الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو دار وقف لم يملك منافعها، وتمامه في «منهل الطلاب» .
(فأتيته) أي: النبي الأعظم عليه السلام (بأحجار)؛ فهو من كلام أبي هريرة، والفاء تفصيحية (بطرف ثيابي) : الباء ظرفية؛ أي: في جانب ثيابي، والظاهر: أن المراد من الثياب الجنس لا الجمع؛ بدليل رواية الإسماعيلي: (بطرف ملاءتي)، وجوَّز الكرماني كلا الوجهين، واعترضه في «عمدة القاري» بأنَّ ما ذكر إنَّما يتمشَّى في الجمع المحلى بالألف واللام، قلت: وقد يقال: الإضافة تأتي لما تأتي له اللام؛ فتأمل، (فوضعتُها)؛ أي: الأحجار؛ بتاء المتكلم، وفي رواية:(فوضعها)؛ أي: النبي الأعظم عليه السلام (إلى جنبه) ليقرب تناولها، (وأعرضت) : وفي رواية: (واعترضت)؛ بزيادة مثناة فوقية بعد العين المهملة (عنه) للتباعد، (فلما قضى)؛ أي: النبي الأعظم عليه السلام، والمفعول محذوف؛ تقديره: حاجته؛ (أتبعه)؛ بهمزة قطع؛ أي: ألحقه (بهن)؛ أي: بالأحجار، والضمير المنصوب يعود على القضاء الذي يدل عليه قوله:(فلما قضى)، وكنى به عن الاستنجاء، وقيل: الضمير يعود على المحل، والأول أظهر؛ فافهم.
وفي الحديث: مشروعية الاستنجاء، واختلف العلماء فيه؛ فقال إمامنا رأس المجتهدين الإمام الأعظم، والإمام أبو يوسف، والإمام محمد، والإمام زفر، والإمام الحسن، ومالك في رواية، والمزني من الشافعية: إنَّه سنة مؤكدة؛ لما رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي الأعظم عليه السلام قال: «من استَجْمَرَ؛ فليوتر، من فَعَلَ؛ فقد أحسن، ومن لا؛ فلا حرج
…
»؛ الحديث.
وأخرجه أحمد في «مسنده» ، والحافظ أبو جعفر الطحاوي في «معاني الآثار» برجال ثقاتٍ، فهو حديث صحيح محكم لا يحتمل التأويل، فيدلُّ على نفي وجوب الاستنجاء وعلى نفي وجوب العدد فيه؛ لأنَّ الشارع نفى الحرج عن تارك الاستنجاء، فدل على أنَّه ليس بواجب، وكذلك تَرْكُ الإيتار لا يضرُّ؛ لأنَّ ترك أصلِهِ لمَّا لم يكن مانعًا فما ظنك بترك وصفه؟! فدل الحديث على انتفاء المجموع، فالسنة عندنا: إنقاء المحل؛ لأنَّه المقصود، فلو لم يحصل الإنقاء بثلاث؛ يزاد عليها اتفاقًا؛ لكونه هو المقصود، ولو حصل الإنقاء بواحد واقتصر عليه؛ جاز؛ لحصول المقصود، لا يقال: رفع الحرج في الزيادة على الثلاث؛ لأنَّ مجاوزة الثلاث في الماء عدوان وترك السنة، والزيادة في الأحجار ليست بعدوان وإن صارت شفعًا؛ لأنَّا نقول: هذا الوجه غير مراد ولا يفهم من الكلام على ما لا يخفى على الذكي الفطن، وأيضًا مجاوزة الثلاث في الماء كيف تكون عدوانًا إذا لم تحصل الطهارة بالثلاث؟! والزيادة في الأحجار وإن كانت شفعًا كيف لا يصير عدوانًا، وقد نص على الإيتار؟! فافهم.
وقال الشافعي، وأحمد، ومالك في رواية: إن الاستنجاء واجب لما أخرج ابن ماجه وأحمد عن عائشة: أنه عليه السلام قال: «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط؛ فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهنَّ» .
