الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإمام الأعظم رئيس المجتهدين.
وزعم الشَّافعية الأفضل أن يغتسل إن لم يكن جنبًا، وإلا؛ وجب الغسل وإن اغتسل في الكفر؛ لعدم صحة الغسل منه عندهم.
وزعم ابن بطال وقال مالك: إذا أسلم النصراني؛ فعليه الغسل؛ لأنَّهم لا يتطهرون، فقيل: معناه: لا يتطهرون من النَّجاسة في أبدانهم؛ لأنَّه استحيل عليهم التطهير من الجنابة وإن نووها؛ لعدم الشرع، وقال: وليس في الحديث أنَّه عليه السلام أمره بالاغتسال، ولذلك قال مالك: لم يبلغنا أنَّه عليه السلام أمر أحدًا أسلم بالغسل، انتهى.
قلت: وهذا كلام فاسد الاعتبار؛ لأنَّ الكفار يتطهرون من النَّجاسة في أبدانهم؛ لأنَّهم يغتسلون بالصيف بالمياه الباردة، وفي الشتاء بالمياه الحارة في الحمامات، كما هو مشاهد من حالهم، لكن ليس اغتسالهم على الوجه المخصوص، بل يعممون البدن بالماء، وهو كاف في صحة الغسل، ولم يلزم لهم نية؛ لأنَّ وضوء الكافر واغتساله صحيح، فلو أسلم بعده؛ جازت صلاته به؛ فافهم.
وقوله: (وقال: وليس في الحديث
…
) إلخ: رده إمام الشَّارحين، فقال:(قد مر في حديث أبي هريرة الذي أخرجه ابن حبان، وابن خزيمة، والبزار، وفيه: «فأمره عليه السلام أن يغتسل»، وفي «تاريخ نيسابور» للحاكم من حديث عبد الله بن محمَّد بن عقيل، عن أبيه، عن جده قال: «لما أسلمت؛ أمرني النَّبي صلى الله عليه وسلم بالاغتسال»، وفي «الحلية» لأبي نعيم عن واثلة قال: «لما أسلمت؛ قال لي النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: اغتسل بماء وسدر، واحلق عنك شعر الكفر»، وفي كتاب «القرطبي» روى عبد الرحيم بن عبيد الله بن عمر، عن أبيه، عن نافع، عن ابن عمر: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلًا أسلم أن يغتسل بماء وسدر) انتهى.
قلت: إذا علمت ذلك؛ ظهر لك أنَّ في الحديث أنَّه عليه السلام أمره بالاغتسال، فلا عبرة بكلامه؛ لأنَّ من حفظ حجة على من لم يحفظ، والمُثبِت مقدم على النافي، وإنما ذكر ذلك ترويجًا لمذهبه.
وقول مالك: (لم يبلغنا
…
) إلخ: يرده ما ذكره إمام الشَّارحين؛ لأنَّه قد ثبت أنَّه عليه السلام أمر بذلك، وهو لا ينافي بلوغه لغيره؛ لأنَّ الحفاظ قد أثبتوه في كتبهم الصِّحاح.
وزاد في الطنبور نغمة العجلوني فزعم أنَّه يحمل كلام مالك على عدم بلوغ الخبر إليه بحسب ظنه، أو لأنَّه لم يثبت عنده، فلا ينافي ما مر، انتهى.
قلت: وهذا فاسد؛ لأنَّ مالكًا قد نفى بلوغ الخبر إليه قطعًا، ولم يقل: بحسب ظني، وكونه لم يثبت عنده؛ ممنوع؛ لأنَّه قال: لم يبلغنا، ولم يقل: لم يثبت عندنا.
وقوله: (فلا ينافي ما مر)؛ أي: الأحاديث الدَّالة على أمره بالاغتسال، بل هو مناف لكلامه؛ لأنَّه قد نفى ذلك، وهو ثابت في الأحاديث الصِّحاح، فكيف لا ينافيه وما ذا إلا تعصب بارد من ذهن شارد؛ فليحفظ.
