر؛ تقديره: تمتعت بعمرة وأنا حائض، كذا قرره إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري» .
(1)
في الأصل: (ممتاز).
(فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجواب: (انقُضي)؛ بضمِّ القاف، وفي بعض الروايات:(انفضي)؛ بالفاء؛ ومعناه: حلي وفكي (رأسك) أي: شعره، فالمضاف محذوف، (وامتشطي)؛ أي: تسرحي، (وأمسكي) بهمزة قطع (عن عمرتك)؛ بكسر الكاف، أي: لا تفعلي شيئًا من أفعال العمرة، وهذا يدل على أن النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم أمرها برفض عمرتها، وأن تخرج منها قبل إتمامها؛ ولهذا قال الأئمَّة الكوفيون في المرأة: تحيض قبل الطواف، وتخشى فوات الحج: أنها ترفض العمرة، وقال رأس المجتهدين الإمام الأعظم والجمهور: إنها تردف الحج وتكون قارنة، وبه قال مالك، وأبو ثور، والشافعي، وحمله بعض أصحاب مالك على أنه عليه السلام أمرها بالإرداف ولا تنقض، واعتذروا عن هذه الألفاظ بتأويلات؛ أحدها: أنها كانت مضطرة إلى ذلك؛ فرخص لها كما رخص لكعب بن عجرة في الحلق للأذى، ثانيها: أنه خاص بها، ثالثها: أن المراد بالنقض والامتشاط: تسريح الشعر لغسل
(1)
الإهلال بالحج، ولعلها كانت لبدت رأسها، ولا يتأتى إيصال الماء إلى البشرة مع التلبيد إلَّا بحلِّ الضفر والتسريح، وقد اختلف العلماء في نقض المرأة عند الاغتسال، فأمر به ابن عمر، والنخعي، ووافقهما طاووس في الحيض دون الجنابة، ولا يتبين فرق بينهما، ولم يوجبه عليها، فنهى عائشة، وأم سَلَمَة، وابن عمر، وجابر، وبه قال الكوفيون، ومالك، والشافعي، وعامة الفقهاء، والعبرة بالوصول، فإن لم يصل؛ فينقض، كذا قرره إمام الشارحين، ثم قال: وقول عائشة رضي الله عنها: (فتمتعت بعمرة) يدل على: أنها كانت معتمرة أولًا.
فإن قلت: أصح الروايات عن عائشة أنها قالت: (لا نرى إلا الحج، ولا نذكر إلا الحج، وخرجنا مهلين بالحج) فكيف الجمع بينهما وبين ما قالت عائشة: (تمتعت بعمرة)؟
قلت: الحاصل أنها أحرمت بالحج، ثم فسخته إلى عمرة حين أمر الناس بالفسخ، فلما حاضت وتعذر عليها إتمام العمرة؛ أمرها النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم بالإحرام بالحج، فأحرمت به، فصارت مدخلة للحج على العمرة وقارنة؛ لما ثبت من قوله عليه السلام:«يسعك طوافك لحجك وعمرتك» ، ومعنى (انسكي من عمرتك) : ليس إبطالها بالكلية والخروج منها بعد الإحرام بنية الخروج، وإنما يخرج منها بالتحلل بعد فراغها، بل معناه: اقضي العمل فيها وإتمام أفعالها، وأعرضي عنها، ولا يلزم من نقض الرأس والامتشاط إبطال العمرة؛ لأنَّهما جائزان عندنا في الإحرام بحيث لا ينتف شعرًا، لكن يكره الامتشاط إلا لعذر، وتأولوا فعلها: على أنها كانت معذورة؛ بأن كان برأسها أذى، وقيل: ليس المراد بالامتشاط حقيقته، بل تسريح الشعر بالأصابع للغسل؛ لإحرامها بالحج، لا سيما إن كانت لبدت رأسها، فلا يصح غسلها إلا بإيصال الماء إلى جميع شعرها، ويلزم منه نقضه.
فإن قلت: إذا كانت قارنة، فلم أمرها بالعمرة بعد الفراغ من الحج؟
قلت: معناه: أرادت أن يكون لها عمرة منفردة عن الحج، كما حصل لسائر أمهات المؤمنين وغيرهن من أصحابه الذين فسخوا الحج إلى العمرة، ثم أحرموا بالحج، فحصل لهم عمرة منفردة وحج منفرد، فلم يحصل لها إلا عمرة مندرجة في حجة بالقران، فاعتمرت بعد ذلك مكان عمرتها التي كانت أرادت أولًا: حصولها منفردة غير مندرجة، ومنعها الحيض منه، وإنما فعلت ذلك؛ حرصًا مع كثرة العبادات، كذا زعمه النووي، ورده إمام الشارحين في «عمدة القاري» فقال إمام الشارحين: والمشهور: الثالث؛ وهو أن عائشة رضي الله عنها كانت منفردة بالحج، وأنه عليه السلام أمرها برفض العمرة، وقولها في الحديث:(وأرجع بحجة واحدة) دليل واضح على ذلك، وقولها:(ترجع صواحبي بحجة وعمرة، وأرجع أنا بالحج) صريح في رفض العمرة؛ إذ لو أدخلت الحج على العمرة؛ كانت هي وغيرها سواء، ولمَا احتاجت إلى عمرة أخرى بعد العمرة والحج اللذين فعلتهما، وقوله عليه السلام من عمرتها الأخيرة بـ «هذه مكان عمرتك» صريح في أنها خرجت من عمرتها الأولى ورفضتها؛ إذ لا تكون الثانية مكان الأولى إلا والأولى مفقودة، وفي بعض الروايات:(هذه قضاء من عمرتك).
وزعم البيهقي: (أن معنى قوله عليه السلام: «ودَعي العمرة» : أمسكي عن أفعالها، وأدخلي عليها الحج).
ورده إمام الشارحين فقال: (هذا خلاف حقيقة قوله عليه السلام: «ودعي العمرة»، بل حقيقته أنه أمرها برفض العمرة بالحج، وقوله عليه السلام: «انقضي رأسك وامتشطي» يدل على ذلك، ويدفع تأويل البيهقي الإمساك عن أفعال العمرة؛ لأنَّ المحرم ليس له أن يفعل ذلك) انتهى.
وزعم الشافعي أنه لا يعرف في الشرع رفض العمرة بالحيض.
ورده إمام الشارحين بما قاله الإمام أبو الحسن القدوري في «التجريد» : (إنه ما رفضتها بالحيض، لكن تعذرت أفعالها وكانت ترفضها بالوقوف، فأمرها بتعجيل الرفض)، والله تعالى أعلم.
قالت عائشة: (ففعلت)؛ أي: فعلت النقض، والامتشاط، والإمساك، وهنا مقدر أيضًا وهو في قولها:(فلما قضيت) أي: أديت (الحج) أي: بعد إحرامي به؛ (أمر) أي: النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم (عبد الرحمن) هو ابن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، فهو أخوها (ليلة الحَصْبة)؛ بفتح الحاء، وسكون الصاد المهملتين، ثم بالباء الموحدة، وهي الليلة التي نزلوا فيها في
(1)
في الأصل: (للغسل)، ولعل المثبت هو الصواب.