وأجيب: بأنَّ الأمر يحتمل أن يكون على وجه الاستحباب، والمحتمل لا يصلح أن يكون حجة إلا بمرجِّح لأحد المعاني ولم يوجد، ونحن أعملنا الأحاديث كلَّها، وفيما قاله الشافعي ومن تبعه إهمال لبعض الأحاديث، والعمل بالكل أولى على ما لا يخفى.
وفي الحديث: أنَّ الأحجار لا تتعيَّن للاستنجاء، بل يقوم مقامها كلُّ جامد طاهر قالع غير محترم ولا متقوَّم، فيكره الاستنجاء بالذهب، والفضة، والعظم، والروث، والرجيع، والطعام مطلقًا، والفحم، والزجاج، والجص، والآجر، وورق الشجر، والورق، والخذف، والشعر، وغيرها، ولو استنجى بها؛ أجزأه ويكون مقيمًا للسنة مع الكراهة؛ لأنَّ المقصود الإنقاء وقد حصل، وقد ذكر ابن جرير الطبري: أنَّ عمر بن الخطاب كان له عظم يستنجي به، ثم يتوضأ ويصلي.
وفيه: استحباب الإعراض عن قاضي الحاجة، وجواز الرواية بالمعنى؛ حيث قال:(أو نحوه).
وفيه: إعداد الأحجار للاستنجاء؛ لئلَّا يحتاج إلى طلبها بعد قيامه، فلا يأمن التلوُّث، وتمامه في «عمدة القاري» ؛ فليحفظ.
هذا (بابٌ) بالتنوين: (لا يُستنجى)؛ بضم المثناة التحتية على صيغة المجهول، وسقط لفظ:(باب) في رواية، وفي أخرى: سقط لفظ الترجمة والباب (بروث) والجار والمجرور نائب
[حديث: أتى النبيُّ الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار]
156 -
وبه قال: (حدثنا أبو نُعيم)؛ بضم النُّون مصغرًا: هو الفضل بن دُكين؛ مصغرًا أيضًا، (قال: حدثنا زُهير)؛ بضم الزاي بالتصغير: هو ابن معاوية الجعفي الكوفي المكي، (عن أبي إسحاق) : عمرو بن عبد الله السَّبِيعي؛ بفتح السين المهملة وكسر الموحدة، التابعي، وما ذُكِر من كون زهير سمع من أبي إسحاق بأخرة لا يقدح؛ لثبوت سماعه منه هذا الحديث قبل الاختلاط بطرق متعددة، وتمامه في «عمدة القاري» ، (قال) أي: أبو إسحاق: (ليس أبو عبيدة)؛ بالتصغير: هو عامر بن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (ذكره) لي؛ أي: حدثني به، وجملة (ذكره) محلها نصب خبر (ليس)، (ولكن) الذي ذكره لي وحدثني به (عبد الرحمن) فهو مرفوع بفعل محذوف مقدر تقديره ما علمتَ، (بن الأسود) التابعي النخعي الكوفي، الذي يصلي كل يوم سبع مئة ركعة، ويصلي العشاء والفجر بوضوء واحد، المتوفى سنة تسع وتسعين؛ أي: لست أرويه الآن عن أبي عبيدة، وإنما أرويه عن عبد الرحمن بن الأسود، (عن أبيه) : الأسود بن يزيد -من الزيادة- ابن قيس الكوفي النخعي صاحب ابن مسعود، وإنما عدل أبو إسحاق عن الرواية عن أبي عبيدة مع أنَّها أعلى إلى الرواية عن عبد الرحمن؛ لأنَّ أبا عبيدة لم يسمع من أبيه فتكون منقطعة، بخلاف رواية عبد الرحمن فإنَّها موصولة، ورواية أبي إسحاق لهذا الحديث عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود عند الترمذي وغيره من طريق إسرائيل بن يونس، قاله ابن حجر.
واعترضه في «عمدة القاري» بأن قول أبي إسحاق هذا يحتمل أن يكون نفيًا لحديثه وإثباتًا لحديث عبد الرحمن، ويحتمل أن يكون إثباتًا لحديثه أيضًا، وأنَّه كان غالبًا يحدِّث به عن أبي عبيدة.