وقال إمام الشَّارحين: (وفي الحديث: أسر الكافر وجواز إطلاقه، وللإمام في حق الأسير العاقل القتل، أو الفداء، أو الاسترقاق، أو الإطلاق منًّا عليه.
وفيه: جواز ربط الأسير في المسجد، وزعم القرطبي يمكن أن يقال: إنَّ ربطه بالمسجد؛ لينظر حسن صلاة المسلمين واجتماعهم عليها، فيأنس ذلك).
قلت: يوضح هذا ما رواه ابن خزيمة في «صحيحه» عن عثمان بن أبي العاص: أنَّ وفد ثقيف لما قدموا؛ أنزلهم النَّبيُّ عليه السلام المسجد؛ ليكون أرق لقلوبهم، وقيل: يمكن أن يكون ربطه في المسجد؛ لأنَّه لم يكن له موضع يربط فيه إلا المسجد.
ثم قال: (وأخذ ابن المنذر من هذا الحديث: جواز دخول الجنب المسلم المسجد، وأنَّه أولى من المشرك؛ لأنَّه ليس بنجس بخلاف المشرك) انتهى.
قال العجلوني: (وهذا القول في غاية الضعف والغرابة) انتهى.
قلت: ليس هذا القول بأضعف من قول إمامه الشَّافعي: في جواز دخول المسلم الجنب المسجد على وجه المرور، بل هو غريب أيضًا؛ لأنَّ المرور دخول وزيادة، وقد قال عليه السلام في الحديث الصَّحيح:«لا أُحِل المسجد لحائض ولا جنب» ، وهو محكم لا يحتمل غيره، وقوله تعالى:{إِلَّاعَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43]؛ فمعناه: أي: مسافرين، باتفاق المفسرين؛ فليحفظ.
(77)
[باب الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم]
هذا (باب) : حكم نصب (الخَيْمة)؛ بفتح الخاء المعجمة، وسكون التحتية: البيت المستدير، أو الذي على ثلاثة أعواد أو أربعة يلقى عليها الثمام، ويستظل بها في الحر والمطر، أو هي كل بيت يبنى من عيدان الشجر، والجمع: خيمات، وخيام، وخيم؛ بالفتح، وكعنب كما في «القاموس» ، (في المسجد للمرضى)؛ أي: لأجلهم، وهو جمع مريض من نزل به المرض (وغيرهم)؛ أي: من ذوي العاهات والحاجات، وتقديرنا الحكم أولى من تقدير الجواز كما فعل العجلوني، وإن كان المراد بالحكم الجواز؛ لحديث الباب، إلا أنَّ الحكم أعم؛ لشموله الجواز وغيره؛ فافهم.
[حديث: أصيب سعد يوم الخندق في الأكحل]
463 -
وبالسند إلى المؤلف: (حدثنا زكريا) : يجوز فيه المد والقصر (ابن يحيى) : هو ابن عمر أبو السكين الطائي الكوفي، قاله إمام الشَّارحين، وتبعه ابن حجر، وقال القسطلاني:(هو البلخي اللؤلؤ الحافظ) انتهى، وتقدم في باب (إذا لم يجد ماءً ولا ترابًا) أنَّه اختلف فيه، ومال الغساني والكلاباذي هناك: أنَّه زكريا بن يحيى بن صالح اللؤلؤ البلخي، المتوفى سنة ثلاثين ومئتين، ومال إمام الشَّارحين وابن حجر: أنَّه زكريا بن يحيى بن عمر الطائي الكوفي أبو السكين، المتوفى سنة إحدى وخمسين ومئتين، فالخلاف هناك جارٍ ههنا؛ فليحفظ، وكل
(1)
منهما شيخ للبخاري، ويروي عن عبد الله المذكور؛ فليحفظ.
(قال: حدثنا عبد الله بن نُمَيْر) بِضَمِّ النُّون، وفتح الميم، وسكون التحتية، هو الكوفي (قال: حدثنا هشام) هو ابن عروة، (عن أبيه) هو عروة بن الزُّبير بن العوام المدني، (عن عائشة) هي الصديقة بنت الصديق الأكبر رضي الله عنهما: أنَّها (قالت: أُصيب) بِضَمِّ الهمزة، مبنيًّا للمجهول (سَعْد)؛ بسكون العين المهملة: هو ابن معاذ أبو عمرو سيد الأوس، بدري كبير، قال أبو نعيم: مات سنة خمس في شوال، وكذا قال ابن إسحاق، ونزل في جنازته سبعون ألف مَلَك ما وطئوا الأرض قبل، واهتز له عرش، وفي رواية: العرش.