وقال الكرابيسي: أبو إسحاق يقول في هذا الحديث مرة: حدثني عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله، ومرة: حدثني علقمة عن عبد الله، ومرة: حدثني أبو عبيدة عن عبد الله، ومرة يقول: ليس أبو عبيدة حدَّثنيه وإنما حدثني عبد الرحمن عن عبد الله، وهذا دليلٌ واضح على أنَّه رواه عن عبد الرحمن بن الأسود سماعًا؛ فافهم.
وقول ابن حجر: (لأنَّ أبا عبيدة لم يسمع من أبيه)؛ مردود بما ذكره الطبراني في «معجمه الأوسط» من حديث زياد بن سعيد عن ابن الزبير قال: حدثني يونس بن عتاب الكوفي: سمعت أبا عبيدة بن عبد الله يذكر: أنه سمع أباه يقول
…
؛ الحديث، وبما أخرجه الحاكم في «مستدركه» حديث أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن أبيه في ذكر يوسف عليه السلام، وإسناده صحيح، وبما حسَّن الترمذي عدة أحاديث رواها عن أبيه؛ منها: لمَّا كان يوم بدر وجيء بالأُسارى، ومنها: كان في الركعتين الأوليين كأنه على الوصف، ومنها قوله:{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [آل عمران: 169]، ومن شرط الحديث الحسن أن يكون متصلًا عند المحدثين، وتمامه في «عمدة القاري» ؛ فافهم.
(أنَّه)؛ بفتح الهمزة؛ أي: بأنَّه؛ أي: الأسود (سمع عبد الله)؛ بالنصب على المفعولية؛ أي: ابن مسعود؛ لأنَّه المراد عند الإطلاق، كما أنَّه عند إطلاق الإمام الأعظم فالمراد به: الإمام أبو حنيفة التابعي الجليل رئيس المجتهدين وسيدهم رضي الله تعالى عنهما، (يقول) : فالجملة محلها نصب على الحال، (أتى
النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم الغائط)؛ بالنصب على المفعولية؛ أي: الأرض المطمئنة؛ لقضاء حاجته، فالمراد به معناه اللغوي، (فأمرني أن آتيه) بمد الهمزة (بثلاثة أحجار) (أن) مصدرية صلة للأمر؛ أي: أمرني بإتيان الأحجار وليست (أن) هذه مفسِّرة بخلاف (أن) في قولك: أمرته أن يفعل، فإنَّها تحتمل أن تكون صلة وأن تكون مفسِّرة، كما في «عمدة القاري» ، قال ابن مسعود:(فوجدتَ)؛ بتاء المتكلم؛ أي: أصبت (حجرين)؛ بالنصب مفعول (وجدت) الذي بمعنى: أصبت، فلا يقتضي إلا مفعولًا وحدًا، (والتمست) أي: طلبت الحجر (الثالث فلم أجده)؛ بالضمير المنصوب؛ أي: الحجر، وفي رواية: بحذف الضمير، (فأخذت) بتاء المتكلم (روثة) وكانت روثة حمار، كما في رواية ابن خزيمة في هذا الحديث، و (الروثة) : واحد الروث والأرواث، وهو للخيل، والبغال، والحمير، (فأتيته) عليه السلام (بها) أي: بالثلاثة (فأخذ) عليه السلام مني (الحجرين وألقى الروثة) على الأرض، وإنَّما أتى بالروثة مع أنَّه طلب منه ثلاثة أحجار؛ لقياسه لها على الحجر بجامع الجمود، مع أنَّه لم يجد النص عليه، فبيَّن له عليه السلام الفرق بينهما بقوله:(وقال) عليه السلام: (هذا رِكسٌ) مبتدأ وخبر، والجملة مقول القول، وذكَّر الضمير باعتبار تذكير الخبر، كما في قوله تعالى:{هَذَا رَبِّي} [الأنعام: 78]، وفي رواية:(هذه رِكس) على الأصل.
وقال العجلوني: لا مانع من إرجاعه إليها فقط، ويكون المعطوف مقدَّرًا؛ أي: والحجرين؛ على حدِّ: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81]، انتهى، قلت: وهو غير ظاهر، وإذا وجد التقدير وعدمه؛ فعدمه أولى؛ فافهم.
و (الرِّكس)؛ بكسر الرَّاء: الرجس، وبه صرَّح ابن خزيمة في روايته له، وبفتح الرَّاء: ردُّ الشيء مقلوبًا، وقال النَّسائي:(الركس) : طعام الجن، وقيل: إنه الرجيع، يعني قد رد عن حال الطهارة إلى حال النجاسة، وقد جاء (الركس)؛ بمعنى: الإثم، والكفر، والشرك؛ كقوله تعالى:{لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ} [الأحزاب: 33]؛ أي: ليطهركم من جميع هذه الخبائث.
وقال الأزهري: (الرجس) : اسم لكلِّ ما استقذر من العمل، ففي الحديث منع الاستنجاء بالروث، وقد صرَّح ابن ماجه وابن خزيمة في هذا الحديث، ولفظه: قال عبد الله: أراد النبي عليه السلام أن يتبرز فقال: «ائتني بثلاثة أحجار» ، فوجدت له حجرين وروثة حمار، فأمسك الحجرين وطرح الرَّوثة، وقال:«هي رجس» .
ففيه: بيان أنَّ أرواث الحُمر نجسة وإذا كانت أرواث الحُمر نجسة لحكم النبي الأعظم عليه السلام كان حكم جميع أرواث ما لا يجوز أكل لحمها من ذوات الأربع مثل أرواث الحمر، وقد اختلف العلماء في صفة نجاسة الأرواث، فعند الإمام الأعظم: هي نجسة مغلظ، وبه قال الإمام زفر، وعند الإمامين أبي يوسف ومحمد: هي نجسة مخفف، وقال مالك: الروث طاهر، والحديث حجة عليه؛ لأنَّه محكَم لا يحتمل التأويل؛ فافهم.
واستدل الشافعي بالحديث لإيجاب عدد ثلاثة أحجار في الاستنجاء؛ لأنَّه عليه السلام استدعاها ليستنجي بها كلها، وقال: ليس في قوله: (فأخذ الحجرين) دليل على أنه اقتصر عليهما؛ لجواز أن يكون بحضرته ثالث، ويدل له خبر سلمان قال: نهانا رسول الله عليه السلام أن نكتفي بدون ثلاثة أحجار، وخبر أبي هريرة:«ولا يستنجي بدون ثلاثة أحجار» قال: ولو كان القصد الإنقاء فقط؛ لخلا اشتراط العدد عن الفائدة، فلما اشترط العدد لفظًا وعلم الانقاء فيه معنًى؛ دلَّ على إيجاب الأمرين ونظيره العدَّة بالأقراء، فإن العدد مشترط ولو تحققت براءة الرحم بقرء واحد.
قلت: وهو مردود ولا نسلِّم أنَّ فيه إيجاب عدد الثلاث، بل إنَّما كان ذلك للاحتياط في أمر العبادة؛ لأنَّ التطهير بواحد أو اثنين لم يكن محقَّقًا، فلذلك نصَّ على الثلاث؛ لأنَّ بالثلاث يحصل التطهير غالبًا، ونحن نقول به أيضًا إذا تحقق شخص أنَّه لا يطهر إلا بالثلاث؛ يتعيَّن عليه الثلاث، والتعيين ليس لأجل التوقيت فيه وإنما هو لأجل الإنقاء الحاصل فيه، حتى إذا احتاج إلى رابع وخامس وهلمَّ جرًّا يتعين عليه ذلك، على أنَّ الحديث متروك الظاهر، فإنَّه لو استنجى بحجر له ثلاثة أحرف؛ جاز بالإجماع.
وقوله: (ليس في قوله: «فأخذ الحجرين»، دليل على أنَّه اقتصر عليهما) ممنوع، بل فيه دليل ظاهر واضح على أنَّه اقتصر على الحجرين فقط؛ لأنَّه لو كان الثلاث شرطًا؛ لطلب الثالث فحيث لم يطلب؛ دلَّ على اقتصاره عليهما.
وتعليله بقوله: (لجواز أن يكون بحضرته ثالث)؛ مردود؛ لأنَّ قعوده عليه السلام للغائط كان في مكان لم يكن فيه أحجار؛ لأنَّه لو كانت هناك أحجار؛ لما قال له: (ائتني بثلاثة أحجار)؛ لأنَّه لا فائدة لطلب الأحجار وهي حاصلة عنده، وهذا معلوم بالضرورة.