فإن قلت: ما وجه اهتزاز العرش له؟
قلت: أجيب عنه بأجوبة؛ الأول: أنَّه اهتز استبشارًا لقدوم روحه، الثاني: أن المراد: اهتزاز حملة العرش ومن عنده من الملائكة، الثالث: المراد بالعرش: الذي وضع عليه، وسيأتي عند البخاري: أنَّ رجلًا قال لجابر بن عبد الله: إنَّ البراء بن عازب يقول: اهتز السرير، فقال: إنَّه كان بين هذين الحيين ضغائن، قال ابن الجوزي وغيره: يعني بالحيين: الأوس والخزرج، وكان سعد من الأوس، والبراء من الخزرج، وكل منهم لا يقر بفضل صاحبه عليه، قال صاحب «التلويح» : وفيه نظر من حيث إنَّ سعدًا والبراء كل منهما أوسي، وإنما أشكل عليهم فيما أرى أنَّه رأى في نسب البراء بن عازب بن الحارث بن عدي بن جشم بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج، وسعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث الأوسي، فظن أنَّ الخزرج الأول هو أبو الخزرجيين ففرق بينهما، وإنما هو الخزرج أبو الحارثين المذكورين في نسبهما، وهو ابن عمرو بن مالك بن الأوس بن حارثة،
(1)
في الأصل: (وكلًّا).
كذا ذكر نسبهما ابن سعد، وابن إسحاق، وخليفة، وآخرين.
(يوم الخندق) ويسمى: الأحزاب، وكان في ذي القعدة، ذكره ابن سعد، وقال موسى بن عقبة:(في شوال سنة أربع)، وقال ابن إسحاق:(في شوال سنة خمس)، وذكر أبو عمرو أن سعدًا مات بعد الخندق بشهر، وبعد قريظة بليال، كذا في «عمدة القاري» ، (في الأَكْحل)؛ بفتح الهمزة، والحاء المهملة، بينهما كاف ساكنة، على وزن (الأفعل) : عرق في اليد، ويقال له: النساء في الفخذ، وفي الظَّهر: الأبهر، قاله في «المخصص» و «المجمل» ، وقيل: الأَكحل: عرق الحياة، ويدعى: نهر البدن، وفي كل عضو منه شعبة لها اسم على حدة، فإذا قطع من اليد؛ لم يرق الدم، وفي «الصِّحاح» :(هو عرق في اليد يفصد، ولا يقال: عرق الأكحل)، قاله إمام الشَّارحين.
قلت: فقول العجلوني: (هو عرق في وسط الذراع)؛ غير ظاهر؛ لأنَّه مخالف لكلام أهل اللُّغة؛ فافهم.
قال إمام الشَّارحين: رماه رجل من قريش يقال له: حبان ابن العرقة، وهو حبان بن أبي قيس من بني معيص
(1)
بن عامر بن لؤي، والعرقة: هي أم عبد مناف، واسمها قلابة بنت سعد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص، سميت العرقة؛ لطيب ريحها، فيما ذكره الكلبي، وقال أبو عبيد بن سلام:(العرقة: هي أم حبان، وتكنى: أم فاطمة)، قال السهيلي:(وهي جدة خديجة، أم أمها هالة) انتهى؛ فليحفظ.
(فضرب النَّبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد)؛ أي: النَّبوي، فاللَّام فيه للعهد، و (ضرب) يستعمل لمعاني كثيرة، وأصل التركيب يدل على الإيقاع، والباقي يستعمل ويحمل عليه، وههنا المعنى: نصب خيمة وأقامها على أوتاد مضروبة في الأرض، والخيمة: بيت تبنيه العرب من عيدان الشجر، والجمع: خيمات وخيم؛ مثل: بدرة وبدر، والخيم مثل الخيمة، والجمع: خيام؛ مثل: فرخ وفراخ، وعند أبي نعيم الأصبهاني:(ضرب له النَّبي صلى الله عليه وسلم خباء في المسجد)، والخباء: واحد الأخبية، هو من وبر أو صوف، ولا يكون من شعر، وهو على عمودين أو ثلاثة، وما فوق ذلك؛ فهو بيت، كذا قاله إمامنا الشَّارح.
قلت: وضرب الخيمة إنَّما كان لسعد؛ (ليعوده) أي: النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم (من قريب)؛ أي: من مكان قريب له عليه السلام، وذلك لمحبته لسعد ولعيادة المرضى؛ فليحفظ، (فلم يَرُعْهم)؛ بِضَمِّ الرَّاء، وفتح التحتية أوله، وسكون العين المهملة، من الروع؛ وهو الفزع، يقال: رعت فلانًا، وروعته فارتاع؛ أي: أفزعته ففزع، وقال الخطابي: الروع: إعظامك الشيء وإكباره فترتاع، قال: وقد يكون من خوف، وفي «المحكم» : الروع، والرواع، واليروع: الفزع، راعني الأمر روعًا ورووعًا -عن ابن الأعرابي كذلك حكاه بغير همز، وإن شئت؛ همزت-، وارتاع منه وله، وروَّعه فتروَّع، ورجل روع ورائع متروع، كلاهما على النسب.
والمعنى ههنا: فلم يرعهم؛ أي: لم يفزعهم إلا الدم، وقال الخطابي:(والمعنى: أنَّهم بينا هم في حال طمأنينة وسكون حتى أفزعهم رؤية الدم فارتاعوا له)، كذا قرره إمام الشَّارحين.
وزعم العجلوني أنَّه يجوز في (يرعهم) ضم أوله، وكسر الرَّاء، على أنَّه من أراع؛ بمعنى: أفزع، انتهى.
قلت: هو غير ظاهر؛ لأنَّ الرواية لا تساعده، ولأنَّ المعنى عليه غير ظاهر؛ فتأمل.
(وفي المسجد) أي: النَّبوي (خيمة) أي: أخرى (من بني غِفار)؛ بكسر الغين المعجمة، وتخفيف الفاء، آخره راء: هم من كنانة رهط أبي ذر الغِفاري، والجملة معترضة بين الفعل -أعني:(لم يرعهم) - والفاعل؛ أعني: قوله: (إلا الدم)، وجوز العجلوني كون الجملة حالًا.
قلت: هو غير ظاهر، وكونها معترضة هو الصَّواب، ولهذا اقتصر عليها إمام الشَّارحين؛ فافهم.
(يسيل إليهم)؛ أي: إلى بني غِفار؛ لأنَّ خيمتهم كانت أنزل من خيمة سعد، قال إمامنا الشَّارح:(وهذه الخيمة كانت لرقية الأنصارية، وقيل: الأسلمية، وكانت تداوي الجرحى، وتحتسب بخدمتها من كانت به ضيعة من المسلمين) انتهى.
(فقالوا) أي: بنو غِفار: (يا أهل الخيمة؛ ما هذا الذي يأتينا من قِبَلكم؟)؛ بكسر القاف، وفتح الموحَّدة؛ أي: من جهتكم، وكلمة (ما) استفهامية، والإشارة إلى الذي يسيل، فاستفهامهم إنَّما كان عن ذات الذي يسيل إليهم؛ لأنَّهم لم يعلموا كونه دمًا أو غيره؛ لوقوعه ليلًا؛ يعني: فإن كان نجسًا؛ احترزنا منه، وإلا؛ فنحفظ ثيابنا منه أيضًا لتلوثها.
وقول العجلوني: (واستفهامهم إمَّا عن ذات الآتي، وإمَّا عن سببه إن علموه)؛ لا وجه لتردده، والاحتمال الثاني بعيد؛ لأنَّ استفهامهم إنَّما كان عن ذاته ما هو؟ أنجسٌ أم ماء طاهر؟ لأجل الاحتراز عنه، ويدل عليه الإشارة في قوله:(ما هذا؟)؛ فافهم.