وقوله: (ولو كان القصد الإنقاء فقط؛ لخلا اشتراط العدد عن الفائدة) قلنا: إنَّ ذكر الثلاث لم يكن للاشتراط، بل للاحتياط؛ لأنَّ أقلَّ ما يحصل به التنظيف ثلاثة أحجار.
وقوله: (ونظيره العدة بالأقراء) : هذا غير مسلَّم؛ لأنَّ العدد فيه شرط بنص القرآن والحديث ولم يعارضه نصٌّ آخر، بخلاف العدد هنا؛ لأنَّه معارض بحديث:«من اسْتَجْمَرَ؛ فليوتر، من فعل؛ فقد أحسن، ومن لا؛ فلا حرج» ؛ فهذا لمَّا دلَّ على ترك أصل الاستنجاء؛ دلَّ على ترك العدد الذي هو وصفها بالطريق الأولى.
وقال ابن حجر: (واستدلَّ بالحديث الحافظ الطحاوي على عدم اشتراط الثلاثة، قال: «لأنَّه لو كان شرطًا لطلب ثالثًا» كذا قال وغفل عما رواه أحمد في «مسنده» من طريق أبي معمر عن أبي إسحاق، عن علقمة، عن أبي مسعود في هذا الحديث، فإنَّ فيه: فألقى الروثة، وقال: «إنَّها ركس ائتني بحجر»، وقد تابع معمرًا عليه أبو شيبة الواسطي).
قلت: لم يغفل الحافظ الطحاوي عن ذلك، وإنما الذي نسبه إلى الغفلة هو الغافل، والحافظ الطحاوي حين كان يحفظ الأحاديث وتؤخذ عنه كان ابن حجر منيًا في ظهر أبيه، وكيف يغفل عن ذلك وقد ثبت عنده عدم سماع أبي إسحاق عن علقمة؟ فالحديث عنده منقطع، والمحدِّث لا يرى العمل بالمنقطع، وأبو شيبة الواسطي ضعيف؛ فلا تعتبر متابعته، فالذي يدعي صنعة الحديث كيف يرضى بهذا الكلام الساقط؟!
وقد قال أبو الحسن بن القصار المالكي: روي أنَّه أتاه بثالث، لكن لا يصحُّ، ولو صحَّ؛ فالاستدلال به لمن لا يشترط الثلاثة قائم؛ لأنَّه اقتصر في الموضعين على ثلاثة؛ فحصل لكل منهما أقلمن ثلاثة.
ثم قال ابن حجر: واستدلال الحافظ الطحاوي فيه نظر أيضًا؛ لاحتمال أن يكون اكتفى بالأمر الأول في طلب الثلاثة؛ فلم يجدد الأمر بطلب الثالث، أو اكتفى بطرف أحدهما عن الثالث؛ لأنَّ المقصود بالثلاثة: أن يمسح بها ثلاث مسحات، وذلك حاصل ولو بواحد، والدليل على صحته أنَّه لو مسح بطرف واحد، ثم رماه، ثم جاء شخص آخر فمسح بطرفه الآخر؛ لأجزأه بلا خلاف.
قلت: نظره مردود عليه؛ لأنَّ الحافظ الطحاوي استدلَّ بصريح النص لما ذهب إليه، وبالاحتمال البعيد كيف يدفع هذا؟!
وقوله: (لأن المقصود
…
) إلخ: ينافيه اشتراطهم العدد في الأحجار؛ لأنَّهم استدلُّوا بظاهر قوله عليه السلام: «ولا يستنج أحدكم بأقلِّ من ثلاثة أحجار» .
وقوله: (وذلك حاصل ولو بواحد) : مخالف لصريح الحديث، فهل رأيت من يَردُّ بمخالفة ظاهر حديثه الذي يحتجُّ به على من يحتجُّ بظاهر الحديث بطريق الاستدلال الصحيح؟! وهل هذا إلا مكابرة وتعنُّت؟! ومن أمعن النظر في أحاديث الباب ودقَّق فكره في معانيها؛ علم وتحقَّق أن الحديث حجة عليهم لا لهم، وأن المراد: الإنقاء لا التثليث، وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كما حكاه العبدري وإليه ذهب