(فإذا سعد يغذو)؛ بالغين والذَّال المعجمتين؛ أي: يسيل، وهو فعل مضارع، من غذا العرق نفسه، يغذوغذوًا
(2)
غذوانًا؛ إذا سال، وكل ما سال؛ فقد غذا، والغذوان: المسرع، كذا في «عمدة القاري» .
وقيده الخطابي بالدوام، فقال:(غذا الجرح: سال ودام سيلانه) انتهى.
قلت: وهذا القيد غير لازم؛ لأنَّ أئمة اللُّغة لم يقيدوه بالدوام، فإنَّ مجرد السيلان كاف، كما هو ظاهر لفظ الحديث، فهذا القيد من عنده، وهو غير مقبول؛ فافهم.
وقوله: (جُرحُه) بِضَمِّ الجيم، مرفوع؛ لأنَّه فاعل (يغذو)(دمًا) منصوب على التمييز، (فمات) أي: سعد (فيها)؛ أي: في الخيمة، أو في الجراحة التي الجرح بمعناها، أو في المرضة على أنَّ (في) للسببية، وفي رواية الأربعة:(منها)؛ أي: الجراحة أو المرضة، ونسب هذه الرواية إمام الشَّارحين للكشميهني والمستملي، ومطابقة الحديث للتَّرجمة ظاهرة.
قال إمام الشَّارحين: (وفي الحديث: أن السلطان أو العالم إذا شق عليه النهوض إلى عيادة المريض، يزوره ممن يهمه أمره؛ ينقل المريض إلى موضع يخف عليه فيه زيارته ويقرب منه) انتهى.
قلت: وفي الحديث: استحباب عيادة المريض للحديث، ومما وَرَد في الحديث الصَّحيح في حق الزائر قوله عليه السلام:«عائد المريض على مخارف الجنة حتى يرجع» ، والمخارف: جمع مخرفة؛ كمرسلة البستان؛ يعني: من فَعَل عيادة المريض؛ فهو على بساتين الجنة.
وقال ابن بطال: (في الحديث: جواز سكن المسجد للعذر، والباب مترجم به).
وقال إمام الشَّارحين: (استدل بالحديث مالك وأحمد على أنَّ النَّجاسة ليست إزالتها بفرض، ولو كانت فرضًا؛ لما أجاز عليه السلام للجريح أن يسكن في المسجد، وبه قال الشَّافعي في القديم.
قلت: لقائل أن يقول: إنَّ سَكَنَ سعد في المسجد كان بعد ما اندمل جرحه، والجرح إذا اندمل؛ زال ما يخشى من نجاسته) انتهى كلامه.
قلت: واستدلالهم بذلك فيما ذكر فاسد؛ لأنَّ هذه القصة واقعة حال، فعليه يحتمل أنهم غسلوه، وهو الظَّاهر من حالهم من حيث استفهام بني غِفار وسؤالهم عن الذي سال إليهم، هل هو نجس أم ماء طاهر؟ فانتظروا بذلك الجواب عن الحال، وأنهم إذا قالوا: نجس؛ يغسلوه؛ فافهم.
ولنا أدلة أخرى على وجوب إزالة النَّجاسة.
وزعم العجلوني أنَّ ما ذكره إمام الشَّارحين هو أحد قولي مالك: أنَّ إزالة النَّجاسة للصلاة سنة، والصَّحيح عنده خلافه، ولا نعرف قولًا فيه لأحمد والشَّافعي في القديم، نعم؛ في رواية عن أحمد: أنَّها واجبة، والصَّحيح: أنَّها شرط، كما في «المنتهى» ، انتهى.
قلت: وما زعمه هذا القائل هو ظاهر الفساد؛ لأنَّ المشهور عن مالك: أنَّ النَّجاسة ليست إزالتها بفرض، وهو المعتمد عندهم، وفي
(1)
في الأصل: (تعيص).
(2)
في الأصل: (نفسه وغذوًا)، ولعل المثبت هو الصواب.